خروج قطر من أوبك سيعقّد الأزمة في الشرق الاوسط.. بلومبيرغ: سيحكم بالفشل على جهود أميركا في مواجهة إيران

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/04 الساعة 08:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/04 الساعة 11:54 بتوقيت غرينتش
إنسحاب قطر من اوبك سوف يزيد الأزمة في الشرق الأوسط/ رويترز

قالت وكالة Bloomberg الأميركية إن حملة عزل قطر التي انطلقت قبل 18 شهراً من جانب السعودية و3 بلدان عربية أخرى بلغت ذروتها بتغريدةٍ للمستشار المقال بالديوان الملكي سعود القحطاني في أغسطس/آب 2018.

كان ذلك حين أخبر سعود القحطاني، أحد كبار مساعدي ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، متابعيه البالغ عددهم 1.36 مليون متابع، بأنَّه "ينتظر بفارغ الصبر والشوق" أنباءً عن مشروع إنشاء قناة مائية يبلغ طولها 40 ميلاً (64.4 كيلومتر تقريباً)، من شأنها تحويل قطر إلى جزيرة ووضع مكب للنفايات المشعة على حدودها، وهو ما سيغير بدوره الخريطة الجيوسياسية للخليج إلى الأبد، حسبما قال تقرير لوكالة Bloomberg الأميركية.

تصدُّع في العلاقات القطرية – الخليجية

وقالت الوكالة إنه لم يُسمَع شيءٌ عن مشروع حفر القناة منذ ذلك الحين، ولم يُؤكَّد رسمياً قط، وأُقيل القحطاني عقب عملية قتل الكاتب بصحيفة The Washington Post الأميركية جمال خاشقجي، بالثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018، داخل القنصلية السعودية في إسطنبول.

لكنَّ إعلان قطر، الإثنين 3 ديسمبر/كانون الأول 2018، مغادرتها منظمة الدول المُصدِّرة للنفط (أوبك)، التي تهيمن عليها السعودية، بحلول الأول من يناير/كانون الثاني 2019، يشي بأنَّ التهديد الذي انطوى عليه مقترح القناة –أي وجود صدعٍ دائم في الخليج- سيحدث على أي حال.

وعلى الرغم  من أن الخطوة التي تأتي بعد مرور 60 عاماً تقريباً على عضوية قطر في المنظمة تؤكد اكتشاف الدوحة أنَّ بإمكانها الصمود بمعزلٍ عن جيرانها، لكنَّ هذا مبعث قلق، لأنَّ الخلاف له بالفعل عواقب غير مقصودة دائمة على الخليج، بل والشرق الأوسط بأكمله.

فطالما استمرَّ العداء، بين قطر مدعومةً من تركيا من ناحية؛ والبحرين ومصر والسعودية والإمارات من الناحية الأخرى، سيحكم ذلك غالباً بالفشل على جهود الولايات المتحدة لإنشاء ما يُسمَّى الناتو العربي، وهو "تحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي" لمواجهة إيران. وعلى الأرجح، سيُؤخِّر ذلك خطط التنويع الاقتصادي التي أطلقتها كل دول الخليج بهدف خلق فرص عمل للسكان الشباب المتزايد سريعاً.

قال جيرالد فايرستاين، السفير الأميركي السابق لدى اليمن ووكيل وزارة الخارجية السابق لشؤون الشرق الأدنى والذي يعمل حالياً بمعهد الشرق الأوسط في واشنطن: "إن كنتم تتطلَّعون إلى لحظة يُتوصَّل فيها لمعاهدة سلام وتُوقَّع في عربة قطار، فإنَّ هذا لن يحدث".

وأضاف فايرستاين أنَّ التوتُّرات بين قطر وبعض جيرانها الخليجيين كانت موجودة قبل زمن طويل من المقاطعة، وتعمَّقت منذ ذلك الحين، وأفضل ما يمكن حدوثه في هذه المرحلة هو إخفاء تلك التوترات. ("عربة القطار" تشير إلى عربة القطار الشهيرة التي شهدت توقيع اتفاقي هدنة كومبين الأول والثاني بمدينة كومبين الفرنسية في الحربين العالميتين الأولى والثانية).

كان وزير الطاقة القطري، سعد شريدة الكعبي، قال الإثنين 3 ديسمبر/كانون الأول 2018، إنَّ الانسحاب من أوبك قرارٌ فني محض وليس مرتبطاً بالمقاطعة.

بسبب موقف قطر من الإسلاميين وملفات أخرى

وقالت الوكالة الأميركية إن المقاطعة التي جاءت في يونيو/حزيران 2017، هدفت إلى تعريف قَطر حجمَها داخل مجلس التعاون الخليجي المؤلَّف من 6 بلدان؛ وذلك عن طريق إثارة أزمة اقتصادية من شأنها أن تجبر الدوحة على اتباع نهج متماشٍ مع السعودية والإمارات في السياسة الخارجية.

جاء على رأس قائمة المطالب وجوب انضمام قطر إليهما في قمع جماعة الإخوان المسلمين ذات التوجه الإسلامي، وهي الجماعة التي تدعمها قطر حالياً في مختلف أرجاء الشرق الأوسط، إلى جانب مطلب تشكيل جبهة موحدة ضد إيران، التي تتشارك معها قطر حقل غاز بحرياً ضخماً.

لكن كلا المطلبين لم يتحقق. وعوضاً عن ذلك، كوَّنت قطر علاقات أوثق مع كلٍّ من إيران وتركيا، إذ ساعدها كلا البلدين المنافسين للسعودية، على التغلب على قطع كل الطرق البرية والجوية بين الدوحة ودول المقاطعة الأربع.

وبدلاً من أن تطرد الدوحة القاعدة العسكرية التركية كما طالبت الدول الأربع، دعت الدوحة تركيا لنشر مزيد من القوات على أرضها، ما يُعزِّز حمايتها في مواجهة هجومٍ سعودي محتمل.

وعملت كذلك الدولتان معاً ضمن سباق التنافس على فرض النفوذ في منطقة القرن الإفريقي، الأمر الذي فاقم الانقسامات في الصومال الهَشّ، إذ تدعم تركيا وقطر الحكومة المركزية ذات التوجه الإسلامي بمقديشو، في حين تدعم الإمارات الولايات الفيدرالية في البلد. وأدَّت المساعدات المتنافِسة من كلا الطرفين إلى تقويض الوحدة في المعركة ضد حركة الشباب الإرهابية.

القمة الخليجية

وفي العراق، أوضح ريناد منصور، الزميل الباحث ببرنامج الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمعهد تشاثام هاوس البريطاني، أنَّ السعودية وقطر وتركيا صعَّدت دعمها المالي والسياسي للفصائل السياسية المتعارضة.

إذ تدعم السعودية رئيس الوزراء السابق حيدر العبادي وشركاءه السُنّة والشيعة المتشككين حيال إيران، وضمن ذلك رجل الدين القوي مقتدى الصدر، في حين تدعم قطر خصومهم الموالين لإيران، بقيادة قائد ميليشيا الحشد الشعبي هادي العامري ورئيس الوزراء العراقي نوري المالكي.

وقال منصور، عبر الهاتف من بغداد: "من الواضح جلياً أنَّ الخلاف الخليجي الداخلي انتقل الآن للعراق".

ومن المقرر أن تجتمع بلدان مجلس التعاون الخليجي الستة في السعودية يوم 9 ديسمبر/كانون الأول 2018. وبعد قمة العام الماضي (2017) الوجيزة التي شهدت حضوراً ضعيفاً، سيشير حضور قائمة كاملة من قادة الدول إلى رغبتهم، على الأقل، في تهدئة الخلاف، وذلك بحسب جورجيو كافيرو، المدير التنفيذي لشركة Gulf State Analytics، وهي شركة لاستشارات المخاطر السياسية المختصة بالشأن الخليجي، مقرها واشنطن. لكنَّه أضاف أنَّ أي وفاق، على الأرجح، سيكون محدوداً.

الصراع على قيادة المنطقة سيظل قائماً بين قطر ودول الحصار

وحسب الوكالة الأميركية، فإن مصر حين استضافت مناورات "درع العرب-1″، الشهر الماضي (نوفمبر/تشرين الثاني 2018) –التي يُنظَر إليها باعتبارها اختباراً تجريبياً لتحالف الشرق الأوسط الاستراتيجي- لم تكن قطر مدعوّة. ويوجد انعدام الثقة، المُسمِّم لأي تحالف، لدى كلا الطرفين. فبحسب كافيرو، أقنعت المقاطعة قادة الدوحة بأنَّهم يواجهون تهديداً أمنياً أكبر، من جانب السعودية والإمارات، مقارنةً بإيران.

علاوة على ذلك، لن يختفي فراغ القوة الموجود في الشرق الأوسط والقرن الإفريقي، والذي تتنافس دول الخليج على ملئه، في الوقت الذي يتراجع فيه دور الولايات المتحدة بالمنطقتين. وفي هذا الصدد، قال كافيرو: "هناك احتمال بأن تتمكَّن تلك الحكومات من تسوية الخلاف المتعلق بالحصار، لكنَّ هذا لن يُغيِّر حقيقة وجود صراع مستمر بينها على جوهر العالم العربي السُنّي".

ومع أنَّ المقاطعة كانت باهظة بالنسبة للدوحة، يُتوقَّع أن يصل النمو الاقتصادي هذا العام (2018) إلى مستوى 2.7% بعدما انخفض إلى 1.6% عام 2017، بالإضافة إلى أنَّ أعمال البناء الخاصة ببطولة كأس العالم 2022 في قطر مستمرة.

وفقاً لألكزيس أنتونيادز، أستاذ الاقتصاد المساعد بكلية الشؤون الدولية التابعة لجامعة جورجتاون في الدوحة، كان من بين دروس فشل الحصار إدراك أنَّ دول الخليج تُمثِّل متنافسين اقتصاديين يواجهون تحديات إصلاحية وديموغرافية متشابهة. وتُقوِّض معدلات التجارة الضئيلة نسبياً بين دول المجلس الاعتماد المتبادل فيما بينها، لكنَّها أيضاً تزيد عائد الإصلاح بين هذه الدول معاً بدل الإصلاح على حساب بعضها الآخر.

ويقول أنتونيادز إنَّ كل دول الخليج لديها رؤى لعام 2030 أو 2020، مثل تلك التي تملكها السعودية، و"كل هذه الدول متشابهة في جوهرها: كيف سنصبح اقتصاداتٍ متقدمة؟". ويضيف: "إما أن هذه الدول سينافس بعضها بعضاً، في محاولة لجعل الكعكة أصغر، عن طريق أخذ حصة أكبر، وإما أنها ستتعاون لجعل الكعكة أكبر".

وطالما بقي الحصار، فسيقع اختيارهم على الاحتمال الأول. 

تحميل المزيد