خلال جولته في دول المغرب العربي، سعى ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، إلى تلميع صورته التي اهتزت بعد قضية مقتل خاشقجي. لكنه وجد نفسه مجبراً على مواجهة الرأي العام في هذه الدول، إذ لم تمر زيارة محمد بن سلمان إلى تونس دون غضب، بينما لم يتمكن من لقاء بوتفليقة خلال زيارة ولي العهد إلى الجزائر ، في الوقت الذي كانت زيارة محمد بن سلمان إلى موريتانيا "مختصرة" جدا..
في الوقت الذي ما زالت فيه قضية قتل الصحافي جمال خاشقجي، عبر مقربين من ولي العهد السعودي بتركيا في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول 2018 تلاحقه، حل بن سلمان يوم 28 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، في بوينس آيرس، ليواجه أسئلة زعماء كبار الدول في العالم خلال قمة العشرين.
غضب شعبي سبق زيارة محمد بن سلمان إلى تونس
وحسب مجلة Jeune Afrique الفرنسية، قبل أن يصل إلى الأرجنتين، استقبل الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، محمد بن سلمان استقبالاً ودياً، حيث قال الرئيس التونسي لضيفه: "أنت لست ضيفاً هنا، بل في منزلك"، كما قام بتقليده وسام الجمهورية.
من جانبه، وصف محمد بن سلمان الرئيسَ التونسي بأنه بمثابة والد له، وهو ما ردّ عليه السبسي: "أفتخر بابن مثلك".
من جانبه، وصف محمد بن سلمان الرئيسَ التونسي بأنه بمثابة والد له، وهو ما ردّ عليه السبسي: "أفتخر بابن مثلك".
يبدو أن محمد بن سلمان، غير المرحب به على الساحة الدولية، حظي بأكثر مما كان يتصوره، حيث أسهم هذا التكريم في نسيانه الصخب الذي هز الشارع التونسي رافضا زيارة محمد بن سلمان إلى تونس .
وعلى بعد بضعة كيلومترات من القصر الرئاسي، كانت هناك لافتة كبيرة على واجهة مقر نقابة الصحافيين تُظهر صورة لمحمد بن سلمان وبيده منشار وكُتب عليها "لا لتدنيس أرض تونس الثورة".
انتشر هذا الشعار بين أطياف المجتمع المدني في تونس، بالإضافة إلى الإسلاميين، الذين يقود ولي العهد السعودي حرباً عليهم في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وقد ذكر المحلل السياسي في قناة "الجزيرة" القطرية، مروان بشارة، أن "ولي العهد يتطلع إلى تبييض سمعته على الساحة الدولية وقد قرر الانطلاق بالعالم العربي.
فبعد أن أدى زياراته إلى ثلاث ديكتاتوريات صديقة، رأى محمد بن سلمان أنه من الضروري زيارة تونس التي تشهد ديمقراطية ناشئة".
بعد إحساسه بالإحراج والإهانة، قرر ولي العهد السعودي أداء زيارة لأعز أصدقائه من بين "الأشقاء العرب"، وتحديداً ناصِحه محمد بن زايد، ولي عهد أبوظبي. ومن ثم، توجه إلى البحرين ومصر.
وقد استمرت زيارة محمد بن سلمان لكل واحدة من هذه الدول 24 ساعة تقريباً، في حين لم تتجاوز زيارة محمد بن سلمان إلى تونس 4 ساعات. ويبدو أن محمد بن سلمان لم يشعر بالارتياح في هذه الدولة التي باتت فيها حرية التعبير مكسباً.
بينما رفض الملك محمد السادس استقبال ولي العهد السعودي
جولة محمد بن سلمان في المغرب العربي أعلن عنها ببرنامج انطلق من تونس ثم نواكشوط في 2 ديسمبر/كانون الأول 2018، والجزائر يوم الأحد 6 ديسمبر/ كانون الأول 2018، ولكنه وصل إلى الجزائر ليلة 2 ديسمبر/كانون الأول بعد أن استمرت زيارته لموريتانيا بضع سويعات.
كما اتصل بالعاهل المغربي لزيارته، لكن الرباط رفضت استقباله، بحجة أن زيارة في شكل توقّف خلال جولة لا تتماشى مع التقارب الوثيق بين المملكتين.
وأفادت مصادر مطلعة بأن هناك خلافاً صامتاً بين المملكتين. فمن جهته، امتنع العاهل المغربي عن الانحياز إلى أحد طرفي الصراع الذي نشب بين السعودية وقطر خلال شهر يونيو/ حزيران من عام 2017.
وقد جاء ردّ الرياض عبر التصويت في يونيو/حزيران عام 2018 لصالح الملف الأميركي ضد المغرب بشأن تنظيم مونديال 2026.
أما سلمان بونعمان، الكاتب والباحث المغربي بالعلاقات الدولية، فاعتبر أن العلاقات بين البلدين "تمر بأزمة صامتة، اختار فيها المغرب أسلوباً وسطاً لا يقوم على التصعيد ولا على المقاطعة".
وأضاف بونعمان لوكالة "الأناضول"، أن "مؤشرات عديدة تؤكد وجود فتور يصل لحد التوتر، منها توقيع المغرب 11 اتفاقية مع قطر في مجالات عديدة، وعدم إبداء المغرب أي موقف تجاه أزمة السعودية مع كندا".
وأوضح بونعمان أن "للمغرب تصوره الخاص لتدبير العلاقات العربية والخليجية، القائم على التضامن والتعاون والمصلحة المشتركة في ظل احترام السيادة دون تبعية لأي طرف مهما وكيفما كان".
وأردف أن "المغرب يرفض الابتزاز والوصاية من أي طرف أو توجه في الأزمات العربية والدولية الراهنة". وشدد بونعمان على أن "المغرب ينبني خياره لتكريس سياسة خارجية متوازنة ومحايدة ومستقلة تدعم الاستقرار والأمن، وتبتعد ما أمكن عن المغامرات والمقامرات".
ترحيب رسمي وغضب شعبي في موريتانيا والجزائر
تم تحديد موعد زيارة نواكشوط منذ شهر، حيث يبدو أن العملية الدبلوماسية لولي العهد السعودي في المغرب الكبير لم تكن ارتجالية عكس ما أظهره الإعلان المتأخر عنها.
وعلى غرار زيارة محمد بن سلمان إلى تونس ، أثار الإعلان عن هذه الزيارة غضباً داخل المجتمع المدني والمعارضة بموريتانيا، خاصةً في صفوف الإسلاميين.
وقد علق محمد جميل ولد منصور، رئيس حزب "تواصل" الإسلامي المقرب من قطر، بأنه "يجب على موريتانيا أن تعرب عن رفضها هذه الزيارة، وأن تقول لا للضيف الذي تلطّخت صورته جراء التهم الخطيرة المتعلقة بجريمة قتل".
لكن ولي العهد السعودي يعي جيداً أن بإمكانه الاعتماد على الرئيس الموريتاني، الذي يعادي الدوحة بشدة، كما سبق أن عبرت الدبلوماسية الموريتانية عن دعمها لمحمد بن سلمان في قضية خاشقجي.
على الجانب الجزائري، أعلنت وزارة الشؤون الخارجية في 25 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018، أنها تدين "بشدةٍ" اغتيال خاشقجي، معربة في الوقت ذاته عن "اقتناعها بأن العدالة السعودية ستكشف كل شيء عن هذه الجريمة"، في ممارسة صعبة للتوازن.
وفي الجزائر أيضاً، تسبب خبر زيارة محمد بن سلمان في إثارة غضب المجتمع المدني والأحزاب الإسلامية، لكن السلطات منعت تنظيم مظاهرات في العاصمة، حيث بدت زيارة محمد بن سلمان للجزائر أقل خطورة بالنسبة له من تونس. لكن، كان يراود الجميع هذا السؤال: هل سيكون بوتفليقة مؤهلاً صحياً لاستقبال الرجل الأول في السعودية؟
لكن مرض الرئيس حرم محمد بن سلمان من لقاء بوتفليقة
كان مبرمجاً لزيارة ولي العهد السعودي للجزائر أن تدوم يومين كاملين (2-3 ديسمبر/كانون الأول 2018) على عكس زيارة محمد بن سلمان إلى تونس التي دامت ساعات، لكن ولي العهد السعودي غادر الجزائر بعد يوم واحد فقط؛ نظراً إلى أنه لم يتمكن من لقاء الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، بسبب حمّى أصابت الأخير.
وعلّق رئيس حزب حركة مجتمع السلم، عبد الرزاق مقري، على هذا الموضوع في حديثه لـ "عربي بوست"، حيث قال: "الحديث عن يومين لزيارة ولي العهد السعودي تضخيم ليس في محله، ونحن نعلم طبيعة مثل هذه الزيارات التي لا تدوم بروتوكولياً سوى ساعات".
ويضيف أن "الظرف الذي يزور فيه محمد بن سلمان الجزائر وبعض الدول العربية، يجعله يبحث فقط عن الأجواء الهادئة وإنهاء الزيارات في أسرع وقت".
وكان وزير الداخلية السعودي، الأمير عبد العزيز بن سعود بن نايف، قد وصل إلى الجزائر في 1 ديسمبر/كانون الأول 2018، على رأس وفد عالي المستوى في إطار الزيارة الرسمية لولي العهد السعودي محمد بن سلمان.
ما جعل زيارة ولي العهد إلى الجزائر "تتقلص"
كان محمد بن سلمان قد وصل للجزائر ليلاً، متجنّباً رد فعل بعض الفاعلين والجمعيات، وكذا الأحزاب التي رفضت الزيارة، حيث كانوا ينوون التجمهر أمام مطار هواري بومدين الدولي.
كما أن زيارة ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، كان مخططاً لها أن تكون في 6 ديسمبر/كانون الأول 2018، لكن الموعد تغير فجأة، وتم إعلان ذلك من قبل رئاسة الجمهورية في الجزائر، ليصبح يوم 2 ديسمبر/كانون الأول 2018.
اعتبر الأستاذ الجامعي والمحلل السياسي، جمال الدين بن فوغال، أن التغيير في موعد الزيارة "ما هو إلا مراوغة من قبل ولي العهد السعودي، لتمرير الزيارة في هدوء، بعيداً عن حملات الرفض التي قام بها بعض السياسيين والإعلاميين والمثقفين".
وقال بن فوغال لـ "عربي بوست": "إن مواعيد الزيارات الرسمية، خاصة الرئاسية والملكية عبر العالم، تكون بمواعيد محددة وأيامها معروفة، فكنا ننتظر الزيارة في 6 ديسمبر/كانون الأول 2018، لكن الظاهر أن محمد بن سلمان راوغ الجميع وقدم الزيارة 4 أيام كاملة".
ويردّ بن فوغال سبب هذه المراوغات في تحديد الموعد "محاولة الأمير بلوغ بر الأمان في زياراته الرسمية، خاصة إلى الدول العربية التي فاحت منها رائحة الرفض من قبل مختلف الهيئات والناشطين".