قمة العشرين كانت اختباراً من نار لمحمد بن سلمان.. أول من حضر وأول من غادر، وأقام في سفارة بلاده خوفاً من احتمالية الملاحقة

عربي بوست
تم النشر: 2018/12/01 الساعة 12:04 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/12/01 الساعة 13:49 بتوقيت غرينتش
قمة العشرين كانت مثار قلق لولي العهد السعودي

قالت صحيفة el pais الإسبانية، إن الجميع رغب في التقاط صورة سيلفي مع ولي العهد السعودي خلال جولته في الولايات المتحدة وأوروبا خلال الربيع الماضي، لكن الآن أصبح التقاط صورة إلى جانبه أمراً محفوفاً بالمخاطر.

وعلى الرغم من عدم وجود مؤشرات تؤكد أن قضية خاشقجي ستُحبط وصول محمد بن سلمان إلى العرش، إلا أن مقتل الصحافي السعودي قد أضرَّ بصورة ولي العهد السعودي على مستوى دولي، وهدَّد برنامجه الطموح المتعلق بالإصلاحات الاقتصادية، حسبما قالت صحيفة el pais الإسبانية.

وفي ظلِّ هذا الوضع، حاول محمد بن سلمان التقاط صور مع زعماء العالم، من أجل بعث رسالة مفادها أنه قد تجاوز الأزمة.

اختبار من نار لولي العهد السعودي في قمة العشرين

الصحيفة الإسبانية قالت إن مشاركة محمد بن سلمان في قمة العشرين، وأول ظهور دولي له منذ مقتل خاشقجي، تحوّلت إلى اختبار من نار. وباستثناء المضيف، ماوريسيو ماكري، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، هل يوجد قادة آخرون يرغبون في عقد اجتماعات فردية مع محمد بن سلمان؟ هل سيقبل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاجتماع بمحمد بن سلمان، الذي طلب ذلك؟ إلى الآن كان لمحمد بن سلمان لقاء برئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي، وأعلن عن اجتماع له مع رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي. أما الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون فقد كان اجتماعه بمحمد بن سلمان موجزاً.

لكن وفقاً للمحلّلين السعوديين أدت زيارة محمد بن سلمان إلى بيونس آيريس إلى "إحباط ادعاءات خصوم السعودية". وبشكل عام تعدّ رحلة محمد بن سلمان، التي تشمل محطات في مختلف البلدان العربية، سواء في الذهاب أو الإياب، بمثابة محاولة إصلاح صورته بعد عملية القتل الوحشية للصحافي المعارض، جمال خاشقجي، في إسطنبول.

ولي العهد نزل في مقرّ السفارة السعودية في الأرجنتين

وقالت الصحيفة، إن ولي العهد السعودي كان أول شخص يصل إلى بيونس آيريس من أجل المشاركة في قمة العشرين، وكان ذلك قبل يومين من بدء فعالياتها. وبعد دقائق من وصوله إلى الأرجنتين، لجأ محمد بن سلمان إلى سفارة بلاده، التي تقع في مبنى فاخر ذي طابع فرنسي، التي تم تعزيز حمايتها بشكل خاص بزجاج مضاد للرصاص على مستوى النافذات، وأيضاً بعدد كبير من رجال الشرطة.

ومنذ وصوله يوم الأربعاء الماضي، لم يُشاهد محمد بن سلمان خارج مبنى السفارة. وخلافاً له تصرَّف قادة آخرون بشكل مغاير تماماً، على غرار ماكرون، الذي تناول وجبة عشائه في مطعم شواء أرجنتيني تقليدي وزار بعض المكتبات.  

كان واضحاً الانزعاج الدولي من ولي العهد السعودي

وحسبما قالت صحيفة el pais الإسبانية، فمنذ خروج محمد بن سلمان من سفارة بلاده في الأرجنتين كان الوضع صعباً بالنسبة لولي العهد. وعلى وجه الخصوص بادر قادة الدول محمد بن سلمان بلفتات صغيرة، تدل على الانزعاج الذي يشعرون به تجاهه بعد مقتل خاشقجي.

كانت صورة القادة العشرين في بداية القمة خير دليل على ذلك، وقد كان التقاط هذه الصورة في بيونس آيريس حدثاً بسيطاً وروتينياً، ترك خلاله محمد بن سلمان في الصف الثاني، وكان آخر شخص يقف على اليمين، كما ترك إلى جانبه مكانين شاغرين بالقرب من رئيس بنك التنمية للبلدان الأميركية، لويس ألبرتو مورينو، ورئيس رواندا، بول كاغامه. علاوة على ذلك كان محمد بن سلمان أول من غادر المكان.  

توبيخ فرنسي ودعم روسي

لكن صحيفة The Financial Times البريطانية قالت إنه قد يكون ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان تلقَّى قليلاً من التوبيخ من جانب الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، لكنَّ الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شدَّ على يديه بحرارةٍ وود.

وكان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أحد أكبر داعمي ولي العهد السعودي طوال الوقت. وخلال القمة جلس بوتين إلى جوار الأمير محمد حول الطاولة الرئيسية، وصافحه بحرارة، وتبادل الرجلان ضحكات خافتة طويلة. ثم ربّت على يده ثلاث مرات.           

وقالت الصحيفة، إن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، المتهم بالاضطلاع بدورٍ رئيس في مقتل الصحافي جمال خاشقجي، في أكتوبر/تشرين الأول المنصرم، لم تفارقه الابتسامة طوال افتتاح قمة مجموعة العشرين في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيريس، أمس الجمعة 30 نوفمبر/تشرين الثاني، بعدما بدا أنَّ رهانه على أنَّ باستطاعته الإفلات من العزلة الدبلوماسية، بل وحتى الاستمتاع بتصحيح صورته دولياً قد آتى ثماره.        

وكان الأمير محمد أكثر ضيوف الرئيس الأرجنتيني ماوريسيو ماكري إثارةً للجدل خلال الملتقى الذي جمع قادة دوليين، إذ تصاعدت موجة واسعة من ردود الفعل الغاضبة، عقب اغتيال النظام السعودي لمنتقده خاشقجي، ومحاولات الرياض التستر على عملية القتل، التي نفَّذتها فرقة اغتيالات في القنصلية السعودية في تركيا.

هناك العديد من العوامل التي تثير قلق ولي العهد

ووفقاً لصحيفة el pais الإسبانية، توجد العديد من العوامل التي تثير قلق محمد بن سلمان في بيونس آيريس. ففي هذه البلاد طالبت منظمة هيومن رايتس ووتش العدالة الأرجنتينية باعتقال محمد بن سلمان بسبب جرائم الحرب التي ارتكبتها السعودية في اليمن.

وفي هذا المطلب الذي وقع بين يدي القاضي أرييل ليخو، حُمل محمد بن سلمان مسؤولية موت خاشقجي. وعلَّلت المنظمة غير الحكومية مطلبها بأنه على الأرجنتين تطبيق العدالة الدولية التي تعترف بها دستورياً. وقد قبل ليخو مطلب هيومن رايتس ووتش، وطلب من كل من تركيا واليمن إعلامه بما إذا أجري في محاكمها تحقيق حول محمد بن سلمان بسبب الجرائم التي أدين بها.

وفي حال لم توجد ملفات قيد المعالجة في هذه البلدان، يمكن للأرجنتين اتخاذ الإجراءات القانونية اللازمة في محاكمها ضد محمد بن سلمان.   

ما زالت قضية خاشقجي تثير أزمة لولي العهد السعودي

وأثارت قضية خاشقجي انتقادات واسعة حول قدرة الأمير الشاب على قيادة أكبر دولة مصدرة للنفط، خاصة أنه في سن الثالثة والثلاثين، وربما يظل في الحكم لعقود. ويوماً بعد يوم، تحول محمد بن سلمان من الحاكم الواعد الذي سيقود بلاده إلى مستقبل أفضل، إلى شخص تعتبره غالبية قادة الديمقراطيات الغربية مثيراً للجدل على أقل تقدير.  

وعلى الرغم من نفي محمد بن سلمان معرفته بمقتل خاشقجي بشكل مسبق، فإن سياسيين ومحللين يشكون في أنه من غير الممكن أن تحدث هذه الجريمة دون درايته؛ نظراً للقوة المطلقة التي اكتسبها منذ وصول والده إلى العرش في عام 2015.

في البداية شغل محمد بن سلمان منصب وزير الدفاع ورئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية السعودي ذي النفوذ القوي. وفي مرحلة تالية، منحه الملك سلمان لقب ولي ولي العهد، وسلمه السيطرة على شركة النفط الحكومية أرامكو. وللمرة الأولى أصبحت هذه الشركة العملاقة تحت قبضة أمير سعودي. من جانب آخر، لم يتراكم لدى أي فرد من أفراد العائلة المالكة السعودية هذا الحجم من النفوذ والسلطات.  

وخلال هذا الصعود في سلم الخلافة، لم يهمش محمد بن سلمان فقط فروع آل سعود الأخرى، الذين كانوا حتى ذلك الوقت يتقاسمون السلطة فيما بينهم، بل عمد أيضاً إلى الحدّ من عدد مستشاريه إلى مجموعة صغيرة من الموالين الذي يعملون مثل متحدثين باسم محمد بن سلمان، أكثر من اعتبارهم قوة موازنة.

فهي القضية التي قصمت ظهر البعير

وقالت صحيفة el pais الإسبانية إن قضية خاشقجي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير، خاصة أن محمد بن سلمان قد ارتكب مسبقاً أخطاء فادحة في السياسة الخارجية التي تتبعها بلاده، انطلاقاً من الحرب في اليمن، ووصولاً إلى الحصار على قطر. علاوة على ذلك، قادت عملية تطهير الأمراء ورجال الأعمال السعوديين، العام الماضي، إلى فقدان ثقة المستثمرين في هذه البلاد.  

انتهت حملة تطهير الأمراء السعوديين بدفع المعتقلين أكثر من 100 مليار دولار، وفقاً للأرقام الرسمية. أما الجانب الذي أرادت السعودية إخفاءه، فيتمثل في خروج قياسي لرأس المال قدر بحوالي 90 مليار دولار. من الصعب تقدير الأسباب التي دفعت ولي العهد إلى استبعاد الاستثمارات الأجنبية التي كان يسعى إلى جذبها، من أجل تحرير بلاده من الاعتماد على النفط. وإن كانت عملية التطهير قد أدت إلى تبريد هذه الخيارات، فيمكن اعتبار أن مقتل خاشقجي قد جمدها.   

في الواقع، لجأت المملكة العربية السعودية من جديد إلى البترودولارات من أجل شراء موالين لها داخل وخارج البلاد. وخلافاً لبرنامج التقشف الذي روّج له محمد بن سلمان منذ تسلمه مقاليد السلطة، عمد والده مؤخراً إلى توزيع مبالغ ضخمة على العديد من المحافظات السعودية، خلال جولة قام بها بشكل مفاجئ للمرة الأولى منذ توليه الحكم.

في نفس الوقت، تحاول الرياض تعزيز دائرة المؤيدين لها في العالم العربي، وهو ما برهنت عليه بتحويل قيمة 60 مليون دولار للسلطة الفلسطينية، أو المزايا التي قدمها محمد بن سلمان إلى تونس، إحدى محطاته في الطريق إلى بيونس آيريس، حيث وعد بإقراضها مبلغاً قيمته 500 مليون دولار وتمويل مشروعين بقيمة 140 مليون دولار.   

في المقابل، إذا تجاهل الرئيس التونسي الباجي قايد السبسي الدور السعودي الجلي في سحق ثورات الربيع العربي، بسبب المساعدة الاقتصادية التي هو في أمس الحاجة لها، لم يتردد المجتمع المدني التونسي في التعبير عن انزعاجه من زيارة محمد بن سلمان.

وقد كان التونسيون أول الشعوب العربية التي تظاهرت ضد زيارة ولي العهد السعودي، في تناقض واضح مع دول أخرى زارها محمد بن سلمان، على غرار الإمارات العربية المتحدة، والبحرين، ومصر، البلدان التي لا توجد فيها إمكانية للتعبير عن أدنى حد من المعارضة لمحمد بن سلمان، وهو الحال أيضاً في المملكة العربية السعودية.

ولا تعد الاحتجاجات في تونس عبثاً، فهي الدولة التي اندلعت منها شرارة الربيع العربي. وفي الجزائر ينتظر أن يبادر المجتمع المدني بنفس الاحتجاجات خلال زيارة ولي العهد لهذه البلاد، في طريقه للعودة إلى بلاده من بيونس آيريس.     

تحميل المزيد