قالت صحيفة The Guardian البريطانية، إن حضور ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان قمة مجموعة العشرين الأسبوع المقبل، في العاصمة الأرجنتينية بيونس آيريس، سيضع زعماء العالم أمام لحظة من لحظات الاختبار الحقيقية، التي يُفضِّلون ألا يتعرَّضوا لها، كما أنه يمكن أن يلقي الإنتربول القبض عليه في حال قُدمت شكوى ضده.
وبحسب الصحيفة البريطانية، فإن القوى الغربية مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وفرنسا سعيدةٌ بمواصلة مبيعات الأسلحة إلى الرياض، على الرغم من المجازر التي يشهدها اليمن، والتي تُهدِّد بأسوأ مجاعة شهدها العالم خلال جيلٍ واحد، والسعودية عليها مسؤوليةٌ ثقيلة في ذلك.
وحتَّى بعد الغضب الدولي العارم إزاء مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، في مقر قنصلية بلاده، استمرّت تجارة الأسلحة التي تُقدَّر بمليارات الدولارات دون انقطاع.
ومع ذلك، فإنَّ التقاط الصور إلى جانب ولي العهد في الأرجنتين سيكون بمثابة كابوس سياسي لمعظم الزعماء الآخرين في مجموعة العشرين.
أطفال يقتلون في اليمن
وتُقدِّر منظمة Save the Children أنَّ 85 ألف طفل دون سن الخامسة قد ماتوا في اليمن، بسبب الجوع الشديد أو المرض، منذ أن بدأت الحرب قبل حوالي أربع سنوات، وأنَّ ما يصل إلى 14 مليون شخص يواجهون خطر المجاعة، ويرجع ذلك إلى حدٍّ كبير إلى تضييق الخناق الذي فرضه التحالف بقيادة السعودية على الاقتصاد اليمني. وتتزايد الأدلة الدامغة على تورُّط الديوان الملكي السعودي في عملية القتل المروعة لخاشقجي يوماً بعد يوم.
وقال بروس ريدل، المسؤول المخضرم بوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، وهو الآن زميلٌ بارز في معهد بروكينغز البحثي: "إنَّها لحظةٌ مهمة، نحن أمام ولي عهد لا يُمثِّل مقتل خاشقجي سوى جزءٍ واحد من سياساته الطائشة والخطيرة في جميع أنحاء المنطقة؛ في اليمن ولبنان وغيرهما… في اليمن نحن بصدد ملايين الناس المعرَّضين للمخاطر، هل سيفعل قادة المجتمع الدولي أيَّ شيءٍ حيال ذلك؟"، بحسب الصحيفة البريطانية.
في وقتٍ سابق من هذا الأسبوع، أوضح دونالد ترامب أنَّ أياً من هذه الأمور لن تدعوه إلى التوقُّف. جاء ذلك في بيانٍ له يُعَدُّ أغرب بيانات السياسة الخارجية في تاريخ الرئاسة الأميركية، إذ جاء مليئاً بعلامات التعجُّب والتصريحات الخاطئة. وبإثارته الشكوك حول استنتاجات الاستخبارات الأميركية التي نُشِرَت على نطاقٍ واسع حول مقتل خاشقجي، وإلقائه باللوم الكامل على إيران لما يحدث في اليمن، رهَن ترامب المصالح القومية الأميركية بالرياض، كما تقول الصحيفة البريطانية.
أميركا أصبحت هي الزبون
وعلى مدار عقود، كان يُنظَر للمملكة العربية السعودية في الشرق الأوسط كدولةٍ زبونةٍ للولايات المتحدة، لكنَّ ترامب قلب تلك النظرة التقليدية رأساً على عقب؛ فمن خلال "تبريره الوقح" لدعمه غير المشروط للسعودية، على أساس مبيعات الأسلحة (المبالغ فيها بشدة) والتأثير السعودي على سعر النفط العالمي، جعل ترامب الولايات المتحدة هي الزبون.
النقاط التي تحدَّث عنها ترامب في بيانه من قبيل أنَّ الولايات المتحدة ستخسر مبيعاتها ووظائفها لصالح روسيا والصين، ورفع أسعار النفط بمقدار 150 دولاراً للبرميل، ووصفه خاشقجي بأنَّه "عدو للدولة"، وعضو في جماعة الإخوان المسلمين، كلها مأخوذة مباشرة من تهديدات ولي العهد لجون بولتون، مستشار الأمن القومي الأميركي، وجاريد كوشنر صهر الرئيس، في مكالمةٍ هاتفية صدامية أُجرِيَت الشهر الماضي أكتوبر/تشرين الأول، عقب مقتل الصحافي، وفقاً لمصادر مُطَّلِعة على المكالمة.
وأعلن ترامب عن سعادته لمصافحة محمد بن سلمان، وذلك إذا حضر الزعيم السعودي البالغ من العمر 33 عاماً قمة مجموعة العشرين، لكنَّ حماسة الرئيس الأميركي قد تكون استثناءً.
وقالت سارة ليا ويتسن، مديرة قسم الشرق الأوسط في منظمة هيومان رايتس ووتش: "آمل أن يكون هناك بعض الأشخاص الشجعان على هذا الكوكب لينصحوا محمد بن سلمان بأنَّه ربما ليس من مصلحته أن يذهب إلى قمة مجموعة العشرين. وأي شخص يقابله بالصدفة يجب أن يطرح عليه قائمةً بالأسئلة التي يرغب الناس أن يسمعوا إجاباتها منه".
من المُقرَّر أن يحضر الرئيس التركي رجب طيب أردوغان القمة أيضاً، في بيونس آيريس، ويمكن التكهُّن بأنَّه سيستخدمها كمنصةٍ للمطالبة بالمساءلة عن مقتل خاشقجي. كان حزبه قد سخر من بيان ترامب الداعم لمحمد بن سلمان، ووصفه الحزب بـ "الهزلي".
ومن المرجح أن تبقى أنجيلا ميركل على بُعد من الأمير، بعد أن قطعت بالفعل مبيعات الأسلحة الألمانية (القليلة بالفعل) للمملكة السعودية، وأصدرت حظر سفر لأوروبا لـ18 سعودياً يُشتبه في تورُّطهم في مقتل خاشقجي.
معضلة ماي وماكرون أعمق
وبحسب الصحيفة البريطانية، فبالنسبة إلى تيريزا ماي وإيمانويل ماكرون، فالمعضلة أعمق؛ إذ لا تزال حكومتاهما تبيع الأسلحة للسعوديين، الذين يستخدمونها في حرب اليمن. وسوف يزداد التركيز على أخلاقيات إتمام هذه المبيعات بحكم صلتها بمحمد بن سلمان، في الوقت الذي لا يحظى فيه الزعيمان بشعبيةٍ كبيرة في الداخل.
وتسعى المملكة المتحدة إلى حشد الدعم في مجلس الأمن، التابع للأمم المتحدة، من أجل وقف إطلاق النار لأسبابٍ إنسانية، واستئناف توصيل الإمدادات الغذائية والطبية، وهو الجهد الذي يحول محمد بن سلمان وحلفاؤه دون تحقيقه على أرض الواقع. وقد أُرجِئ التصويت حتى الأسبوع المقبل على أقرب تقدير، في حين صعَّدت قوات التحالف بقيادة السعودية من عملياتها العسكرية في مدينة الحديدة المينائية.
وقال نيكولاس بيرنز، وكيل وزارة الخارجية الأميركية للشؤون السياسية سابقاً: "أتخيل محمد بن سلمان وهو يُستَقبَل بحفاوةٍ من ترامب ومن القادة السلطويين في بيونس آيريس. سيُترَك الأمر لكلٍّ من ميركل وماكرون وماي وترودو ليظهروا في صورة مناصري الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وسيادة القانون، ويتجنَّبوا مصافحته".
والأربعاء 21 نوفمبر/تشرين الثاني، قال المضيفون الأرجنتينيون لقمة مجموعة العشرين، التي ستُعقَد يوميّ 30 نوفمبر/تشرين الثاني، و 1 ديسمبر/كانون الأول، إنَّ محمد بن سلمان لا يزال على قائمة الضيوف، لكنَّه قد يعيد النظر في الأمر. المخاطر ليست سياسية ودبلوماسية فقط.
من الناحية النظرية، قد يواجه محمد بن سلمان خطراً قانونياً بموجب مبدأ الولاية القضائية العالمية، الذي يسمح للنيابة العامة في أيِّ بلدٍ بطلب اعتقال الأفراد المشتبه في ارتكابهم جرائم خطيرة مثل الإبادة الجماعية، أو التعذيب، أو الإعدام خارج نطاق القضاء، بغضِّ النظر عن مكان ارتكاب الجرائم.
وقد قُدِّمَت بالفعل ثلاث دعاوى قضائية عالمية في الأرجنتين، تعلَّقَت بالحرب الأهلية الإسبانية، والإبادة الجماعية للأرمن، وقضية فلسطين. وقالت منظمات حقوقية في بيونس آيريس إنَّه لا توجد لديهم خطط لطلب إلقاء القبض على محمد بن سلمان.
غير أنَّ المحامين يمكن أن يتهموه في محكمةٍ أوروبية، ثم يطلبون القبض عليه من خلال المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول) في بيونس آيريس.
وقالت ويتسن: "هناك خطرٌ كبير من تقديم شكاوى ضده، وكونه ليس رئيس دولته يعني أنَّه لا يستطيع الاستفادة من أية حصانة".