أشعلت «الربيع العربي» والآن تُستخدم في التلاعب بالشعوب.. كيف نجح الحكام في استخدام شبكات التواصل الاجتماعي لكسب الدعم

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/22 الساعة 16:27 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/22 الساعة 16:27 بتوقيت غرينتش
ميدان التحرير بمصر في 25 يناير 2011

أصبحت حكومات الشرق الأوسط تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي لحشد الدعم المحلي والأجنبي لسياساتها، وذلك بعدما كشف الربيع العربي دورها الكبير في تأجيج الشارع.

تستخدم الأداة نفسها، التي كانت يوماً سلاح المنتقدين والمعارضين، في حرب المعلومات الجديدة، حيث الأفكار أخطر من السلاح.

ومنذ ثورات الربيع العربي التي اجتاحت المنطقة في عام 2011، تسعى جهات داخل دول مثل السعودية وإيران لاستخدام شبكات التواصل من أجل التأثير على الخطاب المتداول داخلياً وتقويض محاولات المنافسين في الخارج.

فكيف يتطور هذا العصر الجديد من المعارضة عبر الإنترنت والجيوش الإلكترونية؟

حكومات الشرق الأوسط تستخدم شبكات التواصل .. خبراء يحللون

بينما تُهيمن الحرب المستعِرة في سوريا واليمن على الأخبار في الشرق الأوسط خلال الأعوام الأخيرة، اتخذ الرأي العام الدولي مستوى جديداً من الأهمية بالنسبة للجهات الفاعلة الإقليمية المتورطة في هذا الصراع.

وتُعَد شبكات التواصل الاجتماعي ضمن المؤثرات الرئيسية في هذا الرأي العام.

فهي أداة أجرت تحوُّلاً جذرياً في الاتصالات العالمية والطريقة التي تشارك بها مجتمعاتنا المعلومات والأفكار.

وقد بحثت مناقشةٌ دارت في 16 نوفمبر/تشرين الثاني، في مركز National Interest ما يُعرف بـ "حرب المعلومات" في الرأي العام، التي نشبت على الإنترنت بالتوازي مع عددٍ من الصراعات المحتدمة في المنطقة.

وأدار المناقشة غيلمان بارندولار، مدير قسم دراسات الشرق الأوسط في مركز ناشيونال إنترست.

انضم إلى المناقشة خالد الجابر، مدير معهد MENA Institute، وهو أيضاً أستاذ مساعد زائر في جامعة قطر وجامعة نورث وسترن في الدوحة، بالإضافة إلى نيكي أكهافان، أستاذة الإعلام ورئيسة قسم دراسات الإعلام في الجامعة الكاثوليكية بأميركا.

تتهمها أنظمة بأنها منفذ الغرب ولكنها تستغلها لاستمالة الرأي

تُعَد إدارة شبكات التواصل الاجتماعي عملية مُوازِنة تتبنَّاها الأنظمة الاستبدادية (أو شبه الاستبدادية) في الشرق الأوسط، التي تعسى للسيطرة على الخطاب المحلي على الإنترنت وحمايته من التأثيرات الخارجية.

فيما تسعى في الوقت ذاته لاستخدام شبكات التواصل الاجتماعي لاستمالة الرأي العام الدولي.

ولنضرب مثالاً بالتجربة الإيرانية، فحسبما ذكرت أكهافان "تبنَّت (إيران) دائماً هذا الموقف المتناقض فيما يتعلق بوسائل الإعلام التقليدية وشبكات التواصل الاجتماعي".

إذ أعربت دائماً عن مخاوفها من أن يستخدم أعداؤها شبكات التواصل الاجتماعي لغزوها ثقافياً، لكنَّها اعترفت أيضاً بقوة هذه الشبكات لمساعدتها في المضي قدماً بأجندتها الخاصة.

فاندلعت ثورة حكومية مضادة للرد على المنتقدين

جلبت شبكات التواصل الاجتماعي في البداية الأمل إلى الشرق الأوسط.

إذ خلق الربيع العربي، الذي قام جزئياً عبر الخطاب والتنظيم على الإنترنت، انفتاحاً جديداً.

أتاح هذا الانفتاح توجيه النقد إلى الحكومات الاستبدادية، التي كانت في الماضي حصينةً ضد مساءلة الرأي العام.

ومثلما ذكر خالد الجابر: "مثَّلت تلك الشبكات منصةً مختلفة، ولم تستطع الحكومات السيطرة عليها بإحكام بالطريقة التي تفعلها مع وسائل الإعلام الأخرى".

بيد أنَّه لم يمض وقت طويل قبل اندلاع "ثورة حكومية مضادة"، مدفوعةً بارتفاع الأصوات المنتقدة على شبكات التواصل الاجتماعي، حسبما قال الجابر.

وأضاف أنَّ الحكومات في المنطقة صارت تهيمن هيمنة متزايدة على منصات التواصل الاجتماعي، مستخدمة الجيوش الإلكترونية (أو ما يعرف بالمتصيدين) للتأثير في الجدال الدائر بين الجمهور.

إيران روّجت لتدخلها في سوريا على أنه ضرورة ضد الإرهاب

وعلى الجانب الآخر، تستخدم  بعض الحكومات كذلك شبكات التواصل الاجتماعي لحشد الدعم المحلي والأجنبي لسياساتها.

إذ صورت إيران تدخُّلها في سوريا على أنه ضرورة لمواجهة الإرهاب والتطرف، بينما تجنَّبت بدرجة كبيرة تسليط التركيز على مشاركتها في اليمن، بل سلطت التركيز على هذا الصراع باعتباره كارثةً إنسانية، أثارتها منافستها الإقليمية السعودية.

وذكرت أكهافان أنَّ إيران تفعل ذلك لأنَّ نظام الأسد يشتهر بأنَّه وحشي حتى في الفضاء الإلكتروني الإيراني، ولذا تضع الدولة مشاركتها في إطار جهود مكافحة الإرهاب بدلاً من اعتبارها حملةً لدعم الأسد.

فتعرض دائماً صوراً لداعش كمبرر لتدخلها العسكري

وتعكس منصات التواصل الاجتماعي الموالية لإيران ذلك، إذ تركز على تهديدات الإرهاب.

تعرض بانتظام صوراً عنيفة لمقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، والجنود الشهداء الذين قُتلوا على يد المتطرفين، والصور الرسمية للقادة الإيرانيين الذين يشاركون في الصراع لتوفير نوع من القوة والاستقرار.

وفي المقابل تهاجم السعودية لتدخلها باليمن

وعلى النقيض من هذا، ففي تغطية مُشاركة إيران في اليمن، استمرت المنصات الموالية لإيران على شبكات التواصل الاجتماعي في تسليط الضوء على الدور السعودي (ودور الولايات المتحدة بطريقةٍ غير مباشرة) في إحداث أزمة إنسانية داخل اليمن الفقير.

ويبدو أنَّ هناك إجماعاً في الساحة السياسة الإيرانية على أن الحرب في اليمن تستحق الاستنكار من الناحية الأخلاقية.

وهناك إجماع أنَّ الدور السعودي في الصراع لم يُسفر إلَّا عن تفاقم المعاناة الإنسانية.

وقالت أكهافان إنَّ إيران، بتوظيفها الصور البشعة، تستخدم شبكات التواصل الاجتماعي لعرض وجهة نظرها حول الصراعات في سوريا واليمن.

بيد أنَّ طهران تتعامل مع كل حرب منهما بنهجٍ مختلف.

أي دعم أميركي لحراك محلي يصبح "قُبلة مميتة" له

وناقشت أكهافان كذلك العواقب غير المقصودة الناجمة عن الخطاب الحكومي الأميركي في المنطقة.

إذ أشارت إلى أنَّ الولايات المتحدة سعت للتأثير على الحركات النسوية الإيرانية لإضعاف النظام.

ومع أنَّ الدعم الأميركي لبعض القضايا قد يبدو مساعدة لهذه الحركات "فأي تصريح من مصادر حكومية في الولايات المتحدة يزعم التضامن مع (الحركة النسوية في إيران)، يكون بمثابة قُبلة مُميتة لها، لأنَّها توصف حينئذ باعتبارها تخدم مصالح الولايات المتحدة أو تعمل معها".

سيطرة أجهزة حكومية على محتوى الإنترنت جعلها أداة لها.. لا ضدها

وبشأن العقوبات المفروضة مؤخراً بموجب "قانون ماغنيتسكي العالمي" على أشخاص سعوديين بارزين، من بينهم أشخاصٌ يسيطرون على بعض أوجه الرقابة على الإنترنت، لا يعتقد الجابر أنَّ هناك أي شخص يسيطر على المعلومات على الإنترنت.

بل أوضح أنَّ هناك منظمات كبيرة تدير شبكات التواصل الاجتماعي إلى الحد الذي جعلها "تصير أداة الحكومة".

ما يعني أنَّ واحدةً من الطرق القليلة التي يمكن أن يستخدمها المواطنون للمطالبة بالإصلاحات لم تعُد موجودة.

وأضافت أكهافان أنَّ إيران كذلك استثمرت العديد من الموارد في "الجيوش الإلكترونية"، وبثِّ رسائلها.

وقد آتى الاستثمار ثمارَه في حالة سوريا، حيث استطاعت طهران زرع حالة ضبابية بما يكفي لتشكيك المواطنين في المعارضة، بنفس قدر تشكيكهم في الأسد.

بيد أنَّ المُعارضة الإيرانية تتضمن بعض الأشخاص القادرين على التعامل مع وسائل الإعلام، الراغبين في فضح الرقابة المفروضة على الإنترنت.

وذكر الجابر أنَّ بعض المنصات الإعلامية مثل الجزيرة أدت دوراً مهماً في الربيع العربي، عبر تسليط الضوء على فساد الحكومات.

ومع ذلك، تعثَّرت الحكومات في محاولتها تكرار النجاح الذي حققته الجزيرة عبر منصاتها الإعلامية الحكومية.

الرقابة على الإنترنت تضايق المستخدمين ولا توقفهم

وفضلاً عن ذلك، تعد السيطرة على الخطاب العام في الشرق الأوسط أداة غير كافية.

فعلى سبيل المثال، تتعمَّد الحكومة الإيرانية الإبقاء على سرعات الإنترنت منخفضة في إيران، وتُجري السلطات عملية ترشيح للمحتوى، وتحاول حظر بعض المنشورات، لكن جهودها تقل وتزداد اعتماداً على الاتجاهات الجارية والمناخ السياسي.

ويواصل المواطنون واسعو الحيلة التحايل على الرقابة المفروضة باستخدام شبكات خاصة افتراضية (VPNs)، وهي طرق اتصال تسمح بتشفير الأنشطة على الإنترنت.

ويرى أغلب الأشخاص أن الرقابة والسيطرة على الإنترنت تتسبب في مضايقات، وليست ناجعة بما يكفي.

ومكافحة الجيوش الإلكترونية قد تأتي متعسفة ومقيدة للنقاش

ويوافق كل من أكهافان والجابر على وجود حالات انفصال غالباً بين الرسائل التي تُبث إلى المواطنين وما يجري تصويره إلى الجمهور في الخارج.

وأثَّرت الانتكاسات جرَّاء العقوبات الأجنبية والمنافسة القديمة مع وسائل إعلام -على غرار BBC- سلباً في وسائل الإعلام الحكومية الإيرانية (مثل إذاعة جمهورية إيران الإسلامية).

ويبدو الانفصال على الإنترنت بين الخطاب الأجنبي والمحلي مشهوداً بوضوح أيضاً.

ومع أنَّ جيوش الإنترنت لا تعطل هذا الخطاب، فإنها تؤسس ما يعرف بـ "غرف الصدى"، وتثني الآخرين عن الإسهام بآرائهم المختلفة في منتديات الإنترنت.

وقال الجابر إنَّ فيسبوك وتويتر والمنصات الأخرى يجب عليها أن تبذل مزيداً من الجهود لمكافحة جيوش الإنترنت؛ سعياً منها لمواجهة القيود الواقعية على حرية التعبير عن الرأي.

بيد أنَّ أكهافان ذكرت أنَّ حظر المستخدمين ليس حلاً مثالياً، لأنَّ المعايير المتعلقة بمن، وما يجب أن يُحظر تكون تعسفية أحياناً، مما يخلق قيوداً على النقاش العام المفتوح.

حماس تطالب بتحقيق دولي في إنشاء الاحتلال "مناطق إعدام" بغزة: جريمة حرب وحشية وانتهاك لكافة الأعراف
حماس تطالب بتحقيق دولي في إنشاء الاحتلال "مناطق إعدام" بغزة: جريمة حرب وحشية وانتهاك لكافة الأعراف
تحميل المزيد