يقف عامر العزي على دراجته النارية أمام محطة لتعبئة الوقود جنوبي صنعاء، وبصوت مرتفع يطالب العامل بتخفيض سعر اللتر، لأنه سيباع بعد أيام بسعر الماء، وذلك مع اقتراب نهاية الحرب في اليمن، حسبما يرى.
يستند العزي -الذي يعمل سائقاً على دراجة نارية- إلى المساعي التي يقودها المبعوث الأممي لدى اليمن مارتن غريفيث للتوصل إلى سلام بين أطراف النزاع، بالسويد أواخر العام الجاري التي أثارت آمالاً عريضة بإمكانية اقتراب نهاية الحرب في اليمن.
لماذا ينتشر التفاؤل هذه المرة بإمكانية اقتراب نهاية الحرب في اليمن؟
يحاول العزي أن يتحدث بصوت مرتفع لكن الضجيج الصادر من دراجته النارية وهو يسير في الشارع طغى على صوته.
ثم توقف قائلاً لـ"عربي بوست"، "خلاص.. أمورنا ستمضي على ما يرام، الحوثيون والحكومة أوقفا الحرب واتفقا".
سائق الدراجة هو واحد من ملايين اليمنيين الذين يضعون آمالاً كبيرة بشأن اقتراب الحرب في اليمن التي أسفرت عن قرابة 50 ألف قتيل وجريح وفق تقديرات غير رسمية، كما دفعت 22 مليون يمني -وهم 80% من حجم سكان البلاد- إلى حافة المجاعة.
وبدأ العد التنازلي لمشاورات السويد التي يؤمل أن تضع نهاية عقب إعلان الحوثيين مبادرة لإيقاف هجماتهم الصاروخية على السعودية والإمارات، واستعدادها لوقف المعارك داخل اليمن.
وقالت الجماعة إن ذلك يأتي استجابة لجهود المبعوث الأممي لليمن الذي يسعي إلى إنهاء الحرب المستمرة منذ أواخر 2014.
كما أعلنت حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي المعترف بها دولياً مشاركتها في المشاورات، داعية المجتمع الدولي والأمم المتحدة للضغط على الحوثيين من أجل التوصل إلى سلام.
والأهم أن التحالف العربي بقيادة السعودية قد رحب بالمساعي الرامية للتوصل إلى حل سياسي.
ولكن ما الذي جعل السعودية تغير موقفها؟
موقف السعودية يعد الأبرز في الملف اليمني.
إذ يبدو إن حربها في اليمن وصلت إلى نقطة لم تعد الرياض قادرة معها على المضي قدماً.
فحسب مراقبين فإن السعودية تريد الانسحاب من المستنقع الذي دخلت فيه.
وتدخلت السعودية على رأس تحالف عربي في اليمن في الـ26 من مارس/آذار 2015، لاستعادة شرعية الرئيس عبد ربه منصور هادي وإنهاء انقلاب الحوثيين المتهمين بتلقي دعم من إيران.
لكن حتى اليوم فإن الحوثيين لا يزالون يسيطرون على العاصمة صنعاء وعدد من محافظات البلاد، خاصة فيما كان يعرف قبل الوحدة باليمن الشمالي.
كما يبدو أن أزمة خاشقجي انعكست على أداء جيشها خاصة الطيران
وبعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في سفارة بلاده بإسطنبول مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2018، تصاعدت الضغوط الدولية على المملكة لوقف حرب اليمن، فيما دعا مشرعون أميركيون لوقف الدعم اللوجستي لمقاتلات التحالف.
تلك الدعوات أثمرت عن إعلان واشنطن وقف تزويد المقاتلات بالوقود الأميركي جواً، في خطوة تسعى معها لتقليل أعداد الضحايا المدنيين، وفق ما أعلن وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس.
وانعكس ذلك بالفعل على طبيعة العمليات العسكرية، إذ إن المقاتلات الحربية لم تعد تحلّق في سماء اليمن كما في السابق، نظراً لأنها لم تعد قادرة على التزود بالوقود في الجو، حسبما يقول الخبير في الطيران الحربي طلال الشاوش لـ"عربي بوست".
ويضيف الخبير قائلاً "من المؤكد إن وضع الحرب تغير".
وفي المقابل فإن الحوثيين عانوا خسائر فادحة حتى أن البريطانيين أنقذوهم في الحديدة
لم تكن الرياض وحدها هي من أُنهكت في حرب اليمن، بل إن جميع الأطراف وصلت إلى مرحلة لم تعد قادرة على المضي قدماً في القتال.
إذ أن الحوثيين -أيضاً- تعرضوا لضربات موجعة خلال الأشهر الماضية.
واستمات الحوثيون في الدفاع أمام تقدم القوات الحكومية والتحالف العربي في مدينة الحديدة (غربي اليمن)، وبحسب تقديرات فإن 400 منهم قد سقطوا قتلى وجرحى، قبل أن تتدخل بريطانيا والأمم المتحدة لوقف المعارك.
وبحسب القيادي في قوات العمالقة الحكومية وسام صالح فإنهم تلقوا أوامر من التحالف العربي بوقف التقدم.
ويقول صالح لـ"عربي بوست"، إن "القوات الحكومية كان من الممكن أن تستعيد السيطرة على المدينة، لكن بريطانيا أنقذت الحوثيين".
ويضيف قائلاً "لكننا نأمل أن تفضي المشاورات إلى انسحابهم من المدينة وتسليم الميناء".
ويقول "الحرب توقفت فعلاً بين الطرفين، وكل طرف يتمركز في مواقعه".
المعارك تندلع من جديد.. من حسن الحظ أنها مجرد مناوشات
لكن قبل ساعات اندلع قتال عنيف بين الطرفين في شارع الخمسين ومدينة الصالح شرقي مدينة الحديدة، فيما شنت مقاتلة جوية للتحالف 12 غارة على مواقع الحوثيين، غير أن صالح يصف تلك الاشتباكات بـ"المناوشات".
ويرى الكاتب والصحافي محمد عبدالمغني إن موقف الحوثيين لوقف القتال جاء انعكاساً لواقع العمليات العسكرية، التي شكلت ضغطاً كبيراً عليهم، ونتيجة أيضاً للتحركات البريطانية والأميركية الضاغطة على السعودية لوقف الحرب.
ويضيف عبدالمغني لـ"عربي بوست"، هذه التحركات ربما أوجدت مساحة لإيران في التحرك نحو إقناع الحوثيين بالخروج بمكاسب سياسية مع تزايد احتمالات اقتراب نهاية الحرب في اليمن.
ويتابع "ثمة تغير حقيقي في موازين القوى في اليمن، مثلته المعارك المشتعلة في عدة جبهات وعلى وجه التحديد معركة الحديدة وهو ما خلق إرباكاً للحوثيين، علاوة على أنها معركة استنزاف لمخزونهم من المقاتلين".
والأميركيون يحاولون إغراء الحوثيين عبر رؤية ماتيس
كل المعطيات في اليمن تمهد للرؤية التي قدمها وزير الدفاع الأميركي جيمس ماتيس في مؤتمر الأمن في العاصمة البحرينية المنامة، أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
وقال ماتيس في جلسة المؤتمر إن وقف الحرب في اليمن، يتوقف على عاملين، الأول إنشاء مناطق منزوعة السلاح، والثاني نزع الأسلحة الثقيلة، ويقصد بذلك الصواريخ الباليستية التي يطلقها الحوثيون نحو المملكة.
ودعا الوزير الأميركي الحوثيين إلى التعاون مع المبعوث الأممي إلى اليمن مارتن غريفيث، لمصلحتهم.
وكان أهم نقطة تحدث عنها الوزير الأميركي قوله "إن الجماعة ستحصل على منطقة حكم ذاتي "حتى يمكنهم التآزر وإسماع صوتهم للعالم وعندها لن يكونوا بحاجة لإيران".
وقال ماتيس إن على جميع الأطراف المنخرطة في الصراع باليمن أن تجلس إلى طاولة التفاوض على أساس وقف إطلاق النار، وانسحاب الحوثيين من الحدود، وتوقف القصف الجوي، في إشارة إلى القصف السعودي الإماراتي.
ولقد قبلوا وقف إطلاق النار ولكن هذا موقفهم من مسألة تسليم سلاحهم
"أوقفنا المعارك لإقامة الحجة على العدوان"، هكذا قال القيادي في جماعة الحوثيين ووزير إعلامها ضيف الله الشامي لـ"عربي بوست".
وأضاف قائلاً "وفي حال أخل العدوان بوعوده بوقف المعارك فإن هجماتنا الجوية ستكون أقسى وأشد"
وتابع "نحن نريد التوصل إلى سلام، وجاءت مبادرتنا لوقف القتال من منطق قوة".
ولاتنوي الجماعة تسليم سلاحها في حال التوصل إلى سلام، بل إنها لن تنسحب من مدينة الحديدة وفق ما يقول الشامي.
إذ يبدو أن اتفاق السلام لن يكون أكثر من هدنة فقط بين الأطراف دون التوصل إلى حلول.
فهم لا يستطيعون البقاء بدون سلاح أو تجييش عقائدي
ويقول الكاتب عبدالمغني إن موافقة الحوثيين على الدخول في مفاوضات تأتي للبحث عن مساحة للتحرك نحو كسب وقت أكثر، وليس لتسليم السلاح كما يجد البعض، فالجماعة تعتمد على السلاح والتجييش العقائدي كأداة وحيدة لاستمرار وجودها.
فالحوثيون هم جماعة مسلحة وليسوا حزباً سياسياً، وبالتالي يبقى السلاح البعد الأساسي لتكوينهم، حسب قوله.
ويضيف الكاتب والصحافي اليمني إن الأهم في الوقت الحالي المعالجة الشاملة للجماعات المسلحة التي خلقتها الحرب، وبناء دولة تستطيع أن تمارس ذلك من خلال الاستيعاب والضغط على تلك الجماعات وتقويض مشروعها مستقبلاً".
إذن كيف يكون شكل اليمن إذا تم تطبيق رؤية ماتيس؟.. عندما يروج الأميركيون لحزب الله
من الواضح أنه في حال جرى تطبيق الرؤية الأميركية التي طرحها ماتيس في الدوحة فإن اليمن سيكون ممزقاً بين عدة أطراف يسود بينها نوع من الهدنة، في ظل الوعد الأميركي للحوثيين بالحكم الذاتي.
وقد يكون التطور الطبيعي الذي ستفضي إليه هذه الرؤية هو النموذج اللبناني، حيث يحتفظ حزب الله بسلاحه ويشارك في الوقت ذاته في الحكومة اللبنانية التي يرأسها غريمه السياسي والمذهبي سعد الحريري، بينما يسيطر الحزب على المناطق الشيعية فعلياً ويحتفط لنفسه بحق النقض لقرارات الحكومة مع تحميلها العبء الاقتصادي.
وحتى الآن يبدو أن طموحات الحوثيين في الهيمنة قد تبدو أكبر من حتى من نموذج حزب الله.
في المقابل، فإن مكسب السعودية الرئيسي من هذه التسوية سيكون أن صواريخ الحوثيين ستتوقف عن قصف أراضيها.
أما الفوز الأكبر فسيكون للإمارات التي بسطت سيطرتها الفعلية على الشريط الساحلي والموانئ والمحافظات النفطية الجنوبية، بينما الخاسر الأبرز هو الرئيس هادي وحكومته الذين يقيمون في منفاهم بالرياض.
وحزب الإصلاح المحسوب على الإخوان يحاول توفيق أوضاعه
وسبق التطورات الأخيرة تقارب بين حزب الإصلاح، الذي يعتبر الحزب الأكبر في اليمن، ودولة الإمارات القوة الثانية في التحالف العربي بعد أن سبق تصاعد حدة العداء بين الطرفين، التي وصلت إلى حرب إعلامية.
هذا التقارب سلط الضوء على إمكانية أن يلعب حزب الإصلاح (الذي ينظر له أن محسوب على الإخوان المسلمين) أدواراً مختلفة عقب التوصل إلى السلام في اليمن.
وموقف الحزب حتى الآن لا يكاد يخرج عن السياق العام لموقف الحكومة اليمنية التي يعد الحزب عضواً في ائتلافاتها.
ورغم ذلك فإن الطبيعة البراغماتية للحزب تجعله قادراً على الخروج بمكاسب كبيرة في اللحظة الراهنة، وآخرها تقاربه مع الإمارات، وفقاً لما يراه بعض المراقبين.
ويرى أستاذ الإعلام والاتصال في جامعة صنعاء أمين سلطان إن حزب الإصلاح يستعد للمرحلة الجديدة التي ستجرى فيها عمليات إعادة تموضع للقوى التي ستشارك في المشاورات المرتقبة.
ومن ضمن محاولات الحزب للاستعداد للمرحلة الجديدة تحاورُه مع الإمارات التي سبق وأن صنفته في خانة المنظمات الإرهابية.
ويضيف سلطان "لقاء وفد الإصلاح مع رجل الإمارات القوي ولي عهد أبو ظبي الشيخ محمد بن زايد يندرج ضمن الاستكشاف الذي تجريه الأطراف وترتيب مواقعها تحضيراً لمرحلة بعد مشاورات السويد في حال انعقادها".
فالكل يريد أن يضمن أكبر قدر ممكن من المكاسب من التسوية المقترحة، التي يبدو أنها قد توقف القتال، ولكن هل تعيد الدولة في اليمن؟.