الأردن «مضطر» لإعادة العلاقة مع الأسد بعد تخلّي «حلف الرياض» عنه.. لماذا اختارت عمّان هذا التوقيت؟

تم النشر: 2018/11/21 الساعة 17:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2019/05/01 الساعة 21:53 بتوقيت غرينتش

بعد عدة خطوات تقاربية قام بها الأردن تجاه النظام السوري مؤخراً، كالتنسيق والموافقة على إعادة فتح معبر (جابر- نصيب) الحدودي بين الجانبين، في الـ29 من سبتمبر/أيلول 2018، وزيارة وفد أردني نيابي، بمباركة القصر الملكي، قبل يومين دمشق ولقاء الأسد- ما تزال التساؤلات تُطرح حول أهمية تلك الخطوة بالنسبة للأردن، وعن الأمر الذي يجبر عمّان على إعادة تطبيع العلاقات مع النظام السوري، بعد 7 سنوات من العلاقة المتوترة بُعيد انطلاق الثورة السورية في مارس/آذار 2011، وما حملتها من تبعات.

على الرغم من تضرر الأردن بشكل كبير، اقتصادياً جراء إغلاق المعابر وتوتر العلاقة مع النظام السوري طيلة السنوات الأخيرة، كانت عمّان متحفظة بشكل كبير، على تطبيع العلاقة مع دمشق، إذ من المعلوم أنها تعتبر حليفاً قوياً للولايات المتحدة الأميركية في المنطقة، وكما تقول عمّان فإنها تضررت بشكل كبير، من استضافة أكثر من مليون و300 ألف لاجئ سوري، مسجل منهم نحو 650 ألفاً كلاجئين، لدى مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين.

وشهدت العلاقات بين البلدين، خلال فترة الأزمة المستمرة بسوريا، حالة من "الجفاء السياسي"، ظهرت معالمه واضحةً بعد طرد المملكة سفير النظام لديها في مايو/أيار 2014، الأمر الذي قابلته دمشق بالمثل، وطردت القائم بأعمال السفارة الأردنية في دمشق، واعتبرته شخصاً "غير مرغوب فيه".

لكن غير هذه الحادثة، اختار الأردن منذ بداية الأزمة بجارته الشمالية، الحياد في مواقفه "المعلنة" إزاء ما يجري، مُطالباً في كل المحافل الدولية وبشكل مستمر، بحلّ سياسي يضمن أمن سوريا واستقرارها.

إلا أن نظام بشار الأسد تمسك بـ "نغمة التشكيك" الدائم والاتهامات المستمرة لعمّان، بدعمها "العصابات الإرهابية" بسوريا، وهو ما كان الأردن ينفيه جملةً وتفصيلاً.

إعادة العلاقات من جديد.. ما دوافع الأردن؟

عقب استعادة جيش النظام السوري السيطرة على الجنوب، في يوليو/تموز 2018، بدأ الأردن البحث عن عودة العلاقات وفتح معبر نصيب الحدودي، الذي يعتبر نافذة الأردن إلى أوروبا.

ويبدو أن الدور الذي لعبه الأردن في الاتفاق الذي أنجزه عسكريون روس مع ممثلي الفصائل المسلحة بالجنوب السوري، خلال الأشهر التي سبقت فتح المعبر، كان هاماً لإعادة تطبيع العلاقة لاحقاً مع دمشق، وأفضى إلى سيطرة جيش النظام على معبر نصيب الحدودي مع الأردن من دون مقاومة تذكر.

فقد وافقت الفصائل المسلحة، في يوليو/تموز 2018، بإيعاز وضغط أردني، على تسليم أسلحتها الثقيلة على دفعات، مقابل انسحاب القوات السورية من بعض البلدات لحساب إدارات مدنية محلية، وترحيل أفراد الجماعات الرافضة لوقف إطلاق النار شمالاُ صوب إدلب.

كانت تلك الرسائل الإيجابية من عمّان كبيرة تجاه دمشق، إذ قال حينها رئيس الديوان الملكي الأردني الأسبق عدنان أبو عودة، إن "مستقبل العلاقة بين البلدين يجب أن يذهب نحو منحنيات إيجابية، لما فيه مصلحة الطرفين سياسياً واقتصادياً".

ولفت إلى أن "السوريين حريصون على علاقات مفتوحة مع الأردن، كما أن المملكة مهتمة بذلك أيضاً"، منوهاً إلى أن "الأردن نجح في احتواء تصرفات النظام السوري طيلة هذه السنوات، وحافظ على علاقة قوية مع الشعب السوري أيضاً".

"حلف الرياض" تخلّى عن عمّان.. والأخيرة مضطرة إلى التعامل مع دمشق

إلى ذلك، يقول د. أنيس الخصاونة، الأكاديمي والمحلل السياسي الأردني، لـ "عربي بوست"، إن "الموقف الأردني بإعادة العلاقة مع دمشق نابع من مصالح الأردن أولاً، وذلك بعد حسم سيطرة النظام السوري على المعابر والحدود بالكامل"، مشيراً إلى أن "الوضع الاقتصادي الصعب الذي تمر به عمّان، وتخلّي الحلفاء الخليجيين عنها في هذه الظروف، اضطرها إلى النظر نحو النافذة الشمالية، وعليها الآن التعامل مع واقع جديد".

وعن موقف الحلفاء الخليجيين للأردن، وخصوصاً السعودية، من تطبيع العلاقات مع دمشق الحليفة لإيران (العدو الأول للرياض)، قال الخصاونة إن "الأردن ربما تعجل في خطوة عودة العلاقات، بإرسال وفد نيابي إلى دمشق بمباركة رسمية، لكن ربما كان ذلك فرصة انتهزها صانع القرار الأردني، بسبب انشغال الحليف السعودي في قضية كبيرة تحولت لقضية عالمية وأزمة حقيقية، ألا وهي اغتيال الكاتب السعودي جمال خاشقجي"، وعليه فإن "الرياض لن تستطيع مراجعة عمّان الآن، أو الضغط عليها بعدم فتح القنوات مجدداً مع نظام الأسد".

وأشار الخبير الأردني إلى أن "عمّان ربما استطاعت الصبر أكثر والانتظار قبل أن تعيد العلاقات مع دمشق لو أن الحلفاء الخليجيين أوفوا بوعودهم بتقديم استثمارات ومِنح للأردن، كما تم الاتفاق على ذلك العام الماضي (2017)، إلا أن (حلف الرياض) تأخر كثيراً في ذلك، بل قلّص حجم ما يقدمه للأردن خلال السنوات الأخيرة بشكل كبير، ليتركه وحيداً في أصعب ظروفه الاقتصادية التي يمر بها".

إلا أن عضو مجلس الأعيان الأردني السابق والخبير السياسي جهاد المومني لم يتفق مع هذا الرأي، إذ قال لـ"عربي بوست": "لا اعتقد أن التباطؤ الخليجي هو الذي دفع عمّان للتطبيع مع دمشق"، مؤكدًا أنه لا يوجد تطبيع في العلاقة بين عمّان ودمشق حتى اللحظة، وأن الوفد البرلماني الذي زار دمشق "لم يمثل إلا نفسه وتصرف بمحض إرادته".

مردفًا بالقول: ربما يكون هناك "إيحاءات" من الحكومة الأردنية لهذا الوفد البرلماني باستطلاع الموقف السوري تجاه الأردن"، مشيرًا في الوقت نفسه إلى احتمالية بدء عملية تطبيع "خجولة" لا زالت في طورها الأول، ولا يعوّل عليها.

ما أهمية عودة معبر (جابر – نصيب) للأردن؟

لم يكن إغلاق معبر (جابر – نصيب) في مصلحة الأردن يوماً، إلا أن خضوع المناطق الجنوبية السورية للنزاع المستمر بين المعارضة السورية ونظام الأسد وحتى الجماعات المسلحة الأخرى المتشددة، دعا عمّان لإغلاقه في أغلب الأحيان، وكان إغلاقه كاملاً في يونيو/حزيران 2016، بعد تعرض الجيش الأردني لهجوم مسلح من قِبل تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش).

إلا أن ضرر إغلاق المعبر كان كبيراً، خاصة من الناحية الاقتصادية، فالتاريخ شاهد على أن دمشق كانت مَنفذاً لغالبية البضائع الأردنية المصدرة، وعمّان تمر اليوم بأسوأ أزمة اقتصادية، من حيث تراجع الصادرات والصناعات المحلية، والعجز في الميزان التجاري، وارتفاع المديونية.

فقد هبطت قيمة الصادرات الوطنية، وفق بيانات رسمية، إلى 13.9 مليون دولار في 2016، بعد أن سجلت 255.5 مليون دولار في 2011 (قبيل إغلاق المعبر).

أما الصادرات الأردنية لسوريا، فلم يختلف الحال بالنسبة لها أيضاً، فقد وصلت إلى 19.5 مليون دولار في 2016، مقارنة بـ376 مليون دولار عام 2011.

وعليه، يعود فتح المعبر بالفائدة على الجانبين السوري والأردني من خلال رفد خزينة البلدين، فضلاً عن أن ذلك سيؤدي إلى عودة انسياب البضائع بين لبنان والأردن من جهة، وبين لبنان ودول الخليج والمشرق من جهة أخرى، وبالتالي انتعاش السوق الأردني والصناعات المحلية من جديد.

علامات:
تحميل المزيد