إما أن يعتمد ترامب تقرير CIA الذي يدين ولي العهد السعودي أو يواصل حمايته.. المؤكد أنه سيخسر في الحالتين

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/20 الساعة 15:32 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/20 الساعة 15:32 بتوقيت غرينتش
U.S. President Trump rallies with supporters in a hangar at Missoula International Airport in Missoula, Montana

وضعت جريمة قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي الرئيس الأميركي دونالد ترامب أمام معضلة جديدة، بعد استخلاص أجهزة الاستخبارات أن ولي العهد والحاكم الفعلي للسعودية محمد بن سلمان أصدر أمر القتل. وأصبح على ترامب أن يقرر اعتماد هذا الاستنتاج، أو الاستمرار في تجنيب ولي العهد السعودي أي مسؤولية في هذه القضية. وتوقعت مصادر سياسية حالية وسابقة في واشنطن لصحيفة The Washington Post الأميركية أن يتم تجاوز هذه الأزمة بضمان المصالح المشتركة والروابط الأساسية بين البلدين .

وقال مسؤول استخبارات أميركي سابق رفض الكشف عن هُويته بسبب حساسية المسألة إن الإدارة لو أقدمت على اتخاذ "إجراء جاد" ضد السعوديين، فإنَّ الرياض "ستشعر بحاجة للرد بطريقة ما، وبطريقة لا تؤدي إلى التصعيد. فربما لن يكونوا داعمين بنفس القدر القائم الآن في سوق النفط، أو ربما يقومون بصفقة أسلحة كبرى من الروس أو الصينيين … ويمكننا أن نتقبل ذلك".

وقال المسؤول السابق إنَّ العلاقات الاستخباراتية بين البلدين سوف تصمد كذلك في وجه الضغط. وأضاف: "ما يحدث في كل حالة تقريباً يمكنني تذكُّرها، حين تمر علاقة سياسية بفترة مضطربة، هو أنَّ العلاقة الاستخباراتية تظل سالمةً … إنَّها بالغة الأهمية لكلا البلدين".

الإدارة الأميركية منقسمة بشأن التعامل مع مقتل خاشقجي

وقبل ساعات من الكلمة المرتقبة للرئيس الأميركي دونالد ترامب بشأن استنتاجات CIA، يبدو البيت الأبيض منقسما حيث التزم كوشنر الصمت حيال القضية وحيال صديقه الأمير، كما استقالت مديرة قسم الشؤون الخليجية في البيت الأبيض كيرستن فونتنروز، بعد أن طالبت باتخاذ موقف قوي في جريمة قتل خاشقجي.

وقد امتنع ترامب عن توجيه أي شبهة لولي العهد السعودي الامير محمد بن سلمان منذ قتل الصحافي السعودي الذي كان ينشر مقالات منتقدة للرياض في صحيفة "واشنطن بوست" وتقطيع جثته داخل القنصلية السعودية في اسطنبول في 2 تشرين الأول/أكتوبر. لكن واشنطن فرضت عقوبات على 17 سعوديا يشتبه بضلوعهم في القضية بينهم مسؤولان مقربان من ولي العهد.

وهناك أكثر من سبب يجعل التحالف مع السعودية ضروريا

تعمق تحالف ترامب مع السعوديين على أساس العداوة المشتركة لإيران والمصلحة المتبادلة في الحفاظ على استقرار أسعار النفط العالمية.

وتعزز التحالف أيضا بفضل جاريد كوشنر، صهر ترامب، الذي أقام علاقة شخصية وثيقة مع الأمير، على أمل أن يقود ولي العهد العالم العربي نحو تقارب جديد مع إسرائيل، ربما يكون على حساب بقاء دولة فلسطينية قابلة للتطبيق.  

ولهذا السبب، يبدو ترامب غير مستعد حتى الآن لتوجيه أصابع الاتهام للأمير محمد في قضية مقتل خاشقجي، مشيرا إلى أنه لم يطلع على الأدلة. وأفاد الأحد أنه سيتلقى إيجازا بشأن استنتاجات "سي آي ايه" بحلول الثلاثاء على الأرجح.

لكن هناك خيارين أمام ترامب، والأول هو التخلي عن بن سلمان

ونقلت وكالة AFP عن الخبيرة في شؤون الشرق الأوسط لدى "مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي" ميشيل دون إن لدى ترامب خيارين فقط. "بإمكانه الموافقة على تقييم الاستخبارات ومع ما يرغب الكونغرس القيام به، ما يعني الإشارة علنا أو بشكل خاص بأن الولايات المتحدة لن تتعاون بعد الآن مع الأمير محمد بن سلمان".

قطيعة مع نجل الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود هي خطوة متشددة، لكنها لا تعني بالضرورة قطعا كاملا للعلاقات الثنائية، بحسب دون التي أكدت أن "السعودية ليست محمد بن سلمان ومحمد بن سلمان ليس السعودية". لكنها خطوة "قد تنطوي على عملية لا يمكن توقع نتائجها يمكن أن تصل الى حد إحداث تغييرات في ترتيب الخلافة في المملكة" بحسب قول المحللة.

وهذا السيناريو يكلف واشنطن الكثير من الخسائر

سوزان مالوني من معهد "بروكينغز" للأبحاث ترى أن توجيه الاتهام علنا وبشكل مباشر للأمير لن يكون هو الحل كذلك. "لا أعتقد أن أي رئيس أميركي سيتحرك ببساطة لزعزعة استقرار علاقة الشراكة القديمة  مع السعودية، ولا يمكن القول علنا إن على ولي العهد مغادرة منصبه".

واعتبرت أن البديل الأمثل يكون عبر إيصال الرسالة من وراء الكواليس والتوضيح للسعوديين بأنهم تمادوا كثيرا مؤكدة أن "هذا ما تفعله إدارة تتمتع بكفاءة حقيقية".

والخيار الثاني أن يواصل ترامب حمايته لولي العهد

الاحتمال الثاني، فهو أن يواجه ترامب كل ذلك ويحاول حماية علاقة البيت الأبيض مع الأمير، الذي يدير شؤون المملكة بحكم الأمر الواقع.

ويمكن أن يؤدي هذا الخيار الى "صراع قوة مع الكونغرس الاميركي" الذي سيمكنه الرد بتحرك يضر بالعلاقة كتجميد بيع الأسلحة إلى المملكة.

لكن المراوغة التي يبديها ترامب تشكل خطرا على العلاقة

ترامب جاءت مواقفه متقلبة حيال القضية. فبعدما ندد بالجريمة واصفا إياها بأنها "إحدى أسوأ عمليات التستر في التاريخ"، شدد في اليوم التالي على أهمية التحالف مع الرياض وكرر أن الأمير محمد نفى شخصيا في حديث معه أن يكون أمر بتنفيذ العملية.

وأشارت سوزان مالوني من معهد "بروكينغز" للأبحاث إلى أن المراوغة التي يبديها ترامب تشكل خطرا على العلاقة. "العلاقات يمكن أن تستمر كالمعتاد مع القيادة العليا كما وكأن شيئا لم يحصل، وبالتالي لا تصل الإشارة للسعوديين بأن أنشطة من هذا النوع مضرة".

وحديثه عن الفوائد المالية للتحالف مع الرياض ليس دقيقا

قال ترمب السبت الماضي، 17 نوفمبر/تشرين الثاني، عند سؤاله عن استنتاج وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية بأنَّ ولي العهد والحاكم الفعلي للسعودية محمد بن سلمان أصدر أمر قتل الصحفي السعودي المقيم في الولايات المتحدة جمال خاشقجي: "إنهم يمنحوننا الكثير من الوظائف. ويمنحوننا الكثير من الأعمال". وهو المبرر الذي كرره ترامب أكثر من مرة، في إشارة بالأساس إلى مشتريات السعودية من الأسلحة.

لكن تقريرا جديدا للباحث وليام هارتونغ William D. Hartung من مركز السياسة الدولية، بأنَّ الدفعة الاقتصادية التي يُروِّج لها ترمب باعتبارها نتيجة لمبيعات الأسلحة ليست إلا وهم. "معظم هذه الصفقات قد جرى التفاوض عليها في ظل حكم إدارة أوباما، والكثير من هذه الصفقات المزعومة مجرد تكهنات. ويبلغ إجمالي الصفقات النهائية التي نُفِّذت خلال حكم إدارة ترمب حتى الآن 14.5 مليار دولار".

بينما لا يتحدث أبدا عن العناصر الأساسية لهذا التحالف

حين يتحدث الرئيس دونالد ترمب عن التحالف الأميركي مع المملكة العربية السعودية، يكاد لا يذكر أي دور سعودي في تحقيق أهدافه المُعلنة في الشرق الأوسط، والمتمثلة في إخضاع إيران، وصياغة سلام فلسطيني إسرائيلي، ودحر التطرف الإسلامي. وبدلاً من ذلك، يتحدث غالباً عن كم المال الذي ينفقه السعوديون هنا في الولايات المتحدة.

ربما لا يركز ترمب على التعاون في مكافحة الإرهاب ودعم الأهداف الإستراتيجية الأميركية في المنطقة –وهو الأساس الذي قامت عليه العلاقة الأميركية السعودية في ظل حكم سلفيه المباشرين، باراك أوباما وجورج بوش الابن- لكنَّ آخرين في إدارته يكترثون بذلك بوضوح.

رغم أن واشنطن تتهم الرياض بمسؤولية الفشل في لبنان

واعتبرت صحيفة The Washington Post الأميركية أن بعض التصرفات السعودية قوضت الأهداف الأميركية في المنطقة، بأكثر من تحرك فاشل.

إذ اعترضت الإدارة العام الماضي 2017 على اختطاف رئيس وزراء لبنان سعد الحريري وإجباره على الاستقالة، وبعد إطلاق سراحه وعودته لمنصبه تحت الضغط الدولي، خرج حزب الله أقوى من أي وقت مضى.

قالت آن باترسون، وهي دبلوماسية ذات خبرة طويلة في المنطقة وكانت مساعدة وزير خارجية الرئيس أوباما لشؤون الشرق الأوسط إنه "في ما يتعلق بعملية السلام، تريد الإدارة من السعوديين أن يدفعوا الفلسطيين لقبولها، سواء بالإقناع الأدبي أو المالي، أو بمزيجٍ بين الاثنين".

وهناك غضب أميركي من الانقسام الخليجي الحالي

وفي ما يتعلق بإيران، التي تعتبرها الإدارة الأميركية وحكام الرياض أكبر التهديدات في المنطقة، قالت باترسون إن السعوديين "يريدون أن يتفرجوا من بعيد فيما نحن نقاتل" إذ تحمي الولايات المتحدة الممرات البحرية في المنطقة، التي يتم عبرها تصدير عبرها النفط السعودي.

وتُخطِّط الإدارة لتحدي إيران أكثر عن طريق جمع دول الخليج الكويت والبحرين والإمارات وقطر وسلطنة عُمان معاً في تحالفٍ سياسي وأمني جديد، تعثَّر حتى الآن بسبب الرفض السعودي والإماراتي إعادة العلاقات مع قطر.

وسلوك السعودية في حربها على اليمن يثير غضب الكونغرس

في حربها الدائرة في اليمن، تتحمل السعودية مسؤولية التسبُّب في سقوط آلاف الضحايا المدنيين وتقود إلى أزمة إنسانية ضخمة، ما يؤدي إلى صرف الأنظار عن مساعدة إيران للمتمردين الحوثيين على الجانب الآخر من الصراع، حسب تقرير The Washington Post.

وأشعلت المساعدة اللوجستية والاستخباراتية الأميركية للجهود الحربية السعودية –بقيادة الأمير محمد، الذي يشغل منصب وزير الدفاع- غضباً عاماً وداخل الكونغرس في الولايات المتحدة، ولم يسهم مقتل خاشقجي إلا في توهُّج نار هذا الغضب أكثر.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول الاستخبارات الكبير اعتقاده أن السعوديين يريدون الضغط الأميركي للخروج من اليمن، حتى يمكنهم تحميل، بطريقة ما، مسؤولية خروجهم لطرفٍ آخر".

التعاون في مجال الاستخبارات مرشح للنجاة من الأزمة

ونقلت صحيفة The Washington Post الأميركية عن مسؤولين أميركيين سابقين وحاليين، إلى جانب خبراء في شؤون المنطقة، إنَّ المصالح المشتركة والجذور العميقة ستضمن اجتياز الروابط الأساسية بين البلدين هذه الأزمة.

وقال مسؤول استخبارات أميركي سابق رفض الكشف عن هُويته بسبب حساسية المسألة إن الإدارة لو أقدمت على اتخاذ "إجراء جاد" ضد السعوديين، فإنَّ الرياض "ستشعر بحاجة للرد بطريقة ما، وبطريقة لا تؤدي إلى التصعيد. فربما لن يكونوا داعمين بنفس القدر القائم الآن في سوق النفط، أو ربما يقومون بصفقة أسلحة كبرى من الروس أو الصينيين … ويمكننا أن نتقبل ذلك".

وقال المسؤول السابق إنَّ العلاقات الاستخباراتية بين البلدين سوف تصمد كذلك في وجه الضغط. وأضاف: "ما يحدث في كل حالة تقريباً يمكنني تذكُّرها، حين تمر علاقة سياسية بفترة مضطربة، هو أنَّ العلاقة الاستخباراتية تظل سالمةً … إنَّها بالغة الأهمية لكلا البلدين".

 

تحميل المزيد