في الوقت الذي سيطرت فيه واقعة مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي وفرص استمرار ولي العهد محمد بن سلمان في السلطة على اهتمام الصحف طوال الأسابيع القليلة الماضية، كانت دمشق تعمل سراً، لكن استراتيجياً، على استعادة الروابط التي فقدتها مع الدول العربية الرئيسية. وبدأت مجموعة من الدول العربية، ولو سرا، إعادة علاقاتها مع نظام بشار الأسد .
وحسب تقرير لموقع Middle East Eye البريطاني، فإنه بعد مرور سبع سنوات على إقصاء سوريا من المشهد، تستعيد دمشق بهدوء وضعها السابق بصفتها مُحَكِّماً أساسياً في الصراع الإقليمي على السيطرة على الممرات الاستراتيجية في الشرق الأوسط.
كل الطرق أصبحت تؤدي إلى دمشق
أعلنت دولة الإمارات العربية المتحدة أنها تتفاوض بشأن إعادة فتح سفارتها في العاصمة السورية دمشق، واستعادة العلاقات كاملة مع نظام بشار الأسد . وبفتح معبر نصيب على الحدود بين الأردن وسوريا للمرة الأولى منذ اندلاع الحرب السورية، أصبح يمر عبر سوريا الآن طريقٌ يصل تركيا بالأردن.
وفي ذات الوقت، سلَّم الإسرائيليون معبر القنيطرة الحدودي في الجولان المحتلة إلى دمشق، عقب مرور 4 سنوات على إغلاقه.
ولا يتعلق الأمر فحسب بأنَّ كل الطرق أصبحت تؤدي إلى دمشق، بل هناك أيضاً تحرك هادئ استراتيجي من جانب الفاعلين العرب الأقوى نفوذاً في المنطقة نحو تأسيس علاقات نشطة مع الرئيس السوري بشار الأسد.
فعلى سبيل المثال، ذكرت جريدة المصدر الإلكترونية الموالية للنظام السوري أنَّ السعودية وسوريا تعملان معاً عبر قنوات خلفية بوساطة إماراتية للتوصل إلى مصالحة سياسية.
فهل أدركت الدول العربية فجأة أهمية تعزيز موقف نظام بشار الأسد ؟
في تحولٍ مثير للأحداث، أدركت السعودية والإمارات ومصر والبحرين والكويت فجأة الحاجة إلى تعزيز موقف سوريا و نظام بشار الأسد وتشكيل قوة موازنة للنفوذ الإيراني والتركي المتصاعد في الشام.
وأشار مسؤولون إماراتيون وبحرينيون ومصريون في تصريحات أدلوا بها مؤخراً إلى جعل سوريا "قضية عربية" لتوجيهها بعيداً عن تركيا وإيران. ويستند هذا الرأي إلى الآتي: لا يمكن موازنة النفوذ الإيراني والتركي على سوريا إلا بالانخراط في علاقات مع دمشق.
إضافة إلى ذلك، لم تساعد سياسة عزل الأسد وسوريا المستمرة منذ سبع سنوات القضية العربية، وسمحت للأتراك والإيرانيين ببسط نفوذٍ أقوى على سوريا.
ما جعلها تنخرط في حملة "الإشادة" بالدور السوري في المنطقة
وفي سبتمبر/أيلول الماضي، اشتعل جدل وصخب إعلامي كبير حول اللقاء شديد الودية الذي جمع وزيري الخارجية البحريني والسوري على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة.
إذ تبادل الاثنان الترحيب والعناق علناً بعدما وصف وزير الخارجية البحريني نظيره السوري بـ"الشقيق"، وقال إنَّ الدول العربية مستعدة للعمل مع سوريا.
إضافة إلى ذلك، قال وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، في حوار أجراه منذ أشهر قليلة ماضية، إنَّه كان من الخطأ إبعاد سوريا عن الجامعة العربية، ولا بد أن يباشر العالم العربي على الفور العمل مع دمشق.
وفي وقت سابق من الشهر الجاري نوفمبر/تشرين الثاني، أجرى الأسد أول حوار له مع صحيفة خليجية منذ بداية الصراع السوري.
وقال في حواره مع صحيفة "الشاهد" الكويتية إنَّ سوريا توصلت إلى مستوى جديد من التفاهم مع الدول الخليجية والعربية، التي كانت تعارضها سابقاً.
وعقب هذه المقابلة، كتب صحفي كويتي بارز مقالة افتتاحية تعاطفية حول الحاجة إلى دعم حملة النظام السوري لإعادة اللاجئين السوريين إلى وطنهم.
من جانبها، حافظت عمان على علاقات وثيقة مع نظام بشار الأسد في أثناء فترة الحرب، ووقعت معها مؤخراً اتفاقيات اقتصادية ضخمة.
إلى درجة دعوة محمد بن سلمان للاعتراف بانتصار الرئيس بشار الأسد في الحرب السورية
فيما كتب دبلوماسي هندي مخضرم، عَمِل في جميع الدول العربية الكبرى تقريباً ويرتبط بعلاقات طيبة مع السعودية، قائلاً إنَّ ولي العهد السعودي تقدم بمبادرات إلى نظام بشار الأسد في أثناء عدد من اللقاءات، ودعا علناً إلى الاعتراف بانتصار الرئيس السوري في الحرب، وقبول السعودية حكم الأسد مقابل إخراج إيران من سوريا.
وتنطوي تلك التصريحات على تلميح حول دور دمشق المستقبلي في الاضطرابات الأخيرة التي أعقبت قضية خاشقجي. إذ تنطوي مبادرة السعودية والإمارات على هدفين: أولهما تقويض الوجود الإيراني في سوريا، وثانياً ضمان ألَّا تسبقهما قطر وتركيا في ترتيب الدول التي ترتبط بعلاقات مع دمشق.
إلى جانب ذلك، فإنَّ تنافس دول الخليج حول السيطرة على عدة ساحات قتال يُعزِّز تدخُّل أطراف فاعلة غير عربية في عواصم رئيسية تقع في "قلب" العالم العربي، مثل دمشق والقاهرة وبغداد. وتبغض الإمارات والسعودية حقيقة أنَّ تركيا وإيران هما حالياً الدولتان الرائدتان في منطقة الشرق الأوسط.
أم أن تركيا وإيران أجبرتا الدول العربية على التقرب من الأسد؟
انضمت تركيا إلى الخلاف المشتعل بين السعودية والإمارات، وقطر، إذ تسعى أنقرة لاستعادة أمجادها والاستفادة من النفوذ الذي اكتسبته مؤخراً مع إيران وروسيا. وفي الوقت نفسه، أوضح السعوديون أنهم يرغبون في خروج الجيش التركي من قطر.
إلى جانب ذلك، يبذل المحور الإماراتي-المصري جهوداً حثيثة في مقابل المحور التركي-القطري في ليبيا وغزة. ووصف الإماراتيون والكويتيون والبحرينيون جميعاً السوريين بأنهم أشقاء عرب، ودعوا إلى ضرورة عدم تدخل غير العرب أمثال الأتراك والإيرانيين. وهذا ما جعل نظام بشار الأسد الحليف الجديد المنتظر.
وفي الوقت نفسه، يُنظر لاتفاقية الطاقة القطرية-الروسية الموقعة حديثاً على أنها تهديد للمصالح الاقتصادية الإماراتية والسعودية؛ إذ صدرت عن الدوحة مؤشرات على أنها سعيدة بتقبُّل الأسد حليفاً في مقابل إبرام اتفاقيات عسكرية مع روسيا، وتدشين تعاون في مجال الطاقة من البحر المتوسط إلى البحر الأسود.
هذا التقارب لم يبق حكراً فقط على دول الخليج
ولطالما دعمت مصر والجزائر، أكبر قوتين عسكريتين عربيتين، نظام بشار الأسد ، وأعلنتا مؤخراً دعمهما الاقتصادي والعسكري لدمشق. وسواءٌ أكان تقرُّب السعودية والإمارات إلى الأسد يتعلق بحاجةٍ جيوسياسية، أو بهدفهما الأيديولوجي بإبعاد قطر وتركيا وإيران، أصبحت مفاتيح اللعبة في يد سوريا.
ولا يختلف الموقف كثيراً عن محاولات التقارب الماضية بين الملك الراحل عبد الله عاهل السعودية والأسد، عقب اغتيال رفيق الحريري في لبنان عام 2005. فعلى غرار ما حدث آنذاك، نبذ السعوديون الآن موقفهم المعادي لدمشق من أجل للتصدي للنفوذ التركي والإيراني في الشام.
وعلاوة على كل ما سبق، فمع أنَّ الأردن، الدولة الأكثر عداءً لسوريا في المنطقة، كانت تستضيف حتى وقت مبكر من العام الجاري مركز قيادة العمليات السرية الذي يقدم دعماً حيوياً للمعارضة السورية التي تقاتل ضد الأسد، أعادت فتح معبرها الحدودي مع سوريا، في خطوة تعكس تحول الموقف الأردني. خلاصة القول، يتأهب الأسد ودمشق للعودة قريباً إلى حظيرة العرب.