قال الصحافي الإسرائيلي شيمي شاليف، بصحيفة Haaretz، إن التنبؤ بانتهاء مسيرة بنيامين نتنياهو السياسية يعدُّ أمراً غريباً للغاية في إسرائيل اليوم لدرجةٍ تلفت الانتباه. وأشار إلى أن الذاكرة الجماعية تقول دائماً إنَّ نتنياهو مُستبعد من الفوز حتى تنتهي عملية الاقتراع، وإنَّ أخبار انتهاء مهنته في السياسة كانت سابقةً لأوانها.
وأشار في مقالة له بصحيفة Haaretz الإسرائيلية، إلى أن التاريخ له رواية أخرى من الأحداث. فلا يمكن أن ينكر أحد على نتنياهو صعوده الاستثنائي من منصب سفير للأمم المتحدة عام 1988 إلى منصب رئيس الوزراء عام 1996، أو استمراره في السلطة والانتصارات الانتخابية الثلاثة التي حققها منذ عام 2009.
بنيامين نتنياهو تعرض لهزائم متكررة
لكنه أشار إلى أن نتنياهو ليس بالرجل الذي لا يُقهر، إذ مُني بهزيمةٍ ساحقة أمام إيهود باراك عام 1999. وهُزم في مواجهة أرييل شارون بالانتخابات التمهيدية لحزب الليكود عام 2002، وهُزم أمام إيهود أولمرت وحزب كاديما في انتخابات عام 2006، والتي لم يتمكن فيها حزب الليكود، الذي ينتمي إليه نتنياهو، من الحصول إلا على 12 مقعداً في الكنيست. إذن، فهزيمة نتنياهو ممكنة.
شيمي شاليف قال: "الآن، بعد أن أثبتنا أنَّ هزيمة نتنياهو ليست مستحيلةً مادياً، يمكننا أن نتناول المهمة التي نحن بصددها"، وأضاف أن خطاب نتنياهو الذي ألقاه للأمة مساء الأحد 18 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، والذي يمكن عنونته بـ"نادوني بالسيد الحارس"، أظهر أنَّه على الرغم من بذله جهوداً مضنيةً لإنقاذ ائتلافه اليميني، فهو يدرك أنَّ تلك الجهود قد باءت بالفشل. ومن المرجح أن تُجرى الانتخابات في غضون 6 أشهر، ربما بنهاية مارس/آذار 2018.
وتحدث الكاتب الإسرائيلي أن احتمالات خسارة نتنياهو في الانتخابات ستكون نتيجة الأسباب الرئيسية التالية:
1- لأنَّ الكيل قد طفح. فقد أصبح الشعب الإسرائيلي يعاني إرهاقاً سبَّبه له نتنياهو بعد عقدٍ من وجوده بالسلطة. فهو يتقدم نتائج استطلاعات الرأي، لأنَّه يبدو راسخاً في القمة، ولا يستطيع العديد من الإسرائيليين تخيل الحياة من دونه، لكن داخل صناديق الاقتراع سيدركون أنَّ الوقت قد حان للتغيير. وفي عام 1999، تنبأ باراك عن حق بالنظرة المتغيرة المتأخرة تجاه نتنياهو التي ستؤدي إلى خسارته في الانتخابات، وشبَّه باراك هذا الأمر بهشاشة وقصر عمر أزهار الكرز، التي تسقط سريعاً بعد إزهارها. ومن محاسن الصدف، أنَّه من المقرر أن يُزهر الكرز عام 2019 في الوقت نفسه الذي ستذهب فيه إسرائيل -على الأرجح- إلى صناديق الاقتراع.
2- من بين جميع مواجهاته الانتخابية السابقة، ستصبح انتخابات عام 2019 أكثر ما يعيد إلى الأذهان ذكرى انتخابات عام 1999. فبعد سنواته الثلاث الأولى في منصبه، كان نتنياهو متورطاً حتى النخاع في الفضائح، وتحقيقات الشرطة، وتقارير المدعين العموميين، وكان أعضاء حزب الليكود القدامى الذين أقالهم يحتقرونه، ولم يُوله الجناح اليميني ثقته في أعقاب اتفاقيات واي ريفر؛ ورغم أنَّه لم يتولَّ رئاسة الوزراء إلا لمدة ثلاث سنوات فحسب، فإنَّ تركيز وسائل الإعلام عليه جعلت هذه المدة كأنَّها 30 عاماً.
جُلّ ما كان مطلوباً هو بديل مُجدٍ، الذي كان في ذلك الوقت إيهود باراك، رئيس الأركان السابق و"الجندي الإسرائيلي الذي تلقى العدد الأكبر من النياشين". (انظر أدناه حول إمكانية وجود نسخة من باراك لعام 2019، والتي قد يتبين أنَّها ليست سوى باراك نفسه، لكنَّه أكبر بـ20 عاماً).
3- لأنَّ نتنياهو على وشك أن يحصد الشر الذي زرعه طيلة حياته. فبعد سنواتٍ من دفع الشعب الإسرائيلي بلا هوادة إلى تبني أفكار التيار اليميني المعادي للديمقراطية والذي يفضل الخيار العسكري، سوف يقع نتنياهو فريسةً للقوى التي أطلقها. وستطوقه الأحزاب التي تفوقه في التعنت وكراهية الأجانب، وسيُحاصَر حزب الليكود من كلا الطرفين، الوسط واليمين المتطرف، مما يجعله عاجزاً عن تشكيل ائتلاف.
4- لأنَّه فقد قواه السحرية. إذا جاز لي قول ذلك، فإنَّ ابنتي المتبصرة تال شاليف، وهي مراسلة دبلوماسية وسياسية لموقع Walla News الإسرائيلي، تعتقد أنَّ نتنياهو بدأ يفقدها منذ شهرين، في اليوم الذي أُسقطت فيه طائرة الاستطلاع الروسية من طراز Ilyushin II-20 على الأراضي السورية. لم تقوِّض هذه المأساة حرية تصرف إسرائيل في الأجواء السورية فحسب، بل إنَّها ازالت من حول نتنياهو هالة الدبلوماسي البارع الذي يرتهن بوتين بأمره. واستخدم بوتين لأسبابه الخاصة حادث الطائرة لإعادة نتنياهو مرةً أخرى إلى حجمه الأصلي، ما أدى إلى خدش هالة القدرة الدبلوماسية المزعومة.
5- لأنَّ نتنياهو لن يكون قادراً على الهروب من دوامة العنف التي اندلعت، الأسبوع الماضي، في غزة. فإما أنَّ "حماس" لن تمنحه سبباً قوياً للرد بطريقةٍ تمحو صورة الضعف والتردد التي أظهرها هذا الأسبوع، عندما فشلت إسرائيل في رد الضربة بعد أن أطلقت "حماس" 450 صاروخاً على بلداتٍ إسرائيلية في أقل من يومٍ واحد، أو أنَّها ستفعل، وحينها سيُتهم نتنياهو بالمجازفة بأرواح الجنود الإسرائيليين لتحقيق مكاسب سياسية.
6- لأنَّ صديق نتنياهو الحميم في واشنطن، دونالد ترامب، قد يزيد من سوء الأمور بالنسبة له، وهو تطور سيراه العديدون عدالةً ناجزة، إذ سيرفض ترامب التراجع عن تقديم خطته الحاسمة للسلام التي لم يسبق لها مثيل، وسيعلَق نتنياهو بين شقي الرحى: إذ إنَّه لن يرغب في معارضة الرئيس الذي يصفه بأنَّه أفضل صديق لإسرائيل، وهو بالتأكيد لن يوافق على الخطة التي ستشمل في كل الأحوال تنازلاتٍ إسرائيلية سيرفضها اليمين الإسرائيلي بأكمله.
وستكون الفكرة السائدة أنَّ ترانب ومستشاريه لشؤون الشرق الأوسط لم يُقدِّروا الضرر الذي قد تلحقه خطة السلام بفرص نتنياهو الانتخابية. وقد تكون الحقيقة أكثر انتهازية؛ فأحد المستفيدين المباشرين من جهود نتنياهو للمناورة، سواء لصالح خطة ترامب للسلام أو ضدها، سيكون هو نفتالي بينيت، وزير التعليم وزعيم حزب البيت اليهودي. يُقال إنَّ بينيت هو الصديق المقرب الحالي لملياردير لاس فيغاس، شيلدون أديلسون، الذي اختلف مع نتنياهو بسبب تواطؤه المزعوم مع نوني موزس، ناشر صحيفة Yedioth Ahronoth الإسرائيلية، على حساب صحيفة أديلسون Yisrael Hayom، وفقاً للمزاعم.
لذلك، إذا كان أديلسون الذي غذّت أمواله الطائلة سياسات الحزب الجمهوري الأميركي، والذي مُنحت زوجته ميريام، هذا الأسبوع، قلادة الحرية، يحث ترتمب على بدء خطته للسلام دون تأخير، فبإمكان المرء أن يفترض أنَّ ترامب لن يرفض طلبه. قد لا يدرك ترامب ما يفعله، لكنَّ أديلسون سوف ينفذ انتقامه.
7- لأنَّه بحلول الوقت الذي ستُجرى فيه الانتخابات، سيكون نتنياهو عالقاً رغماً عنه في شبكةٍ من الشكوك والتحقيقات والنتائج وإجراءات الاتهام المحتملة التي أضرَّت به طيلة العامين الماضيين. ففي الوقت الذي ستُجري فيه الانتخابات، ستكون الشرطة قد أوصت بتوجيه ثلاثة اتهامات إلى نتنياهو على الأقل بارتكاب جريمة الرشوة، بالإضافة إلى عددٍ من الجرائم الأقل خطورة. وفي أحسن الأحوال، من وجهة نظره، سيكون مصيره السياسي على المحك.
قد ترى القاعدة المخلصة لنتنياهو أنَّه ضحية لمؤامرة يسارية ضخمة تشمل الجميع، من باراك أوباما إلى الملياردير اليهودي جورج سوروس، وأنَّها تُدبَّر في قاعات الأوساط الأكاديمية وأروقة العدالة واستديوهات شبكات البث، لكنَّ معظم الناس سيدركون أنَّه لا يوجد دخان بلا نار. وسواء كان مذنباً أو ضحية مؤامرة، فقد يخلص الإسرائيليون إلى أنَّ البلد سيكون أفضل حالاً مع زعيمٍ لا تثقل كاهله المشاكل القانونية.
8- لأنَّ المؤسسة السياسية الإسرائيلية بأكملها ستصطف ضد نتنياهو، من اليسار المتطرف إلى اليمين المعتدل. وفي حين أنَّ نتنياهو هزم القوى المشتركة التي تضم النخب الإسرائيلية في الماضي، فإنَّه سيكون أقل استعداداً لصد غضب القوى التي ستواجهه في انتخابات عام 2019. استمر نتنياهو في السلطة فترة طويلة، حتى أصبح تجسيداً للمؤسسة الإسرائيلية ووضعها الراهن، ولن ينخدع عددٌ كافٍ من الناخبين بجهوده لتصوير نفسه على أنَّه الشخص الغريب الصامد القادم لتخليص إسرائيل من مستنقع الفساد. وفي عام 2019، سيغطي اسم نتنياهو سطح هذا المستنقع بأكمله.
9- لأنَّ قانون الدولة القومية في إسرائيل سيتحول إلى طوقٍ حول عنق نتنياهو، إذ لن يجذب عدداً أكبر من الناخبين اليهود، الذين تجاوزوا في الغالب الجدل الحاد حول القانون المثير للجدل، لكن من المرجح أنَّه سيحول دون تصويت الدروز المُعتاد لصالح حزب الليكود، وسيجعل من كذبة نتنياهو البغيضة عام 2015 حقيقةً بعد 4 سنوات، إذ سيخرج العرب هذه المرة بأعدادٍ كبيرة للتصويت، وسيموِّل سوروس الحافلات التي ستقلهم إلى صناديق الاقتراع بالتأكيد.
10- لأنَّ نتنياهو قد ألقى بظلالٍ من الشك بغتةً على الولاء التقليدي لليهود القادمين من شمال إفريقيا لحزب الليكود. فتوبيخه الشخص الذي قاطعة بهتافاتٍ عدوانية في بلدة كريات أشمونة ووصفه بـ"الممل"، بالإضافة إلى الاحتجاجات العامة في البلدات الجنوبية مثل سديروت ونيتفوت، اللتين يشعر سكانهما بأنَّ الحكومة قد تركتهم بمفردهم في مواجهة صواريخ "حماس"، يمكن أن يدفعا البلدات التي تقطنها أغلبيةٌ من يهود شمالي إفريقيا إلى البحث عن الراحة في مكانٍ آخر. ولديهم العديد من الخيارات الأخرى المحتملة: حزب شاس الأرثوذكسي المتشدد، أو حزب كولانو الذي يرأسه موشي كحلون، أو تشدد ليبرمان السفاح، أو إصلاحات بينيت السريعة الذاتية، أو نجمة الانتخابات الواعدة أورلي ليفي أباكسيس، وهي إحدى رعايا ليبرمان وتتمتع بمؤهلاتٍ اجتماعية قوية.
11- لأنَّ نتنياهو قد تسبب في إثارة ما يكفي من النوايا الانتقامية والاستياء بين شركائه الحاليين في التحالف، الذين سينتهز بعضهم أول فرصةٍ للانتقام منه. إذا توافر خيار يساري وسطي فعال يصلح بديلاً مشروعاً لنتنياهو واليمين، فإنَّ الساسة الخبثاء مثل وزير الدفاع المستقيل أفيغدور ليبرمان ووزير المالية موشي كحلون، وحتى وزير الداخلية الذي ينتمي إلى حزب شاس أرييه درعي، قد يجدون عذراً للمسارعة بتتويج خصم نتنياهو رئيساً للوزراء.
- لكنَّ البند السابق هو السؤال الأهم، الذي من دونه لن يصبح لأيٍّ من الأسباب الـ11 السابقة أهمية. فوفقاً للوضع الراهن، لا يوجد بين منافسي نتنياهو قيادي يتمتع بشخصيةٍ قوية قادر على شحذ طاقات المصوتين الإسرائيليين من تيار يسار الوسط، ووضع نهايةٍ لعدم اهتمامهم المعهود، وحشدهم للتحرك، أو تحفيز جموع جيل الألفية اللامبالي وغيرهم من الساخطين الذين يزعمون أنَّهم لا يرون أي فرقٍ بين نتنياهو وغيره.
السيناريوهات البديلة
شيمي شاليف أضاف في مقالته، أنه لكي يحدث هذا، لا بد من وقوع حدث يشبه الانفجار العظيم، إذ لا يرقى إلى مستوى هذه المهمة يائير لبيد رئيس حزب "يش عتيد"، ولا زعيما حزب الاتحاد الصهيوني الأقل حيوية تسيبي ليفني وآفي غاباي، إذ لا يتقد أي منهم ولا الأحزاب التي يتزعمونها بالقدر المطلوب من الحماسة.
سيكون من الجيد أن يخرج حزب يسار الوسط بأفكار جديدة بدلاً من تلك القديمة والبالية، ومن الأفضل أن تعيد الأحزاب المعارضة لنتنياهو و"الليكود" تنظيم صفوفها تحت مظلة تحالف ضخم مناهض لرئيس الوزراء الإسرائيلي، بل والأفضل من ذلك أيضاً أن ينجحوا في اختيار قائد جديد يتزعمهم في أرض المعركة.
ووفقاً لما تبدو عليه الأمور الآن، فإنَّ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق الغامض، بيني غانتس، هو الخيار الوحيد المطروح، وذلك سواء ترشح مستقلاً أو نيابةً عن الاتحاد الصهيوني والأحزاب الأخرى. لكنَّ كثيراً من أنصار حزب العمل الإسرائيلي سيترددون قبل تسليم جيوشهم إلى قائد جديد أبقى على أوراقه طي الكتمان، حتى إنَّه يُحتمل أن ينتهي به المطاف في مرتبة تالية لنتنياهو، وهو ما سيؤدي إلى خسارة جميع الرهانات وانتهاء اللعبة.
أما السيناريو البديل، فسيشهد اتحاد أحزاب تيار اليسار في اللحظات الأخيرة تحت قيادة السياسي البارز المشاكس باراك، الذي برز خلال الأشهر الأخيرة كأحد أكثر منتقدي نتنياهو حدة. وإذا ساد شعورٌ بإحداث تغييرٍ حقيقي، يستطيع باراك ضم شخصياتٍ عامة أخرى إلى قائمته، منهم عدوه اللدود رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق غابي أشكنازي، الذي يعد عامل جذب في الانتخابات، وهو قائد عسكري سابق آخر يسعى لخوض المنافسة. ويشكل -على الأرجح- اتحاد باراك وغانتس وأشكنازي في جبهةٍ ثلاثية أسوأ كوابيس نتنياهو.
وإذا حدث هذا، فلن تكون هناك حاجة إلا إلى دعاءٍ جماعي من كل من يعتقد أنَّه حان وقت توديع نتنياهو، لكي تتفتح أزهار الكرز هذا العام (2018) في موعدها المحدد تماماً. الأمر غاية في السهولة.