أشهر جامعتين في أميركا تعيدان النظر في علاقتيهما بالسعودية بسبب مقتل خاشقجي.. كانتا تحتفيان بولي العهد في زيارته الأخيرة لواشنطن

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/13 الساعة 21:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/14 الساعة 07:43 بتوقيت غرينتش

تحوّلت حالة الاحتفاء الشديدة التي كان يتمتع بها ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في الولايات المتحدة الأميركية، قبل أشهر، إلى محاولة النأي بالنفس عن كل ما له علاقة بالأمير السعودي، بعد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده بتركيا، الشهر الماضي.

وقالت صحيفة The Guardian البريطانية، الثلاثاء 13 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، إن معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد الشهيرة باتا يعيدان النظر في علاقتهما بالسعودية في أعقاب مقتل خاشقجي.

وخلال رحلته التي استغرقت ثلاثة أسابيع، قبل عام  إلى أميركا ظهر  ولي العهد السعودي إلى جانب بعض كبار مسؤولي الحكومة الأميركية والشركات العملاقة ووسائل الترفيه، وأبرم صفقات تجارية مثمرة، بينما سمح لشهرة أشخاص مثل مايكل بلومبيرغ وبيل غيتس وجيف بيزوز ودوين جونسون وسمعتهم أن تعزز صورته الشخصية.

وتمثلت إحدى أهم محطاته في بوسطن، حيث عبر نهر تشارلز مع حاشيته لزيارة جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وهما من أكبر الجامعات المرموقة في العالم.

والتقى ولي العهد في مقر الجامعتين مع المديرين، وترأس اجتماع توقيع اتفاقيات جديدة مع كلتا الجامعتين. وفي ذلك الحين، أشاد رئيس معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا رفائيل ريف، بولي العهد المستبد، قائلاً "المملكة تتقدَّم بخطواتٍ سريعة نحو مستقبل جديد واعد".

محاولة البعد عنه بعد الدعم

وتعد جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا مركزي الابتكار والتجديد، بالإضافة إلى كونهما مؤسستين تنصران حرية التعبير. وكانت تلك الاستضافة والإشادة تُعَد بمثابة موافقة مؤكدة على دعم العاهل القادم.

ومع ذلك، يُتهم ولي العهد محمد بن سلمان حالياً بإصدار الأوامر بتصفية جمال خاشقجي، الصحافي السعودي المنفي البارز الذي اختفى في أثناء زيارته القنصلية السعودية في مدينة إسطنبول التركية، في الثاني من أكتوبر/تشرين الأول. ويعيد معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد –بالإضافة إلى مدارس أخرى تتلقى الأموال والدعم من الحكومة السعودية منذ سنوات- النظر في العلاقات مع المملكة.

وفي خطابه الموجّه بتاريخ 15 أكتوبر/تشرين الأول، إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كتب المدير المشارك للأنشطة الدولية ريتشارد ليستر، أن قضية اختفاء خاشقجي "شديدة الخطورة"، وأن ريف طالبه بإعادة تقييم ارتباطات الجامعة على المستوى المؤسسي بالمملكة العربية السعودية.

ونقلت صحيفة The Guardian عن المتحدث باسم معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا قوله إن ليستر لن يدلي بمزيد من التعليقات لحين انتهاء عملية المراجعة.

وفي بيان صدر إلى الصحيفة، ذكر المتحدث باسم جامعة هارفارد أن الجامعة "تتابع الأحداث الأخيرة باهتمام"، و"تتولى تقييم التداعيات المحتملة على البرامج القائمة".

منح السعودية للجماعات الأميركية

وبحسب الصحيفة البريطانية، قدمت المملكة العربية السعودية منذ عام 2011 أكثر من 350 مليون دولار إلى عشرات الجامعات الأميركية. ومع أن جزءاً من ذلك المبلغ كان في صورة هدايا، فإنَّ الجزء الأكبر كان لسداد رسوم ومصروفات دراسية للطلاب السعوديين بالجامعات الأميركية، في ظل برنامج المنح الدراسية.

ووفقاً لتحليل صادر عن وكالة Associated Press الأميركية حول الأموال السعودية المدفوعة إلى الجامعات الأميركية، تلقت جامعة جورج واشنطن بالعاصمة الأميركية واشنطن الجزء الأكبر، إذ حصلت على أكثر من 70 مليون دولار في صورة مصروفات دراسية. وكانت جامعة جورج ميسون بمدينة فيرفاكس المجاورة بولاية فيرجينيا، ثاني أكبر متلقٍّ للأموال السعودية بين الجامعات الأميركية بحصولها على 63 مليون دولار.

ومع أنَّ علاقات المملكة بجامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وثيقة للغاية، فإنَّ مدى  تلك العلاقات وتفاصيلها لم يتضحا.

وفي أثناء زيارة محمد بن سلمان إلى بوسطن، وافقت الحكومة السعودية والشركات المملوكة لها على تمويل ثلاثة مشروعات على الأقل لمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا. وفي أحد تلك المشروعات، تعهَّدت شركة أرامكو السعودية الحكومية بتقديم 25 مليون دولار لإحدى الاتفاقيات البحثية على مرِّ خمس سنوات.

وفي تقرير وزارة التعليم الأميركية بشأن الهدايا والعقود الأجنبية، لم تحدد جامعة هارفارد من أين جاء مبلغ 28 مليون دولار الذي ذكرت الجامعة أنها تلقته من مصادر سعودية منذ عام 2011 تحديداً. ومع ذلك، أبرمت الجامعة اتفاقاً مع مؤسسة "مسك" التابعة لمحمد بن سلمان، يقتضي إيفاد طلاب سعوديين في سن المرحلة الثانوية إلى جامعة هارفارد لتلقي دورات صيفية. وفي عام 2016، ذكرت المؤسسة أنها وفرت 100 مقعد للطلاب السعوديين من مقاعد الدورات الصيفية البالغ عددها 800 مقعد في جامعة هارفارد، أي بنسبة 12.5% من عدد المقاعد.

وفي عام 2005، قدم الأمير السعودي الوليد بن طلال منحة قدرها 20 مليون دولار إلى برنامج الدراسات الإسلامية في الجامعة.

جامعة ثالثة تنظر في علاقاتها مع السعودية

وتعيد جامعة ثالثة في ماساتشوستس، وهي جامعة بابسون، النظر أيضاً في علاقاتها بالمملكة. إذ يُذكَر أنَّ جامعة بابسون أبرمت اتفاقية مع الحكومة السعودية لمساعدتها على تأسيس كلية الأمير محمد بن سلمان لإدارة الأعمال وريادة المشروعات، وهي مؤسسة سعودية تحمل اسم ولي العهد. ووفقاً لمستندات الإقرار المالي، تحصل جامعة بابسون بموجب هذه الاتفاقية على 52 مليون دولار على مدى عشر سنوات، بدءاً من عام 2014.

وفي ولاية إلينوي، ذكرت جامعة نورث ويسترن أنَّ موظِّفيها يُطالَبون بإعادة تقييم علاقات الجامعة بالمملكة، مع أنها دافعت عن "الأغلبية العظمى" من الأموال التي تقلتها من المملكة العربية السعودية في صورة منح لإجراء البحوث العلمية. وقد تلقَّت جامعة نورث ويسترن أكثر من 14 مليون دولار من المملكة في السنوات الأخيرة.

وجاءت الخطوات التي اتخذها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد بشأن إعادة النظر في علاقاتهما بالمملكة، وسط تساؤلات متزايدة تطرحها مجتمعاتهما.

يُذكَر أنَّ معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا وجامعة هارفارد التزما الصمت في أثناء زيارة محمد بن سلمان. ومع أنَّ زيارات كبار الشخصيات رفيعة المستوى ليست نادرة، فعادةً ما يصحبها إقامة احتفاليات عامة. ومع ذلك، تمت زيارة محمد بن سلمان إلى كلتا الجامعتين خلف أبواب مغلقة، ولم يعلم بها العديد من أعضاء هيئات التدريس والطلاب.

وأثارت الزيارة والتعتيم الواضح الذي اكتنفها غضباً كبيراً في كلتا الجامعتين.

وفي أعقاب زيارة ولي العهد خلال شهر مارس/آذار، كتب أعضاء مجلس تحرير صحيفة The Tech الطلابية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا أنَّ صمت الجامعة تجاه أفعال المملكة العربية السعودية "يثبت أنها تضمر نوعاً من النفاق في أخلاقياتها، إذ إنها لا ترغب في الدفاع عن الظلم وانتقاده، إلَّا عندما لا يتعارض ذلك مع مصالحها الاستراتيجية".

وفي الأسبوع الماضي، طالب مجلس تحرير صحيفة Harvard Crimson، أن توضح الجامعة علاقاتها بالمملكة، وأن تجعلها تتسم بالشفافية، وأن تعيد النظر في تلك العلاقات.

وكتب مجلس التحرير: "بالربط بينها وبين النظام السعودي، فإن جامعة هارفارد –وهي واحدة من أفضل جامعات العالم– تخاطر بشرعنة الطبيعة الاستبدادية للنظام والسياسات الوحشية التي يمارسها في الخارج".

وصحيحٌ أنَّ معهد ماساتشوستس وجامعة هارفارد ليسا الوحيدين في تلقي الأموال السعودية، لكنَّهما الوحيدان اللذان استقبلا ولي العهد السعودي المثير للجدل، بحسب الصحيفة البريطانية.

النأي عن ولي العهد

ويشعر غريف بيترسون -الذي يعمل في مركز بركمان كلاين لشؤون الإنترنت والمجتمع بجامعة هارفارد والمعارض الشديد لعلاقة الجامعة مع محمد بن سلمان- بأنَّ جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا كان ينبغي لهما أن ينأيا بأنفسهما عن ولي العهد السعودي.

وقال: "هناك مرحلة يدرك خلالها المرء أن أي نوع من العلاقات المالية سيشرعن نظاماً يثير أزمات إنسانية خطرة، ويقتل مجموعة من الأبرياء".

وخلال زيارة ولي العهد إلى معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، كان بصحبته ماهر عبدالعزيز مطرب، الدبلوماسي السعودي السابق وأحد السعوديين المتهمين بتنفيذ عملية اغتيال خاشقجي. ويمكن رؤية مطرب في الخلفية في إحدى صور ولي العهد السعودي في أثناء مصافحته رئيس الجامعة.

ومع ذلك، فرغم أنَّ هناك دعوات إلى إنهاء كافة العلاقات المالية، فإنَّ تنفيذ ذلك قد يكون صعباً.

إذ ترى ليز رايزبيرغ -مستشارة للتعليم العالي وباحثة بالمركز الدولي للتعليم العالي بجامعة بوسطن، وقد شغلت أيضاً منصب مستشار وزارة التعليم السعودي- أنَّ قطع العلاقات ليس بهذه البساطة، رغم انزعاجها من مقتل خاشقجي.

وقالت ليز: "أعتقد أنه من الجيد والمهم أن تدعو جامعة هارفارد ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، أعضاء هيئتي التدريس بهما للمشاركة في حوار حول العلاقة مع السلطات السعودية. ولكن أين نتوقف؟ إذا بدأت إعادة النظر في علاقتك بالمملكة، فهل تعيد النظر في علاقتك بالصين؟ وروسيا؟ وتركيا؟ وإسرائيل؟

وترى العديد من الجامعات الأميركية أن قطع العلاقات مع المملكة العربية السعودية تماماً يعني توقف وفود الطلاب السعوديين الحاصلين على منح دراسية تمولها الحكومة الأميركية إلى الولايات المتحدة، بحسب الصحيفة البريطانية.

ويمكن أن يؤدي انتقاد إجراءات الحكومة السعودية إلى اتخاذ تدابير انتقامية. فقد أصدرت الرياض تعليمات للطلاب السعوديين الدارسين في كندا بالعودة إلى الوطن، بعدما طالب وزير الخارجية الكندي المملكة بإطلاق سراح ناشطين معتقلين فيها.

وذكر كريستيان أولريتشن، خبير شؤون بلدان الخليج بمعهد بيكر للسياسات العامة بجامعة رايس، أن الدراسة بالخارج تسمح للطلاب السعوديين بالتعرُّض لأفكار قد لا يعرفونها في حال بقائهم في المملكة، حيث تُقمَع  حرية التعبير.

وقال: "تتوقع الحكومة السعودية أن يعود الطلاب مزودين بمجموعة من المهارات المهنية التي تمكّنهم من تولي المناصب التكنوقراطية التي تمثل جزءاً من ذلك التحول. وتتجاهل بالطبع المهارات الاجتماعية التي يمكن أن يعودوا بها أيضاً، وأسلوب التفكير والإبداع والتحقيق. وتلك هي الجوانب التي قد لا ترغب الحكومة السعودية في تشجيعهم على العودة بها إلى الوطن".

ورداً على إحدى المقالات الافتتاحية بصحيفة The Tech الطلابية بمعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، خلال شهر أبريل/نيسان، تناول رئيس المعهد "القضايا الخطرة والصعبة" التي ينبغي أن تواجهها الجامعة عند إقامة العلاقات. ومع ذلك، فقد دافع في النهاية عن علاقة الجامعة بالمملكة العربية السعودية.

وكتب قائلاً: "يمكننا بدلاً من ذلك اختيار استراتيجية قطع العلاقات. ومع ذلك، ففي معظم الأحوال، يبدو لنا أن قطع العلاقات لن يحقق تغييراً إيجابياً كبيراً ولن يشجع على حدوثه".

تحميل المزيد