حفلات غنائية في ساحات الإعدام.. ذهب داعش وجاءت الموسيقى، كيف تُسخر الموصل الفن لإعادة الإعمار؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/12 الساعة 05:50 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/12 الساعة 05:52 بتوقيت غرينتش

قد يكون الداعشيون يموتون كمداً مما يجرى المدينة التي كانت معقلهم الأكبر، فاليوم تصدح الموسيقى في الأحياء التي كانوا يتحكمون بها، إذ أن الموصل تحاول تسخير الفن لإعادة الإعمار واسترداد حياتها الطبيعية.

كانت ليلة صافية عبق فيها الجو بالرطوبة وصدحت أنغام سيمفونية فيفالدي "الفصول الأربعة" في مدينة الموصل المدمرة التي شهدت إعلان خلافة داعش.

ففي 27 من أكتوبر/تشرين الأول 2018 كانت أوركسترا غير رسمية تقدم عرضاً لم تشهد له مدينة الموصل العراقية مثيلاً منذ عقود حسبما نقل تقرير لصحيفة The Washington Post الأميركية قول صحفي محلي.

الموصل تحاول تسخير الفن لإعادة الإعمار في المكان ذاته الذي كان يدرب داعش مقاتليه

الأوركسترا غير الرسمية تألفت من مزيج من الأفراد، منهم محترفون من بغداد فيما آخرون ليسوا سوى هواة محليين، وقد اجتذبت الألحان جمهوراً قوامه المئات، تجمعوا لحضور العرض فوق بقعة أرض كانت تنظيم الدولة الإسلامية يدرب عليها جيله الجديد من المقاتلين فيما مضى.

بالنسبة للمشاهدين وللمشاركين على حد سواء فإن هذه التظاهرة شكلت ميلاداً فنياً جديداً للمدينة التي ما زالت تحاول إعادة بناء نفسها بعد السنين العجاف الـ3 التي رزحت فيها تحت نير حكم التنظيم المروع.

فعبر هذه مبادرة المبهجة فإن الموصل تحاول تسخير الفن لإعادة الإعمار.

فهي تعاني لإيجاد التمويل اللازم لإصلاح كل هذا الخراب

فالموصل التي قبعت تحت حكم الدولة الإسلامية (داعش) بين عامي 2014 و2017 كانت كبرى المدن التي سقطت في يد التنظيم، حيث فُرض على المدنيين نظامٌ ديني متشدد أساسه العقوبات الجائرة كإعدام الرجال والنساء بتهم جرائم كالتجسس أو الزنا، وكثيراً ما شهدت ساحات المدينة العامة تلك الإعدامات بشكل روتيني منتظم.

بعدها، شنت قوات الحكومة العراقية هجمة شرسة دامت 8 أشهر لاستعادة المدينة وألحقت المزيد من الدمار بها ففر مئات الآلاف من المدنيين بينما قتل آلاف آخرون.

 المتطوعون يحاولون إعادة الحياة للمدينة
المتطوعون يحاولون إعادة الحياة للمدينة

مضى الآن أكثر من عام منذ أعلن رئيس الوزراء العراقي حيدر عبادي مدينة الموصل مدينة محررة.

بيد أن أغلب المدينة ما زال خراباً، وتعاني المدينة لتجد التمويل من أجل رفع حطامها.

وقد يكون الفن الوسيلة لجذب الانتباه إلى مأساتها المستمرة هذه

لهذا السبب كان الأمل الذي يحدو منظمي عرض الشهر الماضي الموسيقي هو بث الروح في السكان لمساعدتهم على مواجهة صدمتهم.

وبهذه الطريقة فإن الموصل تحاول تسخير الفن لإعادة الإعمار وإلهام سكانها.

يقول قائد الفرقة الموسيقية كريم وصفي "إن هذه المدينة تستحق ثقافياً أن تُعرف بأنها مكان للموسيقى لا لأصوات القنابل."

وصفي هو المايسترو السابق للأوركسترا الوطنية العراقية التي من خلال مؤسستها "السلام من خلال الفن" جاءت المساعدة لتنظيم الحفل في المدينة المدمرة.

لقد قاموا بالغناء بعد تفجير سيارة مفخخة.. ليست المرة الأولى التي ترد فيه الموسيقى على الإرهاب

من المعروف عن وصفي أنه يأتي بالموسيقى إلى بؤر الظلام.

ففي عام 2015 جذب وصفي اهتماماً عالمياً بعزفه على آلة التشيللو فوق كوم حطام ببغداد كانت فجرته سيارة مفخخة قبل نهار، فتغنى كل المارة والمفجوعون في حدادهم بالنشيد العراقي الوطني الذي عزف وصفي ألحانه.

وقتها تزامن ذاك الأداء مع وقت عصيب، إذ كان تنظيم الدولة الإسلامية داعش يسيطر على مساحات واسعة ومهمة من البلاد.

وكان كل شهر يشهد مقتل مئات المدنيين من جراء أعمال العنف والإرهاب. حينها تحدث وصفي إلى صحيفة The Washington Post الأميركية قائلاً إن الغرض من عزفه هو "مخاطبة الناس في المكان نفسه الذي كان أحدهم فيه قد مر بتجربة رهيبة من قبل".

فهل ينتبه المانحون الدوليون لأزمة المدينة؟

يأمل وصفي في تنظيمه لهذا العرض في أكتوبر/تشرين الأول 2018 أن يكرر الفعلة في الموصل، ولعل وعسى يلفت الحفل انتباه المتبرعين الدوليين الذين قد يسهمون في مساعي إعادة إعمار المدينة.

صالح الياس صحفي محلي ساعد بتنظيم الحفل. يقول "تعتمد الحكومة على الدعم الدولي لإعادة إعمار الموصل، وحفل موسيقي كهذا سوف يرسل رسالة إيجابية إلى العالم".

مدينة الموصل بعد خروج داعش
مدينة الموصل بعد خروج داعش

بالتأكيد تستقطب المدينة المزيد والمزيد من الفعاليات الثقافية أملاً في بث الروح والحياة من جديد، ففي نهاية الأسبوع الفائت اختارت الحكومة الوطنية جامعة الموصل مكاناً لإقامة المهرجان السنوي العراقي للغناء.

تقول آسيا كمال نائبة رئيس رابطة الفنانين العراقيين التي ترأست المهرجان "لقد أصرينا على إقامة المهرجان هذا العام بالموصل دعماً لهذه المدينة لأنها قاست الكثير ولإرسال رسالة إلى العالم أجمع مفادها أن الموصل حية."

ومكان الحفل القادم سيكون له دلالة خاصة بالنسبة لداعش

وسوف يقدم وصفي بصحبة موسيقيي فرقته عرضاً ثانية بالموصل، لكن مكان الحفل هذه المرة حسب قول الصحفي الياس سيكون شطر المدينة الغربي الأكثر دماراً.

وسوف يكون مكان الحفل على مقربة من مبنى عالٍ كان تنظيم داعش يستخدمه لإعدام المثليين جنسياً برميهم من أعلى البناء.

وختم قائلاً "إننا نحارب إرهابهم بالحياة والموسيقى."

تحميل المزيد