قُبض عليه في باكستان وحقق معه بمصر وبسبب اعترافاته دخلت بريطانيا العراق عام 2003.. حكاية معتقل ليبي تحايل لينجو من التعذيب

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/08 الساعة 05:31 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/08 الساعة 13:24 بتوقيت غرينتش
Prisoner man in dark cell reading a book or bible

باعتراف تحت التعذيب في مصر، ورَّط معتقل ليبي بريطانيا بالدخول في حرب العراق عام 2003، بسبب ما تعرض له في مقرات الاعتقال واضطر إلى أن يعترف بوجود علاقة بين صدام حسين وأسامة بن لادن؛ لأن هذا ما كان جهاز الاستخبارات البريطاني يريده.

قال موقع Middle East Eye البريطاني إنَّ وكالات استخبارات بريطانية أرسلت أسئلتها إلى محققين يستجوبون ابن الشيخ الليبي المشتبه فيه رغم علمهم بتَعرُّضه لتعذيبٍ شديد في أعقاب هجمات 11 سبتمبر/أيلول، وأنَّ الوزراء البريطانيين استغلوا إجاباته فيما بعدُ للمساعدة في تبرير غزو العراق عام 2003.

وأضاف الموقع البريطاني أنّ أحد ضباط جهاز الاستخبارات البريطاني "MI6" كان على معرفةٍ بوضع ضباط وكالة المخابرات المركزية الأميركية ابنَ الشيخ الليبي داخل تابوتٍ مُغلقٍ في سجنٍ تُديره الولايات المتحدة بأفغانستان. وتابع الضابط تحميل التابوت إلى شاحنةٍ واقتياده إلى طائرةٍ كانت تنتظر للتوجه جواً إلى مصر.

وفي تقرير الحادث الذي أُرسِل إلى المقر الرئيسي لجهاز الاستخبارات البريطاني MI6 في لندن، أفاد الضابط وزملاؤه: "كنا نرغب في الإبلاغ" عن المعاملة التي تعرض لها الليبي، لكنَّنا لم نفعل. وتابعوا: "لقد عزز هذا شعوراً لدينا بعدم الارتياح تجاه العمل خارج مظلة القانون".

ورغم علمهم بإرسال الليبي جواً إلى مصر داخل تابوت، ورغم التاريخ المُوَثَّقِ جيداً لانتهاكات حقوق الإنسان في ذلك البلد، قرر كلٌّ من جهازَي الاستخبارات البريطانيين "MI6″ و"MI5" إرسال الأسئلة التي ستُطرح عليه والاستمرار في تلقِّي التقارير بشأن أقواله.

وتحت التعذيب، اعترف الليبي أمام المحققين المصريين بوجود روابطَ بين القاعدة وبرنامج الأسلحة النووية للرئيس العراقي صدام حسين. وأضاف أن 3 من أعضاء التنظيم المسلح أُرسِلوا إلى العراق للتدريب، بحسب الموقع البريطاني.

وعند نقله في نهاية المطاف عائداً إلى حوزة وكالة المخابرات المركزية، قال الليبي إنَّه اختلق تلك الاعترافات لتفادي المزيد من التعذيب.

لكن بحلول ذلك الوقت، كانت اعترافاته قد استُغلَّت بالفعل لتبرير غزو العراق.

وأُدرِج بعضها في خطاب ألقاه وزير الخارجية الأميركي السابق، كولن باول، أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في 5 فبراير/شباط عام 2003، قبل أسابيع من الغزو الذي قادته الولايات المتحدة، في حين صرَّح رئيس الوزراء البريطاني توني بلير أمام البرلمان في اليوم نفسه عن وجود روابطَ "لا تقبل الشك" بين القاعدة والعراق.

وقال بلير: "سيكون من الخطأ الجزم بعدم وجود أي روابط بين القاعدة والنظام العراقي. إذ توجد أدلةٌ على تلك الروابط. لكن مدى عمقها يظل محل تساؤل. ورغم ذلك، تصلنا معلوماتٌ استخباراتية طوال الوقت بشأن هذا الأمر".

وأضاف بلير أنَّ قضية الحرب ضد العراق لم تُبنَ على روابطها مع تنظيم القاعدة، بل جاءت نتيجة برنامج أسلحة الدمار الشامل الذي تزعمه صدام حسين: "أنا أؤمن أنَّ قضيتنا المتعلقة بأسلحة الدمار الشامل واضحةٌ للغاية دون شك. فمن الواضح تماماً أنَّ صدام يمتلكها".

وفي أعقاب الغزو، اتضح سريعاً أنَّ برنامج صدام لأسلحة الدمار الشامل قد فُكِّكَ منذ أمدٍ بعيد. كما اتضح أيضاً عدم وجود روابط بين العراق والقاعدة.

لكنَّ دور المملكة المتحدة في التحقيق مع الليبي، الرجل الذي عُذِّب من أجل تقديم بيانٍ كاذبٍ لتبرير الحرب، لم يُكشف عنه، حتى الآن.

معسكرٌ تدريبي تدعمه الولايات المتحدة

وُلِدَ الليبي، واسمه الحقيقي علي محمد عبدالعزيز الفاخري، في ليبيا عام 1963.

يُقال إنَّه غادر البلاد في منتصف الثمانينيات وسافر حول شمال إفريقيا قبل الاستقرار في المملكة العربية السعودية، حيث وافق على الانضمام للقوات التي تُحارب الاحتلال السوفييتي في أفغانستان.

وتُشير التقارير العديدة إلى أنَّ الليبي أصبح قائد معسكر الخالدين التدريبي العسكري في شرق البلاد. أُنشئ المعسكر بدعمٍ من الولايات المتحدة، واستمر الخالدين في توفير تدريبات الأسلحة والمتفجرات بعد انسحاب السوفييت، بحسب الموقع البريطاني.

ويُعتبر زكريا موسوي من ضمن "خريجي" المعسكر، وهو يقضي الآن عقوبة السجن مدى الحياة في الولايات المتحدة بعد اعترافه بالتآمر على قتل المواطنين الأميركيين كجزءٍ من هجمات القاعدة في 11 سبتمبر/أيلول بمدينتي نيويورك وواشنطن عام 2001.

وفي أعقاب تلك الهجمات واجتياح أفغانستان بقيادة الولايات المتحدة، حاول الليبي الفرار. وقُبِض عليه أثناء محاولته عبور الحدود باتجاه باكستان، ليُصبح بحوزة الولايات المتحدة داخل أفغانستان مطلع يناير/كانون الثاني عام 2002.

وبحلول ذلك الوقت، حرصت شخصياتٌ بارزةٌ داخل الإدارة الأميركية على التأكد من حقيقة وجود أي روابطَ بين القاعدة والعراق.

وفي 14 سبتمبر/أيلول، بعد 3 أيامٍ فقط من هجمات القاعدة، طرح الرئيس الأميركي جورج بوش الابن إمكانية وجود علاقةٍ بين أسامة بن لادن وصدام حسين: إذ أعرب عن ذلك خلال محادثةٍ هاتفيةٍ مع توني بلير، وفقاً للأدلة التي قُدِّمَت فيما بعد إلى لجنة تشيلكوت، وهي اللجنة الرسمية المسؤولة عن التحقيق في دور المملكة المتحدة في الحرب على العراق. ويُقال إنَّ بلير أجاب بالتعبير عن حاجته لرؤية أدلةٍ دامغةٍ من أجل قبول هذا الطرح.

واستجابت وكالة المخابرات المركزية للضغوط السياسية المُطالِبة بتقييمٍ شاملٍ لأي علاقةٍ بين الاثنين بعدها بوقتٍ قصير، إذ أعلنت أنَّها "ستترصد لأي علاقاتٍ بينهما، بافتراض أن أي علاقةٍ بين هذين العنصرين العدائيين ستنطوي على خطرٍ كبير بالنسبة للولايات المتحدة"، وفقاً لتقريرٍ أصدرته لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي عام 2006.

ورغم تلك الجهود "الضارية"، توصَّلت وكالة المخابرات المركزية مبدئياً إلى أنَّ الأدلة على وجود روابط بين العراق والقاعدة اعتمدت على تقارير "مجتزأة ومتضاربةٍ" من "مصادرَ متنوعة في درجة موثوقيتها"، كما وجدت لجنة مجلس الشيوخ فيما بعد.

وخلال صيف عام 2002، عاد ريتشارد ديرلوف، رئيس جهاز الاستخبارات البريطاني MI6، من رحلةٍ إلى واشنطن بأخبارٍ مُقلقة. ووفقاً لمذكرةٍ سُرِّبَت في وقت لاحق، أبلغ ديرلوف بلير بأنَّ "الاستخبارات والحقائق تُعَد الآن (على يد الولايات المتحدة) بما يتوافق مع سياسة" إطاحة صدام حسين من السلطة.

ووجدت لجنة تشيلكوت أنَّ بلير كتب بعد خمسة أيام من علمه بتلك الأخبار إلى بوش قائلاً إنَّ تجهيز قضية شن الحرب يجب أن يتضمن "إضافة روابط القاعدة" مع صدام، إذ إنَّ هذا الأمر سيكون "مُقنعاً بشكلٍ كبيرٍ هنا"، بحسب الموقع البريطاني.

وبحلول سبتمبر/أيلول، صرَّح جورج تينيت، مدير وكالة المخابرات المركزية الأميركية، لأعضاء مجلس الشيوخ بـ "وجود أدلةٍ على تزويد العراق للقاعدة بمختلف أنواع التدريبات، مثل تدريبات القتال وصناعة القنابل والمواد الكيميائية والبيولوجية والإشعاعية والنووية".

وفي الشهر التالي، صرَّح بوش أمام حشدٍ من الناس في أوهايو: "نما إلى علمنا تدريب العراق لأعضاء القاعدة على صناعة القنابل والسموم والغازات الفتاكة".

وفي الوقت المناسب، اكتشفت لجنة الاستخبارات في مجلس الشيوخ الأميركي وجود مصدرٍ واحدٍ فقط لتلك الادعاءات الكاذبة: الليبي، الرجل الذي شهد جهاز الاستخبارات البريطاني MI6 على نقله جواً إلى مصر داخل تابوت.

"طائر الوقواق في طريقه إلى الطائرة المنتظرة"

وبعد القبض عليه على الحدود الباكستانية، اصطُحِب الليبي إلى مركز الاحتجاز الأميركي المؤسس حديثاً في باغرام، وهي القاعدة الجوية مترامية الأطراف في شمال كابول التي تعود إلى العصر السوفييتي.

ووُصفت الأحداث التالية تفصيلياً في زوجٍ من التقارير القاسية عن تورط المملكة المتحدة في تسليم المعتقلين وإساءة معاملتهم، ونُشرت تلك التقارير في يونيو/حزيران الماضي بواسطة لجنة الاستخبارات والأمن بالبرلمان البريطاني، وهو الكيان الذي يُشرف على عمل وكالات الاستخبارات داخل البلاد.

وفي حين وُثِّقَ دور الولايات المتحدة في انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكِبت في أعقاب 11 سبتمبر/أيلول، فقد أُنكِر تورط المملكة المتحدة وظل شبه مخفيٍ لسنوات.

وفي أعقاب سلسلةٍ من تسريبات وسائل الإعلام والمماطلة في التحقيقات القضائية، أتى تقرير لجنة الاستخبارات والأمن ليكون أول اعترافٍ رسميٍ بالمسؤولية؛ إذ إنَّه وصف مئات الوقائع التي تورطت فيها وكالات الاستخبارات البريطانية في الاختطاف والتعذيب والمعاملة غير الآدمية، وحدث ذلك بموافقةٍ وزاريةٍ في الكثير من الأحيان.

وكبقية المعتقلين الذين وُصفت معاملتهم السيئة في تقرير لجنة الأمن والاستخبارات، فقد أُخفيت هوية الليبي واستُخدم محلها اسمٌ رمزي. غير أنَّ موقع Middle East Eye تيقن أنَّه قد ذُكر في التقرير باسم طائر الوقواق Cuckoo، بينما يُشار باسم بيرد Baird إلى ضابط جهاز الاستخبارات البريطاني MI6 الذي شهد تسليمه لمصر فيما كان محبوساً في تابوتٍ. ويرمز التقرير لمصر باسم كوبار Cupar، بينما نُقِّحَت الإشارات إلى وكالة الاستخبارات المركزية.

يصف تقرير اللجنة كيف أنَّ التحقيق مع "الوقواق" جرى في البداية على يد ضابطٍ بجهاز الاستخبارات البريطاني MI6 وعددٍ من الأميركيين الذين يُعتقد أنَّهم عملاء في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وجاء في التقرير: "لأيامٍ شارك ضابطٌ بجهاز الاستخبارات البريطاني MI6 في استجواب الوقواق، بمشاركة شخصياتٍ أميركيةٍ".

ويضيف التقرير: "وفي اليوم الثامن أعلنت الجهة (منفردةً أنَّها ستتحفظ على الوقواق وستسلمه لكوبار. وفي يوم) من شهر يناير/كانون الثاني 2002 شهد ضابط جهاز الاستخبارات البريطاني MI6 رحيل الوقواق، ووُصف رحيله في تقرير جهاز الاستخبارات البريطاني MI6 عن الواقعة".

ويقتبس تقرير لجنة الأمن والاستخبارات بعد ذلك من تقرير جهاز الاستخبارات البريطاني MI6: "بعد نصف ساعةٍ كان العصفور يجلس مع الفريق خارج الحظيرة، بينما مرت بهم سيارة نقلٍ من نوع جيب بها صندوقٌ مغلق طوله 6 أقدام (1.83 متر) في مؤخرها. كان ذلك طائر الوقواق في طريقه للطائرة المنتظرة… وكان مسؤولٌ أميركي يقود السيارة".

ويضيف: "قد تكون هناك محادثةٌ يتوجب علينا إجراؤها فيما يتعلق بالقضايا الأوسع نطاقاً التي تثيرها هذه العملية وغيرها من جوانب عملية الاحتجاز. لقد رغبنا في التحدث عما رأيناه… لكنَّنا لم نفعل. لقد عزز هذا شعوراً لدينا بعدم الارتياح تجاه العمل خارج مظلة القانون".

ويستمر تقرير لجنة الأمن والاستخبارات مضيفاً: "مع ذلك استمر جهاز الاستخبارات البريطاني MI5 في تمرير الأسئلة لمستجوبي الوقواق بعد تسليمه لكوبار، وتلقى كلٌّ من جهاز الاستخبارات البريطاني MI6 وجهاز الاستخبارات البريطاني MI5 تقارير الاستجوابات اللاحقة".

ومن خلال مقارنة الحقائق الواردة في تقرير اللجنة حول قضية الوقواق بروايات المعتقلين والتقارير الحكومية الأميركية الرسمية التي أصبحت متاحةً الآن للعامة، بالإضافة إلى تقارير وسائل الإعلام وقت الحدث وقبله، يمكن استنتاج أنَّ الوقواق هو الليبي.

أضف لذلك أنَّ قرابة 36 معتقلاً كانوا محتجزين في باغرام في نفس التوقيت تقريباً. ويقولون جميعاً إنَّهم قد تعرضوا للتعذيب، واثنان منهم على الأقل قالا في وقتٍ لاحقٍ إنَّهما يعتقدان أنَّ الليبي قد وُضع في تابوتٍ ونُقل بعيداً. أحد هذين المعتقلين يُدعَى شاكر عامر، وهو شخص كان يقيم في بريطانيا في الماضي، ونُقل أثناء اعتقاله من قاعدة باغرام إلى غوانتانامو، وقال لمحاميه كليف ستافورد سميث إنَّه شهد الأمر، بحسب الموقع البريطاني.

وقدم جهاز الاستخبارات البريطاني MI6 شكوى بهذا الشأن للسلطات الأميركية حول ما شهد ضابطها حدوثه لليبي، رغم أنَّ لجنة الأمن والاستخبارات أشارت إلى أنَّ الشكوى جاءت بلغةٍ لطيفةٍ للغاية، وكان نصها: "يبدو أنَّ معاملته ربما انحدرت لما دون المستوى الذي يعتقد كلانا أنَّه قد يكون لائقاً".

وحتى هذه اللغة قيل إنَّها أقوى من أن تصدر من ضابطٍ واحدٍ عالي الرتبة بجهاز الاستخبارات البريطاني MI6. وجاء في التقرير أنَّه من "المدهش" أنَّ ذلك الضابط قدم شكوى لرئاسة وكالة الاستخبارات الأميركية.

لا توجد أدلةٌ على تآمر القاعدة لامتلاك أسلحة دمارٍ شاملٍ

وبحسب الموقع البريطاني، حتى قبل غزو العراق، لم تكن لدى الجميع تلك الثقة التي كانت لدى جورج بوش وتوني بلير وكولن باول وجورج تينيت في الدعم المزعوم لصدام حسين لمؤامرة القاعدة التي تهدف لامتلاك أسلحة دمارٍ شاملٍ.

وفي واشنطن كانت وكالة استخبارات الدفاع الأميركية تحذر في تقريرٍ تلو الآخر من أن ذلك أمرٌ مستبعد الحدوث للغاية.

وجاء في تحليلٍ للوكالة أتمته بعد سبعة أسابيع من وصول الليبي لمصر: "رغم المعلومات الحالية التي جاءت من مدربٍ قياديٍ منتمٍ للقاعدة رهن الاعتقال الآن، فإنَّ جميع المصادر الاستخباراتية لم تؤكد تورط العراق. من المستبعد أن تكون العراق قد زودت بن لادن بأي معلوماتٍ أو مساعداتٍ كيميائيةٍ أو بيولوجيةٍ مفيدة".

وبعد خمسة أشهر حاولت وكالة استخبارات الدفاع مرةً أخرى توضيح الأمر في تقريرٍ اعترف بكون الليبي مسؤولاً بارزاً له سلطة الاطلاع على معلومةٍ كتلك، لكنَّها حذرت من أنَّ مزاعمه تقوم فقط على شائعاتٍ، وتفتقر للتفاصيل، ولم تذكر اسماً واحداً لأي مدربٍ عراقيٍ ولا مركز التدريب، ولا حتى نوع الأسلحة المتضمنة.

وفي لندن كانت اللجنة الاستخباراتية المشتركة، التي تنسق العمل بين وكالات الاستخبارات الوطنية، قد نصحت الحكومة البريطانية في نوفمبر/تشرين الثاني من عام 2001، وفي أكتوبر/تشرين الأول من عام 2002، ثم مرةً أخرى في مارس/آذار من عام 2003، بأنَّه لا توجد أدلةٌ على أي تعاونٍ بين العراق وتنظيم القاعدة.

17 ساعةً في صندوقٍ صغيرٍ

وبعد ما يقرب من عامٍ قضاه معتقلاً في مصر، أُعيد تسليم الليبي للمخابرات المركزية الأميركية، وأُخذ إلى عددٍ من المعتقلات من بينها معتقل خليج غوانتانامو التابع للجيش الأميركي في كوبا، وهناك، سرعان ما أنكر مزاعمه بشأن العراق، وتنظيم القاعدة، وأسلحة الدمار الشامل، بحسب الموقع الأميركي.

وقد خلصت تحقيقاتٌ لاحقةٌ أجرتها لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي إلى أنَّ الليبي أخبر المخابرات الأميركية قبل حتى أن يغادر باغرام إلى أنَّه عزم على الاعتراف للمحققين بما ظن أنَّهم يودون سماعه ليضمن معاملةً أفضل.

ويقول إنَّه حين وصل لمصر، وُضع مرةً أخرى في صندوقٍ صغيرٍ لمدة 17 ساعةً. أُخرج بعدها، وضُرب، وأُخبر أنَّه مُنح "فرصةً أخيرةً ليقول الحقيقة".

وقرر الليبي بعد ذلك أن يقول للمحققين إنَّ ثلاثةً من أعضاء تنظيم القاعدة قد سافروا للعراق ليتعلموا عن الأسلحة النووية، مُستخدماً أسماء أشخاصٍ حقيقيين؛ ليتمكن من استرجاع بعض تفاصيل حكايته المختلقة. ويقول إنَّ ذلك أرضى المحققين في نهاية المطاف، فأخذوه إلى غرفةٍ كبيرةٍ، ومنحوه بعض الطعام.

بعد ذلك بأيامٍ سُئل عن الجمرة الخبيثة، وعن برنامج العراق للأسلحة البيولوجية، لكنَّه قال إنَّه كان عاجزاً عن تلفيق قصةٍ مختلقةٍ أخرى؛ لأنَّه لم يفهم ما تعنيه كلمة الأسلحة البيولوجية.

وبحسب الموقع البريطاني، فإن الأسئلة التي مررها جهازا الاستخبارات البريطانيان MI5 وMI6 إلى السلطات المصرية لطرحها على الليبي غير معروفة، لكنَّ موقع Middle East Eye على علمٍ بأنَّ عدداً من المواطنين البريطانيين يشتبه في أنَّهم قد تدربوا في معسكر الخالدين الذي كان الليبي يشرف عليه.

من الواضح كذلك أنَّ توني بلير كان يرغب في إثبات وجود علاقةٍ بين تنظيم القاعدة والعراق، بغض النظر عن شكوك لجنة الاستخبارات المشتركة.

لكن مدى علم وزراء الحكومة البريطانية بسوء المعاملة التي تلقاها الليبي غير معلوم. وقد وجدت لجنة الاستخبارات والأمن بالبرلمان البريطاني أنَّه حين ألحَّت محاميةٌ بمكتب جهاز الاستخبارات البريطاني MI5 على إبلاغ وزارة الداخلية البريطانية، عارضها ضابطٌ آخر بالجهاز بحجة أنَّ جهاز الاستخبارات البريطاني MI6 لم يكن ينتوي إبلاغ وزارة الخارجية.

وفي شهادته التي أدلى بها للجنة الاستخبارات والأمن بالبرلمان البريطاني، قال أليكس يونغر، الرئيس الحالي لجهاز الاستخبارات البريطاني MI5: "نعترف بأنَّنا لم نكن نتناقش مع الوزراء بالقدر الكافي حول تلك الأمور… لم تكن هناك محادثاتٌ مكثفةٌ مع الوزراء حيال هذا الشأن".

معلومات الليبي "استُخدمت لتبرير غزو العراق"

واستخدام المعلومات الزائفة التي جاء بها الليبي وضحته لجنة الاستخبارات بمجلس الشيوخ الأميركي، التي قالت في تقريرها عام 2014 المتعلق ببرنامج المخابرات المركزية الأميركية للاعتقال والاستجواب: "بعض تلك المعلومات ذكرها الوزير كولن باول في خطابه أمام الأمم المتحدة، واستُخدم لتبرير غزو العراق عام 2003".

وبعد الاستماع إلى شهاداتٍ من مختلف القطاعات الاستخباراتية بالولايات المتحدة، خلُصت اللجنة إلى أنَّ الليبي كان المصدر الوحيد الذي أشار لوجود أي صلةٍ تربط العراق بتنظيم القاعدة. ولم يزعم أي معتقلٍ آخر وجود تلك الصلة، وقد أجرت وكالة استخبارات الدفاع الأميركية بعد الحرب تحليلاً لنحو 34 مليون وثيقةٍ حكومية عراقية حصلت عليها دون أن تجد أثراً واحداً لتلك الصلة.

في تلك المرحلة كانت المخابرات المركزية قد تقبلت حقيقة أنَّ مزاعم الليبي حول أسلحة الدمار الشامل كانت غير حقيقيةٍ. وبحلول عام 2005 اعترف كولن باول أنَّ خطابه أمام الأمم المتحدة كان "مؤلماً"، وكان "وصمةً" في تاريخه. لقد استخرج التعذيب المصري معلوماتٍ استخباراتية غير صحيحة مهدت الطريق للحرب.

ويبدو أنَّ توني بلير استصعب تقبّل الحقيقة تقبلاً تاماً. ففي يونيو/حزيران 2004، وبعد يومٍ من توصل اللجنة الأميركية الموكلة بالتحقيق في هجمات 11 سبتمبر/أيلول إلى أنَّه "لا توجد أدلةٌ موثوقةٌ على تعاون العراق مع تنظيم القاعدة في الاعتداء على الولايات المتحدة الأميركية"، أصر المتحدث الرسمي باسم بلير على أنَّ هناك صلةً، وأنَّ تنظيم القاعدة كان يعمل داخل عراق صدام.

وقال المتحدث لصحافيين إنَّ صدام حسين قد "خلق بيئةً متساهلةً مع الإرهاب، ونحن نعلم أن أشخاصاً منتمين للقاعدة كانوا يعملون في العراق إبان فترة حكمه".

وبعد فترةٍ قصيرةٍ من احتجاز المخابرات المركزية له في غوانتانامو، سُلم الليبي لعدة مواقع أخرى. وفي إحدى المراحل قال مواطنون ليبيون إنَّهم رأوه في معتقلٍ أميركيٍ في أفغانستان يعرف باسم السجن المظلم.

وفي النهاية، نُقل إلى ليبيا، واحتُجزَ في سجن أبو سالم سيئ السمعة، وأُخبر أنَّه محكومٌ عليه بالسجن مدى الحياة.

وفي عام 2009 أعلنت السلطات الليبية أنَّه قد انتحر في زنزانته. وكانت منظمة Human Rights Watch، التي حاول باحثون تابعون لها زيارته، قد قالت إنَّها اطلعت على صورٍ يبدو أنَّ مسؤولي السجن الليبيين قد أخذوها له يوم وفاته تُظهر كدماتٍ على أجزاء من جسده.

تحميل المزيد