أفرج عنهم بعدما تم إعفاؤهم وحبسهم.. قضية اعتقال الجنرالات الخمسة بتهمة الفساد تعكر صفو الولاية الخامسة لبوتفليقة

ربط المتابعون للشأن الجزائري بين اعتقال الجنرالات الخمسة ثم الإفراج عنهم، ومساعي جهات في الدولة لإنجاح مسار العهدة الخامسة للرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/08 الساعة 14:01 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/09 الساعة 06:55 بتوقيت غرينتش
حملة مكافحة الفساد تطال جنرالات في الجزائر/ رويترز

مضى 22 يوماً على اعتقال الجنرالات الخمسة في الجزائر بتهمة الفساد، وظنّ الجزائريون أن القضية ستذهب بعيداً في القضاء العسكري، قبل أن يتفاجأ الجميع بقرار المحكمة العسكرية بمدينة البليدة جنوبي الجزائر، بالإفراج عن الجنرالات، في 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

وربط عدد من المتابعين للشأن الجزائري بين الإفراج عن الموقوفين من كبار العسكريين، ومساعي جهات في الدولة لإنجاح مسار العهدة الخامسة للرئيس الحالي عبدالعزيز بوتفليقة.

ويتعلق الأمر بالجنرال مناد نوبة، القائد السابق للدرك الوطني، وحبيب شنتوف وسعيد باي وعبدالرزاق الشريف وهم قادة سابقون لمناطق عسكرية، وبوجمعة بودوار المدير السابق للمصالح المالية في وزارة الدفاع.

وكان هؤلاء الجنرالات الخمسة قد أحيلوا إلى التقاعد في خضم موجة إقالات، طالت في الأشهر الثلاثة الأخيرة القيادة العليا للجيش الجزائري، وتكفَّلت المحكمة العسكرية بالبليدة بإجراءات التحقيق طيلة فترة السجن المؤقت.

هل عاد الجنرالات إلى بيت الطاعة؟

وربط عدد من المتابعين للشأن الداخلي الجزائري حملة الإقالات التي طالت الجنرالات، والتغييرات الطارئة على مستوى المؤسسة العسكرية الجزائرية، بقضية العهدة الخامسة، التي تُعبّد لها الطرقات منذ فترة.

ويقول ناصر الجزايري، أستاذ جامعي في العلوم السياسية، لـ "عربي بوست" إن "ما حدث ويحدث من تغييرات على مستوى المؤسسات العسكرية أو المدنية مرتبط بالاستعدادات لرئاسيات 2019".

الرئيس بوتفليقة رفقة رئيس أركان الجيش/ رويترز
الرئيس بوتفليقة رفقة رئيس أركان الجيش/ رويترز

ويعتقد أستاذ العلوم السياسية أن الدولة في بداية الأمر لم تكن تلمس أي استعداد من قِبل هؤلاء الذين كانوا بمناصب حساسة في القطاع العسكري، لمدّ يد العون في المساعي الرامية لإنجاح العهدة الخامسة، لذا أحالتهم للتقاعد، ثم تابعتهم قضائياً.

ويضيف: "في رأيي قد يكون هؤلاء المتابعون قد عادوا إلى بيت الطاعة، وأبدوا استعدادهم لمساعدة الرئيس للبقاء في منصبه، لذا تم الإفراج عنهم، واختبار مدى جاهزيتهم فيما يسمى بفترة الرقابة القضائية".

هل لبوتفليقة يد في ذلك؟

قالت وسائل إعلام محلية، إن الإفراج عن الجنرالات الخمسة الموقوفين منذ 14 أكتوبر/تشرين الأول 2018، كان بأمر من رئيس الجمهورية عبدالعزيز بوتفليقة.

موقع "الجزائرية وان" أكد أن الرئيس بوتفليقة هو من أمر بالإفراج عن الجنرالات المعتقلين بتهم الفساد، واستثنى في ذلك اللواءين الحبيب شنتوف وبوجمعة بودواور، وقيل إن عملية الإفراج عنهما ستكون لاحقة.

المصدر تحدَّث عن كون الإفراج مؤقتاً فقط "وسيتم استئناف المحاكمة في الأيام القليلة المقبلة".

عبدالحفيظ رحمان، مختص في القانون الجنائي، يستبعد تدخل الرئيس بهذه الطريقة، وفي هذا الظرف، وقال لـ "عربي بوست": "إن المحكمة العسكرية في هذا الشق تكيّف القضية وفق ما تمليه القوانين، بالمتابعة خارج أسوار السجن".

واعتبر أن الرئيس يمكنه وفق الدستور الإفراج عن المتهمين فيما يسمّى بقرارات العفو، التي تأتي بالموازاة مع الاحتفال بمختلف الأعياد الوطنية والدينية، لكن ذلك يكون بالنسبة للمحكوم عليهم بصفة نهائية، والمتورطين في قضايا خفيفة".

ويضيف: "وبالتالي فالإفراج يمكن أن يكون بطلب من الدفاع، لأسباب السن، والوضعية الصحية للمتهم، أو أن المحكمة تأكدت من براءة هؤلاء الجنرالات، وبالتالي أطلقت سراحهم".

لا وجود لصِفة الاتهام

الرئيس بوتفليقة هو من أمر بالإفراج عن الجنرالات المعتقلين بتهم الفساد/ رويترز
الرئيس بوتفليقة هو من أمر بالإفراج عن الجنرالات المعتقلين بتهم الفساد/ رويترز

موقع الجزائرية للأخبار عاد بالتفصيل إلى مجريات التحقيق والمرافعات في المحكمة العسكرية بالبليدة، وحصر أسباب الإفراج عن الجنرالات الخمسة في خانة التحقيقات التي لم تُثبت الإدانة.

وقال الموقع إن "جهات التحقيق بالمحكمة العسكرية قد أطلقت سراح الجنرالات الخمسة المسجونين على ذمة التحقيق، في قضايا تتعلق بأداء مهامهم العسكرية القيادية، بعد إنهاء مهامهم سابقاً في إطار تغييرات مسَّت المؤسسة العسكرية سابقاً".

 وكشف الموقع أن "الإفراج جاء بقرار من غرفة الاتهام، التي وافقت على طلب الإفراج المقدَّم من المتهمين الذين طعنوا في قرار قاضي التحقيق سابقاً".

 غرفة الاتهام العسكرية المنعقدة، يوم 5 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، قرَّرت "أنه في حالة واحدة من حالات الجنرالات الخمسة المتابعين، لا وجود لصفة اتهام في قضية طبقاً لقانون القضاء العسكري".

 وفي الحالات الأربع المتبقية قرَّرت الغرفة إعادة ملف التحقيق إلى القاضي، للتحقيق مجدداً في حالات يمكن إما انتفاء صفة المتابعة القضائية فيها أو تحويلها إلى القضاء العادي المدني.

ويؤكد المتخصص في القانون الجنائي عبدالحفيظ رحمان لـ "عربي بوست" أن "المحكمة العسكرية مطالبة بالإفراج عن المتهمين في حال لم تثبت اتهاماتهم بعد مجريات التحقيق، كما يمكنها تحويل القضية إلى القضاء المدني".

المحكمة المدنية بدلاً من العسكرية

حقيقة التهم التي وُجهت للمتهمين الخمسة، بحسب مصادر إعلامية، هي تهم مدنية بحتة، والقضاء العسكري غير مخول بالنظر في قضايا تتعلق بالحياة المدنية للضباط، الذين يُفترض أنهم أودعوا السجن بقرار من قاضي التحقيق العسكري.

والتعمق في البحث حول اختصاصات القضاء العسكري بحسب نفس المصدر، يؤكد خلو القانون العسكري ساري المفعول من تهم تتعلق بالفساد بشكل مباشر، بل بحالات محدودة تتعلق بقبول مزايا وهدايا، أو طلبها، أو عدم التصريح بممتلكات حصل عليها الضباط أثناء تأدية مهامهم، أو باستغلال وسائل الدولة لأغراض شخصية.

 وخارج إطار هذه المواد -يضيف المصدر- لا توجد مواد تعاقِب بشكل مباشر على الفساد بالمعنى الدقيق للكلمة، والمعنى المعروف في القانون الجنائي المدني، أو بمعنى آخر القضية في حال ثبوت إيداع الضباط العمداء السجن العسكري لها أبعاد تتعلق بالأداء العسكري للضباط، ومن غير المعقول في حال ثبوت تهم الفساد على الجنرالات ألا يتابع أبناؤهم وأقاربهم وهم أشخاص مدنيون أمام القضاء العسكري.

ولن يكون من الممكن -بحسب المصدر نفسه- فصل وقائع قضايا الجنرالات المتعلقة بالفساد عن قضايا أبنائهم وأقاربهم وأصهارهم.

 والتهم الموجهة للجنرالات في القضاء العسكري، التي تقول المعلومات المتداولة إنها تتعلق بالفساد، يضيف: لا يمكن النظر فيها أمام المحاكم العسكرية، لعدم توفر قانون القضاء العسكري في جانبيه العقابي والإجرائي على مواد يمكنها أن توفر محاكمة عادية في قضايا الفساد، إضافة إلى استحالة فصل قضايا الفساد المنسوبة للجنرالات عن وقائع تتعلق بأقاربهم من الفروع، ولا يمكن محاكمتهم كمدنيين أمام قضاء غير مختص.

الرئيس عبد العزيز بوتفليقة/ رويترز
الرئيس عبد العزيز بوتفليقة/ رويترز

التحقيقات مستمرة والمفرج عنهم تحت الرقابة

يستبعد مختصون بالشؤون القانونية والحقوقية أن تكون إجراءات الإفراج نهائية في حق الجنرالات الخمسة، باعتبار أن الحكم النهائي لم يصدر بعد من المحكمة، سواء كانت مدنية أو عسكرية.

ويعتبر إدريس فاضلي، العضو في مجلس حقوق الإنسان بالجزائر أن "إصدار قرار الإفراج مؤقتاً في حق الجنرالات المتابعين في هذه القضية هو أمر لا يتناقض مع مجريات التحقيق القضائي، رغم أنه تابع لقانون المؤسسة العسكرية، ويخضع آلياً للقانون العسكري الجزائري".

قانون الإجراءات المدنية كما يؤكد فاضلي لـ "عربي بوست"، "يتيح لقاضي التحقيق حرية تكييف قضية أي متهم بالإفراج المؤقت، حتى لو كان الأمر يتعلق بمحكمة عسكرية، ما دام أنه يتوفر على جميع الضمانات التي لن تؤثر على سير التحقيقات".

ويضيف: "نحن لسنا مطلعين كلياً على الملف وما يحتويه، وحقيقة التهم المنسوبة للجنرالات الخمسة، لكن ما هو مؤكد أن القاضي المكلف بهذه القضية لدى المحكمة العسكرية بالبليدة اقتنع بعدم جدوى بقاء المتهمين في الحبس المؤقت".

التحقيقات والتحريات القضائية في نظر المتحدث "ستستمر خارج أسوار السجن، وسيستدعي قاضي التحقيق المتهمين في كل جلسة للإنصات إليهم، سواء كان ذلك بالمحكمة العسكرية بالبليدة أو بأي محكمة مدنية".

وفي هذه الأثناء يقول المتخصص في القانون الجنائي عبدالحفيظ رحمان لـ "عربي بوست": "لن يستطيع المتهمون الخمسة التحرك بحرية، كما أن الإجراءات القانونية في هذا الحال تفرض رقابة قضائية، ومنعاً من السفر إلى حين صدور الحكم النهائي بالإدانة أو بالبراءة".

السفر إلى حين صدور الحكم النهائي بالإدانة كانت أو بالبراءة".

تحميل المزيد