هل سيعزلون ترمب؟ قد لا يكون فوز الديمقراطيين «عياراً يقتل»، ولكنه بالتأكيد «يدوش».. هذا ما يعنيه فوزهم

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/08 الساعة 19:02 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/08 الساعة 21:44 بتوقيت غرينتش
President Donald Trump takes the cap off a pen before signing executive order for immigration actions to build border wall during a visit to the Homeland Security Department in Washington, Wednesday, Jan. 25, 2017. (AP Photo/Pablo Martinez Monsivais) DCPM111

رؤية ترمب للولايات المتحدة كدولةٍ انحيازية وانعزالية لا تروق للأميركيين. سيبدأون بخطوات من خلال مجلس نوابهم الجديد، قد لا تروق للحلفاء في السعودية وإسرائيل ولا للأعداء في روسيا والصين.

على الأرجح، هذا هو الاستنتاج الذي توصلت إليه العديد من الحكومات الأجنبية، من حلفاء الولايات المتحدة وخصومها على حد سواء.

وها هم يشاهدون الديمقراطيين يستعيدون السيطرة على مجلس النواب في الانتخابات النصفية التي أُجريت الثلاثاء 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2018.

يبدأ من الآن ما سيكون بالتأكيد عامين شديدَي الصعوبة، يتسمان بالرقابة الصارمة على كل نفَس يتنفسه ترمب.

تحدٍّ صعب له في خطته للفوز بولايةٍ رئاسية ثانية عام 2020.

مجلة Foreign Policy الأميركية نشرت تحليلاً وخارطة طريق لما ستشهده الأيام المقبلة والخطوات التي سيبدأ بها الديمقراطيون.

إن لم يكن لإيقاف ترمب، فعلى الأقل للسيطرة قليلاً على قطاره الهائج.

فوز الديمقراطيين بالأغلبية يكبح ترمب ولا يوقفه

جاءت نتيجة هذه الانتخابات كرسالة طمأنةٍ للكثيرين حول العالم، الذين لا يزالون في صدمةٍ من تنصُّل ترمب المفاجئ من المعاهدات الكبرى، وتهديداته للحلفاء بفرض الرسوم الجمركية، وتراجعه الواضح عن المشاركة في النظام الدولي.

كانت الرسالة تعني أنَّ عدداً كبيراً من الناخبين الأميركيين يعارضون سياسات الرئيس وطريقته في إدارة الأمور، مثلهم مثل كثيرين خارج الولايات المتحدة.

وقال دبلوماسي أوروبي قبل التصويت، إنَّ فوز الديمقراطيين بمجلس النواب "سيمنع على الأقل خروج الأمور تماماً عن السيطرة".

وتفتتح عهداً جديداً من "محاسبة" إدارة ترمب

وقالت المرشحة الديمقراطية عن ولاية كاليفورنيا نانسي بيلوسي، التي تسعى للفوز بمنصب رئيس مجلس النواب بعد 8 سنواتٍ من وجودها ضمن الأقلية، في خطابٍ لمناصريها في وقتٍ متأخرٍ من مساء الجمعة 2 نوفمبر/تشرين الثاني 2018: "غداً سيكون يوماً جديداً في أميركا".

وتعهدت نانسي بعهدٍ جديدٍ من "محاسبة" إدارة ترمب.

حمل فوز الديمقراطيين، في المقام الأول، رسالةً إلى حلفاء الولايات المتحدة المتضررين تحديداً من سياسات ترمب، مفادها أنَّ الأمور قد تنفرج قريباً خلال سنتين، وأنَّ موقف ترمب ضعيف في الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2020.

من الجدير ذكره أنَّ هذا الاستدلال قد يكون خاطئاً؛ إذ فاز اثنان من آخر 3 رؤساء للولايات المتحدة -بيل كلينتون وباراك أوباما- بولايةٍ ثانية رغم خسارتهما الكبيرة في الانتخابات النصفية بعد أول سنتين لها في الحكم.

زيادة عدد الجمهوريين في الكونغرس ستزيد حدة المساءلة من مجلس النواب

وعلى الرغم من أنَّ الجمهوريين حافظوا على سيطرتهم على مجلس الشيوخ، وحصلوا على مقاعد أكثر مما كان لديهم قبل الانتخابات، فإنَّ ذلك سينتج عنه تحديداً سلسلةٌ قاسية من التحقيقات في مجلس النواب بشأن ترمب وإدارته حسبما وعد الديمقراطيون.

النواب الديمقراطيون البارزون، الذين كانوا يطالبون ببدء تلك التحقيقات طيلة عامٍ ونصف عام، ليعوقها مجلس النواب الجمهوري المدين لترمب بالفضل- سيبدأون التحرك سريعاً بعد أن يتولوا مقاعدهم في المجلس أواخر يناير/كانون الثاني 2019، متسلحين بصلاحيات المحكمة، والسيطرة على اللجان الرئيسية في المجلس.

سيبدأون بأمواله وصفقاته وأولاده ووزرائه

ومن المتوقع أن تنظر العديد من لجان المجلس في:

  • إقرارات ترمب الضريبية.
  • صفقاته التجارية منذ عقود، وعمليات غسل الأموال المزعومة.
  • أدوار أفراد عائلته كدونالد ترمب الابن في التواطؤ المزعوم مع روسيا.
  •  احتمال ارتكاب وزير التجارة، ويلبور روس، مخالفات مالية.
  • التحقيق في ممارسات وزير الخزانة ستيفن منوتشين.
  • التحقيق مع وزير الصحة والخدمات البشرية السابق، توم برايس، بشأن التصرف في الأموال المخصصة للوزارة ونفقات السفر.
  • التحقيق مع مدير وكالة حماية البيئة السابق بالتهمة المذكورة نفسها.

ويبقى احتمال العزل قائماً إذا ما ثبت تعاونه مع روسيا

تعني كل هذه الأمور -بلا شك- مزيداً من العناوين الرئيسية السلبية في وسائل الإعلام.

أي يُحتمل أن تقوِّض جميع هذه الملفات شعبية ترمب في انتخابات 2020.

أما إذا أثبتت التحقيقات الجارية التي يقوم بها المحقق الخاص روبرت مولر ومحكمة دائرة جنوب نيويورك علاقات الرئيس الأميركي بروسيا فمصيره العزل، وبئس المصير.

وسيعيدون النظر في الجدار العازل والاتفاقيات التي تملص منها

وستبذل الأغلبية الديمقراطية بالمجلس جهوداً متتالية كذلك لوقف اعتماد مخصصات الإنفاق العسكري، وقضايا أخرى كمقترح ترمب لبناء جدارٍ عازلٍ بين الولايات المتحدة والمكسيك.

إضافةً إلى ذلك، من المتوقع أن يعقد النواب الديمقراطيون جلسات استماعٍ بشأن انسحاب ترمب المفاجئ من المعاهدات والاتفاقيات، كالاتفاق النووي الإيراني واتفاقية باريس للمناخ.

احفظ هذه الأسماء، فستتردد كثيراً ضمن لجان المحاسبة!

ومن المقرر أن يسيطر أعضاء ديمقراطيون بارزون في الكونغرس على لجان المحاسبة بالمجلس، نذكر فيما يلي، أبرز هؤلاء وأشرسهم:

  • النائب آدم سميث، العضو البارز بلجنة القوات المسلحة.
  • النائب إليوت إنجل، العضو البارز بلجنة الشؤون الخارجية.
  • النائب آدم شيف، الذي من المقرر أن يقود لجنة الاستخبارات، ويُتوقع أن يساعد في تحقيقات مولر ومحكمة دائرة جنوب نيويورك.
  • النائب جيرولد نادلر، الذي يُتوقع أن يتولى اللجنة القضائية، إذ وعد ببدء التحقيق فيما إذا كان ترمب قد انتهك مواد مكافحة الفساد المنصوص عليها في الدستور الأميركي، بمشروعاته التجارية هو وعائلته، أو عرقل عمل مكتب التحقيقات الفيدرالي ووزارة العدل.
  • أمَّا النائب إيليا كومنغز، الذي من المقرر أن يتولى لجنة الرقابة، فسيرسل سيلاً من الاستدعاءاتٍ تخص بعض جرائم الاحتيال المحتملة والمخططات المزعومة لقمع الناخبين.

السعودية واليمن وحروب سرية أخرى أيضاً تحت المحاسبة

من المرجح أن يعقد مجلس النواب بقيادة الديمقراطيين، سريعاً، جلسات استماعٍ حول المساعدات الأميركية للمملكة العربية السعودية في حرب اليمن والحروب السرية الأخرى.

وفي أواخر أكتوبر/تشرين الأول 2018، أرسل النائبان سميث وإنجل خطاباً يحذر من الخروج من معاهدة الصواريخ النووية متوسطة المدى، ومعاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية.

جاء في الخطاب: "إن هذا الأمر سيفرّق حلفاءنا ويصب في مصلحة الرئيس بوتين".

ستضطر إدارة ترمب إلى شرح خططها بطريقة لم تحدث قط في تاريخ أميركا

وسيكون لدى الديمقراطيين في أثناء عملهم رؤساء لجانٍ، سلطة عقد جلسات استماع متكررة، وإجبار إدارة ترمب على شرح خططها على نحو لم يحدث في المجلس بقيادة الجمهوريين.

يمكن لبعض هذه الجلسات -التي كان يطالب بها النواب الديمقراطيون منذ أوائل عام 2017- أن تكون محرجة للغاية لإدارة ترمب.

وقالت ألكسندرا بيل، إحدى كبار المسؤولين البارزين السابقين في مجال مراقبة الأسلحة: "سنرى الكثير من طلبات الحصول على المعلومات".

وأضافت: "لا توجد أي مؤشرات من الجيش الأميركي على أننا نحتاج إلى صواريخ نووية متوسطة المدى. وقضينا هنا زمناً طويلاً ونحن نخبر دولاً مثل باكستان، بأنّها يجب ألا تستثمر في المزيد من الأسلحة النووية التكتيكية، لأن هذا كان الطريق إلى سباق أسلحة".

فوز الديمقراطيين قد يزعج روسيا والصين، ولكن يريح إيران

قد يكون بعض خصوم الولايات المتحدة، مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والزعيم الصيني شي جين بينغ، محبَطين إلى حد ما، بسبب نتيجة انتخابات الثلاثاء 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لأن سيطرة الديمقراطيين على الكونغرس قد تبطئ تفكك العلاقات بين الولايات المتحدة وحلفائها السابقين.

ومما لا شك فيه أنَّ الخصوم الآخرين، مثل إيران، سيشعرون بالاطمئنان، لأنه يمكن إنقاذ بعض بنود الاتفاق النووي الذي تم عام 2015 ورفضه ترمب؛ حتى وإن لم يصرحوا بذلك علانيةً.

وقد صرح وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، مؤخراً، لصحيفة "USA Today" الأميركية، قائلاً: "لا نعلق أي آمالٍ على [انتخابات التجديد النصفي] أو الانتخابات الرئاسية لعام 2020. فجميع الإدارات الأميركية كانت (معادية) لإيران بدرجاتٍ متفاوتةٍ، سواء كانت ديمقراطية أو جمهورية".

ويوافق ما كانت تدعو لتحقيقه الحكومات الحليفة للولايات المتحدة

وقد أملت أغلب الحكومات الحليفة للولايات المتحدة فوز الديمقراطيين، متفقةً في الرأي مع بعض الناخبين الأميركيين الساخطين، وفقاً لاستطلاعات الرأي التي أفادت بأنهم يرغبون في كبح جماح رئيسٍ يتسم خطابه في كثير من الأحيان بالعدوانية.

إذ يتسم تعامله مع العالم ومع الكونغرس بالأحادية وعدم مراعاة الرأي الآخر، على حد وصف الصحيفة.

وصلت نسبة تأييد ترمب بين الأميركيين إلى أقل من 40%، رغم ارتفاع الأجور وانخفاض معدلات البطالة لتقترب من أدنى مستوياتها منذ منتصف القرن.

فهو يمنع ترمب من تدمير النظام العالمي وعقود من التحالفات

والأهم من ذلك أنَّ العديد من الحكومات الأجنبية ترى أنَّ فوز الديمقراطيين نوع من السيطرة على اندفاع ترمب المتهور، الذي يسير نحو تحطيم قواعد النظام العالمي وعقودٍ من العمل المضني في بناء التحالفات.

في أقل من عامين، انسحب ترمب من العديد من المواثيق المتعددة الأطراف؛ فقد أعلن انسحابه من معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، التي تعتبر أهم اتفاقية للحد من انتشار الأسلحة النووية خلال العقود الأربعة الماضية.

كما أعلن عداءه لحلف شمال الأطلسي (الناتو) ومجموعة الدول الصناعية السبع، والمجتمع الأوروبي، ومنظمة التجارة العالمية.

خبير أمني: إسرائيل ودول الخليج ومصر غير راضية عن النتيجة

وقال نيت جونز، مدير مجلس الأمن القومي السابق لمكافحة الإرهاب في عهد أوباما: "سيعرّض الكونغرس الجديد الذي يقوده حزب المعارضة، ترمب لجرعة صحية من الضوابط والتوازنات الأميركية لأول مرة. ثانياً، سيرسل إليه رسالةً واضحةً لا لبس فيها، مفادها أنّ هناك عواقب سياسية لسياساته وخطابه".

وقال فواز جرجس، الباحث بكلية لندن للاقتصاد: "حلفاء أميركا وأعداءها يأملون أن يتمكن الديمقراطيون من الحد من تهور ترمب؛ سترحب بهذه الأخبار معظم العواصم الأوروبية والصين واليابان، على الرغم من عدم ترحيب روسيا وإسرائيل ودول الخليج العربي ومصر بها".

ولكن هناك حدود لما يستطيع المجلس تغييره، خصوصاً اقتصادياً وخارجياً

ومع ذلك، لن يغير فوز الديمقراطيين في مجلس النواب العديد من سياسات ترمب بشكل كبير.

صوّت العديد من الديمقراطيين البارزين في مناطق الغرب الأوسط والبحيرات الكبرى والتي جلبت الفوز لترمب في انتخابات عام 2016، على سبيل المثال، بالموافقة على التعريفات التجارية التي أقرها الرئيس، ما يشير إلى أنه استفاد من بندٍ مهمٍ في الأجندة التقدمية.

وقال زعيم الأقلية بمجلس الشيوخ، تشاك شومر، في وقتٍ سابقٍ من هذا العام (2018): "أريد أن أشكره شكراً جزيلاً. فلقد دعوت إلى اتخاذ إجراء كهذا لسنواتٍ، وخيّب تباطؤ الرئيسين جورج بوش وأوباما آمالي".

وليس هناك الكثير يمكن أن يفعله المجلس ذو الأغلبية الديمقراطية بشأن التعريفات.

في الواقع، يتمتع مجلس النواب بسلطة أقل بكثير من مجلس الشيوخ على السياسة الخارجية، حيث يستطيع مجلس الشيوخ الموافقة على المعاهدات وتأكيد تنصيب كبار المسؤولين.

والبعض يرى أن النتيجة تزيد من العجز السياسي في الولايات المنقسمة

وبناء على ذلك، وبرغم نتيجة الثلاثاء 6 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لا يرى بعض المراقبين الأجانب سوى استمرار العجز السياسي في الولايات المنقسمة، واستمرار انتشار مذهب ترمب (أو مبادئ القومية القاسية) حول العالم.

وصرح دبلوماسي أوروبي آخر قبل التصويت: "لست متفائلاً بأيّ من الصورتين اللتين يمكن أن تنتهيا إليهما الانتخابات. أخشى نشوة الانتصار أو الإصرار على إنكار الهزيمة".

إيران تراقب ولا تتكلم كي لا تُتهم بالتدخل، وتترقب 2021 بشدة

مثل إيران، لم تهتم معظم الحكومات في الخارج بنتيجة الانتخابات؛ فهي لا ترغب في أن تُتهم فيما بعدُ بالتدخل في الانتخابات الخارجية مثلما حدث في انتخابات عام 2016.

لكن محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني، الذي قضى سنوات في التفاوض على الاتفاق النووي لعام 2015 الذي انسحب منه ترمب هذا العام (2018)، والذي ما زال يأمل إنقاذ الاتفاق النووي- سيراقب النتائج من كثب.

إذا كان هناك إمكانية لخروج ترمب من البيت الأبيض بحلول يناير/كانون الثاني 2021، فإنّ ظريف سيضع رهانه على أنَّ ذلك سيكون بسبب الخروج من الاتفاق متعدد الأطراف، حتى في مواجهة العقوبات الأميركية المتجددة.

ومن كانت لديه الرغبة في عقد صفقات مع ترمب، فليقم بها الآن

وعكس ذلك، ربما يكون الزعيم الكوري الشمالي، كيم جونغ أون، قلقاً من انتصارٍ ديمقراطيٍّ في انتخابات عام 2020.

يمكنه مواصلة المحاولة الجادة لعقد اتفاقٍ مع ترمب، ولكنه سيُبقي شيئاً بحوزته؛ تحسباً للظروف (قد تصبح هذه الاستراتيجية أوضح حينما يلتقي وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، نظيره الكوري الشمالي، هذا الأسبوع).

يجب على كيم، الذي يدرس الانتخابات الأميركية من كثب، أن يعلم أنّ الديمقراطيين، أكثر تأييداً للدبلوماسية، سيصرّون على عقد المزيد من جلسات الاستماع حول تفاصيل المفاوضات.

قال جيمس شتاينبرغ، الذي شغل منصب نائب وزير الخارجية في عهد أوباما: "سينتهز البعض هذه الفرصة، فمن كانت لديه الرغبة في عقد صفقات مع ترمب، فليقم بها الآن".

تحميل المزيد