الرياض تتدخل لوقف بيع 4 سفن حربية ألمانية إلى القاهرة.. فلماذا إذاً استجابت وزارة الدفاع المصرية؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/11/06 الساعة 15:28 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/11/06 الساعة 16:02 بتوقيت غرينتش
German Chancellor Angela Merkel welcomes Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi at the Chancellery in Berlin, Germany, October 30, 2018. REUTERS/Hannibal Hanschke

كشفت صحيفة La Tribune الفرنسية عن تجميد وزارة الدفاع المصرية صفقة شراء 4 فرقاطات حربية ألمانية استجابة لطلب السعودية.

وقالت مصادر ألمانية، بحسب الصحيفة الفرنسية، إنه قد تم تجميد الاتفاق بسرعة بعد التوقيع عليه من قِبل كل من وزارة الدفاع المصرية ومجموعة TKMS الألمانية، الذي يقتضي تسليم مصر أربع فرقاطات حربية من نوع Meko A200، حيث تبلغ قيمة العقد حوالي مليارَي يورو.

شمل الاتفاق في البداية تسليم سفينتين حربيتين تم صنعهما في ألمانيا، ولكن تم تسليم أربع فرقاطات حربية من نوع Meko A200، واحدة منها تم تصنيعها في مصر.

لماذا تم تجميد الصفقة؟

وتشير الصحيفة الفرنسية إلى أن سبب هذا التجميد يعود إلى السعودية، التي تمول أغلب صفقات مصر في مجال التسليح، حيث من المرجح أن تكون المملكة قد اعترضت على إتمام هذه الصفقة العسكرية البحرية الألمانية، فمن دون تمويل سعودي، لن تستطيع القاهرة إتمام شراء الأربع فرقاطات من نوع Meko A200، حيث ستصبح مصر بذلك ضحية للتوتر الذي ساد العلاقات الدبلوماسية بين الرياض وبرلين.

في الوقت الذي تتفاوض فيه برلين والرياض من أجل تحقيق تقارب في مجال التسليح، لم يرق للسعودية موقف الدبلوماسية الألمانية من قضية خاشقجي. فقد اتخذت ألمانيا قراراً بتجميد تراخيص جديدة لتصدير أسلحة للمملكة وإعادة النظر في التراخيص التي تم الاتفاق عليها خاصة تلك المتعلقة بالطائرات ناقلة الوقود من نوع Airbus A330 MRTT، والطائرات الحربية من نوع Typhoon، بالإضافة إلى زوارق دوريات صنع شركة Lürssen الألمانية.

من جهتها، صرحت أنجيلا ميركل يوم 22 أكتوبر/تشرين الأول خلال اجتماع عقدته في مدينة أورتنبرغ، بأنه "يجب علينا توضيح مجموعة من المسائل. وإلى أن يتم ذلك، أؤكد لكم أنه لن يتم إرسال صادرات الأسلحة إلى السعودية". وأضافت ميركل يوم 26 أكتوبر/تشرين الأول، خلال مؤتمر صحافي جمعها برئيس الوزراء التشيكي أندريه بابيس في براغ، أنه "من الضروري توضيح ما حدث، وإلا لن نسلم أية أسلحة للسعودية".

وأجبر وزير الشؤون الخارجية الألماني وعضو الحزب الديمقراطي الاجتماعي، هايكو ماس، على تأييد موقف المستشارة الألمانية طالما لم تتضح بعد الظروف الحقيقية وراء وفاة خاشقجي، علماً أن ماس يلقّب بسيد التطبيع مع الرياض.

ويوم 20 أكتوبر/تشرين الأول، صرح ماس لقناة ARD الألمانية بقوله: "لا أستطيع أن أتصور أن هناك من يوافق على إرسال صادرات الأسلحة إلى السعودية داخل الحكومة الألمانية".

أما بالنسبة للسعودية، يبدو أن العلاقات الدبلوماسية مع ألمانيا بين أواخر سبتمبر/أيلول وأوائل أكتوبر/تشرين الأول قد اتخذت منحى مفاجئاً.

برلين والرياض كانوا مقربين نهاية شهر سبتمبر/أيلول                  

وحتى يتأكد مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي، قررت الحكومة الألمانية عدم احترام عقدها الذي وقعه الائتلاف السياسي الألماني (الذي ضم ائتلاف الاتحاد الديمقراطي المسيحي والاتحاد الاجتماعي المسيحي والحزب الديمقراطي الاجتماعي الألماني) والذي يقتضي بموجبه حظر بيع الأسلحة لأطراف النزاع في حرب اليمن.

التسجيل الذي يوثق قتل جمال خاشقجي

وقد جاء في العقد: "لن نوافق على تصدير الأسلحة إلى هذه البلدان طالما أنهم يشاركون بشكل مباشر في الحرب اليمنية". وعموماً، يبدو موقف التحالف السياسي جلياً في هذا العقد الذي وُقّع خلال شهر مارس/آذار.

في المقابل، تتفق السياسة التي تنتهجها الحكومة الجديدة بشكل واضح مع تلك التي أرساها نائب المستشارة الألمانية السابق ووزير الاقتصاد، زيغمار غابرييل. ونتيجة لذلك، تم إبرام عقود الأسلحة قبل قدوم حكومة الائتلاف السياسي الحالي بموجب بند الثقة. بالإضافة إلى ذلك، صادقت حكومة أنجيلا ميركل الائتلافية على تصدير معدات عسكرية جديدة.

خلال شهر مارس/آذار الماضي، وافقت الحكومة على بيع ثمانية زوارق دورية من صنع حوض لورسن لبناء السفن، لخفر السواحل السعودية. وفي أوائل شهر سبتمبر/أيلول، وافق مجلس الأمن الاتحادي (Bundessicherheitsrat)، المسؤول عن المصادقة أو رفض مطالب تراخيص التصدير، على ست صفقات بيع جديدة إلى الرياض بلغت قيمتها حوالي 416.4 مليون يورو.

وتمثلت هذه المبيعات في رادارات "كـوبـرا" المضادة للبطارية (وهي أجهزة رادار خاصة بالمدفعية) وقطع غيار مركبات ومركبات جوية وزوارق دورية.

علاقة بلا تفاهم الآن

ووفقاً لهايكو ماس، كان من المفترض أن تؤدي موافقة مجلس الأمن الاتحادي على هذه الصفقات إلى بداية حقبة دبلوماسية جديدة بين ألمانيا والمملكة العربية السعودية في مجال الدفاع. كما أعرب علنا في نهاية شهر سبتمبر/أيلول المنقضي في الجمعية العامة للأمم المتحدة عن أسفه إزاء الأزمة مع السعودية التي تسبب فيها سلفه زيغمار غابرييل.

في نهاية سبتمبر/أيلول، أعلنت السعودية عن قرارها المتمثل في إعادة إرسال سفيرها إلى برلين، لإنهاء أزمة استمرت طيلة 10 أشهر. وقد أدت تصريحات وزير الخارجية الألماني في أواخر 2017 المتعلقة بسياسة المملكة في لبنان، السبب وراء اندلاع هذه الأزمة.

وفي مقابلة له مع نظيره السعودي عادل الجبير في نيويورك، على هامش اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة، أفاد رئيس الدبلوماسية الألماني هايكو ماس بأنه "خلال الأشهر الأخيرة، شهدت علاقاتنا مع السعودية نوعاً من غياب التفاهم يتناقض بشدة مع علاقاتنا القوية والاستراتيجية، ونحن نادمون بالفعل على ذلك".

وأضاف هذا المسؤول، دون أن يُخفي جهوده في التقريب بين البلدين، قائلًا: "كان يجب علينا أن نكون أكثر وضوحاً في تصْريحاتنا. وتلعب السعودية دوراً مهماً في ضمان السلام والاستقرار في المنطقة العربية وفي العالم".

 السعودية ثالث عميل لألمانيا

على امتداد الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي، أصبحت السعودية ثالث بلد مستورد من ألمانيا، بعد الجزائر والولايات المتحدة. وخلال هذه الفترة، زود المصنعون الألمان المملكة بمعدات عسكرية قدرت قيمتها بنحو 162 مليون يورو، شملت معظمها زوارق دورية من صنع لورسن (38.9 ٪ من المبلغ الإجمالي). ويدل هذا الأمر على عدم احترام اتفاق التحالف بشأن تصدير الأسلحة إلى الأطراف المتناحرة في اليمن.

كما شهدت نهاية شهر أكتوبر/تشرين الأول نقاشات مكثفة داخل الحكومة الألمانية لمعرفة مصير عقود الأسلحة مع المملكة العربية السعودية على الرغم من أنه لم يتم تسديد تكلفتها بعد، وذلك بحسب ما أفاد به المتحدث الرسمي باسم الحكومة، ستيفن شايبرت. وقد تطرق المصدر ذاته إلى أنه "فيما يتعلق بمسألة كيفية التعامل مع التصاريح الممنوحة سابقا، أو البضائع التي لم يتم تسليمها بعد، هناك نقاشات مكثفة صلب الحكومة حول هذا الموضوع، وعلينا النظر في هذا الملف بعناية شديدة".

وسيتم الانتهاء من النظر في هذا الملف، من الناحية السياسية والقانونية، في الأيام القادمة. وفي استطلاع رأي نشرته صحيفة "Die Welt" الألمانية اليومية في 24 أكتوبر/تشرين الأول، عبّر 65٪ من الألمان عن أنهم مقتنعون بأن على بلادهم وقف التعاملات التجارية مع السعودية.

وكما تم التخطيط مسبقًا، سيتم تسليم زورقَي دورية، من إنتاج مجموعة لورسن يبلغ طولُهما 40 متراً (في محافظتَي الطوال وشرورة)، الذين تم السماح بتصْنيعهما في شهر مارس/آذار في حوض سفن فولغاست، إلى خفر السواحل السعودية. وفضلاً عن ذلك، سيتحصل أول زورق دورية، ينتمي إلى سلسلة جديدة يبلغ طولها 60 متراً، على تصريح تصدير (من قبل Ausfuhrgenehmigung). وتجدر الإشارة إلى أن عقد صناعة سفن لورسن في مدينة بريمن أصبح ساري المفعول منذ عام 2013.

وتحتاج الرياض إلى زوارق دورية لفرض الحصار البحري على اليمن في الوقت الذي لا ترغب فيه برلين بالاعتراف بالاستخدام النهائي لهذه الزوارق. كما يمكن أن تواصل ألمانيا احتماءها وراء بند الضمان الشهير، من أجل مواصلة عمليات التسليم ومنحها لوحدات جديدة قيد الإنشاء.

 

 

تحميل المزيد