راهنوا على حل البرلمان وانتخابات سابقة لكنه فاجأهم.. هكذا عاقب بوتفليقةُ «بوحجة»، ولهذه الأسباب اختار «بوشارب» لمنصب الرجل الثالث في الدولة

طوى النظام الجزائري، صفحة رئيس المجلس الشعبي الوطني ، السعيد بوحجة ، واستبدل به رئيس برلمانيي حزب جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم)، معاد بوشارب

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/31 الساعة 16:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/31 الساعة 17:19 بتوقيت غرينتش
Newly-elected parliamentary speaker Mouad Bouchareb is pictured at the National People's Assembly (APN) in Algiers, Algeria October 24, 2018. Picture taken October 24, 2018. REUTERS/Ramzi Boudina

طوى النظام الجزائري، سريعاً، صفحة رئيس المجلس الشعبي الوطني (الغرفة الثانية للبرلمان)، السعيد بوحجة ، واستبدل به رئيس المجموعة البرلمانية لحزب جبهة التحرير الوطني (الحزب الحاكم)، معاد بوشارب ، بطريقة مخالفة لدستور البلاد، حسب خبراء القانون.

وبات معاد بوشارب (47 سنة)، منذ 24 أكتوبر/تشرين الأول 2018، الرجل الثالث في الدولة الجزائرية، دون أن يتسلَّم مهامه من السعيد بوحجة كما تنص عليه القوانين، واعتُبر من قِبل حزبه دليلاً مادياً على "تسليم المشعل للشباب" مثلما وعد بوتفليقة ذات يوم.

وأماطت مراسم تنصيب بوشارب على رأس المجلس الشعبي الوطني ، اللثام عن كثير من نقاط الظل التي شابت أزمة الهيئة التشريعية الجزائرية لقرابة 4 أسابيع، خاصة ما تعلَّق بدور الرئاسة الجزائرية في القضية وخلفيات عزل بوحجة.

 شرعية الأمر الواقع

من الناحية القانونية، ما زال السعيد بوحجة هو الرئيس الشرعي للغرفة الثانية للبرلمان الجزائري؛ لأنه لم يقدم استقالته وأُزيح بطريقة مخالفة للدستور والنظام الداخلي للهيئة التشريعية حسب الخبراء. أما خليفته معاد بوشارب ، فيستمد شرعيته من "قوة الأمر الواقع".

هذه القوة تجلَّت في الأيام الأخيرة لبوحجة، حيث رُفعت عنه الحراسة الأمنية، وحالت السلاسل والأغلال التي أغلق بها بعض النواب أبواب المجلس الشعبي الوطني مبنى زيغوت يوسف، دون وصوله إلى مكتبه، ليصرح بعدها بأن "سلامته الجسدية باتت مهددة".

تسارعت الأحداث، واجتمع مكتب المجلس الشعبي الوطني، ليعلن شغور منصب الرئيس، معتمداً على اجتهاد قانوني في تفسير إحدى مواد النظام الداخلي، ليتم حسم كل شيء في جلسة علنية ترأسها العضو الأكبر سناً الحاج العايب، صُدِّق فيها على "شغور منصب الرئيس"، وزُكّي في الوقت ذاته معاد بوشارب رئيساً للهيئة.

ما زال السعيد بوحجة هو الرئيس الشرعي لأنه لم يقدم استقالته / Social media
ما زال السعيد بوحجة هو الرئيس الشرعي لأنه لم يقدم استقالته / Social media

وأجاب بوحجة صحيفة "ليبرتي" الناطقة بالفرنسية عما إذا كان سيلجأ إلى العدالة للطعن فيما حدث، قائلاً: "لماذا أذهب إلى العدالة وأنا أعلم مسبقاً أنها لن تحرك ساكناً"، بينما ظل متمسكاً بعدم الاستقالة كمقاومة رمزية يحفظ بها "كرامته كمجاهد، وشرعية مؤسسات الدولة".

وفي السياق، قال المختص بالقانون البرلماني، خالد شبلي، لـ "عربي بوست"، إن "عدم تقديم بوحجة الاستقالة يجعل البرلمان حالياً برئيسين؛ الأول شرعي ومنتخب لـ5 سنوات، والثاني غير شرعي ومنبثق عن شرعية الأمر الواقع".

وأكد شبلي أنه لا توجد جهة يمكن أن يلجأ إليها المجاهد السعيد بوحجة لاسترداد حقه، "فحتى المجلس الدستوري لا يمكنه التدخل لحماية الدستور؛ لأن القضية داخلية تخص البرلمان وحده، ويمكن أن يعطي مجلس الدولة رأياً استشارياً فقط".

من جانبه، رأى الخبير في القانون الدستوري عامر رخيلة، أن تنصيب بوشارب خلفاً لبوحجة يعتبر "انقلاباً دستورياً لم يسبق أن عرفته الجزائر"، وأوضح رخيلة لـ "عربي بوست"، أنه "بموجب الدستور، يعتبر بوحجة الرئيس الشرعي للبرلمان مدة 5 سنوات، ولا توجد مادة قانونية أو دستورية تنص على إجراء سحب الثقة أو العزل، وهناك 4 حالات تنتج شغوراً في رئاسة الهيئة التشريعية، وهي: الاستقالة، أو الوفاة، أو العجز، أو التنافي، وكلها لا تنطبق على بوحجة".

واعتبر رخيلة إغلاق بعض النواب أبواب المجلس الشعبي الوطني بالسلاسل والأغلال لمنع بوحجة من ولوج مكتبه "بلطجة، وعنفاً غير مقبول، كان يستدعي تدخل قوات الأمن لحماية المؤسسة التشريعية التي هي ملك للشعب".

نواب مفعول بهم

مع اشتداد الصراع بين السعيد بوحجة وخصومه من الأغلبية البرلمانية الموالية للحكومة والرئيس عبد العزيز بوتفليقة، كان جُل النواب يجهلون إلى أين ستؤول الأمور، حتى أولئك الذين وقَّعوا عريضة سحب الثقة من بوحجة.

ونقلت مصادر من قبة البرلمان، لـ "عربي بوست"، حالة التوتر الشديد التي لازمت نواب حزب جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، الذين وقَّعوا مرغَمين عريضة الإطاحة برئيس المجلس؛ "لأنهم في الوهلة الأولى ظنوا أن الأمر يتعلق بأوامر فوقية (الرئاسة) للخلاص من بوحجة، ومع صمود الأخير اعتقدوا أن الرئيس سيتدخل بموجب الدستور ويحل البرلمان لتجاوز الأزمة".

351 نائباً وقَّعوا عريضة لسحب الثقة من السعيد بوحجة / رويترز
351 نائباً وقَّعوا عريضة لسحب الثقة من السعيد بوحجة / رويترز

وكشف نائب عن المعارضة 4 عهدات متتالية، كيف أن "نواباً من المولاة كانوا يأتون إلينا كل صباح يستفسرون عن مستقبلهم وعن قيمة منحة التقاعد في حالة حل البرلمان"، مضيفاً: "لم يكونوا مقتنعين تماماً بما يفعلونه، لقد سايروا موجة فوقية فقط، ولو وجدوا إشارة واحدة تؤكد أن الرئاسة لا دخل لها لعادوا للعمل مع بوحجة بطريقة عادية جداً وانقلبوا على رؤساء أحزابهم".  

وصرح الأمين العام لحزب الأفلان (الحاكم)، جمال ولد عباس، بأن 351 نائباً وقَّعوا عريضة لسحب الثقة من السعيد بوحجة، وتوعده بردٍّ قاسٍ إذا لم يتنحَّ طواعية.

وأعلن ولد عباس، خلال اجتماع للمكتب السياسي للحزب في 16 أكتوبر/تشرين الأول 2018، سحب الغطاء السياسي عن بوحجة وإحالته إلى لجنة الانضباط للحزب، وقال مهدداً: "الأقنعة سقطت، لن نسمح لشخص واحد بتجميد مؤسسة وخلق ضجة، ومن اليوم سترون، ستشمون رائحة البارود"، بعد هذا التصريح بأسبوع، صعّد النواب لهجتهم وحسم كل شيء، وعُيِّن معاد بوشارب رئيساً للمجلس الشعبي الوطني.

بوشارب يكشف دور بوتفليقة في الأزمة

طيلة 4 أسابيع، كان السعيد بوحجة يرفض التنحي عن رئاسة المجلس الشعبي الوطني، وربط القرار بشرط تلقي "أمر مباشر من الرئيس عبد العزيز بوتفليقة".

لم يتلقَّ بوحجة أية مكالمة هاتفية أو رسالة من قصر المرادية، وراهن الجميع مع اشتداد الأزمة، على تدخُّل بوتفليقة شخصياً ليحسم الأمر، من خلال اللعب بورقة حل البرلمان التي يخولها له الدستور.

وذهبت بعض التحاليل إلى اعتبار أزمة البرلمان "مسرحية تستهدف حلَّ المجلس الشعبي الوطني، والذهاب نحو انتخابات تشريعية خلال 3 أو 4 أشهر، ما يعني تأجيل الانتخابات الرئاسية، المقررة في أبريل/نيسان 2019، وتمديد فترة حكم بوتفليقة حتى إيجاد مرشح بديل".

لكن اجتماع الثلاثاء 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018، الذي أعلن فيه الحزب العتيد عن مرشحه لرئاسة الغرفة السفلى للبرلمان، بدَّد الكثير من الغموض عن الدور الحقيقي لبوتفليقة.

فقد صرَّح الأمين العام للحزب جمال ولد عباس، عقب اختيار معاد بوشارب، بأن الأمر يدخل "ضمن تسليم المشعل لجيل الاستقلال، هذا ما تعهَّد به رئيس الجمهورية في خطاب سطيف سنة 2012، وحققناه اليوم".

وقال معاد بوشارب عقب اختياره ليكون الرجل الثالث في الدولة الجزائرية: "لقد كرمني الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة وقيادة حزب جبهة التحرير الوطني بهذا التكليف وهذا التشريف، وأنا لكم من الشاكرين".

من التصريحين، يظهر جلياً أن الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، هو الذي أعطى إشارة عزل بوحجة، وهو الآمر أيضاً بتعيين خليفته، مخيباً بذلك أمل كل من راهن على تدخله لحماية الشرعية الدستور والانتصار للمؤسسات.

وأبانت الحلقة الأخيرة للأزمة، أن الأمين العام لحزب التجمع الوطني الديمقراطي، الوزير الأول أحمد أويحيى، حينما أكد في ندوة صحافية مطلع أكتوبر/تشرين الأول، أن "البرلمان لن يحل وأن الرئاسة لن تتدخل"، كان ينقل للرأي العام الرسالة التي كُلف بها من قبل الرئيس، ومفادها أن "المعركة حسمت والرئيس قرر التخلي عن المجاهد ورفيق السلاح السعيد بوحجة".

عارض الأوامر العليا فطار

ساق النواب الذين فجّروا الأزمة على مستوى المؤسسة التشريعية، قصصاً تتعلق "بالتوظيف العشوائي، والتسيير السيئ"، كمبرّرات كافية لاستحالة العمل مجدداً مع بوحجة، وأكد المعني أن "استرجاعه سيارات البرلمان التي أخذها البعض دون وجه حق، وتخفيضه ميزانية الإنفاق والامتيازات الكثيرة التي كانوا يتمتعون بها هي التي دفعتهم للتمرد".

لكن الثابت أن الأزمة انفجرت عقب إقدام بوحجة على إقالة الأمين العام المجلس الشعبي الوطني بشير سليماني، ورغم تلقيه اتصالاً من الأمين العام لرئاسة الجمهورية وإبلاغه من قبل وزير العلاقات مع البرلمان محجوب بد بضرورة إعادة الرجل إلى منصبه، رَفَضَ الرضوخ.

هذه الحادثة، اعتبرتها صحيفة "Le Soir d'Algerie" الناطقة بالفرنسية، خطيئة بوحجة الكبرى، التي وضعته في صدام مباشر مع الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة.

وأفادت الصحيفة أن الرئاسة فقدت ثقتها في السعيد بوحجة منذ ربيع 2017، عندما نشأت بينه وبين الوزير الأول السابق عبدالمجيد تبون علاقة قوية لم تعجبها، وأقيل الأخير من منصبه في أغسطس/آب، من السنة ذاتها بعد صراع مع رجال الأعمال، بينما تحيّنت الفرصة المناسبة للتخلص من الرجل الثالث في الدولة.

وكان بوحجة قد لقي انتقادات لاذعة من قبل قيادة حزبه "الأفلان"، بعد استقباله شهر فبراير/شباط 2018، لوفد ممثل للأطباء المقيمين الذين كانوا في حركة احتجاجية ضخمة للاستماع لانشغالاتهم، وفهم خروجه على أنه خطوة للاستقطاب، وأنه "قد يحضر لشيء ما في 2019".

لكن "عمي السعيد"، كما يسمى، أكد وفاءه للرئيس عبدالعزيز بوتفليقة، في مختلف تصريحاته خلال نشوب مشكلته مع النواب.

كيف جاء بوشارب؟

عزل بوحجة في ظرف أربعة أسابيع، وجيء معاد بوشارب، صاحب الـ47 سنة، إلى رئاسة المؤسسة التشريعية، واحتفى التلفزيون الرسمي في تقرير مطول بمن اعتبره "كفاءة وطنية وطاقة شابة".

وطرحت تزكيته بتلك السرعة وبذاك الإجماع تساؤلات عن أسباب الاختيار، في ظل وجود وزراء سابقين ونواب أكثر خبرة في الغرفة السفلى للبرلمان.

حسب الصحافي المتخصص في الشأن البرلماني، جمال فنينش، فإن " معاد بوشارب مدعوم من قبل جهة في السلطة تسعى إلى تغيير جلد النظام وليس طبيعته، على اعتبار أن السلطة الحالية تملؤها وجوه هرمة ومتعَبة".

وأضاف فنينش لـ "عربي بوست" أن اختيار صاحب شهادة الليسانس في الأدب العربي، لتولي مسؤولية المجلس الشعبي الوطني ، "يتعلق بعملية شكر على خدمة، فقد كان وراء مقترح إنشاء لجنة تحقيق  برلمانية في أحداث العنف التي شهدتها الجزائر في يناير/كانون الثاني 2011،  فيما عرف بأحدث الزيت والسكر، لتحديد الجهة التي دبرتها".

ولعب عامل التوازن الجهوي دوراً حاسماً في اختيار بوشارب، على اعتبار أنه ينحدر من ولاية سطيف شرق البلاد، كون رئيس الغرفة العليا (مجلس الأمة) عبدالقادر بن صالح ينحدر من ولاية تلمسان غرب البلاد.

واعتمدت عملية التسويق للرئيس الجديد للبرلمان، على التركيز على عامل السن (47 عاماً)، والترويج لكونه شاباً من جيل الاستقلال، في إشارة إلى بداية التحضير لرحيل جيل الثورة عن السلطة تدريجياً.

و معاد بوشارب سليل أسرة ثورية، والده مجاهد، وعمل كإطار في مديرية المجاهدين بولاية سطيف، ونجح  في الفوز بمقعد في المجلس الشعبي الوطني وعمره 36 سنة، ويستمر في العمل البرلماني لـ3 عهدات متتالية.

وعنونت صحيفة الخبر، في إحدى مقالاتها عن تنصيب معاد بوشارب رئيسا المجلس الشعبي الوطني خلفاً لبوحجة بطريقة مخالفة للدستور، قائلة "ابن مجاهد يطارد مجاهد في أروقة البرلمان"، وعلق الكاتب الصحافي المعارض فضيل بومالة حول الرئيس الجديد للغرفة التشريعية الأولى، قائلاً: "إن ابن الاستقلال الشاب بوشارب لا يختلف في خطابه عن الشيخ الطاعن في السن جمال ولد عباس".

تحميل المزيد