قال الكاتب الأميركي جاكسون ديهل في صحيفة Washington Post إن الغرب لم يكن يراهن على ولي العهد السعودي محمد بن سلمان في صفقات الأسلحة أو حتى في الملف الإيراني، بل كانوا متحمسين لمحاولات ولي العهد لتحديث الإسلام في أكثر الأماكن احتياجاً لهذا: وهي السعودية، التي تعد موطناً لـ15 شخصاً من خاطفي الطائرات التي استُخدِمت في هجمات الحادي عشر من سبتمبر/أيلول 2001، علاوة على عددٍ لا يحصى من جنود تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش).
جاكسون ديهل في مقاله بصحيفة The Washington Post الأميركية والمتخصص في الشؤون الدولية يسلط الضوء على الدوافع التي على أساسها كان الغرب يراهن على ولي العهد السعودي.
قال الكاتب الأميركي إن من بين النتائج الثانوية لقضية مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي هي حذف موقع تويتر للكثير من حسابات أولئك الذين كانوا يمتدحون الحاكم الفعلي للسعودية ولي العهد محمد بن سلمان عندما كان يجوب الولايات المتحدة في زيارةٍ أجراها في وقتٍ سابق من العام الجاري.
وتابع: لم أكن أحد هؤلاء المعجبين به. لكن الآن بعد أن أصبحت صورة ولي العهد مسمومة، أشعر ببعض التعاطف مع بعض الأشخاص الذين راهنوا عليه.
كان هناك اعتقاد أن محمد بن سلمان والسيسي سيكونان مستبدين مستنيرين يسحقان التطرف
كان هذا الإصلاح الديني، الذي يعني استئصال النزعات الإسلامية العنيفة والمتطرفة، هو الهدف الأكبر لسياسات الولايات المتحدة في الشرق الأوسط منذ الحادي عشر من سبتمبر/أيلول، رغم عدم الحديث عنه كثيراً.
خلال السنوات التالية للهجمات، أيَّدَ كثيرون -بينهم الرئيس الأميركي السابق جورج بوش الابن- الاعتقاد بأن الديمقراطية ستوفر العلاج الضروري
لكن بعد أشهر قليلة من الابتهاج في أعقاب انتفاضات الربيع العربي 2011، شعر كثيرون بالإحباط بسبب عدم كفاءة الحكومات الإسلامية في مصر وتركيا واستبدادها الكريه.
وقال الكاتب الأميركي جاكسون ديهل: كان العديد من الأشخاص في واشنطن يرون في محمد بن سلمان، والرئيس المصري عبد الفتاح السيسي ومَن يُوجِّهونهم في الإمارات، طريقاً جديداً للمضي قدماً: فهم مستبدون مستنيرون. ربما يُنفى أو يُسجن الإصلاحيون الليبراليون أو الحقوقيون الداعمون للديمقراطية مثل جمال خاشقجي -وهو أمرٌ عارضه الأميركيون المولعون بالحكم الاستبدادي.
لكن بن سلمان والسيسي قد يدخلان في حربٍ ضد تنظيم القاعدة ويسحقان رجال الدين المتطرفين، الذين يشكلون مصدر إلهام للجهاديين. سيكونان مثل بينوشيه ولي كوان يو في الشرق الأوسط، يقودان مسيرة التحديث التي ستجعل الرياض تبدو أكثر بريقاً وتسامحاً مثل دبي.
أشار دينس روس، أحد أكثر المستشارين الأميركيين خبرةً في شؤون الشرق الأوسط، في مقالٍ له بصحيفة The Washington Post الأميركية، خلال الشهر الجاري، أكتوبر/تشرين الأول، إلى أن بن سلمان لم يسمح للنساء بقيادة السيارات ويفتتح دور عرض سينمائية فحسب، بل عيَّن أيضاً رئيساً جديداً معتدلاً لرابطة العالم الإسلامي.
وكتب روس: "إذا تجسدت بالفعل التغييرات التي يقودها محمد بن سلمان، فإنها ستُضعِف الثقة في التطرف الديني، وتُنهي تصديره خارج السعودية، وتُوفِّق بين الإسلام والحداثة، وتُقدِّم نموذجاً للتطور يفتقر إليه الشرق الأوسط العربي".
لكن الواقع كان مخالفاً لذلك
تساءل الكاتب الأميركي حول خطوات الأمير محمد بن سلمان التي اتخذها قائلاً: من لا يوافق على شيءٍ كهذا؟
ليرد في مقالته بالقول: "كان خاشقجي أحد هؤلاء، إذ كان الصحافي المخضرم واحداً من أكثر المعارضين حدةً لموجة الاستبداد الجديدة. كان، هو أيضاً، يرى في ثورات الربيع العربي الداعمة للديمقراطية، مصدر إلهامٍ له، لكن بعض نتائجها أصابته بالإحباط".
غير أنه لم يفقد الأمل في الديمقراطية. بل على النقيض، كان يجادل بقوةٍ في مقالاته بصحيفة The Washington Post بأن مبادئ الرقابة والتوازن بين السلطات -وخاصةً في شكل حرية التعبير عن الرأي- مازالت ضروريةً لمشروع الحداثة وأن مثل هذا الإصلاح لا يمكن أن يُنفَّذ من أعلى هرم السلطة إلى أسفله.
كتب خاشقجي منذ عامٍ مضى: "الأمير محمد محقٌ في مسعاه لاستهداف المتطرفين. لكنه يستهدف الأشخاص الخاطئين"، مشيراً إلى أن العشرات من الحقوقيين الليبراليين الذين يدافعون عن نفس الإصلاحات التي يُروِّج لها بن سلمان يُسجَنون بينما يواصل رجال الدين الأصوليون الحديث بحرية.
اتُّهِمَ خاشقجي زيفاً بدعم المتطرفين الإسلاميين. لكنه لم يكن كذلك. كان خاشقجي يؤمن بأن إصلاح الإسلام لا يعني محو الحركات السياسية السلمية التي تعتنق قيماً إسلامية. وكتب في أغسطس/آب الماضي: "ما مِن إصلاحٍ سياسي أو ديمقراطية في أي دولة عربية دون قبول الإسلام السياسي كجزءٍ من هذا الإصلاح".
تابع جاكسون ديهل: يعكف بن سلمان والسيسي على تدمير جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة الإسلامية الأقدم والأكثر رسوخاً في المنطقة. لكن خاشقجي جادَلَ بأن تجاوزات الإخوان المسلمين في مصر كان ينبغي تصحيحها بالانتخابات لا بانقلابٍ عسكري دموي، إذ كتب: "تسبَّبَت الكراهية المتعصبة ضد أي شكلٍ كان من الإسلام السياسي في تدمير خيار العرب لتبني الديمقراطية والحوكمة الرشيدة".
أثبت مقتل خاشقجي، على نحوٍ مأساوي، أنه كان صائباً. رغم نقص الأدلة القاطعة العلنية، لا يوجد أي دارس جاد لشؤون السعودية يعتقد أن عملية اغتيال مُدَبَرة، نفذها فريقٌ مكون من 15 شخصاً في دولةٍ أجنبية، تمت دون علم بن سلمان، أو في الأغلب، دون أوامره.
يكشف ذلك، المشكلة الأساسية في المراهنة على محمد بن سلمان كوكيلٍ للإصلاح. باستثناءاتٍ نادرة، لا يستطيع الحكام المستبدون مكافحة الفساد أو تبني الحداثة. هم يركزون، بكل تأكيد، على التخلُّص من جميع معارضيهم باستخدام أساليب تُغذِّي التطرف وتجعل أي إصلاحٍ حقيقي مهمةً مستحيلة.
وأنهى جاكسون ديهل مقاله بالتأكيد على أنه كان ينبغي على الأميركيين الداعمين لمحمد بن سلمان رؤية التناقض بين قمعه وهدف تحديث الإسلام. ينبغي أن ينهي مقتل خاشقجي أحلامهم بشأن كون محمد بن سلمان نموذجاً للعربي الإصلاحي القوي.