رحلة مدرسية تحولت إلى فاجعة في البحر الميت في حين كان من المفترض أن تكون كغيرها من الرحلات المدرسية الترفيهية لطلاب إحدى المدارس في الأردن، توجهت الخميس 25 أكتوبر/تشرين الأول 2018، إلى منطقة البحر الميت، إحدى أشهر المناطق السياحية التي يرتادها المواطنون والسياح.
القصة بدأت عندما تقدمت إحدى المدارس الخاصة في عمّان بطلب إلى وزارة التربية والتعليم للموافقة على رحلة مدرسية إلى مدينة الأزرق شرقي العاصمة عمّان، إلا أن الرحلة توجهت إلى البحر الميت يوم الخميس، الذي شهد طقساً سيئاً ومنخفضاً جوياً أدى هطول أمطار غزيرة.
وبعد وصول الحافلة، التي كانت تقل قرابة 45 شخصاً، أغلبهم من الطلاب، إضافة إلى بعض المعلمين، وعندما نزل ركاب الحافلة في منطقة منخفضة بالقرب من أحد شواطئ البحر، فوجئ الجميع بمداهمة مياه الأمطار الغزيرة، التي جرفت معظمهم من كان في المكان من طلاب، ومواطنين آخرين كانوا موجودين في الموقع نفسه.
وهو ما أسفر عن مقتل 21 شخصاً، وأكثر من 40 مصاباً، في الحادث، المعروف إعلامياً ب "حادث البحر الميت"، حتى لحظة إعداد هذا التقرير، في ما زالت عمليات البحث عن آخرين مستمرة.
عمليات تمشيط مستمرة
مدير الإعلام في مديرية الدفاع المدني، إياد العمرو، قال لـ "عربي بوست"، إن عمليات البحث والتنشيط بمنطقة الحادث ما زالت مستمرة، للتأكد من وجود أشخاص آخرين في الموقع، مضيفاً: "إننا في الدفاع المدني نناشد المواطنين إبلاغ غرف الطوارئ في المديرية إذا كان أحد من أقارب أي مواطن قد فُقد، بأن يقوم بالاتصال؛ لمعرفة ما إذا كان هناك أشخاص مفقودين أم لا".
واضاف العمرو أن "المعلومات الأولية لدينا تفيد بأنه بقي شخص واحد، يتم البحث عنه الآن، لكن من الممكن أن يتغير الوضع".
وكان لانهيار جسر أسمنتي، صباح الجمعة 26 أكتوبر/تشرين الأول 2018، بمنطقة البحر الميت أثر سلبي على مواصلة عمليات البحث والإنقاذ في الحادثة.
التعرف على 19 جثة
مدير مركز الطب الشرعي، أحمد بني هاني، تحدث لـ "عربي بوست"، قائلاً إنه "تم الكشف على جميع الجثث التي وصلت لنا، وتم التعرف على 19 شخصاً من قِبل ذويهم، وبقي جثمان طفلة لم يأت أحد بعدُ للتعرف عليها. ولقد تم أخذ عينة من دم هذه الضحية لإجراء فحص DNA؛ للتعرف عليها في حال لم يأت أحد من ذويها".
"التربية" تحمّل المدرسة المسؤولية
وزارة التربية والتعليم، بدورها، حملت المدرسة التي نظمت الرحلة مسؤولية ما حدث، وقال وزير التربية والتعليم الأردني، عزمي محافظة، لـ "عربي بوست"، إن المدرسة تقدمت بطلب الذهاب لرحلة إلى منطقة الأزرق، ولم يأت ذكر للبحر الميت في الطلب؛ ومن ثم وافقت الوزارة على الطلب.
وأضاف "محافظة" أن المناطق التي يمكن أن تشهد سيولاً غير مسموح بزيارتها أصلاً في أي رحلة مدرسية، والطلب الذي تقدمت به المدرسة وصل قبل نحو 10 أيام، والوزارة لم تكن تعلم أن الطقس سوف يكون هكذا.
تحذيرات سابقة من خبراء جيولوجيين
الباحث الجيولوجي نجيب أبو كركي فسر ما حدث بأنه نتيجة لانخفاض مستوى البحر الميت بمعدل 1.4 متر سنوياً، وهذا يعني أن مياه الأمطار القادمة من أعلى الجبال يصبح لديها طاقة كبيرة، وهذا يؤدي إلى نحت التربة والصخور؛ ومن ثم فإن التأثير يطول البنى التحتية والجسور في هذه المنطقة، وهو ما حدث اليوم بعد انهيار أحد الجسور صباح الجمعة 26 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وأضاف أبو كركي لـ "عربي بوست"، أن المطلوب هو نظام إنذار مبكر، بمعنى أن يتم قياس التشوهات التي حصلت لشواطئ البحر الميت من هبوط وتشققات وحفر كبيرة، وإذا كانت هذه التشوهات كبيرة، فيجب الابتعاد عنها وعدم البناء حولها؛ كي لا تتكرر هذه الحادثة في طرق وجسور هذه المنطقة.
رئيس اللجنة القانونية في مجلس النواب، النائب عبد المنعم عودات، قال إن مجلس النواب الأردني سوف يجري تحقيقاً مع الجهات المعنيَّة بالحادث، الأحد 28 أكتوبر/تشرين الأول 2018؛ لتبيان الجهة المُقصِّرة والمسؤولة، وإذا ثبت أن الحكومة مقصرة، فإن مجلس النواب سيستعمل أدواته الدستورية ضد المقصرين.
العاهل الأردني يجتمع بمسؤولين لبحث الكارثة
العاهل الأردني، الملك عبد الله الثاني، اجتمع بعد ظهر الجمعة 26 أكتوبر/تشرين الأول 2018، في مجلس السياسات الوطني بقصر الحسينية، وشدد على ضرورة أن يكون هناك تقرير مفصل يحدد ما حصل بالضبط؛ لتحديد من يتحمل المسؤولية.
وقال الملك الأردني إن "ما حدث الخميس 25 أكتوبر/تشرين الأول 2018، مأساة كبيرة آلمتنا جميعاً"، مقدماً التعازي لأهالي الضحايا والأردنيين جميعاً.
بدوره، أعلن رئيس الحكومة الأردنية، عمر الرزاز، تشكيل لجنة، مكوَّنة من عدد من الوزراء، لتقديم تقرير شامل عن حادث البحر الميت، وتوضيح كل التفاصيل المتعلقة بالحادث، ليتم اتخاذ الإجراءات اللازمة.
كما وجَّه "الرزاز"، بحسب بيان نشرته وكالة الأنباء الأردنية "بترا"، اللجنة بمراجعة معايير وأسس الرحلات المدرسية، وتقديم التوصيات لتحديثها وتشديدها بما يضمن سلامة الطلبة. إضافة إلى تقديم تقرير مفصل عن أوضاع الجسور والبنية التحتية في مختلف مناطق المملكة، للتعامل مع الكوارث الطبيعية.