انطلق في العاصمة السعودية الرياض، الثلاثاء 23 أكتوبر/تشرين الأول 2018، أعمال منتدى مستقبل الاستثمار (دافوس الصحراء)، وسط مقاطعة دولية واسعة على خلفية مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي.
مؤتمر دافوس في الصحراء الذي ينظمه صندوق الثروة السيادي السعودي حتى الخميس المقبل، يهدف إلى عرض الفرص الناتجة عن جهود الحكومة السعودية لوقف اعتماد اقتصاد المملكة على النفط، إضافة إلى الإعلان عن عقود بمليارات الدولارات.
وخلال الأيام الماضية، أعلن مسؤولون سياسيون واقتصاديون ورؤساء شركات عالمية، مقاطعتهم للمنتدى، بسبب ما نشرته وسائل إعلام عالمية حول تفاصيل مقتل خاشقجي في قنصلية بلاده بإسطنبول.
وفي بداية كلمتها، قالت مسيِّرة أولى جلسات المنتدى، لبنى العليان، وهي سيدة أعمال سعودية، إن المملكة ستنفذ القانون، فيما يتعلق بمقتل المواطن جمال خاشقجي.
وعبّرت العليان عن امتنانها "لمن حضر فعاليات المنتدى"، في ظل المقاطعة الواسعة لأعماله من جانب شخصيات وشركات أجنبية.
وشارك في الجلسة الأولى للمنتدى، ياسر الرميان الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمارات العامة، وكيريل ديميترييف رئيس صندوق الاستثمار المباشر الروسي، وخلدون المبارك، مدير عام صندوق مبادلة الإماراتي.
وبعد نفي دام أكثر من أسبوعين، أقرت الرياض بمقتل خاشقجي داخل القنصلية، إثر ما قالت إنه شجار مع مسؤولين سعوديين، وأعلنت توقيف 18 سعودياً، دون أن توضح مكان جثمان خاشقجي، الذي اختفى منذ دخوله القنصلية، في 2 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، لإنهاء أوراق خاصة به.
وتتناقض هذه الرواية مع روايات سعودية غير رسمية، أحدثها تصريح صحافي لمسؤول سعودي قال فيه إن "فريقاً من 15 سعودياً، تم إرسالهم للقاء خاشقجي، لتخديره وخطفه، قبل أن يقتلوه بالخنق في شجار عندما قاوم".
وأثار مقتل خاشقجي غضباً واسعاً، ودفع العشرات من قادة الأعمال والمسؤولين الدوليين وكبريات الشركات إلى مقاطعة مؤتمر الرياض، وسط دعوات متواصلة للسعودية إلى الكشف عن حقيقة ما حدث لخاشقجي وتحديد ومحاسبة الجناة، ما قد يهدد نجاح المؤتمر بالصورة التي كانت مرسومة له.
مقاطعة واسعة
أعلنت المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، أمس الإثنين، تعليق صادرات المعدات العسكرية إلى المملكة، لحين الكشف عن المزيد من المعلومات بشأن خاشقجي.
والسعودية، بعد الجزائر، هي ثاني أكثر مشترٍ للأسلحة من ألمانيا منذ مطلع 2018، واشترت من برلين أسلحة بنحو 417 مليون يورو، خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الجاري.
وقال وزير الخزانة الأميركي، ستيفن منوشين لافي، أول أمس الأحد، إنه من السابق لأوانه مناقشة فرض عقوبات على السعودية.
وألغى لافي مشاركته في مؤتمر الاستثمار، لكنه لا يزال يزور الرياض، ضمن جولة في الشرق الأوسط، قادته أولاً إلى القدس، حيث نقلت واشنطن سفارتها، في 14 مايو/أيار الماضي، رغم الغضب الفلسطيني والدولي.
وقرر مارسيلو كلاور، مدير عمليات "سوفت بنك"، مؤخراً، الانسحاب من المؤتمر؛ لينضم إلى قائمة طويلة من مقاطعي المؤتمر.
ومن أبرز المنسحبين: وزير مالية هولندا، فوبكه هويكسترا، ومديرة صندوق النقد الدولي، كريستين لاغارد، ورئيس البنك الدولي، جيم يونغ كيم، ورؤساء تنفيذيون لشركات عالمية.
كما يغيب الرؤساء التنفيذيون لـ "دويتش بنك"، و "جيه بي مورغان تشيس"، و "بلاك روك إنك".
ويوجه غياب هؤلاء "ضربة" لجهود ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان (33 عاماً) ومساعي المملكة، التي بنت علاقات وثيقة مع المديرين التنفيذيين في "وول ستريت"، وتعتمد إلى حد كبير على البنوك العالمية لتمويل خططها الطموحة.
مشاركة روسية
مقابل هذه المقاطعة الغربية، قررت روسيا المشاركة في مؤتمر الرياض بوفد يضم أكثر من ثلاثين من رجال الأعمال ورؤساء الشركات والشخصيات العامة الروسية.
وشجع كيريل ديميترييف قادة الأعمال الروس في مجالات تشمل البتروكيماويات والألماس والبنوك على حضور المؤتمر الاستثماري السعودية لاغتنام الفرص المتاحة.
وديميترييف هو الرئيس التنفيذي لصندوق الاستثمار المباشر الروسي، الذي تديره الدولة، واللاعب الأساسي في دفع الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، إلى توثيق العلاقات مع السعودية.
التوجه شرقاً
وقال أيهم كامل، رئيس قسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مجموعة (يوراسيا): "هناك المزيد من التحول نحو الرؤساء التنفيذيين الإقليميين والآسيويين؛ لأن القيادة (السعودية) كانت مصممة على عقد المؤتمر مهما كان الثمن".
وأضاف كامل، في تصريح لوكالة بلومبرغ للأنباء الاقتصادية، مؤخراً: "يمكن للقيادة السعودية أن تمضي قدماً في عقد المؤتمر بحيث لا يخفق أو ينجح، لكن خلال أشهر قليلة، سيكون التأثير الأكثر أهمية على البلاد هو تراجع الثقة الدولية في برنامج الإصلاح الاقتصادي".
في مؤتمر العام الماضي، حرص ولي العهد السعودي على التقاط صور شخصية مع المئات من الحضور.
ومن المرجح أن يحرص الأمير الشاب على إظهار أنشطته كالمعتاد، لاسيما في ظل أحاديث نفت الرياض صحتها عن أن أمر قتل خاشقجي صدر عن السلطة العليا في المملكة.
اقتصاد المملكة
والسعودية هي أكبر منتج للنفط الخام في منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وثالث أكبر منتج عالمي بعد روسيا والولايات المتحدة، وأكبر مصدر للنفط بمتوسط 7.2 مليون برميل يومياً.
وقبل أشهر من مقتل خاشقجي، وتحديداً في 16 يوليو/تموز 2018، رفع صندوق النقد الدولي توقعاته بشأن نمو اقتصاد السعودية إلى 1.9% في 2018، مقابل 1.7% في توقعات سابقة.
وهذه هي المرة الثالثة، منذ أكتوبر/تشرين الأول الماضي، التي يرفع فيها الصندوق توقعاته بشأن اقتصاد المملكة الخليجية، الذي شهد انكماشاً بنسبة 0.9%، في 2017.
وتوقعت مؤسسة "جدوى للاستثمار" للدراسات الاقتصادية، في وقت سابق من العام الجاري، أن تزيد السعودية إنتاجها النفطي، ليبلغ معدله 10.3 مليون برميل يومياً، بنهاية 2018.
ومنذ بداية 2018، تنتج المملكة 9.9 مليون برميل يومياً، ما يعني أنه سيتوجب عليها إنتاج 10.6 مليون برميل يومياً في الأشهر الستة المتبقية، ليبلغ معدل إنتاجها 10.3 مليون برميل، بنهاية السنة.
وسيؤدي هذا الأمر، إن حدث، إلى خفض العجز في موازنة السعودية، ليستقر عند عتبة 30 مليار دولار، بعدما كان من المتوقع أن يبلغ 52 مليار دولار.
وسجلت موازنات السعودية، في السنوات الأربع الماضية، عجزاً متواصلاً، ما دفعها إلى الاقتراض من الأسواق المحلية والدولية ورفع أسعار الطاقة.
ويتطلع ولي العهد السعودي إلى طرح شركة "أرامكو" السعودية لتكرير النفط للاكتتاب العام، السنة المقبلة، ويقول إن الهدف هو تنويع الدخل المالي.
وسيؤدي طرح الشركة إلى تحويل أسهمها إلى صندوق الاستثمارات العامة، وهو ما يجعل تقنياً الإيرادات منوعة بالنسبة للحكومة السعودية، ويقلل من اعتمادها على النفط.
ويقول محمد بن سلمان إن السعودية تهدف، بحلول عام 2020، إلى رفع الإيرادات غير النفطية بأكثر من 100 مليار دولار إضافية.
ويشدد على أن المملكة أنجزت إصلاحات سريعة، في عام 2015، استطاعت أن ترفع عوائدها غير النفطية بنسبة 35%.