قالت صحيفة The Washington Post الأميركية، إنه يجري الآن اختبار قوة النفوذ السعودي في الولايات المتحدة ودور جماعات الضغط الموالية للرياض، وسط إدانةٍ عالمية مقتل الصحافي السعودي في صحيفة The Washington Post الأميركية جمال خاشقجي في وقتٍ سابق من هذا الشهر، بالقنصلية السعودية في إسطنبول، بعد أن اعترفت السعودية بمقتله نهاية الأسبوع الماضي.
وأوضحت الصحيفة الأميركية أن السفير السعودي في واشنطن استدعى، في مارس/آذار 2018، مجموعةً من جماعات الضغط الأميركية باهظة الثمن إلى سفارته؛ لتتولى التعامل مع تحدٍّ دقيق ومزدوج.
أول زيارة لولي العهد السعودي للولايات المتحدة
كان ولي العهد السعودي، محمد بن سلمان، يستعد لأول زيارةٍ رسمية له للولايات المتحدة، بعد 4 أشهر فقط من توطيد سلطته، من خلال إصدار أوامر باحتجاز عددٍ من أفراد العائلة المالكة السعودية ونخبة من رجال الأعمال.
وفي الوقت نفسه، كان الكونغرس يواجه تصويتاً على مشروع قرار، مؤيَّد من الحزبين الأميركيَّين الجمهوري والديمقراطي، لوقف الدعم الأميركي لحملة القصف السعودية باليمن، والتي تسببت في مقتل عشرات الآلاف من المدنيين منذ عام 2015.
وخلال اجتماعٍ بعد ظهر يوم 12 مارس/آذار 2018، جلس السفير السعودي، خالد بن سلمان، على رأس طاولةٍ طويلة في قاعة المؤتمرات بالسفارة محاطاً بمستشاريه، وأمامه لوحة بيضاء كبيرة تعرض تفاصيل خط سير وبرنامج زيارة الأمير السعودي.
كان من بين أولئك المستشارين المُجمَّعين نورم كولمان، عضو مجلس الشيوخ السابق عن ولاية مينيسوتا، ومارك لامبكين، مستشار الكونغرس المخضرم الذي عمل في الفريق الانتقالي للرئيس الأميركي دونالد ترمب، والخبير الاستراتيجي الديمقراطي ألفريد موتور، وذلك وفقاً لأشخاصٍ على دراية بهذا الاجتماع.
بعد 8 أيام من اجتماعهم، فشل مشروع قرار الكونغرس الذي يهدف إلى تخليص الولايات المتحدة مما وصفته الأمم المتحدة بأنَّه "أسوأ أزمة إنسانية في العالم". وبعد ساعاتٍ من ذلك، كان محمد بن سلمان يتلقَّى استقبالاً حاراً بالبيت الأبيض في مستهل جولته بالولايات المتحدة.
"نجاح" عكَس قوة النفوذ السعودي في الولايات المتحدة
يعكس هذا النجاح المزدوج قوة آلة النفوذ السعودية المتطورة التي شكَّلت السياسات والتصورات في واشنطن منذ عقود؛ إذ تقاوم السعودية الانتقادات الموجَّهة إليها، عن طريق دفع ملايين الدولارات لجماعات الضغط وشركات المحاماة الكبرى ومراكز الأبحاث البارزة وكبار مقاولي الدفاع. وقد أظهرت السجلات العامة في عام 2017، أنَّ المدفوعات السعودية لجماعات الضغط والمستشارين في واشنطن قد ارتفعت إلى أكثر من 3 أضعاف عن عام 2016.
وبسبب هذا الإنفاق السخي في واشنطن، تمتَّع السعوديون بميزةٍ لا تُقدَّر بثمن: علاقةٌ دافئة مع الرئيس الأميركي الذي عقد صفقاتٍ تجارية مع مواطنيها الأثرياء، وصهره غاريد كوشنر الذي طوَّر علاقةً وثيقة مع ولي العهد السعودي، وصاغ بمهارةٍ سياسات الإدارة الأميركية في الشرق الأوسط. تقوم تلك الصلات على أساس علاقة طويلة الأمد بين الإدارات الأميركية السابقة والعائلة المالكة السعودية.
كما أثرت المملكة على محركي الرأي العام، من خلال حملاتٍ دعائية مكثفة؛ إذ زارت شخصيات حكومية قوية واشنطن من أجل التودد إلى الصحافيين ومحللي المراكز البحثية، من بينهم نائب رئيس المخابرات السعودي اللواء أحمد عسيري، الذي أقيل من منصبه؛ على خلفية تورطه في مقتل خاشقجي.
وهو النفوذ الذي كلَّفها تعويضات مالية وهدايا بملايين الدولارات
وقد أقام السفير السعودي العديد من حفلات العشاء الحميمة بواشنطن، واستضاف في بعض الأحيان بعض الاحتفالات الهامشية، مثل حدثٍ فخم في قاعة أندرو دبليو ميلون على شرف زيارة ولي العهد هذا العام (2018). وتُظهر السجلات العامة أنَّ السعودية أوفدت فريق الضغط؛ لضمان حضور الأعضاء البارزين في لجان العلاقات الخارجية بالكونغرس.
وفي وقتٍ سابق من هذا العام (2018)، قدَّم مسؤولون سعوديون تذاكر مباراة نهائي دوري كرة القدم الأميركية ورحلات طيران مستأجرة خصوصاً إلى المباراة لعددٍ من نجوم الإعلام الأميركي، مثل جيك تابر من شبكة CNN، وبريت باير من قناة Fox News، وذلك وفقاً لتابر والمتحدث الرسمي باسم Fox News. (وقال كلاهما إنَّهما رفضا هذا العرض).
ومن جانبها، لم تردَّ السفارة السعودية في واشنطن على طلباتٍ متعددة للتعليق.
لكن، هل يشكل مقتل الصحافي السعودي نقطة تحول في علاقة واشنطن بالرياض؟
أعلنت مجموعةٌ صغيرة من جماعات الضغط ومراكز الأبحاث، أنَّها ستُغلق صنبور المال السعودي. لكن، ما يجب تحديده الآن هو ما إذا كان ذلك يمثل نقطة تحول حقيقية في علاقات واشنطن بالرياض، أم مجرد فترة تهدئة قبل أن تعود الأمور إلى طبيعتها المعتادة.
وقال مايك لي، السيناتور الجمهوري عن ولاية يوتا، إنَّ "المُعاملة الودية التي يتمتَّع بها السعوديون في واشنطن، والتي هي نتيجة إما جهود جماعات الضغط وإما قيمتها المُتصوَّرة كحليفٍ استراتيجي، تجب إعادة تقييمها ومراقبتها في أعقاب حادثة خاشقجي"، مشيراً إلى أنَّ الكونغرس قد تخلى عن مسؤولياته الدستورية بدعم الهجمات في اليمن دون إعلان حرب.
أمَّا كولمان، عميد اللوبي السعودي في واشنطن والشخصية المؤثرة داخل الحزب الجمهوري، والذي شارك أيضاً في تأسيس لجنة عمل سياسي بالتنسيق مع رئيس مجلس النواب الأميركي بول رايان، فقال إنَّ المصالح الوطنية ستتعرض للخطر إذا لم تستمر الشراكة الأميركية-السعودية.
وأضاف أنَّ "العلاقة مع السعودية مهمة بشكلٍ حاسم، وشراكتنا معها لمواجهة التهديد الإيراني أمر بالغ الأهمية بالنسبة للأمن الأميركي، وأمن المنطقة ككل، وضمن ذلك أمن إسرائيل".
لا بأس من العودة قليلاً للوراء لمعرفة كيف أنفق السعوديون على جماعات الضغط
كثَّف السعوديون جهودهم في العاميين الماضيين لتعزيز العلاقات السعودية-الأميركية. فبعد أن انخفض الإنفاق السعودي على جماعات الضغط والمستشارين الأميركيين من 14.3 مليون دولار في عام 2015 ليصل إلى 7.7 مليون دولار في عام 2016، ارتفع مرةً أخرى إلى 27.3 مليون دولار في العام الماضي (2017)، وذلك وفقاً للسجلات العامة. ووفقاً لوثائق خاصة بجماعات ضغط نشرها مركز السياسات العامة Center for Responsive Politics، سُجِّل أكثر من 200 شخص كوكلاء للسعودية منذ عام 2016.
وكان من بين أولئك المُسجَّلين الذين يتقاضون رواتب من السعودية، مجموعة من شركات العلاقات العامة وجماعات الضغط في واشنطن مثل McKeon Group، التي يرأسها هوارد ماكيون، الرئيس السابق للجنة القوات المسلحة بالكونغرس؛ وشركة BGR Group، التي أسسها الجمهوريان البارزان إد روجرز وهالي باربور؛ وGlover Park Group، التي أسسها سياسيون استراتيجيون من الحزب الديمقراطي، من ضمنهم جو لوكهارت وكارتر إيسكو؛ وPodesta GrouP المتوقفة عن العمل حالياً وأسسها السيناتور الديمقراطي البارز توني بوديستا.
أسهم كلٌ من روجرز وإيسكو بمقالاتٍ في صفحة الرأي بصحيفة The Washington Post. وأعلنت شركاتهما الأسبوع الماضي، أنَّهما تخليا عن تمثيل المملكة العربية السعودية. ووفقاً لكريستين كوراتي كيلي، المتحدثة الرسمية باسم The Washington Post، فإن الصحيفة الأميركية أخبرتها بأنَّه لا يمكنهما الاستمرار في الكتابة بالصحيفة، في حين يعملان لصالح المملكة العربية السعودية.
والأمر لم يقف عند السعودية، فالمال الإماراتي تدفق أيضاً على واشنطن
وبشكلٍ منفصل، تدفق المال السعودي، وكذلك التمويل من حليفتها الوثيقة دولة الإمارات العربية المتحدة، إلى مراكز الأبحاث في جميع أنحاء واشنطن، وضمن ذلك مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية ومعهد بروكينغز ومعهد الشرق الأوسط. وقد أعلنت المراكز الثلاثة، الأسبوع الماضي، أنَّها ستُنهي أو تُعيد النظر بالفعل في التبرعات والمساهمات السعودية.
وقال كريس ميرفي، السيناتور الديمقراطي عن ولاية كونيتيكت والناقد البارز لحرب اليمن: "إحدى الحقائق البديهية في السياسة الخارجية الأميركية التي يُروَّج لها بقوة في واشنطن، هي أنَّ الولايات المتحدة والسعودية تتمتَّعان بعلاقةٍ خاصة جداً غير قابلة للكسر. تجد على الأقل كل شخص ذكي ويعرف جيداً عن السياسة الخارجية يدخل مكتبك ليخبرك بذلك. لكن، اتضح أنَّ الكثير من هؤلاء الأشخاص يتقاضون الأموال الخليجية".
والكل استفاد، حتى من يروج بأنه "محايد"
وكان معهد الشرق الأوسط، الذي يروج لنفسه باعتباره مصدراً محايداً للمعلومات والتحليلات في هذه المنطقة الحرجة، واحداً من أكبر المستفيدين من الأموال السعودية. يرأس المؤسسة ريتشارد كلارك، الذي شغل مناصب أمنية رفيعة المستوى خلال إدارات الرؤساء رونالد ريغان وجورج بوش الأب وبيل كلينتون.
وبين عامي 2016 و2017، تلقَّى معهد الشرق الأوسط تمويلاً ما بين 1.25 مليون دولار و4 ملايين دولار مقابل ترويجه للمصالح السعودية، وفقاً لإقراراته المالية العامة.
وفي عام 2016، تلقَّى مركز الأبحاث 20 مليون دولار لتجديد مقره من الإمارات، التي دعمت مزاعم الحكومة السعودية بشأن وفاة خاشقجي.
يرتبط المعهد أيضاً بِصلاتٍ أخرى بالمملكة. فوفقاً لمتحدث باسم المعهد، فإنَّ مايكل بتروزيلو، الذي عمل لصالح المملكة كعميلٍ لها بعد هجمات 11 سبتمبر/أيلول الإرهابية، وتلقَّت شركته Qorvis MSL GROUP مبلغ 6.3 مليون دولار من السعوديين كرسوم لمهام الضغط في عامي 2016 و 2017- كان عضواً في مجلس إدارة معهد الشرق الأوسط حتى أوائل هذا العام (2018). وجاك مور، مدير مكتب واشنطن بشركة أميركا الشمالية التابعة لشركة النفط المملوكة للحكومة السعودية، ما يزال يعمل حتى الآن عضواً في مجلس إدارة المعهد.
وأكَّد سكوت زوك، المتحدث باسم المعهد، أنَّ المعهد يوضح للجهات المانحة أنَّ باحثيه مستقلون. وقال: "نحن لا نقبل أي تبرع من حكومة أو أفراد أو مؤسسات تسعى إلى تقييد حريتنا الأكاديمية".
لكن، لماذا فشل هذا اللوبي في منع إدانة السعودية بخصوص أحداث 11 سبتمبر؟
عزَّز اللوبي السعودي بواشنطن جهوده بعد النكسة الكبيرة التي حدثت في خريف عام 2016، والمُتمثّلة في نجاح مشروع قانون سعت إليه عائلات ضحايا هجمات 11 سبتمبر/أيلول، تحت اسم قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب (جاستا)، يسمح لهم بمقاضاة الحكومة السعودية بسبب دعمها المزعوم للهجمات الإرهابية.
جديرٌ بالذكر أنَّه من بين خاطفي الطائرة، البالغ عددهم 19 شخصاً، والذين شاركوا في الهجوم، كان هناك 15 شخصاً يحملون الجنسية السعودية.
وقد تجاوز الكونغرس، لأول مرة، من أجل تمرير القانون، حق النقض (الفيتو) الذي قدَّمه الرئيس السابق باراك أوباما، على الرغم من الحجج التي أدلى بها مسؤولو الإدارة الأميركية بأنَّ هذا الإجراء قد يُعرِّض مسؤولين أميركيين لدعاوى مماثلة في الخارج.
أنكرت الحكومة السعودية أي علاقة لها بالإرهابيين المُنفّذين لهجمات 11 سبتمبر/أيلول، وواصلت الضغط ضد القانون منذ أوائل عام 2017، من خلال الدفع لإجراء تعديلاتٍ تفرّغه من مضمونه. وقد وظَّف المستشارون السعوديون أيضاً محاربين عسكريين قدامى للقدوم إلى واشنطن؛ لإخبار الكونغرس بأنَّ هذا الإجراء قد يُعرِّضهم لمواجهة دعاوى قضائية مماثلة.
وقالت تيري سترادا، التي قُتل زوجها في هجمات مركز التجارة العالمي، والتي هي واحدة من المُدَّعين الرئيسيين ضد المملكة، إنَّ "السعوديين يحاربون بقذارة شديدة". وأضافت: "كان قدامى المحاربين يظهرون في واشنطن ويتحدثون بنفس لغة الحديث السعودية. دعونا نواجه الأمر، هم اعتقدوا أنَّ الفئة الوحيدة التي تستطيع التصعيد ضد عائلات ضحايا 11 سبتمبر/أيلول وتنجح في ذلك هم المحاربون القدامى".
رغم أن السعودية دفعت 270 ألف دولار فاتورة إقامة بفندق ترمب الدولي!
ووفقاً لشكوى قُدّمت العام الماضي (2017)، في وزارة العدل، من عائلات ضحايا 11 سبتمبر/أيلول، فإن بعض هؤلاء المحاربين القدامى لم يُقَل لهم إنَّ السعودية تدعم زياراتهم. وتُظهر السجلات أنَّ المحاربين القدامى مُنحوا إقامةً في فندق ترمب الدولي، أحد ممتلكات الرئيس، ودفعت المملكة في نهاية المطاف، فاتورة حساب بقيمة 270 ألف دولار مقابل ذلك.
وكُتب في إحدى الدعوات التي أُرسلت عبر البريد الإلكتروني وقُدّمت كجزءٍ من ملف الشكوى: "إنَّها رحلة رائعة، ستكون مثل عطلة 5 نجوم".
وقال ديفيد كاسلر، وهو رقيب متقاعد في القوات البحرية ويعيش بمقاطعة ساكرامنتو، إنَّه كان يعتقد أنَّ منظمة المحاربين القدامى غير الربحية هي التي دفعت تكاليف السفر إلى واشنطن والإقامة في فندق ترمب. وأضاف أنَّه لم يكتشف أنَّ السعوديين هم من يدفعون الفاتورة، إلا بعد وصوله إلى واشنطن.
وقال كاسلر: "أدركنا حينها أنَّنا كنَّا مثل قطع الشطرنج".
ولم يردَّ بيتروزيلو، الذي ساعد في تنظيم رحلة سفر المحاربين القدامى، على طلب التعليق. وكان قد أخبر موقع Yahoo News في العام الماضي (2017)، بأنَّ شركته اتَّبعت قوانين جماعات الضغط، وأنَّ الادعاءات بأن أولئك المحاربين القدامى تعرّضوا للخداع هي "مزاعم جوفاء بالنسبة لي".
وهناك أيضاً علاقات شخصية!
عندما كان المرشحَ الجمهوريَّ لخوض الانتخابات الرئاسية، وصف ترمب استخدام أوباما حق الفيتو ضد قانون جاستا بأنَّه "مخزٍ"، وأنه "إحدى نقاط الضعف في رئاسته".
لكنَّه صاغ بعد فترة وجيزة، هو وصهره، علاقات شخصية مع كبار حلفائه السعوديين والقادة الآخرين في الشرق الأوسط. ففي وقتٍ مبكرٍ، بدأت العلاقات بينهم، ويُعزى جزءٌ من الفضل في هذا إلى توم باراك، صديق ترمب منذ 3 عقود، والذي يدير أعمالاً بالشرق الأوسط، ولديه علاقات شخصية مع شخصياتٍ نافذةٍ في السعودية وقطر والإمارات.
قدَّم باراك في مايو/أيار 2016، كوشنر إلى شخصيةٍ ذات نفوذ، وهو السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، وأحد الحلفاء الرئيسيين للسعودية، حسبما أوضح شخصٌ على علمٍ بهذه المسألة. تحدث باراك إلى ترمب حول الاجتماع بالقادة الإقليميين الآخرين، ومن ضمنهم أمير قطر. وتحدث بحماسةٍ عن أميرٍ سعوديٍّ قويٍّ واعدٍ، اسمه محمد بن سلمان، وفقاً لما قاله هذا الشخص.
بعد أشهر قليلة من تنصيب ترمب، تقابل كوشنر وبن سلمان وجهاً لوجه لأول مرة، خلال غداءٍ في غرفة الطعام الرئيسية بالبيت الأبيض. بدأت الصداقة بينهما على الفور، وأجريا عدداً من المكالمات الهاتفية بينهما في الأسابيع التالية، ما أثار مخاوف بعض عملاء الاستخبارات من أنَّ كوشنر كان يمارس دبلوماسيةً مستقلةً، وهو ما نقلته صحيفة The Washington Post قبل ذلك.
في الأيام السابقة، وبعد زيارة الأمير، قدَّم حسابٌ على موقع تويتر خاص بالسفارة السعودية في الولايات المتحدة، وهو حساب ArabiaNow الذي تديره شركة العلاقات العامة Qorvis MSLGROUP، حسبما أوضحت سجلات جماعات الضغط، نظرةً متفائلةً للمملكة الغنية بالنفط والدور الذي تقوم به في اليمن.
وفي العاشر من مارس/آذار 2017، نشر الحساب تغريدةً تقول: "السعودية تزيد من مساعداتها لتعتني بالمرضى والمصابين في اليمن"، مع رابط لمنشورٍ يُفَصِّل المساعدات الإنسانية التي تقودها السعودية؛ وهي مزاعم أنكرها النشطاء الحقوقيون واعتبروها حملةً دعائيةً.
لكن هناك أمير سعودي كان ينافس محمد بن سلمان داخل الإدارة الأميركية
في الوقت نفسه تقريباً، كان أحد منافسي بن سلمان يحاول أن يسلك طريقه الخاص نحو الإدارة. ففي مايو/أيار 2017، دفعت وزارة الداخلية، التي كان يرأسها آنذاك الأمير محمد بن نايف، وهو الثاني في ترتيب العرش، مبلغاً قدره 5.4 مليون دولار إلى شركةٍ يقودها روبرت سترايك، أحد مستشاري حملة ترمب وصاحب مصنع خمور في أوريغون، وذلك وفقاً لما جاء بالوثائق العامة.
بعد شهر من هذا، عندما اختار الملك سلمان ابنه محمد ليكون ولي العهد بدلاً من بن نايف، انتهت الصفقة فجأةً؛ بسبب "تغييرٍ في النظام السعودي"، حسب المذكور بوثائق جماعات الضغط التي جمعها سترايك. ورفض سترايك التعليق على الموضوع.
وبعد أشهرٍ قليلةٍ من ذلك الغداء المُقام في البيت الأبيض، أقنع كوشنر ترمب باختيار السعودية لتكون أول دولةٍ أجنبية يزورها، رغم الاعتراضات التي أبداها مسؤولون آخرون في الإدارة، حسبما أفادت صحيفة The Washington Post.
رفض مسؤولون في البيت الأبيض التعليق على الموضوع، فيما عدا الإشارة إلى مقابلةٍ أجراها ترمب مع الصحيفة يوم السبت، وهي مقابلةٌ قلل فيها من أهمية علاقة كوشنر بولي العهد.
وقال الرئيس: "غاريد ليس لديه أعمال مع السعودية. إنَّهما شابان. وغاريد لا يعرفه جيداً أو ما شابه. إنَّهما مجرد شخصين صغيرين، وفي العمر نفسه. وأعتقد أنَّهما معجبان بعضهما ببعض".
ونائب رئيس الاستخبارات السعودي المُقال كان له دور في واشنطن
لم يكن ولي العهد هو المسؤول الوحيد الذي يخوض جولاتٍ في واشنطن. فقد كان عسيري، وهو نائب رئيس الاستخبارات العامة السابق الذي أقيل من منصبه في أعقاب مقتل خاشقجي، حاضراً في الأسبوع نفسه، وأخبر الصحافيين بأنَّ إدارة ترمب تعهدت بزيادة تبادل المعلومات الاستخباراتية والتعاون العسكري.
كتب عسيري مقال رأي بعد أيام، نُشر في موقع قناة Fox News، وامتدح فيه أهمية الشراكة السعودية-الأميركية في مكافحة الإرهاب. وأُدخل مقال عسيري إلى سجلات الكونغرس عن طريق إد رويس، وهو نائب جمهوري عن ولاية كاليفورنيا ورئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس النواب.
امتدح رويس "دعم اللواء عسيري تبادل المعلومات الاستخباراتية"، وأشار إلى أنَّ "العلاقة بين الولايات المتحدة والسعودية أساسيةٌ من أجل مواجهة الإرهاب"، حسبما ورد في سجلات الكونغرس.
كانت هذه هي الزيارة الثانية لعسيري لواشنطن على أقل تقدير، فقد التقى الصحافيين خلال زيارةٍ له في مايو/أيار 2016؛ لمناقشة حرب اليمن. وخلال تلك الزيارة، استضاف مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية عسيري؛ لإجراء مناقشةٍ حول الشواغل المتعلقة بحقوق الإنسان في اليمن، حسبما قال مركز الأبحاث الذي يتخذ من واشنطن مقراً له.
جماعات الضغط تنوب عن الحكومة السعودية في واشنطن
في شهر مارس/آذار 2018، ومع انتظار الزيارة القادمة للأمير والتصويت المنتظر على مشروع قانونٍ لإنهاء المشاركة الأميركية في حرب اليمن، كانت جلبة العمل الذي تضطلع به الآلة السعودية في واشنطن مسموعةً وملحوظة.
ففي السفارة، وضع السفير جدول أعمالٍ وقائمة للمدن التي يمكن زيارتها، وحصل على اقتراحاتٍ بالأشخاص المهمين الذين ينبغي لابن سلمان لقاؤهم، حسبما قال أشخاصٌ حضروا هذه الترتيبات.
وصف كولمان اللقاء بأنَّه جلسة تخطيط روتينية. وأكد موتور أنَّه هو ولامبكين حضرا نيابةً عن شركتهما Brownstein Hyatt Farber Schreck.
خلال الأشهر السبعة التي سبقت زيارة ولي العهد والتصويت على مشروع القانون المتعلق بحرب اليمن، أوضحت جماعات الضغط أنَّها أجرت 759 اتصالاً بأعضاءٍ في الكونغرس وموظفين بالإدارة وأكاديميين وصحافيين نيابةً عن الحكومة السعودية، حسبما ورد في السجلات العامة.
كانت المملكة في مواجهة ثلاثي غير اعتيادي، التقى فيه حزبا المجلس مع مستقلٍ واحد: مورفي، وولي، وبيرني ساندرز، العضو المستقل عن ولاية فيرمونت، والذين ضغطوا معاً من أجل إنهاء المشاركة الأميركية في اليمن.
اتخذت الولايات المتحدة جانب الائتلاف الذي تقوده السعودية في حربٍ أهليةٍ ضد المتمردين الحوثيين الذين تدعمهم إيران، وجادلت الإدارة بأنَّ الحملة العسكرية كانت جزءاً ضرورياً من الحرب على الإرهاب.
وقال مورفي، الذي ينتقد القصف الجوي: "يبدو أنَّ الناس يواجهون صعوبةً في تصديق أعينهم باليمن. السعوديون يقصفون بكل وضوح مرةً تلو الأخرى، والناس لا يريدون أن يصدقوا، وهو ما يخبرك عن مدى نفوذ علاقاتهم في واشنطن".
وتذكَّر أندريا براسو، مدير مكتب منظمة هيومن رايتس ووتش في واشنطن بالإنابة، الحديث إلى مساعدٍ في الكونغرس عن الخسائر بين صفوف المدنيين باليمن، وأدرك أنَّ المساعد كان يستقبل في الوقت نفسه رسائل نصيةً من العتيبة، السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة الذي يتمتع بعلاقاتٍ جيدة، وهو مؤيد رئيسي للسعوديين.
هكذا استقبل الأميركيون ولي العهد السعودي محمد بن سلمان
وفي اليوم نفسه، وصل ولي العهد إلى واشنطن، ليبدأ هجمةً خاطفةً من العلاقات العامة استمرت 3 أسابيع، التقى خلالها أوبرا وينفري، مقدِّمة البرامج الحوارية المعروفة؛ وبيل غيتس، مؤسِّس شركة مايكروسوفت؛ والرئيس التنفيذي لشركة أمازون، جيفري بيزوس، الذي يملك صحيفة The Washington Post.
قوبل وصوله بترحيبٍ من مقالٍ نُشر على موقع معهد الشرق الأوسط كتبه فهد ناظر، الذي يُعرِّفُه الموقع بأنَّه مشارك زائر. كتب "ناظر": "يجب أن تلاحظ الولايات المتحدة والغرب التغيرات الاجتماعية الجوهرية التي تحدث في السعودية، وأن يدعموا ولي العهد الأمير محمد (بن سلمان)".
من خلال الضغط على اسم "ناظر" في المقال، سوف يصحبك الموقع إلى صفحةٍ أخرى تعرض سيرته الذاتية، التي تصفه بأنَّه "كاتب عمود في الصحيفة اليومية Arab News، ومستشار سياسي للسفارة السعودية في واشنطن".
يأتي في نهاية هذا التعريف سطرٌ يقول: "الآراء التي يعبر عنها هي قطعاً آراؤه الشخصية".
حصل "ناظر" على 91 ألف دولار من المملكة في عام 2007 مقابل استشاراته، حسبما تُظهر الملفات. وأخبر "ناظر" صحيفة The Washington Post بأنَّه لا يسهم في جماعات الضغط على الإدارة أو الكونغرس، وأنَّه يتبع القانون فيما يتعلق بعمله الاستشاري من أجل السفارة.
وقال زوك، المتحدث باسم معهد الشرق الأوسط، إنَّ المؤسسة تنشر مقالاتٍ تعبر عن وجهات النظر المختلفة.
لكن، يبدو أن الوضع ماضٍ في التغير بسبب مقتل جمال خاشقجي
كثيرٌ من المؤسسات في الوقت الحالي، تعيد التفكير في علاقاتها مع السعودية بأعقاب مقتل مقتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي ، الذي استنتجت السلطات التركية أنَّه استُهدف استهدافاً متعمداً عن طريق فريق يتكون من 15 عميلاً سعودياً، قتلوه وقطَّعوا جثته داخل مبنى البعثة الدبلوماسية.
وقال دانيال بنيامين، مدير مركز جون سلون ديكي للتفاهم الدولي في جامعة دارتموث، والذي عمل بمعهد بروكينغز ومركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "بالنسبة للمؤسسات الفكرية، وكذلك المتاحف والجامعات، سيترك الحصول على الأموال السعودية وصمةً في الأيام القادمة".
وقال مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، يوم الجمعة، إنَّه لن يمضي قدماً نحو الحصول على منحة بقيمة 900 ألف دولار من الحكومة السعودية، من أجل تقديم تدريبٍ لتطوير المهارات لسفارتها في واشنطن.
وفي رسالة بريد إلكتروني، قال أندرو شوارتز، المتحدث باسم مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية: "ما زلنا نعتقد أنَّ الولايات المتحدة مهتمة بالإبقاء على العلاقة الثنائية مع السعودية؛ إذ إنَّ كثيراً مما تريد الولايات المتحدة تحقيقه بالشرق الأوسط يصبح أكثر صعوبةً في غياب مثل هذه العلاقة. لكن بهذا التوقيت، وفي ظل الظروف المحيطة بمقتل خاشقجي، قرر المركز إعادة تقييم علاقته مع المملكة".
وبالمثل، أخبر معهد بروكينغز موقع BuzzFeed، في الأسبوع الماضي، بأنَّه يعمل على إلغاء منحة الأبحاث الوحيدة التي حصل عليها من السعوديين، "من أجل تقديم تحليلٍ وتقييمٍ لقطاع المؤسسات الفكرية السعودية"، التي تصل قيمتها لمبلغ من 6 أرقام.
ودعا معهد الشرق الأوسط، خلال الأسبوع الماضي، السلطات السعودية "للتحرك بسرعة من أجل إظهار الحقيقة حول ما حدث لخاشقجي، وأن تُخْضِع المسؤولين للمحاسبة".
وقال المعهد إنَّه قد يرفض التمويل السعودي، لكنَّه "يُخضِع المسألة لمراجعة فعلية انتظاراً لنتائج التحقيقات".