لماذا اختفى جمال خاشقجي؟ ، تكهنات متعددة أثيرت للرد على هذا السؤال، ولكن ما كشفه صديق للإعلامي السعودي، قد يحمل معه أخيراً الإجابة، فقد يكون السبب هو جيش النحل!
فقد قال هذا الصديق -لصحيفة The Washington Post الأميركية- إن مشروعاً مشتركاً يدعى النحل أو جيش النحل ، كان يعمل عليه مع جمال خاشقجي قد يكون السبب في اختفاء الأخير، وعزَّز ادعاءاته بمنح الصحيفة تسجيلات لديه تتضمن تهديدات وُجّهت له من قبل مبعوثين سعوديين.
هذا المشروع قد يجيب على السؤال الذي أغضب العالم.. لماذا اختفى جمال خاشقجي؟
عندما ضغط عمر عبدالعزيز -ناشط ومعارض سعودي يبلغ من العمر 27 عاماً- على زر التسجيل على هاتفه، ثم وضع الهاتف في الجيب أعلى سترته، لم يكن يعلم أن هذا الإجراء يمكن أن يكون مهماً لكشف غموض جريمة كبرى سوف تجري بعد بضعة أشهر.
خبأ عبدالعزيز هاتفه في جيبه، وجلس في مقهى في مدينة مونتريال الكندية، منتظراً رجلين أبلغاه أنهما يحملان رسالة شخصية له من ولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
بهذه الطريقة، التي يبدو أنها تكرَّرت استطاع الناشط السعودي عمر عبدالعزيز، صديق جمال خاشقجي تسجيل العديد من المحادثات التي يمكن أن تفسر اختفاء خاشقجي، الذي كان يعمل على مشروع لإنشاء جيش إلكتروني مضاد للدعاية الإلكترونية السعودية الحكومية،يدعى النحل أو جيش النحل، حسبما ورد في تقرير The Washington Post.
لم يكتفيا بتهديده فقط بل جاءا بأخيه معهما إلى كندا
سألهما عبدالعزيز العميلين السعوديين عن السبب الذي دفعهما لقطع كل هذه المسافة إلى كندا لرؤيته.
وقال أحد المبعوثين متحدثاً عن عبدالعزيز وكأنه غائب: "هناك سيناريوهان محتملان"، أولاً يمكنه العودة إلى وطنه السعودية، إلى أصدقائه وعائلته. أما السيناريو الثاني "أن يذهب عمر إلى السجن".
وسألاه: "أي السيناريوهين سيختار؟"
ولتأكيد التهديدات التي يواجهها عمر، أحضر الزائران أحد أشقائه الصغار من السعودية ليحضر الاجتماع، وترجَّى عبدالعزيز أخاه كي يبقى هادئاً.
التسجيلات تظهر كيف تستدرج السعودية معارضيها
وذكرت صحيفة The Washington Post الأميركية في التقرير أنها حصلت على تسجيلات سرية لمحادثات مدتها 10 ساعات من عبدالعزيز، الذي كان زميلاً مقرباً من الصحافي السعودي المفقود جمال خاشقجي.
وتكشف هذه التسجيلات صورةً مروعة عن الطريقة التي حاولت بها السعودية استدراج معارضيها للعودة إلى المملكة، من خلال تعهدات بمنحهم أموالاً وضمان أمنهم.
وتقول جماعات حقوقية، إنَّ تلك الجهود تصاعدت بحدة منذ تعيين الأمير محمد بن سلمان ولياً للعهد، العام الماضي 2017.
كما يمكن أن تخبرنا هذه التسجيلات لماذا اختفى جمال خاشقجي؟
جيش النحل قد يكون السبب في اختفاء خاشقجي
قال عبدالعزيز، الذي حصل على حق اللجوء إلى كندا، إنه كان يعمل على عدة مشاريع مع جمال خاشقجي ، ربما هي التي زادت رغبة القيادة السعودية في التخلص من الأخير.
وأرسل خاشقجي لعبدالعزيز 5 آلاف دولار من أجل مشروع أطلقا عليه اسم "النحل"، وهو مبادرة لبناء جيش إلكتروني داخل السعودية، يتصدّى للمتصيّدين المؤيدين للحكومة على الإنترنت.
وأضاف عبدالعزيز أنهما كانا يعملان كذلك على صناعة فيلم قصير، وتأسيس موقع إلكتروني يرصد أوضاع حقوق الإنسان، ومشروع لتعزيز الديمقراطية.
وكان من المفترض أن تكون هذه المشاريع سرية، لكنَّ عبدالعزيز قال إنَّ برنامج تجسس سعودياً استهدفه خلال صيف العام الحالي 2018.
وأضاف قائلاً: "لقد حصلوا على جميع المعلومات. اطلعوا على الرسائل المتبادلة بيننا، واستمعوا إلى أحاديثنا الهاتفية".
نحن مبعوثان شخصيان للأمير محمد بن سلمان
وفي المقاطع الصوتية التي سجَّلها عبدالعزيز، قال الزائران مراراً إنَّهما مبعوثان لولي العهد السعودي شخصياً، ويعملان بأوامر من سعود القحطاني.
والقحطاني يعد خبيراً استراتيجياً بارزاً ومسؤولاً عن إنفاذ أوامر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان.
وقال جمال خاشقجي لأصدقائه قبل اختفائه، إنَّ قحطاني هو من تواصل معه في الشهور التي سبقت اختفائه، وحثَّه على ترك المنفى الذي فرضه على نفسه والعودة إلى الوطن، حسبما ذكر تقرير الصحيفة الأميركية.
الغربة والمعارضة جمعت بينهما
عبدالعزيز قال إنه رحل في البداية عن السعودية عام 2009 للدراسة في كندا.
وفي أثناء الربيع العربي، استطاع جذب عدد كبير من المتابعين على حسابه على تويتر، ثم حين كان ملتحقاً بجامعة مكغيل الكندية، أطلق برنامجاً شهيراً على يوتيوب معروفاً عنه انتقاده القيادة السعودية.
وفي عام 2014، حصل على حق الإقامة الدائمة في كندا.
وبدأت صداقة عبدالعزيز و جمال خاشقجي بعد انتقال الصحافي السعودي إلى العاصمة الأميركية واشنطن، في صيف العام الماضي.
وفي هذا الصدد، قال عبدالعزيز: "كان خاشقجي يشعر بالوحدة حين غادر. وبدأنا نتحدث حول العيش بالخارج بعيداً عن عائلاتنا، وطبيعة الحياة والمشاريع التي سنُنفذها… كان جمال أباً وصديقاً"، حسب تعبيره.
خاشقجي يتعرض للإهانة.. من هنا جاءت فكرة مشروع جيش النحل
يقول عمر عبدالعزيز، إنَّه هو صاحب فكرة بناء مشروع "جيش النحل"، ولكنَّ خاشقجي أعجب بها.
ودفعت انتقادات خاشقجي للقيادة السعودية إلى دخوله في مواجهة مع المغرِّدين المؤيدين للحكومة على تويتر، الذين يطلق عليهم ناشطون سعوديون اسم "الذباب".
وقال عبدالعزيز: "تعرض جمال خاشقجي للكثير من الإهانة من جانب الجيش الإلكتروني السعودي، حيث كانوا يركزون عليه لأنه صوت (المعارضة السعودية) في الإعلام الغربي".
حتى لو كان هذا @mrg202020 ذباب إلكتروني فيجب على رئيس الوردية توبيخه على هذا الرد الاحمق الذي يشوه به صورة البلد الذي يزعم الانتماء له . https://t.co/XSBDyj3NzX
— جمال خاشقجي (@JKhashoggi) October 1, 2018
وهذا سبب تسميته الغريبة وقرارهما بشراء شرائح هواتف أميركية وكندية
عبدالعزيز اقترح شنَّ حركة مضادة على الإنترنت، لكنه كان بحاجةٍ إلى بعض المال لبدء المشروع.
وقال الناشط السعودي عن سبب هذه التسمية: "نسميهم جيش الذباب، ونسمي أنفسنا جيش النحل".
ويذكر عبدالعزيز أنَّ الخطة كانت تقوم على شراء شرائح هواتف بأرقام أميركية وكندية، يمكن للسعوديين داخل المملكة استخدامها.
ويوضح السبب في فكرة استخدام شرائح هواتف غير سعودية.
إذ قال لا بد من التحقق من حسابات تويتر عبر رقم الهاتف، لذا كان الناشطون داخل السعودية يخشون ربط أرقام هواتفهم السعودية بحساباتهم على تويتر، خوفاً من أن تتعقَّبهم السلطات وتعتقلهم لانتقادهم الحكومة.
وكشف عبدالعزيز أنهما قد وزَّعا بالفعل 200 شريحة هاتفية.
ويواصل عبد العزيز كشف تفاصيل قد تجيب عن السؤال المحير، لماذا اختفى جمال خاشقجي ؟ ، ولماذا قد تخاطر المملكة بهذه المغامرة لإخفائه؟
وكانا يحضران لأفكار أخرى، ولكن خاشقجي كان قلقاً من مشروع جيش النحل تحديداً
وقال عمر عبد العزيز إنَّ خاشقجي طلب منه المشاركة في صناعة فيلم قصير يروي كيف أنَّ القيادة السعودية تتسبب في انقسام الدولة.
وطلب جمال خاشقجي المساعدة كذلك في تصميم شعار مؤسسة جديدة كان ينشئها وسماها Democracy for Arab World Now.
وكان عبدالعزيز يعاونه كذلك في تصميم موقع إلكتروني يرصد القضايا الخاصة بحقوق الإنسان.
بيد أنَّ خاشقجي كان قلقاً إزاء مشروع شرائح الهواتف الأجنبية تحديداً.
إذ يقول عبدالعزيز: "أخبرني أنَّ هذا المشروع خطر جداً. وطلب مني توخي الحذر… تويتر هو المنصة الوحيدة التي نملكها، فليس لدينا برلمان".
وفي رسالةٍ بتاريخ 21 يونيو/حزيران، كتب خاشقجي لعبدالعزيز قائلاً: "سأحاول الحصول على المال… لا بد أن نفعل شيئاً. أتدري، أحياناً ما (أتأثَّر) بهجماتهم". (في إشارة إلى تأثره بانتقادات وسباب ما يعرف بجيش الذباب الإلكتروني الموالي للدولة).
إن حماسه وقلقه من المشروع قد يحملان في طياتهما عن إجابة لسؤال لماذا اختفى جمال خاشقجي؟
وعبدالعزيز يعتقد أن رابطاً استخدمه على الإنترنت هو الذي كشف المشروع
وعقب ذلك بيومين، أجرى عبدالعزيز طلب شراء على موقع Amazon. وضغط على رابطٍ إلكتروني أُرسِل إلى هاتفه حتى يتعقب توصيل طرد.
ويشتبه عبدالعزيز أنَّ هذا الرابط أصاب جهازه ببرنامج تجسس.
وقد حذر مشروع The Citizen Lab الكندي عبدالعزيز في شهر أغسطس/آب الماضي 2018، من أنَّ هاتفه ربما يكون قد اختُرِق.
ومنذ أسبوعين مضيا، انتهى المشروع إلى أنه "متيقن بشدة" من أن هاتف عبدالعزيز كان مستهدفاً، معرباً عن اعتقاده بأنَّ مشغل الهاتف أصبح متصلاً بـ"الخدمات الأمنية والحكومة في السعودية".
Saudi activists: here are some tips on how to inspect your phone for possible NSO/Pegasus spyware. pic.twitter.com/6tQVrQ0mh1
— Citizen Lab (@citizenlab) October 18, 2018
جديرٌ بالذكر أنَّ The Citizen Lab مشروعٌ تابع لجامعة تورنتو الكندية، معني بالتحقيق في عمليات التجسس الرقمي ضد هيئات المجتمع المدني.
وقال عبدالعزيز إنَّ أحد مبعوثي ولي العهد كان يتفاوض معه لمحاولة إقناعه بالعودة إلى السعودية لعدة أشهر.
ويسترجع عبدالعزيز الأحداث قائلا "أنه أخبر الرجل أنه إذا كان يحمل رسالة له فبإمكانه إحضارها إلى كندا".
وأبلغه المبعوثان أنَّ باستطاعته أن يحظى ببدايةٍ جديدة في السعودية.
فأجاب عبدالعزيز بأنه سيذهب إلى المملكة، ولكن في 30 مارس/آذار، أنشأ مجموعة دردشة على تطبيق واتساب سمَّاها "عهدٌ جديد"، ولم يعد لبلاده.
وفي الوقت الذي كان مشاهيرُ التكنولوجيا يستقبلون الأمير محمد بحفاوةٍ كان يعتقل النشطاء!
ولفتت الصحيفة الأميركية إلى أنَّ ولي العهد السعودي النافذ -الذي كان يبلغ من العمر حينها 32 عاماً- كان محاطاً آنذاك بموجةٍ من الدعاية الإيجابية.
إذ كان قد اختتم لتوِّه زيارةً رفيعة المستوى للولايات المتحدة، التقى فيها مشاهير مثل بيل غيتس، وجيف بيزوس مالك صحيفة The Washington Post، والممثل دواين جونسون المُلقَّب بـ"الصخرة".
ولكن، سَرَتْ بالفعل رعدة خوف في جسد مجتمع المعارضة السعودي. ففي داخل المملكة، اعتقل الأمير ناشطِين، واحتجز رجال أعمال وسجنهم في فندق ريتز كارلتون.
ولم يكن الناشطون خارج البلاد في مأمن أيضاً؛ إذ اختُطفت لُجين الهذلول، إحدى أشهر الناشطات السعوديات، من الشارع في أبوظبي بدولة الإمارات، واقتيدت إلى السعودية.
وأُفرج عنها بعد بضعة أيام من الاحتجاز، لكنَّها أُدرجت على قائمة المنع من السفر، وطُلب منها عدم التحدث علانية. ثم أُلقي القبض عليها مجدداً في وقتٍ لاحق؛ على خلفية اتهامات تشمل التواصل مع "كيانات أجنبية"، وما زالت قابعةً في السجن.
ما هدف الحكومة السعودية من هذه العمليات؟
وقال خالد بن فرحان آل سعود، الأمير السعودي المُعارِض المقيم بألمانيا، إنَّه كان هدفاً لمكيدة مماثلة في سبتمبر/أيلول 2017، على حدِّ ظنه.
وذكر أنَّ أقرباءه أخبروه بأنَّه سيحصل على شيك من الدولة، لمساعدته في الخروج من أزمته المالية إذا سافر إلى القاهرة.
وأضاف أنَّه لم يغادر ألمانيا منذ 7 سنوات؛ بسبب خوفه من تعرضه للاختطاف.
"تبعث السعودية برسالةٍ واضحة مقصودة، تقول لهم من خلالها، إنَّكم لن تكونوا أحراراً أبداً. وأينما كنتم، لن تكون لديكم الحرية للتعبير عمَّا تودون قوله".
هكذا تعلق سارة ليا ويتسن، المديرة التنفيذية لقسم الشرق الأوسط وشمال إفريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش، على السياسات السعودية.
"إياك أن تقابلهما إلا في مكان عام".. المبعوثان يخبران عبدالعزيز بأن خاشقجي يريد العودة
قبل اللقاء مع الرجلين اللذين قالا إنهما مبعوثا الأمير محمد، نصح جمال خاشقجي صديقه عبدالعزيز بأن يحرص على لقاء الرجلين في أماكن عامة، وألَّا يعود معهما إلى المملكة بأي حال من الأحوال.
ويستدعي عبدالعزيز قول خاشقجي له: "إذا أردت أن تأخذ أموالاً، فهذا قرارك. لكن لا تعُد. لا تثق بهم".
وفي حين بدأ الزائران السعوديان كلامهما المنمق مع عمر يوم 15 مايو/أيار 2018، في مقهى جولييت وشوكولا بمدينة مونتريال الكندية، كانت أغنية Sweet Caroline لنيل دياموند تترد في الخلفية، حسبما ورد في تقرير الصحيفة.
وقال أحد الرجلين خلال اللقاء مع عمر، إنَّ خاشقجي يُمثِّل "صداعاً"، لكنه يفكر في العودة إلى السعودية. وينبغى لعبدالعزيز التفكير في العودة كذلك.
وقال أحد الرجلين: "عمر، لكي نتعامل معك، لَم نُودّ أن نأتي إليك من طرف وزير أو سفير،؛ بل أردنا أن نأتي من قمة الهرم، من الأمير نفسه".
وأردف قائلاً: "لا أحد يمكنه التعامل مع هذه الأمر أفضل من الأمير نفسه".
عبدالعزيز لديه 10 ساعات من هذه التسجيلات، والصحيفة تأكدت من التوقيتات
استمعت صحيفة The Washington Post لأكثر من 10 ساعات من التسجيلات التي قدمها عبدالعزيز والتي قال إنَّها سُجِّلت في أثناء مقابلاته مع الرجلين على مدار 4 أيام، في شهر مايو/أيار 2018.
وتُظهر بيانات الملف أنَّ التسجيلات تمَّت في الأوقات التي ذكرها عبدالعزيز، فضلاً عن أنَّ رسائل WhatsApp التي أُرسلت في الفترة الزمنية نفسها من الزيارة تتفق مع روايته.
طلب عبدالعزيز عدم الكشف عن هوية الرجلين. وقال إنَّه لا يعرف ما إذا كانا يعملان لحساب الاستخبارات السعودية أم أنَّ الحكومة أجبرتهما على محاولة إعادته إلى البلاد.
ولم يردَّ الرجلان، وهما من الشخصيات العامة المؤيدة لولي العهد، على مكالمات صحيفة The Washington Post، ولم يجاوبا عن الأسئلة التي أرسلتها إليهما الصحيفة يوم الأربعاء 17 أكتوبر/تشرين الأول 2018.
وقال أحدهما إنَّه سيرسل رداً، لكنه لم يفعل. وكذلك، لم تتلقَّ الصحيفة رداً على مكالماتها للمتحدث باسم وزارة الخارجية السعودية.
وقد اقترحا عليه خلال اللقاء أن يذهب للسفارة السعودية لتلقِّي جواز سفره كما فعل خاشقجي!
كانت نبرة الكثير من حديثهما مرحة وودية، حسبما تنقل الصحيفة عن الناشط السعودي.
وشرح عبدالعزيز قائلاً: "بدآ بالجَزَر (أي الترغيب)؛ إذ أحضرا أخي في محاولتهما إقناعي بالعودة".
وقال إنّه ظنَّ في ذلك الوقت، أنَّهما أرادا أن يعيداه إلى المملكة، ويرشواه بالأموال، ويستغلا متابعيه الكثيرين على شبكات التواصل الاجتماعي في الدعاية للسعودية.
وفي لحظةٍ ما في الحديث الذي دار بينهم، حثَّه الرجلان على زيارة السفارة السعودية بصحبتهما؛ ليتسلَّم جواز سفر جديداً.
وهو طلبٌ يراه الآن خبيثاً بعد اختفاء خاشقجي داخل القنصلية في إسطنبول.
وهذه هي الصفقة الرابحة التي عُرضت عليه
وفي حين كان الرجلان يتناولان القهوة بالكراميل، أوضحا الخيارات بالتفصيل.
في أحد السيناريوهات، قال أحدُّهما إنَّ الجانبين سيربحان إذا عاد عبدالعزيز إلى السعودية.
وأوضح: "عمر إمَّا مستفيد وإما رابح؛ لأنَّه سيعود إلى وطنه. وسيكون الجانب الآخر الذي يمثل الدولة رابحاً وسعيداً كذلك".
وقالا إنَّ عودته قد تساعد في تلميع صورة المملكة. وقد أنفقت الحكومة السعودية بالفعل ملايين الدولارات على زيارة ولي العهد لواشنطن؛ لتعزيز صورة المملكة.
كما أنه تلقَّى تهديداً منهما إذا لم يقبل بها
أما فيما يتعلق بالسيناريو الثاني، فقال الرجل إنَّ الجميع خاسرون.
وأوضح قائلا: "عمر خاسر؛ لأنَّه سوف يتعرض للسجن. سوف يُلقى القبض عليه في المطار".
وسوف تخسر الحكومة أيضاً؛ لأنَّ عمر عبدالعزيز ليس شخصية معارضة بارزة؛ فأي معلومات سيحصلون عليها منه في حال اعتقاله، لن تكون مفيدة كثيراً للدولة.
لكنَّ الحكومة ستضرر من "الدعاية" التي ستروج لها منظمات حقوق الإنسان ووسائل الإعلام التي ستنقل قصة اعتقاله، على حد قولهما.
ثم تطرَّق النقاش إلى الأموال التي قد يتقاضاها
وفي إحدى لحظات الحديث، انتقل الحديث إلى حجم المبلغ الذي قد يتقاضاه عبدالعزيز إذا قبِل عرضهما.
وقال عمر إنَّ السعودية مَدينة له بـ412 ألف دولار كندي؛ لحجبها الرسوم الحكومية التي كان من المفترض أن تدفعها لِمِنحته الدراسية.
وقال في تسجيلٍ آخر للقاءات: "سوف آخُذ الأموال، وأتبرع بها للمشردين في مونتريال، أو لمستشفى علاج السرطان، أو أشتري ساعة جديدة وأكسرها. هذا الأمر لا يخص أحداً".
وعبدالعزيز يشرح هدفه من هذا اللقاء الغريب
وظل عمر عبدالعزيز في أثناء المفاوضات، على تواصلٍ مع يحيى العسيري، الناشط الحقوقي السعودي المقيم بالعاصمة البريطانية لندن.
وقال العسيري: "ظللت أسأله: هل تريد أي شيء؟ هل تودُّ التوصل إلى تسوية معهما؟ فقال: "لا، على الإطلاق، أردت فقط أن أرى ماذا يريدان مني".
وأضاف قائلاً: "أعتقد أنَّ غايتهما كانت واضحة. لقد أرادا أن يعود؛ للتخلص من نشاطه وإسكاته".
وقال عبدالعزيز للعسيري إنَّه لم يكن ينوي قَط العودة.
في المقابل، قال الرجلان إنَّهما لن يحوِّلا أي أموال قبل عودته. فرفض عبدالعزيز عرضهما، وغادر الرجلان مونتريال في نهاية المطاف من دونه.
ولم يعُد إلى بلاده، ولكنَّ أخويه دفعا الثمن
وقال عمر عبدالعزيز وهو يحاول حبس دموعه، إنَّ السلطات السعودية اعتقلت أخويه الأصغر منه بالسعودية في أوائل أغسطس/آب 2018 مع 8 من أصدقائه.
وأرسل عبدالعزيز رسالة إلى أحد الرجلين اللذين زاراه في مايو/أيار 2018، قال فيها حسب ما أوضحته صورة التُقطت للرسالة: "أفهم أنك رجلٌ وسيط. اسألهم عن مطالبهم".
فجاء الرد الذي أشار إلى مبادرة "النحل"، التي كان يعمل عليها عمر عبدالعزيز مع خاشقجي.
إذ قال الرجل في رده: "تحدثت المجموعة كثيراً عن حسابات الشبكات الاجتماعية. وهم يعرفون أنَّها لديك".
لكنَّ عبدالعزيز قال إنَّه لن يستسلم، مضيفاً: "اخترقوا هاتفي، وسجنوا شقيقيَّ، واختطفوا صديقي وربما قتلوه. ولكن، لن أتوقف".