مؤسسة أميركية تتساءل كيف ستتأثر حياة ملايين العرب بقضية خاشقجي؟ هؤلاء هم أكثر من يشعرون بالخوف بعد اختفائه

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/17 الساعة 17:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/17 الساعة 17:48 بتوقيت غرينتش

منذ اختفاء الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، لم تتوقف التحليلات عن مناقشة تأثير مقتله المحتمل على العلاقات السعودية الأميركية وإصلاحات ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ولكن نادراً ما تساءل أحد عن كيف ستتأثر حياة ملايين العرب بقضية خاشقجي؟

تقرير لمؤسسة The Atlantic Council الأميركية لفت إلى أن المناقشات السياسية والتحليلات المتعددة لم تتطرق إلى تأثير إسكات نظام استبدادي بطريقة وحشية لمعارض معتدل في الروح المعنوية لـ450 مليون عربي، ما زال معظمهم يعيش تحت حكم أنظمة تقوض بشدة حريات التعبير عن الرأي والاحتجاج والمشاركة السياسية والدين.           

كيف ستتأثر حياة ملايين العرب بقضية خاشقجي؟ هذه الفئة منهم ستكون الأكثر تضرراً

على عكس إفادة الأستاذة الجامعية كريستين بلاسي فورد (Blasey Ford) مؤخراً -حول تعرُّضها لاعتداء جنسي من جانب بريت كافانو- التي شكَّلت حافزاً للأشخاص الناجين من اعتداءات جنسية، فإن اختفاء خاشقجي أو مقتله يعد حافزاً سلبياً لملايين العرب الناجين من أنظمة استبدادية، حسب وصف التقرير.

إذ يعتبرون أنَّ الإسكات المتبجح لمواطن عربي انتقد سياسات دولته تذكيرٌ بالواقع الذي يواجهونه يومياً.

هذا الواقع هو عدم قدرته على ممارسة أبسط أشكال التعبير عن الرأي، فضلاً عن الانخراط في احتجاج سلمي أو توجيه انتقاد مباشر لحكامهم وحكومتهم.

وأكثر مَن يعاني من تأثير قضية اختفاء خاشقجي هم الإعلاميون والنشطاء، سواء من يعيش منهم في العالم العربي أو حتى في الخارج.    

ولكن العالم لا ينظر لهذه المنطقة إلا من جانب واحد فقط.. المنظور التجاري  

في المقابل، فإن الرئيس الأميركي دونالد ترمب شدَّد على أهمية مبيعات الأسلحة الأميركية للسعودية، التي قد يصل إجمالي القيمة التي ستجنيها شركات الأسلحة الأميركية من هذه المبيعات إلى 110 مليارات دولار في غضون السنوات العشر المقبلة.

وأوضح ترمب أنه إذا فرض الكونغرس عقوبات على السعودية، فيمكن أن تتوجه المملكة بسهولة إلى الصين وروسيا، مما سيشكل ضربة اقتصادية قوية للولايات المتحدة.

وفي ظل تزايد الأدلة التي تثبت تورط المملكة في اختفاء خاشقجي، يبدو أن ما حدث جاء بنتائج عكسية على السعودية، في الوقت الذي تسعى فيه لاستعادة دورها قائداً للعالم العربي والتحالف المعادي لإيران.    

فماذا يفعل أي صحافي أو ناشط عادي إذ لم يستطع خاشقجي بعلاقاته الواسعة حماية نفسه؟

وتحمل ردود الفعل المعدودة على قضية خاشقجي تذكيراً مؤلماً بأنَّ العالم يرى منطقة الشرق الأوسط من منظور تجاري بحت، ولا يبدي أية استجابة إلا حين تقع جريمة صارخة جداً يستحيل تجاهلها.

وقضية اختفاء هذا الإعلامي السعودي الشهير، تعد كذلك تنبيهاً إلى أنه إذا كان خاشقجي -الذي ينتمي إلى النخبة التي تتمتع بعلاقات قوية داخل الدوائر السعودية البارزة وخارجها- لم يستطع حماية نفسه من الاختفاء في وضح النهار على أرض دولة أجنبية.

إذن فليس هناك إذاً سوى أملٍ ضئيل للصحافي العربي الناشئ، أو الناشط المدني الذي يجاهد دفاعاً عن الحريات التي تقدسها دول الغرب، وتعيب على العالم العربي أنه يفتقر إليها.                     

إعلاميون يرفعون صورة الإعلامي الراحل جمال خاشقجي/ REUTERS
إعلاميون يرفعون صورة الإعلامي الراحل جمال خاشقجي/ REUTERS

وأشعلت بالتأكيد قضية خاشقجي ضجةً دولية نتيجة الطبيعة الوحشية السافرة للجريمة المزعومة، والأهم من ذلك شهرته وعلاقاته في العالم العربي والولايات المتحدة، حيث كان يكتب مقالات لصحيفة Washington Post الأميركية.

إن هذه الشهرة تحديداً تظهر كيف ستتأثر حياة ملايين العرب بقضية خاشقجي، إذ إن الغالبية العظمى من الصحافيين والنشطاء لن تتاح لها حتى فرصة نيل الاهتمام الدولي الذي ناله هذا الإعلام السعودي.

ففي حين أن الصحافيين في مصر وسوريا واليمن والمغرب ودول الخليج تُكمَّم أفواههم بطرق شتى -بدايةً من خسارة وظائفهم وحتى الزج بهم في السجن أو الإخفاء القسري- فإنَّ غالبيتهم لا يتمتعون بعلاقات في أنحاء العالم، ولا بإمكانية إثارة فضيحة دبلوماسية تجذب الانتباه إلى معاناتهم، كما حدث في حالة اختفاء خاشقي.

ونتيجة هذا الوضع فإن أغلبهم يحاولون تجنب مصير خاشقجي بهذه الطرق اليائسة

ينخرط البعض من الصحافيين والنشطاء في ممارسة الرقابة على أنفسهم، سواء داخل بلادهم أو خارجها؛ خوفاً من العواقب الوخيمة التي قد تلحق بهم أو بعائلاتهم. فعلى سبيل المثال فإن منال الشريف، المرأة السعودية التي قادت جهود الدفاع عن حق المرأة في القيادة في المملكة، أعربت عن اليأس الذي يشعر به الكثير من العرب، بينما يشاهدون كشف تفاصيل قضية خاشقجي.

وقالت: "أنا شاكرة لأنني تركت المنطقة في الوقت المناسب. وإذا تسنّى لكم أيضاً الرحيل بما تبقى لديكم من سلامتكم العقلية وكرامتكم، فمن فضلكم افعلوا ذلك".

وأضافت: "لا تحاربوا النظام، لا تأملوا في شيء، لا تعبروا عن رأيكم، لا تحلموا، ولا تتنفسوا، ارحلوا فحسب".               

إن كلام الشريف يظهر بالفعل كيف ستتأثر حياة ملايين العرب بقضية خاشقجي؟

فالشباب العربي لم يعد أمامه سوى طريق واحد حتى لا يتعرض لمصير خاشقجي

ومن المفارقة، أنَّ حادثة خاشقجي هي أيضاً تذكيرٌ بأنَّ الشباب العرب قد يتلقون إشادةً لمساهمتهم في تحقيق رؤية بلادهم للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي، بإطلاق مشروع ناشئ أو صناعة أفلام يُحتفى بها دولياً على سبيل المثال.

لكن إذا قرروا الحديث عن القمع الذي يخنقهم، فعلى الأرجح سيتعرضون للتعذيب في دمشق، أو السجن في القاهرة، أو الإخفاء سراً في أركان الخليج، حسب التقرير.

وفي نموذج علمي يظهر سريعاً كيف ستتأثر حياة ملايين العرب بقضية خاشقجي، أطلقت الحكومة السعودية على مرِّ الأسابيع الماضية تحذيراتٍ عبر قنواتها التلفزيونية وحساباتها على الشبكات الاجتماعية.

كما حذَّر أشخاصٌ سياسيون مشاهديهم ومتابعيهم من إهانة السعودية أو "عزلها" في ضوء ما وصفوه بالمزاعم "الحمقاء" و"الأخبار الزائفة".                  

وتستهدف هذه الرسائل، التي لا تتمتع بكثير من الدهاء، إثارة الخوف في قلوب الشباب العرب وعقولهم، بما تحمله من تلميحات بأنَّ أي شخص يتجاوز الخطوط الحمراء ينتظره مصير مشابه لخاشقجي.

وهكذا ظهر للعيان بوضوح، كيف ستتأثر حياة ملايين العرب بقضية خاشقجي؟

ولذا يجب اتباع نهج جديد في المنطقة وإلا النتيجة سوف تكون مؤسفة

منذ عامين مضيا، أوصت "مجموعة عمل استراتيجية الشرق الأوسط" برئاسة مادلين أولبرايت وستيفن هادلي، التابعة للمجلس الأطلسي، باتباع نهج استراتيجي جديد في المنطقة.

ويشدد هذا النهج المقترح على "التحول الاقتصادي والسياسي، ويشترط إحداث إصلاحات جذرية في دول المنطقة".

وأقرَّت مجموعة العمل أنَّ هذا النهج ليس عملاً سهلاً، بل هي "مهام صعبة تتطلب تشجيعاً قوياً من قوى خارجية داعمة، لكن إذ لم تتحرك الدول الإقليمية بحزم نحو عَقْد اجتماعي عصري يُمَكن المواطنين ويكرس المساءلة، فإنَّ الاستثمار في رأس المال البشري في المنطقة لن يؤتي ثماره".  

وهذا مصير البرامج الاقتصادية التي تتم دون إصلاح سياسي

كيف يمكن للغرب المساعدة في تفجير الطاقات البشرية في الشرق الأوسط بينما تخيم سحابة سوداء من القمع في سماء المنطقة؟ هكذا يتساءل تقرير المؤسسة الأميركية.

ترمب ومحمد بن سلمان/ REUTERS
ترمب ومحمد بن سلمان/ REUTERS

وأشار التقرير إلى أن الكثير من المحللين تجنبوا مناقشة رؤية السعودية 2030، مكتفين بالإشادة الحذرة بالإصلاحات الاجتماعية والاقتصادية الطموحة التي تتضمنها.

في المقابل إن هؤلاء أنفسهم يقولون في الوقت ذاته إنَّ الإصلاحات السياسية ضرورة ثانوية.

ولم تُثبِت صحة ذلك سوى أمثلة قليلة جداً على مرِّ التاريخ، إلى جانب وجود نماذج قليلة على أنَّ التغير السياسي يسفر عن نمو اقتصادي سريع.

ولكن التساؤل حول كيف ستتأثر حياة ملايين العرب بقضية خاشقجي؟ يبدو أنه لا يهم الغرب كثيراً.

ولكن ما يشغل المعنيين والمسؤولين الغربيين هو: كيف ستؤثر الديمقراطية المحتملة في العالم العربي على الغرب؟ الذي يبدو أنه لم يصبر على الربيع العربي.

نعم الديمقراطية في العالم العربي قد تؤدي لأنظمة غير ودية تجاه الغرب، ولكن البديل أسوأ

الفترات الانتقالية التي أعقبت الربيع العربي كشفت أنَّ التغيير لا يخلو من تحديات هائلة وتكلفة مباشرة نتحملها نحن في الغرب، حسبما يقرر التقرير.   

وعلى المدى القريب، فإن الحرية قد لا تؤدي إلى "ديمقراطية" في الشرق الأوسط وديةً تجاه الغرب مثلما نأمل، لكن على المدى الطويل، ستجلب الدول التي تسمح لمواطنيها بالتعبير عن آرائهم حرية الاستقرار والأمن للمنطقة وحلفائها.

فبصرف النظر عن عدم اهتمام الغرب بمسألة كيف ستتأثر حياة ملايين العرب بقضية خاشقجي؟ فإن الديمقراطية على المدى البعيد من شأنها أن تجلب الأمن للمنطقة، وللغرب على السواء، حسبما يشير التقرير.

ولكن ما دامت سحابة القمع تُخيِّم على سماء المنطقة وتمنع الصحافيين من انتقاد حكوماتهم، والناشطين من محاسبة المسؤولين، حسب تعبير التقرير فالأمل ضئيل في إنهاء الصراعات والاضطرابات في الشرق الأوسط، ومن ثَمَّ يتضاءل الأمل أكثر في إطلاق العنان لقدرات المنطقة الاقتصادية والإبداعية.  

تحميل المزيد