طالب العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز بفتح تحقيق داخلي في اختفاء الكاتب والإعلامي السعودي جمال خاشقجي داخل القنصلية السعودية باسطنبول فيما نقلت صحيفة The Washington Post الأميركية عن مسؤول تركي رفضت تسميته إن الرياض تبحث عن مهرب آمن عبر التضحية بأحد الأسماء الكبيرة المهمة، وإن اللوم سيُوجّه لعناصر فاسدة في السعودية.
وقال مسؤول تركي كبير لـ The Washington Post -لم يذكر اسمه- إنَّه يشتبه في أنَّ السعودية تستعد "لاستخدام شخص ما كبشَ فداء" وهذا ما قد يتماشى مع أمر الملك السعودي النائب العام بفتح تحقيق داخلي في مسألة خاشقجي بناء على المعلومات من الفريق المشترك في اسطنبول.
ونقلت الصحيفة عن سونر كاغابتاي، محلل شؤون تركية في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، إنَّ التضحية بأحد الأسماء الكبيرة ربما يرجع إلى الجهود المبذولة من أجل التوصُّل إلى اتفاق مع الرياض يساعدها على حفظ ماء الوجه، ويحول دون التفكك الكامل للعلاقات الثنائية.
وأَضاف كاغابتاي أنَّ تركيا ربما تكون مترددة أيضاً في الكشف عن التسجيلات الصوتية؛ لأنَّها حصلت عليها عبر أجهزة تنصّت. لكنَّ الصحف التركية أشارت إلى أنَّهم ربما حصلوا على التسجيل من الساعة التي كان خاشقجي يحملها آنذاك، لكنَّ هذا الادعاء لا يزال غير موثق.
وقد أدى وجود مصدر دائم لتسريب المعلومات بين المسؤولين الأتراك إلى زيادة الضغط على السعودية، لكن حتى الآن لم تكشف تركيا عن جميع الأدلة التي أبلغت المسؤولين الأميركيين بأنَّها في حوزتها.
السعودية سترد على أي عقوبات اقتصادية
وصرَّحت السعودية بلهجة صارمة، أمس الأحد 14 أكتوبر/تشرين الأول، بأنَّها لن تنحني أمام "التهديدات"، في إطار سعيها للتصدي للضغوط الأميركية والدولية المتزايدة، بسبب اتهامات بمسؤوليتها عن مقتل خاشقجي، منذرةً بأنَّها ستنتقم حال تعرضها لأي عقوبات.
وجاء ذلك بعد حديث الرئيس الأميركي دونالد ترمب عن عقوبات شديدة ستتلقاها الرياض إن ثبت قيامها بقتل خاشقجي.
وقالت وكالة الأنباء الرسمية السعودية إنَّ حكومة المملكة "مهيبة وصامدة كعهدها"، ولن تؤثر فيها أي عقوبات اقتصادية، أو توجيه مثل هذه "الاتهامات الباطلة" إليها، حتى مع تراجع السوق المالي السعودي. وأضافت أنَّ أي إدانات من أي نوع ستُقابَل بـ"إجراءات أشد صرامة"، مشيرة إلى "الدور الحيوي" الذي تؤديه المملكة في الاقتصاد العالمي.
وبدأ تحالف المملكة طويل الأمد مع الولايات المتحدة يعاني من تشققاتٍ جادة، بعدما عمل وليّ العهد محمد بن سلمان بجدٍّ على تعزيزه وتقويته بمساعدة الرئيس دونالد ترمب، عن طريق مبادراتٍ تتضمن زيارته رفيعة المستوى إلى الولايات المتحدة في مارس/آذار الماضي.
وفي أوروبا، أعربت بريطانيا وفرنسا وألمانيا، أمس الأحد، عن "قلقها البالغ"، ودعت إلى "تحقيق موثوق به" بشأن مصير الصحافي، وطالبت المملكة بتفسيرٍ مفصل، فيما أصدرت الدول الثلاث بياناً مشتركاً صرّحت فيه قائلةً: "نقلنا هذه الرسالة مباشرةً إلى السلطات السعودية".
بينما صرَّح بيان سعودي بأنَّ الملك سلمان اتصل بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم أمس، وشكره على ترحيبه باقتراح المملكة تشكيل "مجموعة عمل مشتركة" للتحقيق في اختفاء خاشقجي.
لكنَّ مسؤولين أتراك قالوا أمس إنَّ المملكة العربية السعودية تماطل، ولا تهتم إلا بواجهتها الإعلامية.
وفي الوقت الذي أنكرت فيه السعودية تورُّطها في الحادث، لم تشرح لماذا لم يظهر خاشقجي منذ 2 أكتوبر/تشرين الأول، ولا حتى في اللقطات التي سجلتها كاميرات القنصلية للشوارع المحيطة. ويقول مسؤولون أتراك إنَّ السبب هو أنه لقى حتفه في الداخل، بينما أبلغوا مسؤولين أميركيين بأنَّ لديهم تسجيلات صوتية وفيديو لإثبات ذلك.
وقالت كريستين ديوان، الباحثة في معهد دول الخليج العربي في واشنطن، إنَّ التحذيرات التي وجَّهتها المملكة السعودية إلى الولايات المتحدة "تثير الشكوك في الركائز الأساسية التي تعتمد عليها العلاقات الأميركية السعودية. تحمل المملكة العربية السعودية قيمة استراتيجية للولايات المتحدة تأتي من كفاءتها في إدارة أسواق النفط، وتنسيق المعلومات الاستخبارية. لذا إذا اتضح أنَّه لا يمكن الوثوق بها، ستُلغى جميع الرهانات".
وأضافت أنَّ الحكومة السعودية اتبعت أساليب مماثلة في خلافاتها العام الماضي مع ألمانيا وكندا، قائلةً: "أشعر بأنَّها بدأت تتجاوز حدودها. تخوض السعودية مجازفةً كبيرة بمحاولتها اللجوء إلى لأسلوب ذاته مع الولايات المتحدة".
ما قاله الدخيل لا يمثلنا
وبعد صدور بيان الحكومة السعودية في وقتٍ مبكر الأحد ، كتب تركي الدخيل، المدير العام لقناة العربية الإخبارية المملوكة للسعودية، مقالةً قال فيها إنَّ "أروقة اتخاذ القرار السعودي" تدرس أكثر من 30 تدبيراً محتملاً للرد على تهديد العقوبات، بما في ذلك تسعير النفط باليوان الصيني بدلاً من الدولار، والسماح لروسيا ببناء قاعدة عسكرية على الأراضي السعودية.
لكن في وقتٍ لاحق من اليوم ذاته، كتب فيصل بن فرحان، أحد كبار مستشاري السفارة السعودية في واشنطن، على تويتر أنَّ المقالة "لا تعكس بأي حال تفكير القيادة السعودية". فيما أصدرت السفارة على حسابها على تويتر ما وصفته بأنَّه توضيح للبيان الحكومي، حيث صرحت بأنَّ المملكة "تدين بالتقدير لجميع الدول، بما في ذلك الإدارة الأميركية، التي امتنعت عن القفز إلى استنتاجات حول التحقيق الجاري"، في إشارةٍ واضحة إلى اختفاء خاشقجي.