رغم توقيع اتفاق سوتشي فقد عاد النظام السوري للغة التهديد مع المعارضة، وأكد عزمه استعادة كل الأراضي التي فقد السيطرة عليها منذ عام 2011، ونوّه إلى أن الأولوية لمدينة إدلب التي أعلنت فيها الفصائل المسلحة عن إكمالها تنفيذ بنود الاتفاق الذي أبرم بين تركيا وروسيا.
ويعتقد مراقبون أن إكمال العمل بالاتفاق ونجاحه يتوقف على مدى التفاهمات التركية الروسية، والموقف النهائي لموسكو من المجريات الأخيرة التي تمت ضمن المنطقة العازلة التي تضمنها الاتفاق.
تكشف ملامح اتفاق سوتشي وبانتظار موقف روسيا
إدلب التي تشكل المعقل الأخير للمعارضة السورية شهدت في الفترة الأخيرة الكثير من الضغوط إلى أن تم التوصل إلى اتفاق اتفاق سوتشي بين الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ونظيره الروسي فلاديمير بوتين لإنشاء منطقة عازلة بين قوات المعارضة والنظام، ومن ثم تبين أن تشكيل هذه المنطقة يتم ضمن الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة وبحدود 15 – 20.
وأوضح رئيس وفد المعارضة إلى أستانا أحمد طعمة أن الاتفاق تضمن سحب السلاح الثقيل من المنطقة فقط، وإرجاعه إلى مسافة معينة بعيداً عن الجبهات، ولفت لـ"عربي بوست" أن اتفاق سوتشي لم يذكر انسحاب العناصر، وقال إننا "نريد التصحيح في هذه النقطة.. الاتفاق نص على سحب السلاح الثقيل وليس نزع السلاح أو الانسحاب".
وكان الائتلاف الوطني السوري المعارض قد ذكر على موقعه الرسمي أن وفداً منه قد أجرى زيارة تفقدية للمنطقة العازلة، واطلعوا على الخرائط، ونقل الائتلاف عن الناطق باسمه أنس العبدة قوله: "إننا لا نثق بالنظام لذلك زُرنا المنطقة وتأكدنا من جاهزية مقاتلينا على الجبهات واستعدادهم لمواجهة أي تحرك قد يُقدم عليه النظام"، وأوضح أن السلاح الثقيل فقط ما تم سحبه إلى خارج المنطقة العازلة فيما بقيت الأسلحة المتوسطة والخفيفة لدى مقاتلي الجيش السوري الحر.
فيما أشار الباحث في مجموعة الأزمات الدولية سام هيلر إلى أن نص اتفاق سوتشي تضمن انسحاب "المقاتلين الرديكاليين"، وأضاف أنه "إذا كان الروس جادين في استمراره، فسيبدون مرونة وليونة مع الطرف التركي".
المعارضة تطبق الجانب المتعلق بها ومتفائلة
رئيس وفد أستانا أحمد طعمة عقد مؤتمراً صحفياً الإثنين من مدينة إسطنبول التركية، أعلن فيه عن التزام الفصائل المسلحة بتطبيق اتفاق سوتشي وتنفيذ بنوده، لافتاً إلى أن المنطقة باتت آمنة من هجمات النظام وحلفائه، وهو ما اعتبره أنه يفتح المجال أمام الوصول إلى وقف كامل لإطلاق النار والبدء بعملية سياسية مستمرة وفق القرارات الدولية.
وقال طعمة خلال المؤتمر إن اتفاق إدلب "يسير وفق ما تم ترسيخه، وقد باتت المنطقة آمنة بكل ما تحمله الكلمة من معنى"، وأضاف أن حماية المنطقة العازلة هي بعهدة "الجيش التركي وسلاحه المتطور والحديث، والجيش الحر من خلال بقاء نقاط الرباط وتدعيمها بالإمكانيات الدفاعية".
ودعا طعمة الجانب التركي إلى البقاء في المنطقة مدة طويلة، وقال لـ"عربي بوست" بعد نهاية المؤتمر إننا "نريد منهم البقاء إلى أن يتم تحقيق الحل السياسي في سوريا"، وأضاف: "هذا ما نتوقعه".
"هيئة تحرير الشام" تلمح إلى موافقتها على الاتفاق
ناشطون من إدلب شهدوا انسحاب الآليات الثقيلة لـ"هيئة تحرير الشام" إلى عمق إدلب، وذكروا لـ"عربي بوست" أن سحب السلاح الثقيل تم من جانب الهيئة دون أي إعلان وقبل نحو أسبوع، وقال أحد الناشطين الذي فضل عدم ذكر اسمه خوفاً من اعتقاله، إن الهيئة "تتجنب الإفصاح عن مسألة سحب سلاحها"، مرجعاً السبب إلى "تشددها الزائد" بمواقفها أمام مناصريها، ولفت إلى أن الإعلان عن ذلك "سيضعها بموقف محرج".
وتسيطر "هيئة تحرير الشام" مع فصائل جهادية أخرى على ثلثي المنطقة المنزوعة السلاح، وأصدرت مساء الأحد بياناً أكدت فيه أنها "لن تتخلى" عن سلاحها و"لن تحيد عن خيار الجهاد والقتال سبيلاً لتحقيق أهداف ثورتنا"، لكن سام هيلر أوضح أن البيان يشير إلى قبول الهيئة ببنود اتفاق سوتشي ، وقال: "مصطلحات البيان وصياغته الفضفاضة تلمّح إلى قبول ضمني للهيئة باتفاق سوتشي ومخرجاته".
فيما قال مصدر عسكري خاص لـ"عربي بوست" إن جميع الفصائل المتواجدة في المنطقة العازلة قد التزمت بالاتفاق بما فيها "هيئة تحرير الشام"، ولفت إلى أن سحب السلاح الثقيل تم قبل المدة المحددة والتي تنتهي اليوم الإثنين الموافق في 15 تشرين الأول.
من جهته استبعد أحمد طعمة أن تحدث أي معارك في المنطقة بين قوات المعارضة و"هيئة تحرير الشام"، وأوضح أن المنطقة "يجب أن تبقى هادئة وآمنة للمدنيين".
تطبيق المنطقة العازلة ضمن أراضي المعارضة
على الرغم من عدم ذكر حدود المنطقة العازلة بوضوح، إلا أنها ذكرت أن تطبيق اتفاق سوتشي ضمن مناطق خفض التصعيد، وأكد المصدر العسكري ذاته أن المنطقة قد تم تطبيقها ضمن أراضي المعارضة، وقال: إنه "لا داعي لأن تقوم قوات النظام بسحب سلاحها الثقيل لأنهم يملكون أسلحة يصل مداها إلى أكثر من 20 كيلومتراً وهو ما لا تملكه المعارضة السورية".
ولفت إلى أن تنظيم دوريات مشتركة من قبل القوات التركية والروسية داخل المنطقة العازلة غير معروف حتى اللحظة، لكنه أكد في الوقت نفسه رفض فصائل المعارضة المسلحة لهذا الأمر.
النظام يهدد من جديد باقتحام إدلب
وقال وزير الخارجية السوري وليد المعلم اليوم الإثنين، خلال مؤتمر صحافي مع نظيره العراقي إبراهيم الجعفري في دمشق، "علينا الآن أن نعطي (الأمر) وقتاً. نترك لأصدقائنا الروس الحكم ما إذا كان جرى تطبيق اتفاق سوتشي أو لا".
وأضاف "يجب أن ننتظر رد الفعل الروسي على ما يجري هناك، لأن روسيا تراقب وتتابع ومطلوب منها تسيير دوريات في المنطقة العازلة"، مضيفاً "نقول علينا أن ننتظر، وفي الوقت ذاته قواتنا المسلحة جاهزة في محيط إدلب".
وكان المعلم قد أكد في تصريح سابق تفضيل النظام "لحل الملف سلمياً"، وقال لقناة "آر تي" الروسية في نيويورك، إن الحل في إدلب "ممكن وتركيا تعرف جيداً هوية المسلحين الموجودين هناك".
ويعتبر سام هيلر الباحث في مجموعة الأزمات الدولية أن "تاريخ 15 تشرين الأول/أكتوبر يشكل اختباراً لقدرة تركيا على تنفيذ اتفاق سوتشي وفي الوقت ذاته اختباراً لنوايا الطرف الروسي وجديته في استمرار الاتفاق" أم "إذا كان سيتقيد بمضمون النص حرفياً"، وهو ما سيعيد المنطقة إلى المربع الأول.