هكذا وقع فريق الاغتيال السعودي في هذه الأخطاء الكارثية أثناء التخطيط والتنفيذ لعملية قتل جمال خاشقجي

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/14 الساعة 10:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/14 الساعة 17:57 بتوقيت غرينتش

في وضح النهار، وفي قلب حي بشكتاش السياحي في أسطنبول، وصل فريق من 15 شخصاً سعودياً على متن طائرتين أتت بهما لأسطنبول للقيام بمهمة محددة، قتل جمال خاشقجي المعارض والصحافي السعودي والكاتب بجريدة washington post الأمريكية وإخفاء آثار الجريمة وتنظيف مسرح الأحداث.

لكن العملية شابها الكثير من الأخطاء، في التخطيط والتنفيذ، وأصبحت قضية مقتل الصحافي السعودي في قنصلية بلاده محط أنظار العالم وموضع اهتمام الرؤساء والإعلاميين حول الأرض.

وهنا نتعرف على بعض الأخطاء الكثيرة التي ارتكبها قتلة خاشقجي:

المكان الخاطئ

نفذ فريق الاغتيال السعودي المتهم بعملية قتل خاشقجي في القنصلية السعودية في إسطنبول.

وهذه القنصلية تقع في حي بشكتاش الحيوي، وهي قريبة من مراكز تجارية وترفيهية مشهورة، وعلى بعد أمتار من القنصلية الباكستانية، وتقع في حي راق وسياحي تتم مراقبته وتسجيل الحركة فيه جيداً لتأمين المراكز الدبلوماسية والتجارية والثقافية المتواجدة به.

وكان الصحافي السعودي قد أبلغ الكثير من أصدقائه  -مسبقاً- عن توجهه للقنصلية لاستخراج الأوراق اللازمة لإتمام عقد زواجه على خطيبته التركية، لكن السفارة السعودية في واشنطن أحالته على قنصلية أسطنبول للحصول على الأوراق المطلوبة، وقامت الأخيرة بتحديد موعد له لاستلام الأوراق، وكان أصدقاء خاشقجي العرب والأتراك يعرفون بكل هذه التفاصيل.

قتل معلن أمام الكاميرات

في عامي 1972 و 1973 قامت المخابرات الإسرائيلية بتنفيذ العديد من العمليات الاغتيال بحق ناشطين فلسطينيين بينهم غسان كنفاني في بيروت بعبوة ناسفة في سيارته، وباسل الكبيسي في باريس من قبل مسلحين، وممثل حركة فتح في قبرص في غرفته بالفندق، ومحمود همشري عن طريق قنبلة في هاتفه المحمول في باريس، لكن أياً من هذه الاغتيالات لم يحدث في أماكن دبلوماسية أو ذات طبيعة خاصة مما صعب اكتشاف الجناة؛ رغم إدراك الجميع أن المخابرات الإسرائيلية هي الفاعل.

بإختصار كان يمكن للمسؤولين عن قتل خاشقجي تنفيذ العملية من خلال استئجار قاتل محترف أو عبر تسميمه كما فعلت المخابرات الروسية مع عميلها السابق في لندن، أو في الفندق مثلما نفذت المخابرات الإسرائيلية اغتيال القيادي بحركة حماس محمود المبحوح في دبي، لكن القاتل اختار هذه الطريقة المكشوفة تماماً، وربما له غرض معين أو كان يفكر في توجيه رسائل تهديد وإرهاب لآخرين.

ومكان مثل القنصلية السعودية في حي بيشكتاتش لا يمكن ألا يتواجد به كاميرات في الشارع تسجل الدخول والخروج منه، وحتى لو كانت كاميرات القنصلية معطلة (وهذا مستبعد)، فإن المنطقة المحيطة بها العديد من الكاميرات التي يمكن أن تسجل الداخلين والخارجين من القنصلية، بينما عمليات الاغتيال السياسية تكون عادة في أماكن غير دبلوماسية ولا تحتوي على كاميرات تسجل الدخول والخروج إليها.

ولم تسجل الكاميرات خروج خاشقجي من القنصلية وهو ما اعتبر دليلاً على اختفائه داخل القنصلية.

الهواتف والأجهزة الأخرى

ترك جمال خاشقجي هاتفه الأساسي مع خطيبته خارج القنصلية، ولا يستبعد محرروا صحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن يكون لديه هاتف آخر غير معروف قد دخل به القنصلية.

لكن الإجراءات الأمنية في القنصلية تشمل التجريد من أجهزة الهاتف، وفي حالة خاشقجي ربما يكون ترك هاتفه الثاني عند بوابة الفحص الأمني، لكن ساعته الذكية "آبل ووتش" يرجح أن تكون سجلت ما جرى له بعد ذلك.

التخلص من الجثمان

لا يُعرف حتى الآن أين ذهب جثمان خاشقجي على وجه التحديد، لكن أنباء غير مؤكدة تقول أنه قد جرى تقطيعه ونقله حيث تم التخلص من أجزاء في بيت القنصل السعودي في أسطنبول، وربما ذهبت أجزاء أخرى لمكان آخر، ويُحتمل أيضاً أن يؤدي تحليل الصرف الصحي للقنصلية ومنزل القنصل للإجابة على مزيد من الأسئلة المتعلقة بجثمان القنصل.

المنفذون أشخاص معروفون ولم يقوموا بالتحايل أو التنكر

جاء فريق الاغتيال السعودي المتهم بقتل خاشقجي على متن طائرتَين خاصتين تابعتين لشركة "غلف ستريم" اللتين قال مسؤولون تركيون إنهما قد نقلتا العملاء الذين شاركوا في إخفاء الصحافي السعودي جمال خاشقجي، وعلى الأرجح قتلوه في مدينة إسطنبول التركية، تنتميان إلى شركةٍ واقعةٍ تحت سيطرة ولي عهد المملكة السعودية، بحسب صحيفة Wall Street Journal الأميركية.

دخل المسؤولون السعوديون الأراضي التركية بجوازات سفرهم وأسمائهم الحقيقية، وبعضهم معروف بعمله في أجهزة أمنية مقربة من ولي العهد، ولم يبذل هؤلاء جهداً في إخفاء هويتهم الحقيقية.

صور ال١٥ مسؤول سعودي

واستطاعت السلطات التركية يوم الأربعاء 10 أكتوبر/تشرين الأول، الكشف عن أسماء 15 رجلاً وصورهم، معتبرة أنهم متورطون في مقتل جمال خاشقجي المشتبه به داخل القنصلية السعودية بإسطنبول يوم 2 أكتوبر/تشرين الأول قبل العودة بعد ساعات إلى أرض السعودية، خاصة وأن الفريق السعودي توجه مباشرة للقنصلية ولمنزل القنصل ثم غادر البلاد سريعاً بعد انتهاء المهمة المحددة، وهو ما أثار المزيد من الريبة والاشتباه.

وكان من ضمن أولئك الرجال خبير طب شرعي ورجل التُقِطت له صورة في العام 2017، وهو يرتدي الزي الرسمي للحرس الملكي السعودي.

وقال مصدر على اطلاع بالملف أن ثلاثة من فريق الـ 15 هم أعضاء في وحدة الحماية الخاصة للأمير محمد بن سلمان. وأضاف أن تقرير الشرطة ينص على أن أمتعة السعوديين تم تفتيشها عند مغادرتهم وأنها لم تتضمن أي شيء مشبوه.

من ناحيته، ذكر تقرير لصحيفة Washinton Post الثلاثاء، أن مسؤولي الاستخبارات الأميركية اعترضوا اتصالات من مسؤولين سعوديين يناقشون خطة للقبض على جمال خاشقجي. وقالت الصحيفة نقلاً عن مسؤول مجهول على دراية بالموقف أن المسؤولين أرادوا إعادته إلى السعودية.

ونقلت صحيفة New York Times عن مسؤول تركي قوله إن منشار العظام استخدم لتفريق جثة خاشقجي.

وذكرت الصحيفة أن "المسؤول وصف عملية سريعة ومعقدة قتل فيها خاشقجي في غضون ساعتين من وصوله إلى القنصلية من قبل فريق من العملاء السعوديين الذين قاموا بتقطيع أوصال جسده بمنشار عظم جلبوه لهذا الغرض".

وقائع قتل غير مُعلن

القصة الكاملة لاغتيال #جمال_خاشقجي في #اسطنبولكتيبة الإعدام نفذت المهمة، 15 سعودياً، بينهم مسؤولون، وصلوا إلى إسطنبول على متن طائرتين، وانتظروا جمال خاشجقي في مبنى القنصلية السعودية.. وهناك اكتملت حلقة الموت!

Gepostet von ‎عربي بوست‎ am Montag, 8. Oktober 2018

الرحلات والتنقلات:

انتقل فريق الـ15 عبر طائرتين خاصيتين، وتحركوا سوياً بدءًا من الدخول لمطار أتاتورك بأسطنبول، ثم الذهاب لمقر القنصلية والفندق، وكانوا يتحركون بشكل جماعي حتى عادوا سوياً عبر الطائرتين نفسهما.

الطائرة الأولى.. إلى مصر

وفقاً لما ذكره موقع yenisafak التركي لم تقلع الطائرتان بنفس الوقت، فقد أقلعت الطائرة التي يحمل ذيلها اسم HZ-SK1 وهي من نوع Gulfstream الساعة الرابعة من اليوم نفسه وتوجهت إلى مصر. وبقيت هناك يوماً، بعدها عادت إلى الرياض.

مسار الذهاب من الرياض لأسطنبول عبر مصر
مسار العودة من أسطنبول للأسكندرية

الطائرة الثانية.. إلى دبي

إحدى الطائرتين

أما الطائرة الأخرى من نوع Gulfstream G450 التي تحمل اسم HZ-SK2 والتي وصلت الثلاثاء الساعة 3.13 صباحاً، فقد غادرت إسطنبول الساعة 10.42 مساء وكانت وجهتها مدينة دبي الإمارات.

الطائرة الثانية إلى دبي

 الزمان غير المناسب

في الوقت الذي تبذل فيه المملكة وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، جهوداً مضنية لتحسين صورتها العالمية، جاءت هذه الحادثة لتجعلها فقط تأمل بالدفاع عن نفسها.

وتسببت الحادثة في إلغاء شركات عالمية حضورها مؤتمراً يرعاه ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، ما بات يمثل ضربة قوية لسمعة ولي العهد الذي ينادي بالإصلاح.

وقالت صحيفة The New York Times الأميركية إنه بدءاً من شارع وول ستريت، مروراً بوادي السيليكون، وانتهاءً بشارع كيه ستريت (K Street) بواشنطن، حيث تجابه جماعات الضغط، والممولون، والمديرون التنفيذيون لشركات التكنولوجيا الفائقة، والشخصيات الإعلامية خطر ممارسة أعمال تجارية مع السعودية حين تخضع لتحقيق قاسٍ لدورها في هذه القضية.

أنهت مجموعة Harbour Group، إحدى جماعات الضغط العشر التي تمثل الحكومة السعودية، تعاملها مع المملكة، بينما تفكر شركات أخرى في أن تحذو حذوها، وفقاً لأشخاص على اطلاع بالمناقشات، إذ تعاني السعودية من رد فعل عنيف بشأن مزاعم ضلوعها في قتل الصحافي جمال خاشقجي.

وقال هؤلاء الأشخاص إنَّ جماعات الضغط تناقش بشكل خاص كيفية المضي قدماً. لكنَّ البعض قد قرر بالفعل أنَّ احتمال الاستمرار في تحصيل المقابل المادي من السعودية، التي كانت في يوم من الأيام عميلاً كريماً ومربحاً، لا يستحق المخاطرة بسمعتهم.

وألغت العديد من وسائل الإعلام الإخبارية، بما فيها صحيفة The New York Times الأميركية مشاركتها في مؤتمر للمستثمرين برعاية الحكومة في الرياض من المقرر أن يعقد في غضون أسبوعين، حيث من المتوقع أن يتحدث ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. كما أعلنت كل من صحيفة The Los Angeles Times و The Economist أنَّهما لن يشاركا في المؤتمر.

لكن بالنسبة للشركات المالية والتقنية، والعديد منها لديه تعاملات بمليارات الدولارات مع السعودية، فالحسابات أكثر تعقيداً. وقد تراجع عدد قليل من مديريها التنفيذيين عن حضور المؤتمر، الذي يُطلق عليه مبادرة مستقبل الاستثمار، والمعروف باسم "دافوس الصحراء".

ما بعد قتل خاشقجي: الفشل الإعلامي

كان الأداء الإعلامي للشخصيات ووسائل الإعلام السعودية مرتبكاً للغاية، فبينما نفى ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أن يكون خاشقجي على الأراضي السعودية وقال إن السلطات تبحث عنه، روجت شخصيات سعودية معروفة لاتهام قطر وتركيا بالتخطيط لإرباك المملكة والتآمر على صورتها في وسائل الإعلام، لكن الإعلام الغربي والأميركي بصفة خاصة جعل هذه الاتهامات مثاراً للسخرية.

وقال القنصل السعودي إن الكاميرات الخاصة بالقنصلية لا تقوم بالتسجيل وهو ما أثار سخرية واسعة من المعلقين وبينهم رئيس لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي بوب كوركر.

ولم تقدم وسائل الإعلام السعودية تفسيراً أو رواية واحدة متماسكة.

لكن بعض المغردين شعروا أن المملكة تبدو وكأنها في موضع اتهام، فقرروا الدفاع عنها على طريقتهم الخاصة عبر تغريدات سخرت من الحادث برمته.

هؤلاء تناسوا أزمة اختفاء خاشقجي وتجاهلوا مشاعر أقاربه وأصدقائه، وراحوا يسخرون منه، ويحرضون على خطيبته التركية خديجة جنكيز، التي أبلغت الشرطة أنه دخل القنصلية ولم يخرج منها حتى اليوم.

روح السخرية – المختلطة بالشماتة في بعض الأحيان -، لم تبدر من أناسٍ عاديين، بل من رجال في موقع المسؤولية. فقد غرَّد  نائب رئيس الشرطة والأمن العام في إمارة دبي الإماراتية ضاحي خلفان، بأن خاشقجي يتناول المندي في السعودية!

وذلك بعد وقت قصير من نشره صورة مفبركة لخاشقجي وهو خارج من قنصلية السعودية في إسطنبول، ما لبث أن حذفها لاحقاً.

كما نشرَ استفتاءً ساخراً يغمز فيه إلى ذمة خاشقجي، وحصوله على الأموال.

أما المحامي السعودي عبد الرحمن اللاحم، فشبّه الاختفاء بفيلم سينمائي استعرض أبطاله – ومن بينهم خاشقجي -، دون أن ينسى أن يلمز بعنصرية مناطقية للهجة الصحافي المختفي الذي سمّاه "باحس" بدلاً من "باحث" في إشارةٍ إلى اللهجة الحجازية.

وصمم بعض المتابعين صوراً مفبركة تحمل تصريحات على لسان خاشقجي نفسه.

البعض الآخر وجد في خطيبة خاشقجي التركية خديجة جنكيز خصماً، وراح يسخر من إطلالتها تارة ويحرّض عليها تارةً أخرى.

بل وصل الأمر لحد السخرية من مظهرها؛ إذ شبهوها بالمعارض المصري محمد محسوب، موجِّهين لها اتهامات بأنها رجل متنكر في زي امرأة!

التحريض لم يقتصر على روّاد الشبكات الاجتماعية؛ إذ نشر موقع "العربية" السعودي تقريراً اتهم فيه 3 أشخاص بتأجيج ما وصفها بـ "الفتنة" بين تركيا و السعودية.

وعرَّض الموقع بخديجة جنكيز، والكاتب الصحافي توران كشلاكجي مدير "بيت الإعلاميين العرب" في تركيا، ومراسل قناة "الجزيرة" جمال الشيال.

لكن كل هذه التغريدات والصفحات الإلكترونية لم تفسر لماذا لا يوجد فيديو لخروج خاشقجي من القنصلية، ولا تقدم رواية بديلة يمكن أن يتم مناقشتها حول مصير الصحافي السعودي.

تحميل المزيد