الشراكة العسكرية بين واشنطن والرياض تتصدع بمقتل خاشقجي وترمب كاد أن ينهي العلاقة لكن بيع السلاح للسعودية أمر مهم بالنسبة له

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/13 الساعة 14:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/13 الساعة 16:13 بتوقيت غرينتش

يهدد القلق الدولي إزاء دور الرياض المتوقع في اختفاء الصحافي جمال خاشقجي بعرقلة العلاقة السعودية الأميركية التي تعتبر واحدة من أهم الشراكات الأمنية للولايات المتحدة.

تفيد التقارير بأنَّ جمال خاشقجي، وهو كاتب عمود في صحيفة Washington Post الأميركية وأحد نقاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، اغتيل داخل القنصلية السعودية في إسطنبول الشهر الجاري أكتوبر/تشرين الأول، وأثارت الحادثة موجةً من الانتقادات تجاه المملكة، وتساؤلاتٍ حول ما إذا كان الرئيس ترمب وكبار مساعديه شجعوا الأمير الشاب محمد بن سلمان على ذلك.

بينما ردت إدارة ترمب بحذر على التقارير التي أفادت حسب تقرير صحيفة Washington Post الأميركية بأنَّ السعودية هي المسؤولة عن اختفاء خاشقجي، طالب مشرعو القوانين بردٍ قوي من أميركا، وربما يتضمن هذا الرد اتخاذ خطواتٍ للحد من مبيعات الأسلحة، أو التأثير على أي جوانب أخرى من العلاقات الدفاعية بين الولايات المتحدة والسعودية.

الجمعة 12 أكتوبر/تشرين الأول، طالبت السيناتور ديان فاينستاين بوقفٍ شامل للتعاون العسكري في حال أُثبتت مسؤولية السعودية عن الحادث، مضيفةً صوتها إلى قائمةٍ متنامية من مشرعي القوانين الذين يربطون العلاقات الأمنية بمصير خاشقجي.

وصرحت فاينستاين في بيان: "كانت السعودية في يومٍ من الأيام واحدة من أقرب حلفائنا في الشرق الأوسط. وأظن أنَّ الوقت قد حان لإعادة تقييم تلك العلاقة".

قد تقع "عواقب وخيمة" إذا ما تبين أنَّ المملكة هي المسؤولة

ويدعو بعض مشرعي القوانين لفرض عقوباتٍ أو تعليق المساعدات العسكرية المقدمة للسعودية في حربها في اليمن. بينما يقول آخرون إنَّه قد تقع "عواقب وخيمة" إذا ما تبين أنَّ المملكة هي المسؤولة، مثلما عبَّر هذا الأسبوع السيناتور ليندسي غراهام.

لكنَّ ترمب، الذي جعل من المملكة حليفه العربي الأول، رفض تلك المطالبات، وقال للمراسلين إنَّ قطع المبيعات عن أكبر مشترٍ للأسلحة الأميركية في العالم "لن يكون مقبولاً بالنسبة لي".

وأضاف ترمب: "إن لم نبعها لهم، سيكون ردهم 'حسناً، شكراً جزيلاً لكم. سنشتريها من روسيا' أو 'شكراً جزيلاً لكم. سنشتريها من الصين'. هذا ليس في مصلحتنا، ليس عندما يتعلق بالأعمال وخسارة شركاتنا لأعمالها".

تعليقات الرئيس ربما توضح الكثير عن وجهة نظره في ما يتعلق بالعلاقات الخارجية ورؤيته لها في إطار المعاملات التجارية، بمنحه الأولوية للقضايا الاقتصادية على حساب حقوق الإنسان، وتوضح كذلك مركزية صفقات الأسلحة في العلاقات الدفاعية بين البلدين.

لعقودٍ من الزمن، كانت السعودية شريكاً عسكرياً مهماً لأميركا في العالم العربي، بينما كانت مكانتها كموطن للمواقع الإسلامية الأكثر قداسة تُثري مؤهلاتها القيادية. ومنذ هجمات 11 سبتمبر/أيلول عام 2001 الإرهابية في الولايات المتحدة، أدت السعودية دوراً حاسماً في الجهود الأميركية لمكافحة الإرهاب، إذ كانت تزود الحكومة بمعلوماتٍ استخباراتية قيمة حول التهديدات المتطرفة.

والأهم من ذلك أنَّ المملكة استخدمت الدولارات العائدة من النفط لبناء الترسانة العسكرية الأكثر تطوراً في العالم العربي. ولامتلاكها واحدةً من أكبر الميزانيات العسكرية في العالم، تفتخر السعودية بامتلاكها أسطول كبير من طائرات إف-15 والطائرات المقاتلة تورنادو، ومروحيات أباتشي وغيرها من الطائرات المتقدمة.

وأُبرمت صفقات ضخمة بحوالي 14.5 مليار دولار مع المملكة العربية السعودية منذ ان أصبح ترمب رئيساً، لكنَّ معظمها تقريباً كان قد بدأ قبل أن يعتلي كرسيه.

احتمالية وقف مبيعات الأسلحة المربحة تثير رعب صناعة الدفاع

تعد مبيعات الأسلحة إلى المملكة أكثر أهمية بالنسبة للإدارة الأميركية لأنَّ السعودية، على عكس مصر وإسرائيل، تستغل أموالها لتمويل مشتريات الأسلحة بدلاً من الاعتماد على المساعدات الأميركية.

ورغم أنَّ الكونغرس يتمتع بصلاحية إيقاف مبيعات الأسلحة بشكلٍ عام أو تعليق المساعدات العسكرية، فإنَّ مشرعي القوانين يعزفون حتى الآن عن القيام بذلك. وجديرٌ بالذكر أنَّ إدارة أوباما قررت إيقاف مبيعاتها من الذخائر الدقيقة إلى المملكة عام 2016 بعدما أحبطتها الهجمات السعودية على المواقع المدنية في اليمن، لكنَّ ترمب ألغى ذلك القرار بعد توليه المنصب.

وبالنسبة للمملكة العربية السعودية، لم يهدف سباق التسلح فقط إلى تعزيز قوتها القتالية، بل أيضاً إلى تعميق العلاقات السياسية مع الدول المنتجة للأسلحة مثل الولايات المتحدة. والحظوة التي وفرتها لها تلك المبيعات كانت جليةً تماماً في التعليقات التي أدلى بها المكتب البيضاوي لترمب الأسبوع الجاري.

لكنَّ المحللين والمسؤولين السابقين قالوا إنَّ صقل مكانة السعودية باعتبارها أكبر مشتر للأسلحة الأميركية لم يحولها بعد إلى الشريك العسكري الأساسي لواشنطن في العالم العربي.

خلل داخل المنظومة العسكرية السعودية

إذ قال أندرو ميلر، نائب مدير السياسات في مؤسسة Project on Middle East Democracy: "في ما يتعلق بالمنفعة العسكرية والأمنية التي نحصل عليها، للأسف لا يوجد تحويل تلقائي لتلك الأسلحة إلى قدرة تشغيلية. ستكون هناك حاجة إلى المزيد من التشديد على التدريب وتقليل التركيز على الأنظمة نفسها".

قال محللون إنَّ الأداء العسكري السعودي يواجه صعوباتٍ بسبب عددٍ من القضايا، بما فيها أوجه القصور في الخدمات اللوجيستية والصيانة، وضعف جهاز ضباط الصف، ونظام التعيينات العسكرية القائم على الوساطة بدلاً من الجدارة.

إذ طلبت السعودية تدريباتٍ أقل على استخدام الأسلحة من الجيش الأميركي مقارنةً ببعض الدول العربية الأخرى. وتعتمد أيضاً على المساعدة الخارجية لصيانة الكثير من الأسلحة عالية التقنية.

يقول توماس جونو، الأستاذ المساعد في جامعة أوتاوا والمحلل السابق بوزارة الدفاع الوطني بكندا: "القيمة التي يحصلون عليها مقابل ما ينفقونه منخفضة للغاية، وهذا صادم بالنظر إلى حجم الأموال التي ينفقونها وحقيقة امتلاكهم لبعض الأنظمة الأكثر تقدماً في العالم".

يرى المسؤولون العسكريون الأميركيون أنَّ قوات النخبة الإماراتية والعراقية والأردنية هي القوات البرية الأفضل من الناحية التكتيكية من بين شركائهم من الدول العربية.

وفي اليمن، حيث تقود الرياض ائتلافاً من الدول لمواجهة المقاتلين الحوثيين المرتبطين بإيران، كشفت الحرب ذلك القصور العسكري السعودي، فالسعودية غارقةً هناك في حربٍ باهظة الثمن بدأتها رغم الاعتراضات الأميركية منذ أكثر من 3 سنوات.

تنشر السعودية قوةً صغيرةً في اليمن، بينما تعتمد على قواتٍ محلية وقواتٍ من بلدان أخرى لمحاربة الحوثيين. وضربت الطائرات السعودية مواقع مدنية مراراً وتكراراً، مما أثار تساؤلاتٍ حول طرق الاستهداف، فضلاً عن إثارة موجة متزايدة من المعارضة في الكونغرس للمرة الأولى. وأرجأ مشرعو القوانين صفقة أسلحة كبيرة بسبب المخاوف حول الأذى الذي قد يلحق بالمدنيين، وقدموا مشروعات قوانين من شأنها إعاقة المساعدات العسكرية الأميركية للسعودية في حرب اليمن، التي تشمل تزويد القوات الجوية بالطائرات وتبادل المعلومات الاستخباراتية.

وحطت الحرب في اليمن من قدرة السعودية على المساهمة في الحملة ضد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، التي تعد المهمة الرئيسية لاستراتيجية مكافحة الإرهاب في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة. اشتركت السعودية في الأيام الأولى من الحرب الجوية التي شنتها قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة في سوريا، لكن، شأنها شأن دول الشرق الأوسط الأخرى، نأت بنفسها بعيداً عن الحرب منذ ذلك الوقت.

الناتو العربي فشل

وفي الآونة الأخيرة، اقترح ترمب أن تُرسل المملكة قواتٍ من أجل تهدئة الوضع في سوريا، لكن لم يُنفذ ذلك الاقتراح. وكذلك فشل تعاونٌ عسكري أكبر بين دول الخليج اقترحته الولايات المتحدة، كان المسؤولون يأملون من خلاله أن تلعب الرياض دوراً قيادياً، لإنشاء تحالفٍ إقليمي يُطلق عليه اسم "الناتو العربي". وفشلت المبادرة بسبب الرؤى المتضاربة لشكل التحالف والنزاع المرير مع الدولة الخليجية المجاورة قطر.

وقال بروس ريدل، وهو مسؤول سابق في البيت الأبيض ووكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، إنَّ التعاون الاستخباراتي بين السعودية والولايات المتحدة كان يصب بشكلٍ موثوق في مصلحة الولايات المتحدة أكثر من التحالف العسكري بين البلدين. فعلى مدار سنوات، غذَّى المسؤولون السعوديون نظراءهم الأميركيين بمعلوماتٍ حول الجماعات الإسلامية أو المؤامرات ضد الولايات المتحدة. لكنَّ ريدل قال إنَّ نوعية تلك المعلومات الاستخبارية تدهورت منذ أن تولى محمد بن سلمان منصب الحاكم الفعلي للبلاد وأبعد رئيس المخابرات السابق.

وعلَّق بريان كاتوليس، وهو زميل قديم بمركز الأبحاث Center for American Progress، قائلاً إنَّ الأحداث الأخيرة في إسطنبول أثارت تساؤلاتٍ محورية حول قرار إدارة ترمب باختيار السعودية شريكها الأساسي في العالم العربي.

وأردف: "إذا كانت استراتيجيتك في الشرق الأوسط قائمةً برمتها على فكرة أن نعمل بشكلٍ مباشر من خلال الرياض، في الوقت الذي تُثبت فيه مدى كونها شريكاً فاسداً، فإنَّ ذلك يثير التساؤلات حول ما نفعله".

تحميل المزيد