اقتصادات دول الخليج تنتعش بسبب ارتفاع أسعار النفط..Financial Times: لكن هذا لن يكون في صالحهم على المدى البعيد

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/13 الساعة 07:34 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/13 الساعة 07:34 بتوقيت غرينتش
FILE PHOTO: General view of Saudi Aramco's Ras Tanura oil refinery and oil terminal in Saudi Arabia May 21, 2018. Picture taken May 21, 2018. REUTERS/Ahmed Jadallah/File Photo

بعث ارتفاع أسعار النفط الطمأنينة لكثير من اقتصادات العرب وقطاعاتهم المصرفية. سيسهل التخفف من الضغوط المالية بعض الشيء من التوترات الاجتماعية التي ساعدت في دفع عجلة الإصلاح في السنوات الأخيرة، لكنْ هناك محللون يحذرون من أنَّ هذا قد ينزع روح الضرورة والاستعجال من هذه الجهود، ويؤدي إلى تأجيل وتراكم المشاكل للمستقبل.

وقالت صحيفة Financial Times البريطانية، إنه في الدول المنتجة للبترول من أعضاء مجلس التعاون الخليجي، وهي الكتلة التجارية الإقليمية، رغم كل الحديث في السنوات الأخيرة عن التنويع في مصادر الدخل بعيداً عن المحروقات، ما زالت العلاقة بين أسعار البترول وميزانيات الحكومة والنشاط الاقتصادي علاقة مباشرة وخطية.

ويقول ريدموند رامسديل، رئيس التصنيفات الائتمانية لبنك مجلس التعاون الخليجي في وكالة فيتش للتصنيف الائتماني: "هذه اقتصاديات مركزة وضيقة الأفق، يؤدي فيها الإنفاق الحكومي دوراً مهماً في (تحديد) النمو الاقتصادي".

اختلافات في نقطة التعادل

وبحسب الصحيفة البريطانية تختلف درجات التعرض للمخاطر؛ إذ أظهرت حسابات وكالة فيتش على سبيل المثال أنَّ "نقطة تحقيق التعادل" في أسعار البترول التي يُمكن عندها لدول الخليج موازنة ميزانيتها في 2018 تختلف فيما يتعلق بمتوسط سعر النفط في العام من 98 دولاراً للبرميل في البحرين إلى 53 دولاراً للبرميل في الكويت.

وتعاني عمان أيضاً من نقطة تعادل مرتفعة تصل إلى 85 دولاراً للبرميل، بينما تحظى المملكة العربية السعودية بـ(78 دولاراً للبرميل) وأبوظبي (62 دولاراً للبرميل) وقطر (64 دولاراً للبرميل) بنقاط تعادل أقل من السعر الحالي لخام برنت الذي قارب 85 دولاراً للبرميل.  

عندما هبط سعر خام برنت من 115 دولاراً للبرميل عام 2014 إلى أقل من 30 دولاراً للبرميل، في يناير/كانون الثاني عام 2016، اضطرت حكومات المنطقة إلى كبح جماح الإنفاق العام. ورفعت الدعم عن الوقود والخدمات العامة، ووضعت حكومات عديدة خططاً لإدخال ضريبة القيمة المضافة وضرائب إضافية، لكن لم تنتقل هذه الخطط إلى حيز التنفيذ إلا في دول قليلة.

وفي حقيقة الأمر، فالدولتان اللتان تواجهان الاضطرابات المالية الأشد، وهما البحرين وعمان، هما اللتان شهدتا أقل تقدم محرز لتصحيح الأوضاع المالية، لا سيما معدلات البطالة المرتفعة بين الشباب وغيرها من الضغوطات الاجتماعية.

يقول جان فريدريك رئيس قسم التصنيفات الائتمانية السيادية لمنطقة الشرق الأوسط وإفريقيا في وكالة فيتش: "يوجد في الدولتين الأضعف توتر واضح في أهداف السياسة العامة، هناك تعارض بين هدف تثبيت الديون وتحقيق التوازن المالي من جهة، والحفاظ على الاستقرار الاجتماعي من جهة أخرى".

وفي إشارة إلى مدى شدة هذه المشاكل بالنسبة لبعض بلدان المنطقة، منحت الإمارات والكويت والسعودية، الأسبوع الماضي، حزمة مساعدات بلغ إجماليها 10 مليارات دولار لمساعدة البحرين على تحقيق التوازن بميزانيتها العامة.

ارتفاع الأسعار يقلل الضغوط

قلل الارتفاع الثابت لأسعار البترول في أغلب السنوات الثلاث الأخيرة من الضغوطات على بعض الدول في المنطقة. أوضحت المعلومات التي نُشرت هذا الشهر أنَّ الاقتصاد السعودي على سبيل المثال ارتفع معدل نموه بنسبة 1.6% في الربع الثاني من هذا العام، مقارنة بالفترة نفسها من العام الماضي، مرتفعاً من مستوى 1.2% في الربع الأول من 2018 وانكماش في إجمالي الناتج المحلي بمعدل 0.9% خلال عام 2017.

تتوقع شركة Capital Economics البريطانية للاستشارات الاقتصادية استمرار ارتفاع النمو على مدار بقية السنة. يقول جيسون توفي، كبير خبراء الأسواق الناشئة لدى شركة Capital: "نرى ذلك في مختلف بقاع المنطقة بشكل عام".

ويضيف: "هناك تحولٌ، بعيداً عن التقشف، خاصةً في المملكة العربية السعودية حيث كان التقشف قاسياً للغاية في الفترة من 2014 إلى 2016".

ويقول توفي أيضاً إنَّ السعودية استمرت في العمل على حساباتها الضريبية، وأدخلت ضريبة القيمة المضافة هذا العام، لكنها عوضَّت هذا بمجموعة من الإعانات الكبيرة للقطاع العام، وزيادة كبيرة في الإنفاق على البنية التحتية. وأضاف توفي أنَّ خفض إنتاج البلاد من النفط في العام الماضي هو ما قاد البلاد إلى الركود، وأنَّ زيادة الإنتاج هذا العام ستساعد في زيادة نمو كل من إجمالي الناتج المحلي والإنفاق العام.

مكمن الخطورة.. هنا

وبحسب الصحيفة البريطانية، يكمن الخطر في المنطقة في أنَّ الإنفاق قد يستمر في الزيادة إذا انعكس اتجاه التغيّر في سعر البترول مرة أخرى. تتوقع شركة Capital Economics هبوط سعر النفط إلى 60 دولاراً للبرميل قبل حلول نهاية 2019، وأن يصل السعر إلى 55 دولاراً للبرميل قبل حلول نهاية 2020.

وتسبب تذبذب أسعار النفط في ظهور محاولات لتنويع مصادر الدخل بعيداً عن النفط، ولكن هذه المحاولات تظل "قصة طويلة الأجل للغاية" على حد تعبير توفي. وأضاف: "على المدى القصير ستظل اقتصادات الخليج محكومة بتطورات أسعار النفط والسياسة المالية".

حتى رغم نمو بعض قطاعات الاقتصاد غير المعتمدة على البترول في السنوات الأخيرة، لا يزال الاعتماد على البترول قوياً. يقول رونيت غوس مدير بحوث المصارف العالمية لدى بنك CiTi إنَّه حتى في دبي، التي تحوَّل اقتصادها إلى اقتصاد تجاري، تأتي معظم الثروة الإقليمية التي تساعد في دفع أعمال التجارة، من النفط. وفي مناطق أخرى في المنطقة، لا يزال النفط صاحب اليد العليا.

يقول غوس للصحيفة البريطانية: "إنَّه المحرك الأكبر والأوحد، عادة ما تُظهر الدول تدفقاً اقتصادياً متنوع المصادر، ولكنك إذا نظرت إلى مصادر الدخل في المرتبة الثانية أو الثالثة ستجد أنَّها تُعيدك إلى النفط"، مشيراً إلى أنَّه مع زيادة عائدات النفط، شهد العملاء من الشركات، الذين يشكلون حوالي 80% من سجلات الديون في بنوك المنطقة، شيئاً من الانتعاش في عملية الإقراض.  

وقال: "يوجد الكثير من البنوك العادية التي تفتقر لأي مميزات، عملاؤها من الشركات المحلية الكبيرة. لديها تكاليف منخفضة للغاية وكفاءة مرتفعة جداً. هذا ليس بالضرورة لأنَّها أفضل في الأعمال البنكية من نظائرها في البرازيل والهند، لكن الظروف الهيكلية وحسب هي التي تجعل أسواقهاً مربحة حقاً".

لماذا لا تعاني دول الخليج من تقلبات العملة؟

ويرجع انخفاض التكاليف إلى أنَّ الودائع عادة ما تأتي من الصناديق السيادية والحكومات، والكثير من الحسابات من دون فوائد. ويتركز السكان والأسواق في المدن، لذا يمكن تقديم الخدمات فيها دون الحاجة لشبكات فرعية كبيرة. العملات مرتبطة بالدولار، لذا لا تعاني اقتصادات الخليج من التقلبات الحادة في معدلات تحويل العملة التي تسبب الكثير من عدم الاستقرار في الأسواق الناشئة.

يقول غوس إنَّه على الرغم من بعض التدهور في نوعية القروض أثناء انهيار سعر النفط، لم تكن نوعية الأصول تشكل مشكلة بالنسبة للكثير من بنوك المنطقة. ولكن هناك آخرون يقولون إنَّ المشاكل الناجمة عن أسعار النفط لم تظهر آثارها على النظام بعد. يقول رامسديل من وكالة فيتش: "قطع التمويل عن المشروعات الحكومية تسرب إلى نوعية الأصول، لقد شهدنا تدهوراً عاماً، حتى لو كان طفيفاً".

ويشير إلى الضغوط في قطاع المقاولات، إذ حدثت تأخيرات كبيرة في الدفع انتقلت من المقاولين الأساسيين إلى المقاولين الثانويين حتى وصلت إلى قطاعات تجار التجزئة والمستهلكين. ولأنَّ هذه العملية تتطلب وقتاً، يتوقع رامسديل أنَّ نوعية الأصول ستستمر في التدهور حتى العام المقبل. لكنه يتفق مع غوس من بنك CiTi على أنَّ بنوك المنطقة ستتلقى الصدمة على نحو مخفف بفضل تكاليف التمويل المنخفضة، ويجب أن تكون قادرة على المرور بسلام من أي تباطؤ في نمو القروض الآتية عن طريق زيادة معدلات الفائدة على المقترضين.

خطورة عودة النفط للانخفاض

سيزداد الأمر صعوبة إذا انخفضت أسعار النفط مجدداً. يقول توفي: "ما نحاول استنباطه الآن هو إلى أي حد سيذهب بندول الأسعار قبل أن يبدأ في رحلة العودة مرة أخرى"، مضيفاً: "إذا كنا على حق في أنَّ الأسعار ستهبط مرة أخرى بعد 12 أو 18 شهراً مقبلة، إذاً فسيصبح النمو الاقتصادي بطيئاً مرة أخرى، وستضيق فرصة التخفيف من الضغوط المالية أكثر وأكثر".

ومن شأن هذا أن يعيد التركيز على الضغوط الاجتماعية التي لم تُحل أبداً.

وقد تلقي الضوء على بعض الإخفاقات الحالية للجهود المحدودة المبذولة في سبيل الوصول إلى التنوع. يشير توفي إلى إنفاق السعودية على التعليم على سبيل المثال، الذي لم ينجح في رفع كفاءة التدريس أو في إعداد الطلاب للحياة في القطاع الخاص.

انهيار آخر في أسعار النفط قد يعني أنَّ هذه المشاكل لن يمكن تأجيلها بعد الآن.

علامات:
تحميل المزيد