بعد 7 سنوات طوال، يوشِك بشار الأسد على تحقيق النصر في سوريا. ولا توجد إلا محافظة واحدة خارج سيطرته هي محافظة إدلب ، ولكنّ انسحاب حليفيه الروسي والإيراني من مراحل الحرب السورية الأخيرة يترك الجيش السوري أضعف من أن يضطلع بالمهمة بمفرده.
وذكر تقرير لصحيفة The Guardian البريطانية، أن الخسائر في الأرواح والفرار من الجيش والتهرب من الخدمة العسكرية تسبب خسائر فادحة. فعكس العشرات من اتفاقات وقف إطلاق النار التي انتهكتها قواته في الماضي، يبدو أنَّ الأسد بحاجة إلى إنجاح هذه الاتفاقية، على الأقل حتى يتمكن من تقوية قواته المستنزفة.
البحث عن مجندين جدد في الجيش السوري من داخل الجامعات
ويحتاج النظام بشدة إلى مجندين جُدد، مع اقتراب المعركة الحاسمة في إدلب، لدرجة أن الدولة قد غيرت هذا الصيف قواعد اجتياز اختبارات الجامعة دون إخبار الطلاب مُسبقاً، في محاولة لسحب الطلاب الذكور إلى القوات المسلحة.
وقالت طالبة في دمشق إن 70% من دفعتها، المكونة من 300 طالب وطالبة، رسبوا في اختبارات هذا الصيف، وقد تعمَّد الكثير منهم ذلك لتأجيل الالتحاق بالخدمة العسكرية. غير أن فترة العفو المعتادة لإعادة السنة قد أُلغيت دون سابق إنذار، وأصبح أصدقاؤها الطلاب الآن مُعرَّضين لخطر التجنيد.
غادر إيلي، (23 عاماً)، دمشق متوجهاً إلى بيروت عبر الحدود اللبنانية بعد رسوبه في عامه الثاني بالجامعة واستدعائه للخدمة العسكرية الشهر الماضي (سبتمبر/أيلول 2018). وكان سيتمكن من الفرار منها بدفع غرامة قدرها 8000 دولار، لولا أنَّ عائلته، مثل معظم السوريين في هذه الفترة، لا تملك المال.
قال إيلي: "الوضع ليس أسهل كثيراً هنا في بيروت، لكنه أفضل من إضاعة سنوات من حياتي غارقاً في الدم والقتل، كان أحد أقربائي في الخدمة العسكرية على مدى السنوات الخمس الماضية، ولا يبدو أنه سيعود قريباً. أُصيب بجروح بالغة 3 مرات، وخسر أكثر من 50 من أصدقائه. لا يمكنني أن أفعل مثله؛ لذا لا يمكنني العودة".
فهل يكون ذلك كافياً إلى بشار الأسد لاستعادة محافظة إدلب ؟
ولكن حتى مع تدفق الطلاب الذين انتُشلوا من حرم الجامعات، فإن فرص أن يصبح جيش الأسد الضعيف قادراً على استعادة إدلب بسرعة دون مساعدة طهران وموسكو، ضئيلة.
لم تخضع القدرات العسكرية للطلاب السابقين والمُجنَّدين الذين قاتلوا سابقاً في قوات المعارضة، للاختبار، وقد استُنفِدت جهود الجنود الأكثر خبرة. وقد جُنِّد بعضهم عندما بدأت الحرب عام 2011 وقاتلوا دون توقف منذ ذلك الحين.
وباستعادة النظام السيطرة على سوريا تدريجياً، تنتشر قواته الآن في الأراضي التي سيطرت عليها المعارضة وتنظيم "الدولة الإسلامية" في الماضي. وتُشير التقديرات إلى أنَّ أي قوات قد تهاجم إدلب لن يزيد عددها على ما بين 20 و25 ألف جندي فحسب، في الوقت الذي يوجد فيه ما لا يقل عن 70 ألف شخص في قوات المعارضة.
وقال دبلوماسي أوروبي: "سوف تكون إدلب معركة قاسية على النظام. من المحتمل أن يتكبَّد خسائر فادحة؛ لأنه لن يضع قوات النخبة في تلك الجبهة الأمامية، ولم تتعهد إيران بالقتال على الأرض كذلك".
خاصة أن إيران و روسيا مترددتان بشأن خوض "المعركة الحاسمة"
وقال النظام إنَّ اتفاق وقف إطلاق النار في معقل المعارضة الأخير بإدلب هو إجراء مؤقت لتجنب قتل المدنيين.
لكن وحسب تقرير الصحيفة البريطانية، فإنه بالنظر إلى احتمال نشوب معركة كبرى في محافظة إدلب دون مساعدة القوات الجوية الروسية والميليشيات البرية المدعومة من إيران؛ إذ تبدو كلتاهما مترددة بشأن خوض المعركة الحاسمة، فإنَّ الجيش السوري المنهك القوى والمُحطَّم معنوياً يصبح مُعرَّضاً لمخاطر أكبر من تلك التي تعرض لها منذ سنوات.
وترى روسيا وإيران وحزب الله اللبناني أنَّ الجزء الأكبر من أدوارهم العسكرية في مسرح الحرب السورية قد انتهى، وأنَّ الأسد أصبح في مأمن الآن. وهم جميعاً يواجهون ضغوطاً داخلية كبيرة للانسحاب من العمليات العسكرية المُكلِّفة والدموية في سوريا.
وقد جدَّد ضَعف النظام الثقة التي تشعر بها فصائل المعارضة في محافظة إدلب . قال محمود عَبّي، الناطق باسم شرطة إدلب الحرة: "إدلب هي آخر مكان لا تزال تعيش فيه الثورة، ليس لدينا مكان آخر نذهب إليه. نحن مستعدون للقتال إذا أُلغيَ اتفاق وقف إطلاق النار".
إذا رفضت الجماعات المتشددة في إدلب نزع سلاحها وفشل وقف إطلاق النار، فمن غير المحتمل أن يُهاجم النظام مستخدماً استراتيجية الأرض المحروقة كما فعل في حلب والغوطة.
ومع ذلك، فإن شنَّ حملة استنزاف يتطلب من الأسد أن يُعزِّز من أعداد أفراد جيشه ومعنوياتهم بشكل كبير.
رغم العفو عن آلاف الفارين من الخدمة العسكرية!
وقد شوَّهت وسائل الإعلام الحكومية والمؤسستان السياسية والدينية في سوريا لسنوات، صورة مئات الآلاف من الرجال السوريين الذين غادروا البلاد هَرَباً من الخدمة العسكرية، معتبرة إياهم خونة أكثر حتى من الذين ينتمون إلى قوات المعارضة.
لكن في إعلان مفاجئ هذا الأسبوع، قالت الحكومة إنها ستعفو عن جميع الفارّين والمتهربين من الخدمة العسكرية الذين سيعودون إلى سوريا خلال الأشهر الستة المقبلة.
وقد صدر القرار لإغراء الأُسر التي تمتلك أموالاً بدفع غرامات للعودة إلى ديارهم، حتى وإن ظل التجنيد احتمالاً قائماً. ومع اقتراب الحرب من نهايتها في محافظة إدلب ، قد يكون العديد من السوريين الذين يشتاقون إلى العودة إلى ديارهم، راغبين في استغلال هذه الفرصة.
وقال هادي، (25 عاماً)، وهو طالب هندسة جاء إلى بيروت من اللاذقية في خريف هذا العام (2018)، إنَّه لا يعتقد أنّ الأمر يستحق. وقال: "لو بقيت هناك، لكنتُ مجنّداً في الجيش الآن دون أدنى شك، كل شيء بسوريا غارقٌ في الفوضى. لا توجد شهادات ولا وظائف، لا يوجد إلا التجنيد والموت".