صحيح أنهما متقاربان كثيراً، لكن ما لم يُثبت محمد بن سلمان براءته من مقتل خاشقجي فقد يكون لترمب موقف مختلف

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/10 الساعة 15:20 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/10 الساعة 15:55 بتوقيت غرينتش

قالت صحيفة The Times البريطانية، إن دوائر الحكم في واشنطن والرياض يشتركان في شيءٍ واحدٍ، وهو عدم إمكانية توقع أفعالهما، إذ يصعب التأكد مما يقوله المستشارون المقربون من الرئيس الأميركي دونالد ترمب وولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان لبعضهما البعض، بشأن اختفاء جمال خاشقجي، الصحافي الذي تحول من رجلٍ داعم للمملكة إلى معارضٍ لها.

لكن يصعب تخيل أي ردة فعل لمحمد بن سلمان سوى شعوره بالصدمة، عندما سمع التصريحات المُنسَّقة على ما يبدو بين كلٍّ من ترمب ونائبه مايك بينس ووزير خارجيته مايك بومبيو، أمس الثلاثاء 10 أكتوبر/تشرين الأول.

نظرة أميركا لولي العهد السعودي

إذ قال ترمب عن حدث اختفاء خاشقجي: إنها "قصص رديئة"، وأمر بومبيو بن سلمان قائلاً: "كن صريحاً"، بينما قال بينس في تعليقٍ لاذع: "يستحق العالم الحر إجابات". كانت الولايات المتحدة أكبر مشجع لبرامج الإصلاح الاقتصادي والاجتماعي التي دشنها ولي العهد السعودي، لكن يبدو أن واشنطن ما زالت تعتبره حليفاً ملائماً في الوضع الراهن، أكثر من كونه حليفاً أيديولوجياً.

وتقول الصحيفة البريطانية إن "السؤال المطروح حالياً هو: هل هناك ثمن أكبر سيُدفع مقابل تصرفات ولي العهد السعودي". فمنذ أن ظهر فجأة إلى عالم السياسة الحديثة وهو في الـ29 من عمره، عندما اعتلى والده الملك سلمان العرش، جرَّ محمد بن سلمان بلاده إلى حربٍ في اليمن، وقلب النظام الاجتماعي السعودي عبر منح النساء حرية أكبر، وسجن زمرة من الأمراء المعارضين له، في خرقٍ غير مسبوق لتقليدٍ سعودي يقضي بحكم البلاد عبر الموافقة الجماعية لأمراء المملكة.

إذا كانت السعودية قد قتلت خاشقجي فعلاً، فمن الواضح أنها كانت رسالة تحذيرية للمعارضين والمنشقين الآخرين. ومن الواضح أيضاً، أن محمد بن سلمان اعتقد أنه يستطيع الإفلات بفعلته محلياً ودولياً، بحسب الصحيفة البريطانية.

بداية قرارات محمد بن سلمان غير المألوفة بالسعودية

بدا واضحاً خلال السنوات الثلاث الماضية، أن محمد بن سلمان محاطٌ بمجموعة صغيرة من المستشارين الذين يعتمد عليهم ويعتمدون عليه في المقابل. إذ يقدمون له التحليلات والتقارير المتعلقة بالأحداث التي تقع خارج نطاق قصره ويخته، البالغ سعره 500 مليون دولار، الذي يُشاع أنه يقضي معظم وقته عليه مبحراً بعيداً عن ساحل مدينة جدة. في المقابل، يُصدر بن سلمان القرارات، غالباً في وقتٍ متأخر من الليل، التي ينفذونها بشكلٍ قاطع.

في البداية، كان تصميمه على تجاوز السياسات الحذرة المُعرقلة التي كانت تتبعها الأنظمة المستبدة الأخرى في المنطقة سبباً في أن يكسب معجبين داخل دوائر المجتمع الدبلوماسي.

 

وقائع قتل غير مُعلن
القصة الكاملة والغامضة لغياب الصحفي السعودي جمال خاشقجي بعد دخوله قنصلية المملكة في اسطنبول

Enter

keywords

وكان قراره المتهور، الذي تجاهل خلاله آراء رجال الدين والوزراء الغاضبين، بأن سمح للنساء بقيادة السيارات، وتخلصه من أحد أوجه انتقادات العالم الخارجي للمملكة، ممهداً لسياسات لاحقة ذات نبرة مماثلة.

ولم تحدث ردة فعل عنيفة ضد قراره. وتقدّمت آلاف السيدات للحصول على رخص قيادة السيارات دون وجود أي عقبات واضحة من جانب الأزواج والآباء، الذين كان يُفترض أنهم معارضون للفكرة بشدة.

لكن الأمور بدأت تتغيَّر بعد إلقاء القبض على عددٍ كبير من الأصوات المعارضة المعتدلة، بمن فيهم النساء اللاتي قدن حملة لتغيير قانون قيادة السيارة في البداية.

نقطة تحول من قرارات وأفعال محمد بن سلمان

كانت العديد من هذه الأصوات الليبرالية ضيوفاً معتادين لدى السفارات، التي لطالما وفَّرت غطاءً دبلوماسياً للسعودية، وباعت لها أسلحة، وبدأت هذه السفارات تشعر بالرعب مما يحدث.

تدهورت الأمور عندما أدلى رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري ببيان استقالته الغامض من مكانٍ غير معلوم في الرياض، وسط شائعات تفيد بأنه محتجز كرهينةٍ لدى ولي العهد السعودي، الذي يُفترض أنه داعمٌ له.

سعى المبعوثون الأميركيون والفرنسيون والبريطانيون جميعاً إلى فهم ما كان يحدث. ولم يكن أي منهم صريحاً بشأن النتائج التي توصلوا إليها، لكن من الواضح أن فرنسا، على الأقل، تعتقد أن الحريري خُطف بالفعل، وهو خرقٌ مذهل لكل البروتوكولات الدولية الموجودة في العالم.

لكن محمد بن سلمان دفع ثمناً دبلوماسياً قليلاً، مع استمرار الولايات المتحدة في معاملته باعتباره حليفاً إقليمياً لا يمكن استبداله، خاصة عندما يتعلق الأمر بالترويج لخطة السلام الفلسطينية-الإسرائيلية.

الإدارة الأميركية قد تغير موقفها من السعودية كما حدث مع مصر وتونس

ولدى الولايات المتحدة شراكات غير متكافئة مع من تصفهم الصحيفة البريطانية بـ "المستبدين"، تشعر بضرورة التحالف معهم لأسباب جيوسياسية أهم.

ورغم سمعة الولايات المتحدة بوقوفها وراء مثل هؤلاء الرجال المستبدين، فلا يمكن الاعتماد عليها في واقع الأمر، إذ أُطيح بالديكتاتور سوموزا الابن في نيكاراغوا عام 1979، بالإضافة إلى شاه إيران، رغم دعمها لهما.

في عام 1984، اتُّهِمَ الديكتاتور التايواني تشيانغ تشينغ كو بإصدار أمرٍ لاغتيال المعارض هنري ليو في مدينة سان فرانسيسكو، قضيةٌ أخرى تجاوز فيها شخص "مُحصّن" حدوده. بعدها، أُجبر على التخلي عن السلطة في انتخابات حرة.

ومؤخراً، تحول الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما ضد كل من الرئيس التونسي زين العابدين بن علي والرئيس المصري حسني مبارك، وهي مواقف شكَّلت صدمةً كبيرة بالنسبة لحلفاء الولايات المتحدة في العائلة المالكة السعودية.

وترى الصحيفة البريطانية أن صداقة ترمب المعلنة للعائلة الملكية السعودية، وزيارته إلى الرياض، في العام الماضي 2017، أعادت تطمين الأمير ووالده بأن الأمور مختلفةٌ الآن.

وتختم الصحيفة بالقول: "ما لم يتمكن بن سلمان من إثبات براءته، يجب أن يأمل في استمرار الدعم الأميركي له".

تحميل المزيد