منذ 55 عاماً، وبالضبط يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول 1963، اندلعت حرب الرمال ، فقد شنت قوات الجيش الجزائري هجوماً على منطقة حاسي بيضا المغربية؛ ما أسفر عن مقتل 10 جنود من الجيش المغربي الموجود بالمركز العسكري للبلدة.
أرسلت الرباط بعدها أكثر من وفدٍ رسمي إلى الرئيس الجزائري أحمد بن بلة؛ احتجاجاً على هذا الهجوم. لكنّ الطرفين لم يتوصلا إلى حلّ، وأُغلقت أبواب التفاوض الدبلوماسي، واندلعت ما تُعرف بـ"حرب الرمال".
استمرت الحربُ أياماً معدودة قبل أن تتدخل جامعة الدول العربية ومنظمة الوحدة الإفريقية من أجل إنهاء الحرب والتوصل لاتفاق نهائي لوقف إطلاق النار في 20 فبراير/شباط 1964.
فرنسا تقرر تأديب المغرب لمساندته الثورة الجزائرية
في عام 1844، وقعت معركة زمالة بين قوات الأمير عبد القادر الجزائري والجيش الفرنسي، وانهزم الأمير في تلك المعركة، وقرر التراجع إلى الأراضي المغربية والاستعانة بحليفه السلطان المغربي مولاي عبد الرحمن بن هشام.
في 14 أغسطس/آب 1844 وبسبب دعم المغرب الأمير عبد القادر، ضربت القوات الفرنسية قوات الجيش المغربي، في معركةٍ طاحنة داخل وادي أسلي شمال شرقي مدينة وجدة والتي أفضت إلى انهيار القوات المغربية أمام قوات الجيش الفرنسي.
مع تهديد فرنسا بالتقدم نحو مدينة فاس، اضطر السلطان المغربي إلى رفع الحماية عن الأمير عبد القادر وتوقيع "معاهدة لالة مغنية" في 18 مارس/آذار 1845 مع فرنسا.
بموجب تلك المعاهدة، استمرت الحدود التي كانت بين الجزائر والمغرب على الترسيم القديم نفسه في أثناء العهد العثماني، على أن تكون منطقة الصحراء الشرقية التي تضم منطقة تندوف مشتركةً بين البلدين، وفي عام 1950 ضمت سلطات الاستعمار الفرنسي رسمياً إقليم تندوف وبشار إلى الأراضي الجزائرية.
المغرب يطالب باسترجاع أقاليمه بعد الاستقلال
بعد أن حصل المغرب على الاستقلال عام 1956، طالب باسترداد إقليمَي تندوف وبشار، لكنّ باريس لم تستجب. وخلال عام 1957، أرست فرنسا منظومةً إداريةً جديدة للصحراء الغربية، واقترحت على المغرب الدخول في مفاوضات مع الجزائر لحلّ مشكلة الحدود، لكنّ الملك محمد الخامس رفض العرض الفرنسي، وأكد أنه سيحلُّ مشكلة الحدود مع الجزائر فور حصولها على الاستقلال من الاستعمار الفرنسي.
الجزائر تحصل على استقلالها وتقرر الإبقاء على الحدود نفسها
وقَّع المغرب اتفاقاً، في 6 يوليو/تموز 1961، مع رئيس الحكومة المؤقتة للجمهورية الجزائرية فرحات عباس، تعترف الجزائر بمقتضاه بوجود مشكلة حدودية بين البلدين، وينصُّ الاتفاق على ضرورة الدخول في مفاوضات لحل تلك المشكلة فور استقلال الجزائر.
بعد أن حصلت الجزائر على استقلالها عام 1962، بادر الرئيس الأول للجزائر، أحمد بن بلة، بتأكيد وحدة التراب الجزائري. وفي 13 مارس/آذار 1963، زار الجزائرَ ملكُ المغرب الحسن الثاني، مذكّراً رئيسها بن بلة بالاتفاق الموقّع مع الحكومة الجزائرية المؤقتة بشأن وضعية الحدود بين البلدين والذي تسبب فيه الاستعمار الفرنسي.
وفي الوقت الذي دافعت فيه الجزائر عن الحدود كما تركها الاستعمار الفرنسي، طالب المغرب بحدوده التاريخية قبل مجيء الاستعمار. وصلت المفاوضات بين الطرفين لطريقٍ مسدود؛ ما أدى إلى اندلاع " حرب الرمال " في أكتوبر/تشرين الأول 1963، قبل أن تضع أوزارها بعد 6 أيام من اندلاعها.
تدخلات دولية في الصراع بعد حرب الرمال
اكتسب الصراع بين المغرب والجزائر طابعاً دولياً على إثر حرب الرمال ، خاصة بعد اكتشاف الحديد في منطقة تندوف المتنازع عليها بين الطرفين؛ إذ كشفت الدراسات التي أجرتها السلطات الفرنسية حول موارد المنطقة، أن نسبة الحديد الخام في المنطقة تصل إلى 75% وبكميات كبيرة. وتوصلت الدراسات إلى نتيجة، مفادها أن إنتاج تندوف من الحديد، بالإضافة إلى إنتاج موريتانيا، يمكنه أن يغطي احتياجات السوق الأوروبية بالكامل، ولكن يجب نقل الحديد بعد استخراجه، عن طريق ميناء أغادير المغربي؛ لقربه من تندوف.
تجددت مطالبات المغرب بالإقليم بعد أن اصطف إلى جهة الولايات المتحدة مقابل اصطفاف الجزائر إلى جانب الاتحاد السوفييتي، وخاصة بعد انقلاب هواري بومدين عام 1965 على الرئيس الجزائري أحمد بن بلة.
وصل الصراع بين الطرفين إلى حد لجوء المغرب إلى طرح النزاع على الأمم المتحدة، ولكن اضطر الطرفان إلى التنازل والدخول في مفاوضات؛ بسبب صعوبة استغلال الحديد المستكشَف حديثاً إلا إذا نُقل عبر المغرب، وهو ما فرض على الطرفين القبول بخيار الدخول في مفاوضات تسمح بالاستغلال المشترك لمناجم الحديد.
اتفاقية ترسيم الحدود لم تُنهِ العداء
بعد مفاوضات 15 يونيو/حزيران 1972، وُقِّعت معاهدة ترسيم الحدود المغربية-الجزائرية، والتي نصت على اعتراف المغرب بجزائرية تندوف مقابل المشاركة في إنتاج وتسويق مناجم الحديد، كما دعمت الجزائر مغربية الصحراء الغربية.
وخلال مؤتمر القمة العربية بالرباط في أكتوبر/تشرين الأول 1974، صرح الرئيس الجزائري، هواري بومدين، بأن مشكلة الصحراء لا تهم سوى المغرب وموريتانيا، وأن الجزائر مع الدولتين، وتؤيد تحرير كل شبر من أراضي الصحراء الغربية.
ومنها ولدت جبهة البوليساريو
تأسست جبهة البوليساريو في 20 مايو/أيار 1973 بهدف إقامة دولة مستقلة في الصحراء الغربية التابعة للمغرب، واسم "البوليساريو" يضم الحروف الأولى من عبارة إسبانية تعني "الجبهة الشعبية لتحرير الساقية الحمراء ووادي الذهب". وفي 1976، أعلنت الجبهة تأسيس "الجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية"، وشكلت حكومتها في منطقة الصحراء الغربية.
فور إعلان "الدولة"، بادرت الجزائر بدعم جبهة البوليساريو عسكرياً ولوجيستياً في قتالها مع القوات المغربية؛ وهو الأمر الذي أدّى بالمغرب إلى بناء جدار أمني عازل، استمر بناؤه 7 سنوات، ويمتد على طول الحدود الجنوبية بين المغرب والجزائر، في حين استمرت الجزائر في دعهما السياسي لجبهة البوليساريو، بدعوى حق تقرير المصير والشرعية الأممية، وهو الأمر الذي اعتبره المغرب تآمراً على وحدته الترابية، ما زاد من حدة العداء بين الدولتين.
دعمت الجزائر جبهة البوليساريو مادياً وسياسياً لاعتبارات اقتصادية، تتجلى بإشغال المغرب بقضية الصحراء الغربية عن مناجم الحديد في منطقة تندوف، كما أن دعم مشروع البوليساريو سوف يوفر ممراً لنقل الحديد دون الحاجة إلى الميناء المغربي.
العودة للصراع العسكري مرة أخرى
في 26 يناير/كانون الثاني 1976، هاجم المغربُ الجزائر في منطقة إمغالا، واستمرت المعركة بينهما 3 أيام؛ أسفرت عن أَسر الجيش المغربي نحو 100 جندي جزائري، وقد انتهى الصراع العسكري بين الطرفين بعد تدخُّل أطراف دولية في الوساطة بينهما. وقد شهدت تلك المرحلة مفاوضات دبلوماسية على أعلى مستوى، ولكنها لم تفضِ لنتائج؛ بسبب تمسُّك الجزائر بحق تقرير المصير للشعب الصحراوي، متجسداً في جبهة البوليساريو.
وفي 7 مارس/آذار 1976، قُطعت العلاقات الدبلوماسية بين الطرفين مرة أخرى، ولم تعد إلا في عام 1988، وبعدها أُغلقت الحدود بين البلدين وطردت الجزائر المغاربة من أرضها خلال عام 1975. وإزاء هذا التصعيد، انتقل النزاع إلى الأمم المتحدة، التي اكتفت بالدعوة إلى حلٍّ سلمي عادل، يرتكز على القرار رقم 1514 الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 14 ديسمبر/كانون الأول 1968، والداعي إلى القضاء على أشكال الاستعمار كافة.
أحداث فندق "أطلس أسني" تزيد من هوة الصراع بين البلدين
ارتدادات حرب الرمال ظهرت في 24 أغسطس/آب 1994، وقع انفجار في فندق "أطلس أسني" بمدينة مراكش المغربية، وكشفت التحقيقات المغربية عن تورُّط مسلحِين فرنسيِّين من أصول جزائرية في الاعتداء، ما حدا بالمغرب إلى اتهام المخابرات الجزائرية بالوقوف وراء هذا التفجير .
وقد كان هذا الحادث بمثابة فصلٍ جديد في تاريخ التوتر بين البلدين؛ إذ قرر الملك الحسن الثاني فرض تأشيرة دخول على الجزائريين الراغبين في زيارة المغرب، في حين ردَّت الحكومة الجزائرية بإجراءات أكثر صرامة، وأعلنت من طرف واحد إغلاق الحدود البرية بين البلدين.
ويستمر الصراع إلى اليوم
في 1 أبريل/نيسان 2018، أخطر المغرب مجلس الأمن الدولي بتوغّلات جبهة البوليساريو داخل المنطقة العازلة في الصحراء الغربية، ووجَّه المغرب الاتهام إلى جبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، بالتوغل قرب منطقة غرغارات القريبة من الحدود مع موريتانيا.
من جانبه، دعا هورست كوهر، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، المغرب وجبهة البوليساريو لبدء جولة مفاوضات حول ملف الصحراء، وذلك في بداية شهر ديسمبر/كانون الأول 2018 بمدينة جنيف، وقد وافق المغرب وجبهة البوليساريو على الدخول بالمفاوضات، في الوقت الذي لم تعلن فيه الجزائر بعدُ عن موقفها النهائي من الحضور.
وهكذا، منذ 55 عاماً اشتعل ذلك النزاع وما زال مستمراً بسبب حرب الرمال.