مصر لا تواجه أي تهديد خارجي، لكنها تُنفق بإسراف على شراء الأسلحة.. موقع أميركي يكشف دوافع القاهرة للتسلح

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/10 الساعة 20:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/10 الساعة 20:38 بتوقيت غرينتش
Egyptian President Abdel Fattah al-Sisi (L) rides a vehicle with Egypt's Minister of Defense Sedki Sobhi during a presentation of combat efficiency and equipment of the armed forces in Suez, Egypt, October 29, 2017 in this handout picture courtesy of the Egyptian Presidency. The Egyptian Presidency/Handout via REUTERS ATTENTION EDITORS - THIS IMAGE WAS PROVIDED BY A THIRD PARTY

على مرِّ السنوات القليلة الماضية، فتحت مصر دفتر الشيكات الخاص بها وبدأت في برنامج شراء الأسلحة ، سرعان ما جعلها إحدى أكثر الدول تسلحا في العالم. بيد أنَّ حجم الأموال النقدية التي أنفقتها مصر على الأسلحة هو الأمر الأشدُّ إثارةً للانتباه، في ظل وضعها الاقتصادي الهش وافتقارها إلى خصمٍ تقليدي كبير.

لذا، فدوافعها لا تنبع من حاجةٍ عسكرية، يقول تقرير لموقع Stratfor الأميركي، بقدر ما تنبع من الرغبة في استعادة نفوذ دولةٍ كانت صاحبة نفوذٍ كبير في أنحاء المنطقة. ولكنَّ وضعها الاقتصادي المتواضع ربما يُقيِّد هذا الإنفاق الهائل على الأسلحة في نهاية المطاف.

مصر أكثر الدول تسلحا في العالم

ذكر تقريرٌ صدر عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام، في مارس/آذار 2018، أنَّ مصر أصبحت الآن من أكثر الدول تسلحا في العالم ، فهي ثالث أكبر مستوردٍ للأسلحة (بعد الهند والمملكة العربية السعودية). وفي الواقع، زادت واردات مصر من الأسلحة بنسبةٍ هائلة بلغت 215% في السنوات الـ5 الماضية منذ أن أصبح عبد الفتاح السيسي رئيساً للبلاد.

ففي أثناء تلك المدة، أبرمت مصر صفقاتٍ كبيرة مع مجموعةٍ متنوعة من المُورِّدين، من بينهم الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا. وأسفرت عمليات الشراء عن الارتقاء بمستوى ترسانة الأسلحة المصرية إلى حدٍّ كبير، ما منح مصر قدراتٍ كانت تفتقر إليها، من بينها السفن الهجومية البرمائية.

وشهدت مصر تحسُّناً في اقتصادها بالسنوات الأخيرة، مع أنَّ الإنفاق الهائل على الأسلحة سَبَق الزيادة الطفيفة في ثرواتها الاقتصادية؛ إذ لجأت منذ عامين إلى صندوق النقد الدولي، وحصلت على قرضٍ بقيمة 12 مليار دولار ساعد في تحسين مؤشراتها الاقتصادية الكلية منذ ذلك الحين.

وظلَّت حكومة السيسي ملتزمةً بالإصلاح الاقتصادي، ويرجع ذلك جزئياً إلى أنَّ استمرار تسليم الأموال مرهونٌ بتنفيذ مصر تدابير تقشُّفية وإصلاحاتٍ هيكلية.

ونتيجةً لذلك، فالعجز الهائل في مصر آخذٌ في التناقص، ومعدلات التضخُّم المصري تشهد تحسُّناً، والتوقعات المتعلقة بالديون تبدو أكثر تفاؤلاً؛ ما دفع البنك الدولي إلى التنبؤ بوصول معدل النمو في مصر إلى 5.8% في عام 2020.

وكذلك، فإنَّ تزايد الاستقرار في الوضع العام بمصر على مرِّ العامين الماضيين سهَّل حدوث انتعاشةٍ في قطاعي السياحة والطاقة الأساسيَّين؛ بل وتحسَّنت معدلات البطالة الإجمالية، وإن كانت البطالة لا تزال مرتفعة في أوساط الشباب، حتى وفقاً للمعايير الإقليمية.

رغم أنها لا تواجه مخاطر عسكرية

بيد أنَّ زيادة مشتريات مصر من الأسلحة لا تنبع من ضرورةٍ عسكرية، صحيحٌ أنَّ البلاد متورطةٌ في مواجهةٍ عصيبة مع متشددين في شبه جزيرة سيناء، لكنَّ معظم مشترياتها الأخيرة -التي تضمَّنت صواريخ أرض/جو وسُفُناً حربية كبرى- غير مناسبة إطلاقاً للقتال في معركة سيناء.

وفي الواقع، فإنَّ قلةً من صفقات الأسلحة الأخيرة هي التي تُلبِّي احتياجات الجيش المصري في سيناء، حيث تشن القوات المصرية حملةً باستخدام قدراتٍ ومعدات عسكرية، معظمها كانت موجودة سلفاً؛ بل تعاني القوات المصرية التي تقاتل هناك نقصاً في الموارد.

إذ تفتقر المشاة المصرية التي تضطلع بمعظم القتال في سيناء، بشدَّةٍ، إلى دروعٍ جسدية واقية متقدمة ومعدات قتال فردية متطورة، وسط ندرةٍ أكبر في المعدات والتدريبات والإمدادات الفعَّالة.

فبالنسبة للمَركبات، ينشر الجيش المصري في سيناء دباباتٍ من طراز M-60A3، تُعَد قديمة وأكثر عُرضةً للتدمير، في حين أنَّ دبابات إم-1 أبرامز، الأكثر تقدُّماً بكثير والأشد تحصيناً، والتي تمتلكها مصر، ما زالت خارج المشهد. ومن المفارقات أنَّ مصر لم تشترِ حتى بعض المعدات الأكثر ملاءمةً لمعركتها في سيناء، مثل المَركبات المُدرَّعة المضادة للكمائن والألغام.

وبدلاً من ذلك، بدأت الولايات المتحدة مَنح القاهرة التي تعتبر من الدول الأكثر تسلحا في العالم المئات من هذه المركبات مجاناً أوائل عام 2016، في إطار برنامج التبرع بالعتاد العسكري الفائض عن الحاجة والذي أطلقته وزارة الدفاع الأميركية.  

وليست مهدَّدة أو مطالَبة بمواجهة خصوم تقليديين

ولا تنبع الزيادة الهائلة في مشتريات الأسلحة كواحدة من أكثر الدول تسلحا في العالم كذلك من حاجةٍ مُلِحّة لردع خصومٍ تقليديين رئيسيين. فباستثناء إسرائيل والمملكة العربية السعودية، لا يقترب أيٌّ من جيران مصر المباشرين من مضاهاة القوة العسكرية المصرية.

ولا تُشكِّل المملكة العربية السعودية تهديداً عسكرياً حقيقياً، لا سيما أنَّ المملكة قدَّمت مساعدات اقتصادية كبيرة لمصر من أجل دعم الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، منذ الإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في عام 2013.

وصحيحٌ أنَّ التاريخ الطويل من الصراع بين إسرائيل ومصر قد يمنح الأخيرة سبباً للحفاظ على قوة دفاعها العسكري تحسُّباً لتدهور العلاقات مع إسرائيل، لكنَّ هذا الاحتمال يبدو بعيداً في الوقت الحاضر.

فرغم كل شيء، تحسَّنت علاقات مصر مع إسرائيل بوضوح في عهد السيسي، حتى إنَّ إسرائيل تُقدِّم مساعدة غير مباشرة لمصر في عملياتها بسيناء.

لكنها تحاول استعادة بريقٍ ضائع

ثمة تفسيرٌ أكثر إقناعاً جعل مصر من أكثر الدول تسلحا في العالم ، يكمن في عوامل جيوسياسية أكبر من مُجرَّد حاجةٍ عسكرية. فمصر -التي تُعَد أكثر الدول اكتظاظاً بالسكان في العالم العربي (إذ يبلغ عدد سكانها الآن نحو 100 مليون نسمة)- كانت أكثر دول الشرق الأوسط نفوذاً، لا سيما إبَّان الحرب الباردة.

بيد أنَّ نفوذها تضاءل على مرِّ العقدين الماضيين؛ بسبب تزايد الثقل الاقتصادي لمجلس التعاون الخليجي، وعودة انخراط تركيا في المنطقة، وتحرُّك إيران لتعزيز وجودها بالعراق وسوريا ولبنان عقب الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين عام 2003. وهناك عوامل داخلية أيضاً -مثل الربيع العربي وتبعاته- حوَّلت تركيز مصر إلى الداخل بعض الوقت.

ولكنْ سعياً لاستعادة بعض بريقها الضائع وهيبتها السابقة، تُنفق الحكومة المصرية أموالاً طائلة للحصول على أسلحةٍ بالغة التطور، مثل السفن الهجومية البرمائية العملاقة من طراز ميسترال؛ لتسليط الضوء مرةً أخرى على قوتها العسكرية ونفوذها.

لكن، لماذا تلجأ إلى البحث عن مورِّدين متنوعين؟

هذا فضلاً عن أنَّ قرار مصر البحث عن مورِّدين من أماكن متنوعة ليس قراراً عارضاً؛ لأنَّ البلاد لطالما كانت تُكِنُّ مخاوف إزاء الاعتماد المُفرِط على مورِّد أجنبي واحد مثل الولايات المتحدة، التي ورَّدت معظم المعدات العسكرية العملاقة في الشرق الأوسط منذ اتفاقية كامب ديفيد التي أُبرِمَت في عام 1978.

وقد فاقمت واشنطن هذه المخاوف في أكتوبر/تشرين الأول من عام 2013، حين قطعت مساعدات عسكرية واقتصادية تقدمها إلى مصر؛ بسبب دور الجيش المصري في إطاحة مرسي من السلطة؛ إذ أثار قرار الولايات المتحدة غضب الجيش المصري، الذي انتابه قلقٌ متزايد حيال احتمالية أن يُصبح رهينةً لمطالب الولايات المتحدة.

لذا فإنَّ خيار تنويع قاعدة المورِّدين حمى مصر من مخاطر الاعتماد المُفرِط على مورِّد واحد، وعزَّز نفوذها أيضاً بعددٍ من القوى الأجنبية القوية مثل فرنسا وروسيا.

خاصة أن ذلك مكلف!

بيد أنَّ تكلفة شراء مزيدٍ من الأسلحة من مورِّدين مختلفين، كواحدة من أكثر الدول تسلحا في العالم لم تكن ماليةً فقط؛ ففي العموم، تكون الجيوش أكثر فاعليةً حين تتمكن من تشغيل معداتٍ وأسلحة متشابهة إلى حد كبير في مختلف قواتها. فهذا التوحيد يُسهِّل الخدمات اللوجيستية والصيانة والتدريب تسهيلاً كبيراً؛ لأنَّ قطع الغيار حينئذٍ يمكن الحصول عليها بسهولة، ولأنَّ القوات لا تضطُّر إلى التأقلم على خليطٍ مُعقَّدٍ غير متجانس من المعدات.

ومن ثَمَّ، تفرض ترسانة مصر شديدة التنوع قيوداً كبيرة على قواتها العسكرية. فعلى سبيل المثال، تستخدم قوات الدفاع الجوي المصرية بطاريات صواريخ أرض-جو واردة من الولايات المتحدة وروسيا وفرنسا وألمانيا، وجميع البطاريات تُمثِّل منصاتٍ شديدة الاختلاف، ما يزيد من صعوبة تدريب القوات في الفرع نفسه على مختلف المعدات.     

وفي النهاية، فإن نقطة ضعف مصر تجعلها مهدَّدة

على الرغم من قروض صندوق النقد الدولي، سيظل الاقتصاد نقطةَ ضعف مصر. ففي النهاية، ليس بإمكان أي قدرٍ من النمو الاقتصادي أن يتجاوز معدل نمو سكانها الهائل واحتياجات مواطنيها من الخدمات والموارد الأساسية.

إذ تشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أنَّ عدد سكان مصر سيبلغ 150 مليون نسمة بحلول عام 2050، و200 مليون نسمة بحلول عام 2100. ومع أنَّ الجيش المصري عالقٌ في معركةٍ صعبة ضد جماعاتٍ إسلامية مُسلَّحة في سيناء، فقد وصف السيسي النمو السكاني الجامح بأنَّه أكبر تهديد للأمن القومي؛ بسبب قدرته على شلِّ الاقتصاد والحكومة.

ربما تحسَّن الاقتصاد المصري في السنوات القليلة الماضية، لكن لا يمكن أن تستمر البلاد في شراء الكثير من الأسلحة على المدى الطويل، لا سيما أنَّ الكثير من الأسلحة تُموَّل بقروضٍ ما زالت مصر بحاجةٍ إلى سدادها.

تحميل المزيد