اعتبرت صحيفة The Times البريطانية، أن أختفاء أو اغتيال الإعلامي السعودي جمال خاشقجي، يمثل علامة فارقة في تعاطي المجتمع الدولي والحكومات مع حرية الصحافة، إذا ما انتهى الأمر إلى لا شيء.
وقالت الصحيفة البريطانية، الثلاثاء 9 أكتوبر/تشرين الأول 2018، يُظهر اختفاء المنتقد السعودي جمال خاشقجي مشهداً قاتماً للحياة، في عالمٍ تُنتهك فيه القوانين والأعراف الثابتة بانتظام، إذ تحل الرغبة في الثأر محل الحجة العقلانية، ويكون المنشقون عُرضةً للقتل طوال الوقت.
وأضافت الصحيفة: لا يمكن إنكار أنَّ قضية خاشقجي هي نتيجة للنزاع الشرق أوسطي المُغرق في الظلام، وهي تشبه ما حدث لبعض الصحافيين الاستقصائيين في الاتحاد الأوروبي، المؤسسة التي يُفترض أنَّها ترتكز على قيمٍ مشتركة وتكفل حرية التعبير، فقد قُتل في دول الاتحاد الأوروبي على مرِّ العام الماضي 2017 ثلاثة صحافيين على الأقل، في مالطا وسلوفاكيا والآن في بلغاريا، وكانت الضحية الأخيرة فيكتوريا مارينوفا تُحقق في قضايا فسادٍ مالي تخص الاتحاد الأوروبي، قبل أن تُغتصب وتُعذَّب وتُقتل.
وانتهجت الصين كذلك ممارسات إخفاءٍ قسري، واعتقلت ممثلةً معروفةً لثلاثة أشهر حتى دفعت ضريبةً هائلة، ثم استدعت رئيس الشرطة الجنائية الدولية (إنتربول) مينغ هونغوي -الذي كان عضواً بارزاً وموثوقاً في الحزب الشيوعي- وسجنته.
المستبدون تشجّعوا لسحق معارضيهم
وبحسب الصحيفة، يبدو أنَّ المستبدين والمتحكمين الفاسدين في المشهد قد تشجَّعوا على سحق معارضيهم. ولقد أصبحت هذه هي سمة العصر حين يستشعر القادة -وحتى المنتخبون ديمقراطياً منهم- أنَّ بإمكانهم إدانة القضاة والصحافيين، وتصنيفهم كأعداءٍ للشعب، وتصبح الانتهاكات العنيفة جزءاً من عالم السياسة.
يجب أن تتحرك المؤسسات؛ إذ ينبغي أن يحث البرلمان الأوروبي ورؤساء حكومات، دولَ الاتحاد الأوروبي على إجراء تحقيقٍ عاجلٍ في مقتل الصحافيين. وقد ارتكب الإنتربول خطأً فادحاً بقبوله استقالة مينغ، إذ كان من الواضح أنّه أُكره على كتابتها، لذا ينبغي المطالبة بتحقيقٍ شفاف لضمان حقوقه وحمايتها، بحسب الصحيفة البريطانية.
يستحق خاشقجي دعم تركيا، ويستحق كذلك دعم الولايات المتحدة؛ لأنَّه كان كاتب عمودٍ في صحيفة The Washington Post الأميركية. وإذا صحَّت الادعاءات بأنَّ خاشقجي قد قُتل في مبنى دبلوماسي، وأنَّ من قتلوه يحملون جوازات سفرٍ دبلوماسية، فإنَّ ذلك يستلزم رداً دبلوماسياً صارماً يوازي ردَّ الفعل الغربي على محاولة قتل العميل الروسي المزودج سيرغي سكريبال، حتى وإن كانت السعودية حليفاً هاماً في الشرق الأوسط.
بريطانيا عليها أن تدافع أيضاً
إنَّ مصير خاشقجي في الحقيقة يستحق الاهتمام من كل هؤلاء، بما في ذلك بريطانيا، التي رحَّبت كثيراً بالسطوع السياسي لنجم ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. لقد أُشيد بالأمير ووصِف بأنَّه مصلحٌ ساعٍ للحداثة، وواعدٌ بدعم نموذجٍ "وسطيٍ" للإسلام، ومتعهد بفتح آفاق المملكة، لكنَّه في الحقيقة حاقدٌ على أولئك الذين يحاولون الاضطلاع بدور الإصلاحيين الرئيسيين بدلاً منه؛ إذ سمح للنساء بقيادة السيارات، لكنَّه اعتقل الناشطات اللاتي دشَّنَّ حملاتٍ للسبب ذاته، ويواجه المنتقدون لسياسته على الشبكات الاجتماعية خطر الاعتقال، بحسب الصحيفة البريطانية.
ووفقاً لرؤية ولي العهد فإنَّ الإصلاحات يتحتم أن تأتي من أعلى السلطة إلى الأسفل، أما مشاركة القاعدة الشعبية في ذلك فهي أمرٌ غير مرحبٍ به. ومن الدلائل الإضافية على "طيشه"، غضب السعودية من كندا بسبب دعم الأخيرة لناشطةٍ في مجال حقوق الإنسان، واحتجاز رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري وعددٍ من كبار رجال الأعمال السعوديين. لقد كان خاشقجي ينتقد كل هذا، ودافع عن وجهة نظره بأنَّ الحداثة في المملكة لن تنجح إلا إذا صاحَبها انفتاحٌ حقيقيٌّ في المجتمع.
جديرٌ بالذكر أنَّ العلاقات السعودية- التركية تعاني هشاشةً بالفعل، لذا فإنَّ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يحتاج للحفاظ على هدوئه، والتأكيد بإصرارٍ، دون كلامٍ رنَّان، على ضرورة أن تكشف السعودية ما حدث مع خاشقجي. فالأمر الآن مُلحٌّ، وسيكون بالنسبة للغرب اختباراً حقيقياً لجدية الإصلاح لدى ولي العهد.