عشر سنوات مرَّت على آخر جولة مفاوضات بين الرباط وجبهة "البوليساريو" حول ملف الصحراء، قبل أن تعلن الحكومة المغربية موافقتها على المشاركة من جديد في جولة مباحثات برعاية أُمميةٍ استجابة لدعوة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة "هورست كوهلر".
ولبحث مستقبل الصحراء، وجَّه الألماني كوهلر دعوات إلى كلٍّ من المغرب والبوليساريو والجزائر وموريتانيا للقدوم إلى جنيف بداية شهر ديسمبر/كانون الأول 2019، وهو ما قرر المغرب الاستجابة له، وفق ما أعلنه الوزير مصطفى الخلفي الناطق الرسمي باسم الحكومة المغربية.
البشير الدخيل، أحد مؤسسي جبهة "البوليساريو" الانفصالية العائد إلى المغرب، يرى أن المبعوث الأُممي الجديد يسير على نفس منهجية وأسلوب سلفِه.
ودعا الدخيل خلال حديثه لـ "عربي بوست"، الأمم المتحدة إلى تجاوُز منظورِها التاريخي لملف الصحراء الذي وقف عند عام 1975، مُبرزاً أن معطيات وعقليات وإشكاليات جديدة طفَت إلى السطح، وأن على الأمم المتحدة أخذها بعين الاعتبار.
نزاع قديم جديد
عَودةً إلى نزاع الصحراء، الذي انطلقت شرارته عام 1975، بعد إنهاء الاحتلال الإسباني لوُجوده في المنطقة، فقد تحول الخلاف بين المغرب وجبهة "البوليساريو" إلى نزاع مسلح، استمر حتى عام 1991، وانتهى بتوقيع اتفاق لوقف إطلاق النار.
جبهة "البوليساريو"، المدعومة من الجزائر، أعلنت قيام "الجمهورية العربية الصحراوية" في 27 فبراير/شباط 1976 من جانب واحد، مطالبة بتنظيم استفتاء لتقرير المصير في الصحراء، هذه المنطقة الصحراوية الشاسعة التي تبلغ مساحتها 266 ألف كيلومتر مربع، وهي المنطقة الوحيدة في إفريقيا التي لم تتم تسوية وضعها بعد الاستعمار.
أما الرباط فتُصر على أحقيتها في الصحراء، وترفض أي حل خارج مقترح الحكم الذاتي تحت سيادة المغرب، وهو نفس ما سار إلى تأكيده مصطفى الخلفي، مؤكداً أن "المغرب متشبث بمقترح الحكم الذاتي ولا حل للقضية خارج هذا الإطار".
انخراط المغرب في المُسلسل الأممي وموافقته على المشاركة في اللقاء الرباعي، دليل على رغبة المملكة في الوصول لحل مُرضٍ للمشكل، وفق البشير الدخيل، مؤكداً أن جلوس الدولة المغربية على طاولة واحدة رفقة "البوليساريو" لا يعني تنازله عن موقفه من القضية.
لقاء الإخوة الأعداء
عشر سنوات من تجميد المفاوضات، عرفت خلالها السنتين الأخيرتين تصعيداً غير مسبوق وصلت حد التهديد باستعمال الخيار العسكري، لتأتي دعوة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة لجمع جميع الأطراف التي لها علاقة بالملف وعلى رأسها المملكة المغربية.
ويأتي قبول المغرب المشاركة في اللقاء بمثابة إعلان حسن نوايا من طرفه، ورغبته توفير الشروط الملائمة لعمل المبعوث الشخصي لدفع الأطراف للوصول لتسوية سياسية، وفق المحلل السياسي المغربي بلال التليدي.
وبحَسْب الدكتور التليدي، فإن المغرب لا يريد أن يُصعِّب من مُهمة المبعوث الخاص، إذ تلزمه جميع الشروط الملائمة لفهم أدقٍّ لطبيعة الصراع، في نفس الوقت الذي تعتبر فيه المملكة أن الديناميات الديبلوماسية المُنتَهَجة السنوات القليلة الماضية ستدعمُ مُقترحه في الحكم الذاتي.
وتوقَّع المتحدث لـ "عربي بوست"، أن تشهد جولة مفاوضات جنيف طرح كل طرف لوجهة نظره مع التشبث بها، متابعاً: "لن يكون الأمر أكثر من إعطاء دفعة للاتصال السياسي وترتيب الأوراق الأولية لأفكار يمكن أن تُطرح في المستقبل القريب".
المحلل السياسي المغربي ينتظر ألا تتعدى المفاوضات بداية ديسمبر/كانون الأول المقبل سقف جس نبض مختلف الآراء، يبحث من خلالها المبعوث الشخصي عن إطار لأفكار جديدة يمكن أن يطورها من خلال الاستماع إلى الأطراف، ومن أجل ذلك استبق المغرب الوضع، وأكد أنه لن يحيد قَيد أُنمُلة عن مقترحه في الحكم الذاتي دون أن يقدم تنازلا أكبر مما قدمه.
الجزائر.. في حرج!
مع إعلان المغرب موافقته على الجلوس إلى طاولة المفاوضات بحضور جبهة "البوليساريو" الانفصالية، أكد بما لا يدع مجالاً للشك تشبثه بمقترح الحكم الذاتي كأقصى ما يمكن للمملكة أن تقدمه كحَلٍّ لهذا الملف الشائك، إذ تنظر الرباط إلى دعوة الجزائر وموريتانيا لحضور اللقاء باعتبارها استجابة لطلب قديم كان يُعتبر فيه الجزائر طرفاً في الموضوع.
وفي الوقت الذي يتوقع أن تستمر جبهة "البوليساريو"، التي وافقت بدورها على حضور الاجتماع، في دعم أطروحتها المتعلقة بتقرير المصير، لم تعبر بعد الجمهورية الجزائرية عن موقفها النهائي من مفاوضات جنيف.
الدكتور مناس مصباح، أستاذ بكلية العلوم السياسية بالجزائر العاصمة، يرى أن بلاده لن تشارك في اللقاء؛ لأنها ليست طرفاً في القضية، ذلك أن مُشاركتها ستكون تأكيداً للاتهامات التي تُرمى بها، في وقت لا تَعدُّ الجزائر نفسها طرفاً في النزاع.
وأوضح مناس خلال تصريح لـ "عربي بوست"، أن الجزائر ومن باب الحفاظ على الحيادية الإيجابية، لن تُشارك كطرف، لكن دورها يتمحور حول رأيها الاستشاري ولتُساعد في الحل خاصة أن للجمهورية موقفاً ثابتاً من القضية يتماشى مع الشرعية الدولية.
أما بخصوص مُوافقة كل من المغرب و "البوليساريو" على التفاوض المباشر، فيرى الأستاذ الجامعي الجزائري أنها خطوة إيجابية من الطرفين تُسهل خطوات قادمة لإيجاد مَخرَج لقضية الصحراء.
على بُعد شهرين من انعقاد اللقاء المثير للجدل، تتناسل التكهنات حول الأفكار التي يمكن أن تطرح على طاولة الحوار، إلا أنه من السابق لأوانه الحديث عن الموضوع، خاصة أن الشروط السياسة التي تمر بها القضية لا تتحمل التقدم أكثر في الموضوع، يختم المحلل السياسي المغربي بلال التليدي كلامه.