بعدما اتفقت القاهرة وعمان على تصدير مصر الغاز الطبيعي للأردن عبر خط الأنابيب الذي يمر عبر سيناء، سارعت المصادر والصحف الإسرائيلية إلى تحليل تداعيات الاتفاق الذي يقوّض أكبر حقل للغاز في إسرائيل، ليفياثان.
ويأتي هذا الإعلان بعد أيام فقط من إعلان مصر عن اكتفاء البلاد الذاتي من الغاز المسال، ووقف استيراده من الخارج، وفق ما قال وزير البترول والثروة المعدنية طارق الملا.
واعتبرت صحيفة هآرتس أو Haaretz أن تصدير مصر الغاز الطبيعي للأردن يطرح الشك حول النية المعلنة لاتحاد شركات الغاز الإسرائيلية، Noble Energy وDelek Drilling، لتصدير الغاز إلى مصر.
وكانت شركتا Delek وNoble، أعلنتا الأسبوع الماضي أنَّهما وقَّعتا عقداً لشراء 39٪ من شركة غاز شرق المتوسط المصرية، التي تملك خط الأنابيب الرابط بين مصر وإسرائيل.
وفي حال بدأ تصدير مصر الغاز الطبيعي للأردن، فإنَّ ذلك سيعني إرسال الغاز عبر خط الأنابيب ذاته، لكن في الاتجاه المعاكس مما لو كان الغاز مُصدَّراً من إسرائيل إلى مصر.
ويزذد هذا الإعلان الضغوط على السوق الإسرائيلية الأسبوع الماضي بعد الإعلان عن توقيع صفقةٍ أخرى بين قبرص ومصر لبناء خط غازٍ يصل إلى مرافق الغاز الطبيعي المُسال في مصر، ما يُمهِّد الطريق لصادرات الغاز القبرصي، ويُشكل منافسةً لإسرائيل.
تصدير مصر الغاز الطبيعي للأردن يشكل 75% من الاستهلاك
وكانت مواقع إخبارية مصرية، بما في ذلك موقع Daily News Egypt، نقلت عن مصدر في وزارة البترول المصرية قوله إنَّ مصر انتهت من مفاوضات لبيع الغاز إلى شركة الكهرباء الوطنية الأردنية.
وقال المصدر إنَّ الصفقة تقضي بتصدير 250 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً، وهي كمية كبيرة تعادل 2.6 مليار متر مكعب من الغاز سنوياً، أي حوالي 75٪ من الاستهلاك الأردني السنوي من الغاز الطبيعي.
ونقل الموقع عن المصدر: "ستواصل مصر تصدير الغاز الطبيعي للأردن في مطلع عام 2019 عبر خط الأنابيب الرابط بين مصر والأراضي الأردنية، وهو ما سيُمثِّل بداية تحويل البلاد إلى مركز إقليمي لتوزيع الطاقة، ثُمَّ لاحقاً تحقيق الاكتفاء الذاتي من الغاز".
اتفاق مع أكبر عملاء حقل ليفياثان الإسرائيلي
لكن شركتا Delek وNobel تعتزمان بدء تشغيل حقل ليفياثان، أكبر حقل احتياطي للغاز الطبيعي البحري في إسرائيل، في الربع الأخير من العام القادم 2019.
وتُعَد شركة الكهرباء الوطنية الأردنية واحدةً من أكبر عملاء حقل ليفياثان، لذا فإنَّ التوصل لاتفاق مع مصر من شأنه أن يُقوِّض خطط تطوير حقل الغاز.
لكن مصر ستبيع بأقل من سعر الغاز الإسرائيلي بدولار
وكان الاتفاق الأصلي حول تصدير مصر الغاز الطبيعي للأردن وُقِّعَ عام 2004، عندما التزمت مصر بتقديم 250 مليون قدم مكعب من الغاز يومياً بقيمة 2.5 دولار لكل وحدة حرارية.
وفي شهر أبريل/نيسان 2012، رفعت الحكومة المصرية السعر إلى 5 دولارات للوحدة، وهو السعر الذي لا يزال أقل مما ستدفعه شركة الكهرباء الوطنية الأردنية مقابل إنتاج حقل ليفياثان.
فمن المتوقع أن تدفع كلٌ من شركة الكهرباء الوطنية الأردنية وشركة كهرباء إسرائيل حوالي 6 دولارات مقابل كل وحدة حرارية من غاز ليفياثان.
وذلك عبر الأنبوب نفسه التي تنوي إسرائيل استخدامه.. ولكن في الاتجاه المعاكس
وتخطط مصر لتصدير الغاز عبر خط أنابيب سيناء، الذي لحقه الضرر في عدة مناسبات على يد المتمردين بعدما وصلت جماعة الإخوان المسلمين للسلطة أوائل العقد الحالي بعد ثورة 2011.
وهو خط الأنابيب نفسه الذي كان الشركاء في حقل ليفياثان وتامار ينوون استخدامه لتصدير الغاز في الاتجاه المعاكس إلى شركة دولفينوس، التي تُعَد اتحاداً (كونسرتيوم) من العملاء يتألف من 40 شركة مصرية.
ولضمان أنَّ حقل ليفياثان وتامار سيكونان قادرين على التصدير عبر خط الأنابيب، وقَّعت شركتا Noble وDelek وشريك مصري اتفاقاً الأسبوع الماضي لشراء 39٪ من شركة غاز شرق المتوسط بقيمة 1.3 مليار دولار. إذ تملك شركة غاز شرق المتوسط جزءاً تحت البحر من خط الأنابيب بين مصر وإسرائيل.
ويرتبط خط أنابيب شركة غاز شرق المتوسط بخط الأنابيب الموجود فوق الأرض، الذي يمر عبر سيناء قرب العريش. وهذا الجزء من خط الأنابيب تملكه شركة جاسكو المصرية.
شروط كثيرة يجب تحقيقها في البلدين قبل شهر يونيو
ولعملية الاستحواذ على أسهم شركة غاز شرق المتوسط شروط عديدة، ومن ثَمَّ فهي ليست مضمونة بنسبة 100٪.
فالصفقة مشروطة جزئياً بالموافقة التنظيمية في كلا البلدين، فضلاً عن بيع الغاز الإسرائيلي لمصر عبر خط الأنابيب. وينبغي تحقق هذه الشروط بحلول شهر يونيو/حزيران لإتمام عملية الاستحواذ.
وقد رفضت شركة Delek Drilling الإجابة عما إذا كان خط أنابيب سيناء سيُستخدَم في إرسال الغاز في كلا الاتجاهين.
والصفقة الإسرائيلية مع الأردن ليست مضمونة
وبعيداً عن مسألة استخدام خط الأنابيب ذاته لإرسال الغاز في الاتجاه المقابل، قد يكون للصفقة المصرية الأردنية تبعات تؤثر على حقل ليفياثان.
إذ وقَّع الشركاء في الحقل –شركات Noble وDelek وRatio– في عام 2016 صفقة لبيع الغاز إلى شركة الكهرباء الأردنية. وتبلغ قيمة هذه الصفقة الضخمة، القاضية بتصدير 45 مليار متر مكعب من الغاز على مدار 15 عاماً، ما يصل قيمته إلى 10 مليارات دولار.
وتشتمل الصفقة على خيار زيادة المبيعات إلى 500 مليون متر مكعب سنوياً، لكنَّ كمية الغاز ليست نهائية وليس ثمة ضمان على أنَّ الأردن سيشتريها كلها. ومع ذلك، فالاتفاقية تحدد الحد الأدنى من الكمية، لكن مجموعة الشركات لم تعلن عنه قط.
الأمر الذي يهدد حقل ليفياثان بأزمة نقدية
وبينما رفضت المجموعة يوم الأربعاء 3 أكتوبر/تشرين الأول مرة أخرى التعليق على هذا الأمر، خمَّنت مصادر لصيحفة هآرتس أنَّ الكمية مماثلة للرقم الموجود في الصفقة مع شركة كهرباء إسرائيل، وهو 75٪ من الكمية.
وبفرض صحة التقرير الإخباري المصري، سيكون من المستحيل على كلٍ من مصر وليفياثان تصدير الكمية الكاملة من الغاز المقررة في صفقاتهما، ومن الممكن أيضاً تقويض صادرات ليفياثان إلى مجموعة شركات دولفينوس بسبب الاستخدام البديل لخط الأنابيب.
وبموجب هذا السيناريو، قد يجد حقل ليفياثان نفسه في أزمة نقدية كبيرة، وقد يتلقى التقييم السوقي لاحتياطي الغاز والشركات المسيطرة عليه ضربة.
وفي غضون ذلك، تستغل شركة Noble التقييمات العالية الحالية للحصول على النقد.
وخلال الأيام القليلة الماضية، تخلَّصت الشركة من كامل حصتها البالغة 43.5٪ في شركة Tamar Petroleum المسؤولة عن حقل تامار، عبر بيعها، وذلك لتمويل صفقة تصدير الغاز مع مصر، وفق ما أعلنت صحيقة The Maker الإسرائيلية.