بعد انتخاب رئيس وزراء العراق الجديد ورئيس الجمهورية.. هل سيطلقان إصلاحات جوهرية؟ ومن الذي فاز: أميركا أم إيران؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/04 الساعة 17:44 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/04 الساعة 17:56 بتوقيت غرينتش
Barham Salih, Iraq's newly elected president, walks with Iraq's new Prime Minister Adel Abdul Mahdi at the parliament headquarters, in Baghdad

مع انتخاب رئيس وزراء العراق الجديد ، ورئيس للجمهورية، لا تربطهما بالأحزاب السياسية الرئيسية في البلاد إلا قليلٌ من الروابط، يبدو أن البلاد قد اقتربت من وضع نهاية لشهورٍ من الجمود السياسي.

وعادل عبدالمهدي رئيس الوزراء المُعيَّن، وبرهم صالح، الرئيس الجديد، من السياسيِّين المُحنَّكِين في فترة ما بعد صدام حسين، وكانا قيادَيين بارزين في حزبيهما، ثم ابتعد كلاهما عن العمل الحزيي بدرجات متفاوتة، حسب تقرير لمجلة Financial Times البريطانية.

لأول مرة منذ 2005.. انتخاب رئيس وزراء للعراق من خارج "الدعوة"

يجب على رئيس وزراء العراق الجديد عادل عبدالمهدي أن يُقَدِّم تشكيلته الوزارية في مدةٍ أقصاها 30 يوماً.

كانت البلاد تمر بمرحلةٍ من عدم اليقين السياسي بعد انتخابات مايو/أيار 2018، التي لم تسفر عن نتيجةٍ حاسمة. اندلعت الاحتجاجات في جميع أنحاء العراق مع تزايد الاستياء من الفساد والتقاعس عن محاربته، في حين كان السياسيون يكافحون للتوصُّل إلى تسويةٍ بخصوص اختيار قيادة جديدة للبلاد.

وقال صالح، وهو مُشرِّع كردي تلقَّى تعليمه بالمملكة المتحدة، وكان في السابق نائباً لرئيس الوزراء: "يستحق الشعب قادة وسياسيين أفضل".

وهذه هي المرة الأولى منذ عام 2005، التي لم يشغل فيها عضوٌ من حزب الدعوة العراقي منصب رئيس الوزراء.

يواجه صالح وعبدالمهدي تحدياتٍ هائلة، تتراوح بين إعادة بناء المدن المُدمَّرة وتحديث الخدمات العامة الضعيفة، ودمج الميليشيات التي كانت قد شُكِّلت لمحاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في قوات الأمن الرسمية.

العبادي فشل في ترجمة انتصاراته على "داعش" رغم الدعم الغربي له

حظي حيدر العبادي، رئيس الوزراء المنتهية ولايته، بدعم القوى الغربية منذ توليه منصبه في عام 2014. لكنه لم يستطع استغلال الانتصارات العسكرية التي حقَّقَتها حكومته ضد تنظيم داعش، فضلاً عن تداعي حملته بشأن مكافحة الفساد التي طالما تفاخر بها.

واندلعت الشهر الماضي (سبتمبر/أيلول 2018)، مظاهرات شعبية في البصرة؛ بسبب انقطاع الكهرباء في المحافظة الغنية بالنفط، وأزمة الصحة العامة الناجمة عن المياه الملوثة، وتحوَّلت المظاهرات إلى حالةٍ من الفوضى.

وأُضرِمَت النيران في مقرات الأحزاب السياسية، وكذلك السفارة الإيرانية، وسقطت قذائف هاون بالقرب من القنصلية الأميركية وبالقرب من مطار البصرة. وسحبت الولايات المتحدة، الأسبوع الماضي، موظفيها من المنطقة، مشيرةً إلى تهديداتٍ نسبتها إلى إيران.

فالعراقيون أظهروا في الانتخابات أنهم يريدون سياسيين مختلفين

العراقيُّون لمحوا بالفعل إلى أنَّهم "كانوا يبحثون عن شيءٍ مختلف"، بانتخاب مجموعة من المُشرِّعين لم يصل ثُلثاهم إلى البرلمان من قبلُ، حسبما قال ريناد منصور، مُحلِّل الشؤون العراقية بمعهد تشاتام هاوس البريطاني.

وأضاف أنه مع تعيين صالح وعبدالمهدي، المعزولَين بعض الشيء عن الأحزاب السياسية الرئيسية التي هيمنت على الديمقراطية الناشئة في العراق، "فإنَّ ما يحاولون إظهاره هو أنَّ هذا قد يكون بدايةً لإحداث تغيير تدريجي".

وقال مستثمرون عانوا لمدة طويلة في السوق العراقية إنَّهم يأملون في أن تبدأ القيادات الجديدة بسرعةٍ لتشكيل الحكومة، وأن تُدشِّن مشاريع البنية التحتية التي تحتاج إليها البلاد بشدة.

وقال أحمد الطبقجلي، مدير الاستثمارات في صندوق AFC العراق، إنَّ تفاؤله كان "حذراً بالنظر إلى ما يمكن أن يحدث وتؤول إليه الأمور. لكنَّ هذا التغيير قد كَسَرَ القالب المعتاد وجمود الماضي".

ولكن برهم صالح وعادل عبدالمهدي جاءا في إطار تسوية بين الكبار

وانتُخِبَ صالح رئيساً للبلاد في تصويتٍ برلماني، يوم الثلاثاء 2 أكتوبر/تشرين الأول. وخُصِّص منصب الرئاسة -الشرفي إلى حدٍّ كبير- لشخصٍ كردي بموجب ترتيبات اقتسام السلطة التي ترسَّخَت في أعقاب الغزو الذي قادته الولايات المتحدة في عام 2003.

وسرعان ما قام صالح بتعيين عبدالمهدي، وزير النفط السابق، ليصبح رئيساً للوزراء.

وقال مُحلِّلون إنَّ هذه الخطوة تشير إلى اتفاقٍ مُسبَّق على ترشيح رئيس الوزراء بين الائتلافين الشيعيَّين اللذين يتمتَّعان بأكبر عددٍ من المقاعد البرلمانية بقيادة مقتدى الصدر، رجل الدين الشيعي، وهادي العامري، زعيم إحدى الميليشيات الذي أصبح سياسياً.

الشحص المثالي ليكون واجهة للعراق أمام العالم

وقد التقى غرانت فيلغينهاور، مدير شركة Euphrates Advisors التي تدير صندوقاً عراقياً، مع صالح ووصفه بأنَّه "الشخص المثالي ليكون واجهةً للعراق أمام بقية العالم".

انضم صالح إلى صفوف حزب الاتحاد الوطني الكردستاني مع نهاية السبعينيات من القرن الماضي، وأصبح عضوا في تنظيمات "الاتحاد الوطني الكردستاني" بأوروبا، وبعدها مسؤولا في مكتب العلاقات الخارجية في العاصمة البريطانية.

وانتخب عضوا في قيادة الاتحاد في أول مؤتمر للحزب سنة 1992، إذ كُلف بمهمة إدارة مكتب الاتحاد في الولايات المتحدة الأميركية، حيث لعب دورا رئيسيا في التعريف بقضية الأكراد.

وأصبح صالح بعد سقوط نظام صدام حسين نائبا لرئيس الوزراء في الحكومة العراقية المؤقتة في النصف الثاني من عام 2004، ووزيرا للتخطيط في الحكومة الانتقالية في عام 2005، ونائبا لرئيس الوزراء في حكومة نوري المالكي، كما تولى الملف الاقتصادي كرئيس للجنة الاقتصادية.

انشق صالح عام 2017 عن الاتحاد الوطني الكردستاني، أحد أكبر حزبَين كرديَّين، لتشكيل حركته الخاصة، لكنَّه عاد إلى الاتحاد مؤخراً.

من البعث إلى الأحزاب الإسلامية الشيعية ثم الاستقلال

عادل عبدالمهدي / رويترز
عادل عبدالمهدي / رويترز

أما عبدالمهدي، فقد خاض الانتخابات بصفته مستقلاً، وكان في السابق قيادياً في المجلس الأعلى الإسلامي العراقي، وكان في الستينات قومياً وعضواً في حزب البعث الذي تم حله بعد الغزو الأميركي.

وأصدر عبدالمهدي، الخبير الاقتصادي الذي تلقَّى تعليمه في فرنسا، أثناء توليه منصب وزير المالية، أول سند سيادي للعراق عام 2006، وكان قد نجا بأعجوبةٍ من محاولة اغتيال في بغداد في العام التالي، وشغل كذلك منصب وزير النفط، لكنَّه استقال عام 2016.

وحذَّر ناثانيل رابكين، مُحلِّل الشؤون السياسية والأمنية العراقية، من أنَّه في حين أنَّ رجلي الدولة كبيري السن قد يحظيان بشعبية "فمن الواضح أنَّه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانا على مستوى هذا التحدي".

ويبدو أن اختيارهما تم لأنهما لن يُحدثا تغييرات جوهرية

بعض المحللين لا يتوقعون تغييرات كبيرة من قبل الرجلين؛ إذ يقول زيد العلي، مؤلف كتاب "الكفاح من أجل مستقبل العراق": "لن تكون هناك تغييراتٌ استثنائية أو غير عادية".

ويضيف: "كان عبدالمهدي من الداخل السياسي، واختير ليس لأنَّه لديه رؤية للعراق، بل لأنَّه لم يُشكِّل تهديداً لأيٍّ من الأطراف الرئيسية".

وتابع: "الذين يرغبون في الحفاظ على الوضع الراهن سيكونون سعداء للغاية، أما أولئك الذين يريدون الإصلاح أو إحداث تغييرات جوهرية فلن يكونوا كذلك. كان هذا التصويت لصالح الاستمرار على نفس المنوال".

والسؤال: هل سيميل العراق في ظل حكمهما إلى أميركا أم إيران؟

"هما قياديان يتميَّزان بالكفاءة والاعتدال والاحترام، وهما صديقان جيدان للغاية"، كان  هذا  تعليقاً ورد في صحيفة The New York Times الأميركية من قبل إيما سكاي، الزميلة في معهد جاكسون للشؤون العالمية بجامعة ييل الأميركية، على اختيار عبدالمهدي وصالح للمنصبين.

 وأشارت إلى أنه "لا يزال العراق يواجه مشاكل الفساد، والبطالة، وسوء الخدمات، علاوة على الدمار الذي حلَّ بالمناطق المُستَعادة من قبضة تنظيم داعش، ولكن في النهاية هناك شخصان مُؤهَّلان ويتمتَّعان بحسن النية، سوف يتحمَّلان مسؤولية البلاد".

وفيما يتعلَّق بما إذا كانت الحكومة الجديدة ستميل أكثر إلى إيران أم الولايات المتحدة، وهما الطرفان المتنافسان على مدِّ النفوذ في العراق منذ الغزو الأميركي في عام 2003، قال مُحلِّلون إنَّهم لا يتوقَّعون أيَّ تغييرات كبيرة.

وقال مُحلِّلون إنَّ القيادة الجديدة تبدو مقبولةً لدى كلٍّ من الولايات المتحدة وإيران.

وقالت سكاي: "إنَّهما شخصان فطنان للغاية، وأعتقد أنَّهما سيفعلان كلَّ ما في وسعهما في محاولةٍ لتحقيق هذا التوازن. إنَّهما يريدان أن تكون أميركا وإيران صديقتين للعراق".

 

علامات:
تحميل المزيد