إيران هدَّدت السعودية والإمارات بـ «الانتقام» رداً على هجوم الأهوز، لكنها لن تفعل!.. Middle East Eye: التاريخ يقول ذلك

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/03 الساعة 18:00 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/03 الساعة 18:03 بتوقيت غرينتش
A general view shows an attack on a military parade in Ahvaz, Iran

استبعد موقع Middle East Eye البريطاني أن "تنتقم" إيران من السعودية والإمارات، رداً على الهجوم الذي استهدف عرضاً عسكرياً لقوات الحرس الثوري في مدينة الأهواز، متعبراً أن هناك فرقاً كبيراً بين التصريحات السياسية والفعل على أرض الواقع.

واستند الموقع البريطاني لعدة عمليات، استهدفت قوات أو مؤسسات إيرانية، وكان الرد عملية عسكرية مشابهة وبسيطة ولا تصل إلى الحرب الشاملة، بسبب رغبة كل المؤسسات في طهران، بما فيها الأجنحة المتشددة في أن تنزلق البلاد إلى حرب شاملة.

واضطربت إيران على إثر هجمات وقعت في 22 سبتمبر/أيلول الماضي في مدينة الأهواز، عاصمة ومركز محافظة خوزستان. فقد قُتل فيها ما لا يقل عن 29 شخصاً وجُرح 70 آخرون. وسرعان ما أعلنت جماعاتٌ عن مسؤوليتها عن الهجوم، بما فيها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش)، وكيانٌ لم يُسمع عنه من قبل يُسمى المقاومة الوطنية الأهوازية، لتثير التكهنات بأنَّ منفذي الهجوم الأربعة لم يكونوا أعضاءً بأي جماعةٍ أو تنظيمٍ مسلح.

تصريحات فقط!

وفي إيران، جاء ردٌّ سريع من حسين شريعت مداري، رئيس تحرير صحيفة كيهان اليومية، الذي يُعرف بصورة غير رسمية بأنَّه الناطق باسم الفصيل المتشدد في الحكومة الإيرانية. ففي مقال رأي نُشر مؤخراً، أشار شريعتمداري إلى خصوم إيران، ولا سيما المملكة العربية السعودية، قائلاً: "لماذا يكون مسؤولوهم العسكريون والأمنيون في أي نقطةٍ من العالم وبأي لباسٍ ظهروا بمأمنٍ من نار انتقامنا؟! لا سيما أنَّ أنصار إيران الإسلامية الذين وضعوا أرواحهم على أكفهم يملأون الدنيا، وعليه صار لزاماً من الآن وصاعداً أن ترتعد جراثيم الفساد والضلال حتى من ظلالها"، بحسب الموقع البريطاني.

وفي الثامن والعشرين من سبتمبر/أيلول، ألقى نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني العميد حسين سلامي خطبةً حماسية قبيل خطبة الجمعة في طهران، أشار فيها إلى السعوديين والإماراتيين قائلاً: "أنتم تجلسون في بيتٍ من زجاج، ولا يمكنكم أن تتحملوا انتقام الأمة الإيرانية".

دور المملكة العربية السعودية

لا يأتي اتهام السعودية دون أساس. ولعلَّ الأمير محمد بن سلمان، ولي العهد السعودي البالغ من العمر 33 عاماً والحاكم الفعلي للمملكة، يفكر في أن يضع بلاده على حافة الحرب مع إيران من أجل استعادة سمعة الرياض، بعد الفشل الذريع في اليمن وسوريا، فضلاً عن الإحراج الدولي بسبب محاولاته الفاشلة لإخضاع قطر.

وقد فشلت كذلك إصلاحاته الاقتصادية الطموحة، نظراً إلى أنَّ والده الملك سلمان تدخَّل حسب التقارير لتجميد الطرح الأوَّلي العام لشركة أرامكو، الذي كان من المتوقع أن يحقق رقماً قياسياً، بحسب الموقع البريطاني.

وفي مايو/أيار 2017، جاهر محمد بن سلمان بكل وضوح قائلاً: "لن ننتظر المعركة حتى تصل إلى السعودية. وبدلاً من ذلك سوف نعمل كي تكون المعركة بالنسبة إليهم في إيران".

ويرى القادة الإيرانيون أنَّ السعوديين، ثم الإمارات وإسرائيل والولايات المتحدة، هم منفذو هجوم الأهواز، إذ إنَّ غياب الإجابة عن التساؤل حول الجماعة المسؤولة عن الهجوم يرسخ اعتقاد القيادة الإيرانية بأنَّ السعوديين هم الذين دبَّروه.

وقال المرشد الأعلى للجمهورية الإسلامية في إيران آية الله علي خامنئي في بيانٍ له: "جريمة هؤلاء (الإرهابيين) ما هي إلا استمرار لمؤامرة دمى الولايات المتحدة من حكومات المنطقة، التي تستهدف زعزعة استقرار بلادنا الحبيبة". وأضاف في خطابٍ لاحق: "أيادي الإرهابيين في جيوب السعوديين والإماراتيين".

واتَّهم الرئيس الإيراني حسن روحاني "إحدى البلاد جنوب الخليج" بتقديم الدعم المالي واللوجستي والسياسي للإرهابيين. وأضاف أنَّ "جميع الدول الدمى في المنطقة مدعومة من (الولايات المتحدة)، إذ إنَّ الولايات المتحدة هي التي تشجعها على (العمل ضد إيران)".

وهدَّد القادة الإيرانيون في حالةٍ جماعية من الغضب بالانتقام من مرتكبي الهجوم، واستنتج كثيرٌ من المراقبين أنَّ إيران سوف تنتقم من السعودية، التي تتصدر قائمة الأطراف الذين يُلقى عليهم اللوم في ارتكاب هذا الهجوم؛ مما يحتمل أن يتسبب في اندلاع حرب في المنطقة، حتى إنَّ بعض الخبراء جادلوا بأنَّ هدف السعوديين كان استفزاز إيران كي تنتقم، وجر الولايات المتحدة إلى حافة الحرب. غير أنَّ إيران، بالرغم من الخطاب الذي يستهدف السعوديين وينتشر في جميع أنحاء البلاد، لا يُرجَّح أنَّها سوف تضطلع بأي إجراء انتقامي ضد السعودية أو الإمارات.

تجنب حرب شاملة

بالرغم من لهجتها المتطرفة، فإنَّ الواقع العملي يشير إلى أنَّ ردود الأفعال الإيرانية أمام التحركات العدائية ضدها من جانب خصومها تكون دائماً محسوبةً ومتأنية. وفي كل المواقف، عندما تقرر الحكومة ما ينبغي القيام به، تكون حريصةً بالأساس على ألَّا يؤدي الانتقام إلى حربٍ شاملة.

ففي أغسطس/آب 1998، خلال حكم طالبان -ألد أعداء شيعة إيران- في أفغانستان، اقتحم مسلحون القنصلية الإيرانية في مدينة مزار شريف الأفغانية، وقتلوا عشرة دبلوماسيين. احتشد عشرات الآلاف من القوات الإيرانية على الحدود الإيرانية الأفغانية، واستعدوا لشنِّ هجومٍ شامل على طالبان، لكنَّ خامنئي عارض الخطة فأُلغيت في نهاية المطاف.

وقال خامنئي: "أفغانستان مثل المستنقع، أي شخص دخلها لم يخرج منها بأمان"، لكنَّ الإيرانيين لم ينسوا أبداً ذلك الحادث، وبعد ثلاث سنوات، ومن خلال تشكيل تحالف استراتيجي، قاتلت القوات الإيرانية ووكلاؤها الأفغان بجوار الجيش الأميركي من أجل إطاحة طالبان، بحسب Middle East Eye.

وفي حادث آخر وقع في يوليو/تموز هذا العام، قتل مسلحون من أكراد إيران ما لا يقل عن عشرة أشخاص من حرس الحدود الإيراني في هجومٍ خاطف. وشنت قوات الحرس الثوري الإسلامي الإيرانية هجوماً صاروخياً، في سبتمبر/أيلول، استهدف قاعدة المنشقين في العراق. وتحركت إيران وهي واثقة من أنَّ التحرك لن يثير أي رد فعلٍ عسكري من إقليم كردستان العراق أو من الحكومة العراقية.

وعندما اغتيل أربعة علماء نوويين إيرانيين بين عامي 2010 و2012، كانت إيران واثقةً من أنَّ إسرائيل تقف وراء الهجمات، وهدَّدت مراراً وتكراراً بانتقامٍ "حازم وحاسم وساحق". وأشار حسين سلام، وهو من أبرز المتشددين ويشغل الآن نائب القائد العام للحرس الثوري الإيراني، قائلاً: "(الإسرائيليون) هم فقط الذين يعلمون أياً كان ردنا على أفعالهم (فيما يتعلق باغتيال العلماء)، أنَّنا لا نعلنها، لكنَّهم بعد ذلك توقفوا عن اغتيال علمائنا النوويين".

انتقام مميت ولا يُنسى

ذكر تقرير بعنوان: "كيف انتقمت إيران للعلماء الإيرانيين"، نُشر في موقع مشرق نيوز، وهي منصة أخبار إيرانية قريبة من الجهاز الأمني العسكري في البلاد: "من المرجح أنَّ سلامي كان يشير إلى حادث المتحف اليهودي في بروكسل، الذي وقع في 4 مايو/أيار 2014… ففي هذه العملية، قُتل اثنان من كبار ضباط الموساد الذين شاركوا في اغتيال عماد مغنية (أحد قادة حزب الله) في 2008".

وحتى إذا ثبتت صحة ما قال سلامي، إذ يُقال إنَّه أكثر الشخصيات التي تحبذ الخطب والبيانات في النظام الإيراني، وإنَّه بارعٌ في تعظيم قدرات إيران، فإنَّ الطريقة التي يشير بها إلى الحادث تقترح أنَّه حتى سلامي نفسه يتجنب أي استفزازاتٍ قد تؤدي إلى صراعٍ عسكري.

ويُضرب مثالٌ آخر بحادث وقع عام 2015 شرقي هضبة الجولان في سوريا، عندما قتلت غارة جوية إسرائيلية 6 مقاتلين من حزب الله، وقائداً من الحرس الثوري الإسلامي الإيراني. وفي أعقاب الهجوم، كتب محمد علي جعفري، أحد قادة الحرس الثوري الإيراني: "الصهاينة يجب عليهم أن يترقبوا الصواعق المدمرة". وبعد عشرة أيام، نصب حزب الله كميناً ضد موكب للجيش الإسرائيلي في مزارع شبعا، وتشير وسائل إعلام إيرانية إلى أن الهجوم تسبب في مقتل 15 جندياً إسرائيلياً. فيما أشارت وسائل إعلامية أخرى إلى أنَّ الهجوم أسفر عن مقتل جنديين إسرائيليين وجرح سبعة آخرين.

ومرة أخرى، تجنَّبت إيران صراعاً مباشراً مع إسرائيل كان من الممكن أن يؤدي إلى حرب شاملة.

بغضِّ النظر عن الخطب والبيانات في أعقاب حادث الأهواز، فعندما يتعلق الأمر بالانتقام، لم تستهدف البيانات والخطب الرسمية السعودية ولا الخصوم الآخرين الذين تعتبرهم إيران من مدبري الهجوم. وقال خامنئي في بيان: "يجب على منظمات الاستخبارات بسرعة وبدقة، أن تقتفي أثر مرتكبي الهجوم وتقبض عليهم وتسلمهم إلى القضاء القوي".

وتعهد الحرس الثوري الإيراني بأنَّ "قادة الإرهابيين… سوف تجري ملاحقتهم، وفي المستقبل القريب سوف يُنتقم منهم انتقاماً مميتاً لا يُنسى".

هل يحدث انتقام في المستقبل؟

اتضحت بسرعة الطريقة التي يمكن أن تنتقم بها إيران. ففي الأول من أكتوبر/تشرين الأول، وفي عمليةٍ أطلق عليها "ضربة محرم"، أُطلقت ستة صواريخ باليستية متوسطة المدى من قاعدة صواريخ تنتمي إلى القوة الجوفضائية التابعة لحرس الثورة الإسلامية في غربي إيران، وتبعتها سبع طائرات قتالية ذاتية التحكم قصفت مواقع الإرهابيين "المرتزقة والمجرمين" في سوريا، حسبما أوضح بيان الحرس الثوري.

قد يكون هذا آخر تحرك عقابي من الفصيل المتشدد الغاضب، الذي يرى أنَّ سلطته قد ضعفت بسبب هجوم الأهواز الإرهابي.

ودعونا لا ننسى كذلك أنَّ الناشط الإيراني أحمد ملا نيسي، مؤسس حركة النضال العربي لتحرير الأهواز، وهي حركة انفصالية مسلحة، اغتيل على يد قاتلٍ أطلق عليه النار أمام منزله في هولندا، وذلك في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي.

تحميل المزيد