قرى خاوية من السكان.. لماذا لا يعود السكان لمنطقة حربيل الجزائرية؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/02 الساعة 05:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/02 الساعة 05:41 بتوقيت غرينتش
الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة - صورة من أرشيف رويترز.

في منطقة يتشابه اسمها مع الحرب، تدعى حربيل بولاية سطيف شرق الجزائر العاصمة، تنام وتستيقظ العائلات على حكايات عن الدم والدمار والتهجير، ورغم زوال الخطر وإتمام المصالحة بعد تفعيل ميثاق السلم والمصالحة الوطنية ، فإن الحياة لم تعد كما كانت من قبل.

كان صوت الرصاص والمدفعية سيمفونية قبيحة مصاحبة للحياة في هذه المناطق على مر سنوات الجمر كما تسمى خلال تسعينيات القرن العشرين.

والغريب أن اسم هذه البلدة لايزال يثير الرعب لكل يتحدث عنها.

فالرحلة من بوفروج شمالاً إلى حربيل جنوباً، تكشف عن منازل ومدارس مهدمة، ومساجد مغلقة، وحتى طلقات الرصاص ما زالت ترسم آثارها على جدران المنازل وصخور الجبال.

زيارة "عربي بوست" إلى منطقة حربيل، جرت يومي 28 و29 سبتمبر/أيلول  تزامناً مع احتفال الجزائر بالذكرى الثانية عشرة لتفعيل ميثاق السلم والمصالحة الوطنية من قبل الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة في 2006.

وهو الميثاق الذي أعطى فرصة لمئات العناصر الإرهابية، للتوبة والاستفادة من التعويضات، ولا تزال إجراءاته سارية إلى يومنا هذا، بحسب الخبير والمحلل الأمني عبد اللطيف جرادي.

سنين الجمر آثارها مازالت باقية على الحجر وحتى أجساد البشر وذكرياتهم

القرية الجزائرية
القرية الجزائرية

في منطقة تيتاست بحربيل، يجلس بوزكور عبد الله، أمام مقر البلدية، وعلى يده اليمنى آثار انفجار لغم زرعته الجماعات الإرهابية، بمنطقة المشتة ليس بعيداً عن مقر سكناه بواد ميغاربة.  

وكان بوزكور أحد عناصر الدفاع الذاتي، وهو جهاز أسسته الحكومة الجزائرية خلال العشرية السوداء لمكافحة الإرهاب من قبل أبناء القرى والبلديات المستهدفة.

ويقول بوزكور لعربي بوست "إن انضمامه إلى جهاز الدفاع الذاتي، كان حتمياً بالنظر إلى الظروف الأمنية الصعبة، وكذا الواقع الاقتصادي المعقد، فالبطالة دفعت عدداً من الشباب إلى حمل السلاح في وجه الإرهاب لحماية البلد وإعالة الأسرة في الوقت ذاته".

نجحت الجزائر في القضاء على الإرهاب
نجحت الجزائر في القضاء على الإرهاب

عبد الله كان ضمن 15 شاباً من حربيل حملوا السلاح سنة 1996، وفي أكتوبر/تشرين الثاني من ذات السنة، كان في مهمة نقل الطعام لزملائه، قبل أن ينفجر به لغم

مزروع من قبل الجماعات الإرهابية بمنطقة المشتة أرداه جريحاً".

ويردف عبد الله قائلاً "من مجموع 15 ممن حملوا السلاح في وجه العناصر الإرهابية، فقدت حربيل سبعة منهم، وعشرات آخرين من مختلف الأجهزة الأمنية والمواطنين العاديين".

أما العيد كسير وهو رجل من قرية دار الحاج بحربيل، فقد عانى هو أيضاً من أيام العشرية السوداء، ورغم أنه لم يكن ضحية ولم يصب يوماً، لكنه فقد شقيقه صاحب الـ22 ربيعاً الذي كان كذلك من عناصر الدفاع الذاتي.

ويقول كسير لـ"عربي بوست"، إن "شقيقه الصالح هو أول ضحايا الإرهاب في منطقة حربيل، توفي في مواجهة كانت مفتوحة مع عناصر إرهابية، تلاها انفجار لغم بحافلة البلدية التي كانت تقله حينها في 8 نوفمبر/تشرين الثاني 1995".

وكان كسير الصالح بحسب شقيقه "غير متزوج، وأرغمته الظروف الاجتماعية والأمنية على حمل السلاح، باعتباره كان الوحيد الذي يعول الأسرة ويوفر لها معيشتها".

وكان التلفزيون الرسمي الجزائري، قد عرض ولأول مرة في 29 سبتمبر/أيلول 2017، صوراً حية عن ضحايا الإرهاب، والجرائم التي عاشتها الجزائر حينها.

نعم لقد عاد الأمن بفضل المصالحة، ولكن الناس لم تعد  

شريقات ورأس الفيض
شريقات ورأس الفيض

لا يختلف عبد الله بوزكور مع العيد كسير، وأبناء مدينة حربيل بالكامل، حول نتيجة ميثاق السلم والمصالحة الوطنية الذي مثل نهج الرئيس بوتفليقة لتحقيق استتباب الأمن في البلاد، وفي حربيل على وجه التحديد.

وفي هذا الشأن يقول بوزكور لـ"عربي بوست" كان التجوال في حربيل بكل قراها محظوراً، في الليل والنهار، ولا تزال مئات العائلات ترفض العودة إلى ذكريات الدم والدمار، بعدما هجرتها الظروف نحو الولايات الكبرى خاصة سطيف والعاصمة".

ويحمد مشان عبد العظيم بن حربيل الله على عودة الأمن والاستقرار في المنطقة والجزائر ككل، بفضل ما وصفه "بمشروع الرئيس في السلم والمصالحة الوطنية، وعزيمة الرجال من عناصر الجيش والأمن والدفاع الذاتي والحرس البلدي".

كسير العيد بات اليوم يخرج في كل الأوقات، ليعمل دون مشاكل ولا خوف كما قال لعربي بوست "وباتت شركته المتخصصة في نقل المسافرين، تعمل ليل نهار انطلاقاً من منطقته بدار الحاج الحدودية بين حربيل وقنزات".

وبعد زوال الإرهاب آثاره مازالت جاثمة.. لن تتصور كيف أصبح حال المدرسة

في منطقة ميغاربة، حيث يسكن عبد الله بوزكور، لا وجود لمدرسة ولا مسجد، والطرقات شبه منعدمة، ولم تعد الكهرباء إلا في السنتين الأخيرتين، وبالتالي ما زالت القرية تكاد تكون خاوية.

 ويرفض السكان العودة والاستقرار بـ"ميغاربة" كما يؤكده بوزكور "بسبب انعدام شروط الحياة البسيطة، فالمدرسة التي كانت موجودة منذ عام 1977، أصبحت اليوم ركاماً بسبب العشرية السوداء، والمسجد كذلك، ولا أثر لقطاع الصحة والتكوين".

 ويضيف "حتى الطرقات شبه منعدمة، وإن وجدت مسافات منها فهي لا تصلح حتى لسير البهائم، حسب تعبيره، فهي في الغالب ترابية".

"السكان قرروا تحدي هذه الأوضاع قبل سنتين، وقاموا بجمع قدر من مالهم الخاص، ودفعوا للشركة الوطنية للكهرباء والغاز، من أجل إعادة التيار الكهربائي، وربط منازلهم بالنور، فالقرية يعود لها السكان من العاصمة على وجه التحديد خلال العطلات، ولكنهم يرفضون الاستقرار بها بشكل دائم من دون تنمية" حسب بوزكور.

وقرية آتوبو هي الأخرى ما زالت تعيش حياة بدائية بامتياز، ولا يتوفر لها أدنى الضروريات، خاصة في مجال التربية والتعليم والصحة.

ويقول رشيد ميرابطين لـ"عربي بوست": "هربنا من قرية آتوبو للاستقرار بالمركز الحضري تيتاست، حيث تتوافر مدارس ومركز صحي، فالعيش ب"آتوبو" صار مستحيلاً في ظل تلك الوضعية التي تعد من ثمار العشرية السوداء".

والأسوأ أن هناك قرى مازالت مهجورة تماماً بعد سنوات من تفعيل ميثاق السلم والمصالحة الوطنية

السلطات المحلية ببلدية حربيل، وضعت برنامجاً تنموياً من أجل إعادة الأهالي إلى قراهم، الا أن ذلك لم يجد نفعاً، وما زالت عدد من القرى مهجورة تماماً من السكان رغم تفعيل ميثاق السلم والمصالحة الوطنية .

ويقول مشكور رضا نائب بالمجلس الشعبي البلدي لحربيل "البلدية مازالت تسجل أن هناك تسع قرى مهجورة منذ تسعينيات القرن الماضي، نظراً لأن السكان يرفضون العودة إليها، بعد أن استقروا في المدن الكبرى".

ومن بين هذه القرى التي تعتمد على الفلاحة الجبلية يضيف "نجد قرية موريانا، وادي ميغاربة، بقاد، حمادات، كما تم تسجيل عودة بعض الأهالي إلى قرى تيجت، دار الحاج، رأس الفيض، كرجانة وتيتاست".

والسلطات تلقي المسؤولية على المهاجرين

الشوارع خالية من السكان
الشوارع خالية من السكان

والمشكلة في هذه المناطق حسب مشكور "أن الأهالي يرفضون العودة إليها، والدولة لا يمكنها أن تخصص الملايين من أجل قرى مهجورة، لذا اشترطت العودة والاستقرار، مشيراً إلى حدوث تنمية محلية في المناطق التي شهدت عودة السكان وذلك عبر تسجيل مشاريع في شتى المجالات".

لكن عبد الله بوزكور ابن قرية ميغاربة "يعتبر توفير الضروريات، والبنى التحية هو شرط هذه العائلات قبل عودتها إلى مواطنها الأصلية".

كما أن هناك عائلات حسنت من ظروفها الاجتماعية عندما  هجرت المنطقة، خاصة بالعاصمة، سطيف وبومرداس، وبالتالي فهي لا تريد ترك استثماراتها والعودة إلى مناطق معدومة الفرص"، حسب بوزكور.

اتهامات بالخيانة من الطرفين و25 دولاراً مقابل التعذيب والسكين الذي وضع في رقبتها

وردية قطاطفة، من قرية القرت بحربيل، هي الأخرى عانت مع عائلتها في فترة المأساة الوطنية في الجزائر، فضربت وعذبت من قبل العناصر الإرهابية، واتهمت بخدمتهم من قبل الجيش، فحوصرت بين نارين.

وتروي وردية لـ"عربي بوست" قصتها قائلة إنها حوصرت في أكثر من مرة من قبل العناصر الإرهابية، والتي كانت تسلبها ما احضرته لأولادها من عشاء وغداء، وكان الجيش حينها يتهمها في الوقت ذاته بخدمة الإرهاب".

وتتساءل "كيف لمرآة ضعيفة مثلي، أن تقاوم بطش الإرهاب، والسكين  في أكثر من مرة يوضع في رقبتي، والرصاص أمام عيني، لقد عانيت الكثير خلال تلك الفترة، وأولادي (ولدين وبنت) كبروا وهم معقدون من تلك الأحداث".

وتأسفت وردية أن يكون مقابل ما عانته خلال تلك الفترة منحة شهرية بـ3000 دينار جزائري (25 دولاراً)، كونها تعمل منظفة بمقر بلدية حربيل، في إطار الشبكة الاجتماعية".

فالبقاء وسط تلك الظروف حسبما تقول "كانت تحد كبير، وكانت على أساس أنه سيكون هناك مقابل مالي مقبول من طرف السلطات، التي وعدت في كل مرة تحسين الظروف الاجتماعية لضحايا المأساة الوطنية".

ولكن البعض نال بعض التعويضات أفضلها السكن حتى لو طال الانتظار

انتهجت الجزائر وفق ميثاق السلم والمصالحة الوطنية، سياسة تعويض المتضررين من العشرية السوداء، خاص من عناصر الجيش، الأمن والدفاع الذاتي، إلا أن تلك التعويضات تبقى غير كافية.

فبعد 15 سنة كاملة من الانتظار، نال عبد الله بوزكور الذي كان فرداً من عناصر الدفاع الذاتي وانفجر به لغم مزروع من قبل الجماعات الإرهابية، بسكن يؤويه ويأوي عائلته، بعدما أقرت وزارة السكن حصص سكنية لصالح هؤلاء.

وهناك العشرات كما يقول عبد الله "مازلوا ينتظرون الاستفادة من السكن".

وفي آخر حصة وزعتها مصالح ولاية سطيف ببوقاعة، تم منح 15 مسكناً لضحايا الإرهاب وعناصر الدفاع الذاتي إبان العشرية السوداء.

ويعلق رئيس دائرة بوقاعة توفيق براشن قائلاً لـ"عربي بوست": "إن هذا من حقهم وعرفان بما قدموه للجزائر".

ولكنه يقر بأن الحقوق المالية غير كافية، "فمنحة من 40 ألف دينار جزائري (220 دولاراً)، لا يمكنها فعل شيء أمام ارتفاع الأسعار وتعقد الوضع الاقتصادي في البلاد.

وجنود الاستبقاء يطالبون بحقوقهم أيضاً

عبد الرزاق بوقطيوة من تنسيقية جنود الاستبقاء بولاية البويرة، ما زال ينتظر حقوقه كغيره من رفاقه منذ 12 سنة كاملة، إذ يعتبر نفسه كما قال لـ"عربي بوست"، من ضحايا الإرهاب"، وفقاً لتصنيفات ميثاق السلم والمصالحة الوطنية

 جنود الاستبقاء هم أولئك الشباب الجزائريون، الذين مددت فترة خدمتهم العسكرية الوطنية إبان العشرية السوداء، خاصة خلال سنوات 1995، 1996 وكذا 1997، وعددهم حسب التنسيقية يفوق الـ20 ألف جندي حينها.

ويؤكد "بأنه برفقة زملائه، كانوا مرابطين بجبال المدية وجيجل، إحدى أسخن المناطق خلال تلك الفترة، وقاوموا بكل بسالة العناصر الإرهابية، وتم تمديد فترتهم في الخدمة العسكرية، من سنة إلى سنتين، وهناك من لم ير أهله سنتين متتاليتين"، حسب قوله.

ويقول "آن الأوان أن تلتفت الدولة إلى مطالبهم المشروعة، وإلا فلا رجعة عن الحركات الاحتجاجية التي تنظم بشكل متكرر عبر ولايات البلاد الـ48″، حسب قوله.

وعندما حاول متقاعدو الجيش الانضمام لضحايا العشرية كان هذا رد فعل الأمن

في 24 سبتمبر/أيلول 2018، شهد المدخل الشرقي للعاصمة الجزائر أحد أكبر المسيرات التي نظمها متقاعدو الجيش، للمطالبة بتحسين أوضاعهم المادية وإدراج تصنيفات منهم في إطار ضحايا العشرية السوداء خاصة جنود الاستبقاء.

وانتشر آلاف من رجال الشرطة والدرك، منذ السبت 22 سبتمبر/أيلول 2018، في المحاور الكبرى المؤدية إلى العاصمة الجزائرية، وكذلك بمحطات القطار والحافلات؛ لمنع المتظاهرين من الوصول إلى وسط العاصمة.

ويعد هذا الاعتصام الأكبر، منذ بداية الاحتجاجات قبل ثلاث سنوات بحسب عبد الرزاق بوقطيوة عضو تنسيقية جنود الاستبقاء بالبويرة.

#الزحف مستمر نحوى #العاصمة قدماء #معطوبي الجيش في حوش المخفي #التظاهرة التي ارعبت #الدرك و #الشرطة اليوم :oبدأت #الأمور تأخذ منحىٰ آخر ( بدأت في الإنفلات ).

Gepostet von ‎شباب و بنات وادي رهيوا – oued rhiou‎ am Montag, 24. September 2018

وأظهرت فيديوهات انتشرت عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تدخل رجال الأمن وفضهم الاعتصام ومنع تقدم المسيرة نحو العاصمة، قبل أيام فقط عن ذكرى ميثاق السلم والمصالحة الوطنية حسبما يقول عبد الرزاق بوقطيوة.

ربي #يستر 😱😮راهي بدات #تتخلط 🙊أين قنوات #الصرف الصحي قنوات #الزيڨو لنقل كل ما يحدث لمذا كل هذا #السكوت -_-أم أنه لم تأتيهم بعد #الأوامر من فوق للبدء بالتحدث عن ما يحدث في #الجزائر العاصمة 😏

Gepostet von ‎شباب و بنات وادي رهيوا – oued rhiou‎ am Montag, 24. September 2018

ووزارة الدفاع اتهمت بعض المشطوبين وآخرين غيرهم باستغلال الأمر

وفي وقت سابق، ردَّت وزارة الدفاع الوطني على الاحتجاجات المتكررة التي يقوم بها العسكريون الجزائريون السابقون ومختلف فئات المتعاقدين، حيث اتهمت أشخاصاً "ينسبون أنفسهم إلى مختلف فئات المتقاعدين من مستخدمي الجيش، بانتهاج سلوكات غير قانونية ومحاولة مغالطة الرأي العام وزرع الشك".

وقالت الوزارة في بيان لها، "إنهم يقدّمون أنفسهم كضحايا هُضمت حقوقهم الاجتماعية والمادية، ويستعملون الشارع كوسيلة ضغط لفرض منطقهم"

وأضاف البيان: "إن بعض المشطوبين من الجيش لأسباب انضباطية حاولوا إدراج ملفاتهم، في حين تسعى جهات أخرى لاستغلال القضية لأغراض شخصية".

وقالت القيادة العليا للجيش الوطني الشعبي إنها "كانت قد أصدرت تعليمات إلى مصالحها المختصة عبر مختلف النواحي العسكرية منذ 2013، واتخذت التدابير والإجراءات اللازمة كافة لدراسة جميع ملفات مختلف فئات العسكريين الجزائريين السابقين في الجيش الوطني الشعبي".

لكن المعتصمين اعتبروا الاحتجاج حقاً، وأن مطالبهم مشروعة ، لكي يعيشوا بكرامة.

 

علامات:
تحميل المزيد