أردوغان لم يستجب لضغوط ألمانيا لعودة العلاقات مع بلاده، ورغم ذلك رضخت برلين لطلباته! فما السر الذي فطن له أردوغان وبه حقق ما يريد؟

عربي بوست
تم النشر: 2018/10/02 الساعة 16:56 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/10/02 الساعة 16:58 بتوقيت غرينتش
Turkish President Recep Tayyip Erdogan and German Chancellor Angela Merkel shake hands at the G20 leaders summit in Hamburg, Germany July 7, 2017. REUTERS/Axel Schmidt

انتهت زيارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى ألمانيا، ولكن أصداءها ما زالت مستمرة، فالرجل الذي كانت علاقة بلاده مع برلين قبل أشهر على المحك استقبل استقبالاً حافلاً كما أراد، كما أن برلين لم تحقق ما طلبته من تركيا بشأن ملف حقوق الإنسان.

موقع Al-monitor، اعتبر أن الرئيس التركي لعب على مبدأ الواقعية السياسية، الذي تؤمن به برلين في علاقاتها الخارجية، وحقَّق أردوغان ما يريده، فألمانيا لا تريد لتركيا، العضو في حلف الناتو أن يكون عصاه في يد بوتين، وفي نفس الوقت لا ترغب في أن تضرب البلاد أزمة اقتصادية طاحنة، تتسبب في هجرة ملايين السوريين من تركيا إليها.

وعقب الزيارة قال أردوغان في مدينة كولونيا: "بفضل الله، أجريت زيارةً مثمرة ناجحة للغاية. وفي محادثاتنا مع الرئيس فرانك فالتر شتاينماير والمستشارة أنجيلا ميركل، غطَّينا بكل صراحة القضايا التي تحظى باهتمام مشترك. وأكدتُّ ضرورة التركيز على مصالحنا المشتركة وتنحية اختلافاتنا في وجهات النظر جانباً. سنعمل على تعزيز التعاون بيننا في المجالات كافة، بدءاً من المكافحة ضد المنظمات الإرهابية حتى أزمة اللاجئين، ومن الصراعات حتى الحروب التجارية".

وفي الوقت الذي كان يتم استقبال أردوغان فيه بشكل مختلف هذه المرة، كان هناك عدد من المتظاهرين في برلين وكولونيا، من بينهم عدد من الأكراد أو الأتراك العلويين المقيمين في ألمانيا، خرجوا إلى الشوارع، معربين عن غضبهم من هذه الزيارة، وبرغم كل ذلك شعر أردوغان بالرضا عن زيارته، بحسب الموقع الأميركي.

هل نجحت الزيارة بالفعل؟

صحيفة The New York Times الأميركية أصدرت تقييماً بدا مناقضاً لذلك تماماً، وورد فيه: "كان من المفترض أن تهدف زيارة أردوغان التي دامت لثلاثة أيام في ألمانيا إلى إصلاح العلاقات، في ظل الأزمة الاقتصادية التي تلوح في آفاق البلاد، لكن إذا كان أردوغان قد لجأ إلى سحرِه الفتَّاك، ففي وسط برلين رفع أردوغان علامة رابعة التركية (أصابعه الأربعة) ثم طالب بتسليم 69 من أعضاء جماعة فتح الله كولن، التي تتهما أنقرة بالضلوع في محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة التي تعرَّضت لها تركيا صيف 2016؟ ولكنَّ أنجيلا ميركل لم تُصَب بالدهشة من جرَّاء ذلك".

وكتب علي يورتاغول، وهو مقيم في برلين، ذو أصول تركية، وعمل أكثر من 20 عاماً في البرلمان الأوروبي في بروكسل وتناول العلاقات الأميركية التركية: "تُعَد برلين عاصمةً مهمة، ولا تقتصر أهميتها فقط على أنها تمثل نسبةً كبيرةً من التجارة الدولية في تركيا بنسبة 26%، بل لأنها أيضاً تعمل على تحييد دور دونالد ترمب. وعلى سبيل المثال، قد يتوقف انخفاض قيمة الليرة التركية بعد زيارة أردوغان لبرلين".

وأضاف: "هناك تغييرات إيجابية أخرى في السياسة أيضاً، فعلى سبيل المثال، خفَّفت برلين من التحذيرات المتعلقة بالسفر، ورفعت القيود المفروضة على ضمانات هيرمس الائتمانية للتصدير، الصادرة عن الحكومة الفيدرالية الألمانية. وإذا كانت ظروف ذروة الأزمة التي شهدها البلدان، حين أُعلِن أنَّ الديمقراطيين المسيحيين والديمقراطيين الاشتراكيين وحزب الخضر الألماني أعداءٌ للجمهورية التركية، عندما شبَّهت وسائل الإعلام الحكومية التركية أنجيلا بأنَّها هتلر العصر الحديث، ما زالت مستمرة، لظلت تلك العقوبات الاقتصادية راسخة في مكانها. أمَّا الآن، فيتحدث هذان البلدان عن التضامن وليس العقوبات. حتى إن لهجة الخطاب تغيَّرت، فهل سمعتم أردوغان ينتقد أوروبا مؤخراً؟".

ولكن هل استُقبِل أردوغان بحفاوةٍ حين هبط على مدرج مطار برلين؟ نعم. وهل حصل على استقبال عسكري مهيب؟ نعم. وهل أقيمت له مأدبة في قصر بيلفيدير محل إقامة الرؤساء الألمان؟ نعم!

على الجانب الآخر قال منتقدو الزيارة من الألمان إن السلطات الألمانية كان بإمكانها استقباله في زيارة عمل فقط، تُقام فيها درجة مختلفة تماماً من المراسم. ولكن كل المطلعين على الكواليس يعرفون جيداً أن أردوغان أصرَّ على استقباله في زيارة دولة بحفاوة، مع حفل عسكري مهيب، وإقامة مأدبة للعشاء في قصر بيلفيدير. وقد جاء إلى ألمانيا فور ضمان حصوله على ما يريده سلفاً.

وحضر الرئيس التركي إفطار عمل مع أنجيلا في برلين، واتفقا على أنَّ المستشارة الألمانية ستذهب إلى إسطنبول مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، للمشاركة في قمة تجمع بين 4 دول للبتّ في شؤون سوريا. وحين يجمع أردوغان بين زعماء روسيا وفرنسا وألمانيا في إسطنبول بصفته مضيفاً وصاحب المبادرة المتعلقة بسوريا، فإنَّه بذلك يؤجل أي هجوم وشيك على إدلب لمدةٍ أطول. لذا كانت زيارته إلى ألمانيا مثمرة وناجحة للغاية من ذلك المنظور الدبلوماسي الدولي.

هل الزيارة حلَّت الأزمة الاقتصادية؟

وبحسب الموقع الأميركي، نبعت الانتقادات الموجَّهة إلى زيارة أردوغان من أنها لم تولِ الاقتصاد والمسائل المالية اهتماماً كافياً، بينما تمر تركيا بأزمةٍ اقتصادية بعد تدهور الليرة مقابل العملات الأجنبية، إذ يقول بعض الخبراء إنَّ تركيا تعاني بالفعل كساداً تضخمياً، فما الذي جناه أردوغان فيما يتعلق بمسألة الاقتصاد؟

ستتضح الإجابة عند التوصل إلى اتفاق بشأن بناء خطوط سكك حديدية جديدة، وتوصيل الكهرباء إلى الخطوط القديمة، وتثبيت تكنولوجيا إشارات حديثة. وهو مشروع ضخم تبلغ تكلفته 35 مليار يورو (أي 40.6 مليار دولار أميركي). ويهتم اتحاد ألماني بزعامة شركة سيمنز بقبول ذلك التحدي، مع تكليف شركة السكة الحديد الوطنية في ألمانيا دويتشه بان بالمساعدة في التخطيط. إذ أوردت مجلة Der Spiegel التي تحظى بنفوذ كبير في تقاريرها ما يلي:

"مثلما هو الوضع منذ أكثر من قرن، ألمانيا هي الشريك المفضل لتركيا. لكنَّ عرض مشروع تحديث السكة الحديد جاء مرفقاً بطلب مساعدة ألمانيا في تمويل مشروع إنشاء السكة الحديد. لم يُتخذ قرارٌ بعد بشأن ما إذا كانت ألمانيا ستدعم المشروع في صورة تقديم ضمانات قروض هيرمس التي تقدمها الحكومة، أم أنها ستمنح قروضاً مباشرة من مجموعة KWF المصرفية الحكومية. ولكن في محادثاتها مع الحكومة التركية وشركة سيمنز، أعربت الحكومة الألمانية عن استعدادها للنظر في تقديم الدعم المالي".

وخلال الأسابيع القادمة يزور وزير الاقتصاد الألماني بيتر ألتماير تركيا  بصحبة وفد كبير. لكنَّ الألمان الذين وضعوا في أولوياتهم الدفاع عن حقوق الإنسان والسلوك الديمقراطي في تركيا يرون أن موقف أنجيلا متناقض، كما يقول الموقع الأميركي.

ويبدو أنَّ مخالفات الحقوقيين الألمان لا تغير من حقيقة أن المصالح الاقتصادية والتصورات الاستراتيجية الألمانية تتجاوز جميع العوامل الأخرى، وفي أثناء المؤتمر الصحافي الذي لحق الاجتماع، قالت ميركل إنَّ ما يهم هو أن الطرفين كانا يتبادلان الحوار. وقالت: "أعتبر تلك الزيارة مهمةً جداً، لأنه في حال وجود خلافات فإنه من الأهمية بمكان عقد اجتماع شخصي لحلها".

الواقعية السياسية للطرفين

ويرى الموقع الأميركي أن الواقعية السياسية تحتل في الوقت الحاضر أهمية كبيرة في برلين، إذ تتجلَّى في إذعان ألمانيا لأردوغان، بالرغم من الخلافات بين البلدين. ربما كان أوضح تفسير للوضع هو ما نشرته صحيفة Frankfurter Allgemeine Zeitung الألمانية اليومية المرموقة المتحفظة. إذ كتبت تحت عنوان "لا للتطبيع": "لم يفعل الرئيس التركي شيئاً يُذكر للتخفيف من غضب أولئك الذين يعتبرون استقباله بحفاوة وسط احتفال عسكري مهيب في برلين خطأً أو خيانة لقيم الغرب… لدينا مصلحةٌ وطنية تتمثل في عدم وقوع تركيا شريكتنا في حلف شمال الأطلسي المُطلة على مضيق البوسفور تحت سطوة بوتين. ولا يمكن أن نرغب في غرق تركيا في أزمة اقتصادية تقتضي تصدير أنقرة للاجئين من مناطق الحرب المجاورة وتركيا نفسها.

وتابعت الصحيفة يجب أن يعرف أردوغان الآن أن إقامة علاقات أفضل مع الاتحاد الأوروبي، ولا سيما ألمانيا، هو الأمر الوحيد الذي من شأنه أن يحل الأزمة الاقتصادية في بلاده.

وبحسب الموقع الأميركي كان أردوغان على دراية بمبدأ الواقعية السياسية السائد في ألمانيا. ومن ثَمَّ، أصرَّ على استقباله بحفاوة وسط احتفال عسكري مهيب، والحصول على فرصة افتتاح مسجد في كولونيا، مما سمح له بالظهور كزعيم العالم الإسلامي، الأمر الذي قابلته ألمانيا بالرفض في العام الماضي 2017. عاد أردوغان إلى تركيا دون أن تحقق مطالب برلين.

وفي ضوء كل ذلك، هل حقَّق النجاح في نهاية زيارته المثيرة للجدل؟ باختصار في كلمة واحدة، نعم.

علامات:
تحميل المزيد