هل يأفل نجم أميركا.. السعودية والإمارات إلى جانب دول عربية أخرى يروق لها نفوذ الصين بالمنطقة

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/30 الساعة 13:07 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/30 الساعة 15:47 بتوقيت غرينتش
Chinese President Xi Jinping shakes hands with Saudi Arabia's Deputy Crown Prince Mohammed bin Salman during the G20 Summit in Hangzhou, Zhejiang province, China September 4, 2016. REUTERS/Damir Sagolj

لا تزال تتمتع بنفوذ قوي في الشرق الأوسط، إلا أنَّ الغزو الأميركي الكارثي للعراق عام 2003 وما شابه من أخطاء استراتيجية، والأزمة المالية عام 2008، وتداعيات احتجاجات الربيع العربي عام 2011، كل هذا ساهم في التعجيل بالتراجع النسبي للنفوذ الأميركي في العالم العربي حسب تقرير موقع Lobe Log الأميركي.

وكما كتب عبدالخالق عبدالله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي البارز، أدَّى رد فعل إدارة أوباما على الهجوم الكيماوي الذي شنَّه النظام السوري على الغوطة، في أغسطس/آب 2013، إلى زيادة مخاوف غالبية دول الخليج حيال تحالفاتهم مع واشنطن.

وأضاف عبدالله أنَّ "تراجع أوباما المفاجئ عن تحذيره من استخدام بشار الأسد للأسلحة الكيماوية كان تجربةً تركت آثاراً هدَّامة، وخيبة أمل كبيرة هزَّت أركان العلاقة الموثوقة التي تربط الولايات المتحدة ومجلس التعاون الخليجي. فشلت أميركا فشلاً ذريعاً في العراق، ثُمَّ مجدداً في سوريا. وفي كلتا الحالتين، كان موقع القيادة الأميركي على المحك، وتعرَّض لسقطة كبيرة. من منظورٍ خليجي، يُشكِّل سوء إدارة الملف السوري نقطة التحول التي لن تعود العلاقات بعدها لما كانت عليه سابقاً أبداً، من المستحيل أن تضع دول الخليج العربية ثقتها في أميركا مرة أخرى مثلما كانت تفعل على مدى العقود الستة الماضية".                  

منذ تولى دونالد ترمب رئاسة الولايات المتحدة، في يناير/كانون الثاني 2017، أصبحت عملية صناعة القرار على صعيد السياسة الخارجية الأميركية تقوم على مبدأ المصلحة، وتتسم بأنَّها غير مُتوقعة، ومضطربة، ومندفعة، وباتت تحمل طابعاً شخصياً كبيراً. ومن ثم، بدأت مجموعة كبيرة من الدول في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وغيرها، وهي التي تعتمد على الولايات المتحدة للحماية، تشعر بمخاوف متزايدة حول الاتكال كثيراً على واشنطن لحمايتها. ورغم أنَّ العديد من الدول العربية المتحالفة منذ زمن مع واشنطن بدأت تتطلَّع إلى وجهات أخرى بحثاً عن شراكات جديدة حتى قبل رئاسة ترمب، باتت تفعل ذلك الآن بإلحاح أكبر منذ سيطرت الإدارة الحالية على البيت الأبيض العام الماضي.               

هل هناك قوة بديلة عن الولايات المتحدة؟

في الوقت الذي تسعى فيه السعودية والإمارات لتأمين مصالحهما، تبرز بكين باعتبارها العاصمة العالمية الأكثر قدرة على مدِّ الرياض وأبوظبي بثقل موازن لمعادلة تأثير واشنطن في العالم العربي. فعلى مدى سنوات، ضخَّت الصين أموالاً في مجالات الاستثمار والتنمية والمساعدات الإنسانية في منطقة الشرق الأوسط، تكلّلت بحزمة قروض ومساعدات بقيمة 23 مليار دولار لأعضاء الجامعة العربية، أُعلِن عنها في شهر يوليو/تموز الماضي. وتعد الصين بالفعل الشريك التجاري الأول للمنطقة، إلى جانب أنَّها تستورد أكثر من نصف احتياجاتها من النفط الخام من الدول العربية. ومن المرجح أن تشهد هذه الروابط بين الصين ودول منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تطوراً في ظل مبادرة "حزام واحد- طريق واحد" الطموحة، التي أطلقها الرئيس الصيني شي جين بينغ، والتي تقوم على أساس تصور العالم العربي مركزاً دولياً يربط الأسواق الآسيوية والأوروبية والإفريقية، مع وضع الصين بالتأكيد في مركز التجارة الدولية.

وتتسم العلاقات السعودية تحديداً مع بكين بأهمية بالغة، ففي العقد الأول من هذا القرن الجاري، أصبحت السعودية مورد النفط الخام الرئيسي للصين، لتحل بذلك الأخيرة محل الولايات المتحدة كأكبر شريك تصدير للمملكة. عزَّزت كذلك الإمارات والصين بشكل كبير علاقاتهما الاقتصادية؛ إذ تستأثر الإمارات بنحو ثلث الصادرات الصينية للدول العربية، وما يزيد على خُمس إجمالي حجم التجارة بين الصين والدول العربية.                   

وأدى تصاعد النفوذ الصيني، في مواجهة ضعف الهيمنة الأميركية، إلى تنوع أكبر للقوة في عالمٍ يتحول تدريجياً نحو عالم متعدد القوى، ليثير بالتالي أسئلة جوهرية حول السياسات الخارجية للرياض وأبوظبي في القرن الواحد والعشرين. وبالنظر إلى مؤشرات استهلاك الصين من الطاقة، سيزداد حجم مشترياتها من النفط العربي في السنوات المقبلة، في الوقت الذي ستصبح فيه أميركا الشمالية أقل اعتماداً على مصادر الطاقة من الشرق الأوسط. وعلى هذا الأساس، ينظر صُنَّاع السياسة الإماراتيون والسعوديون في مدى التوازن الذي ينبغي لدولهم أن تحققه بين التحالف القائم مع الولايات المتحدة وتعزيز العلاقات مع الصين الآخذة في الصعود.              

صعود بكين يروق للسعودية والإمارات

بعيداً عن الاقتصاد، هناك الكثير من الأسباب التي تجعل صعود بكين يروق للسعودية والإمارات ودول عربية أخرى. إذ عزَّزت الصين علاقاتها السياسية في المنطقة، فعلى سبيل المثال حاول الرئيس شي دفع قطر ودول الجوار نحو التوصل إلى مصالحة في غمار الأزمة التي شهدها مجلس التعاون الخليجي، عقب يونيو/حزيران 2017. وأجرى شي أيضاً زيارات دبلوماسية إلى مصر وإيران والسعودية والإمارات. إضافة إلى أنَّ تأسيس الصين لأول قاعدة عسكرية خارج حدودها في جيبوتي يعكس بوضوح سعيها نحو زيادة رأس مالها السياسي.

صمت متبادل إزاء حقوق الإنسان بين الصين والخليج

وفي الوقت الذي تشوب فيه العلاقات مع الولايات المتحدة خلافات، يُقدِّم خيار إقامة شراكة أعمق مع الصين، تُسهِم في تنويع تحالفات الرياض وأبوظبي أكثر للسعوديين والإماراتيين مزيداً من أوراق الضغط في مواجهة واشنطن. أضِف إلى هذا أنَّ الصين تتجنَّب انتقاد سجلات حقوق الإنسان للحكومات الأجنبية. وتتلاءم هذه السياسة الخارجية القائمة على "عدم التدخل" كثيراً مع المسؤولين السعوديين والإماراتيين، الذين تأكَّد مؤخراً رفضهم لأشكال معينة من الانتقادات العلنية، كما اتَّضح من خلال الأزمة السعودية الكندية.  

في المقابل، انضمَّت العائلات الملكية الخليجية إلى دول الشرق الأوسط كلها تقريباً في الالتزام بالصمت حيال ممارسات الصين القمعية في إقليم شينغيانغ ذي الأغلبية المسلمة، حتى مع تزايد اهتمام الصحف العالمية بمعاناة أقلية الإيغور المسلمة. ويعكس هذا الصمت إلى أي مدى تُقدِّر السعودية وغيرها من الدول العربية الغنية بالنفط والغاز علاقاتها المستمرة في التعمُّق مع الصين.                         

لكن، ما حدود تعميق الشراكة مع الصين؟

وبالرغم مما سبق، تثير الخلافات حول مجموعة من القضايا -بدايةً من العقوبات على إيران وحتى الموقف من الأزمة السورية- شكوكاً حول ما إذا كان سيأتي اليوم الذي تنظر فيه السعودية أو الإمارات إلى الصين، باعتبارها القوة المفضلة لديهما في العالم. ففي نهاية الأمر، تؤكد رغبة بكين في التعاون مع إيران وقطر وسوريا كيف تتصادم جهود الصين للتمسك بموقف "حيادي" تجاه قضايا الشرق الأوسط، مع سعي بعض العواصم العربية، وتحديداً الرياض وأبوظبي، لانتهاج سياسات خارجية صدامية، وافتعال صراعات صفرية.             

إضافة إلى ذلك، لن تتجه مشيخات الخليج نحو الاعتماد كلياً على بكين، حتى تُبدي الصين استعدادها لتحمل مسؤولية حماية طرق الملاحة في الخليج، بدلاً من الاعتماد على البحرية الأميركية لضمان حماية صادرات النفط من دول مجلس التعاون الخليجي. ووفقاً للشكل الذي تبدو عليه التحالفات حالياً، تظل الولايات المتحدة هي الضامن الأساسي لأمن السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وتزود التكتل السعودي بالأسلحة والمساعدات الإنسانية والدعم الاقتصادي، إلى جانب أنَّها تُعَد كذلك شريكاً في الحرب على الإرهاب. وبرغم تراجع الهيمنة الأميركية لن يكون بإمكان الصين في أي وقت قريب أن تقدم بسهولة بديلاً لهذه الخدمات التي توفرها الولايات المتحدة. وعلاوة على ذلك، تشير نزعة إدارة ترمب لتبني سياسة متشددة تجاه إيران، والإنفاق العسكري الهائل، والروابط الاقتصادية والسياسية الأميركية الممتدة بالشرق الأوسط، إلى أنَّ الحفاظ على الشراكة مع الولايات المتحدة قد يكون هو الخيار الأكثر حكمة للسعوديين والإماراتيين في الوقت الراهن.                

وفي هذه المرحلة، ومع احتدام التوترات بين واشنطن وبكين، تواجه الرياض وأبوظبي معضلات جيوسياسية صعبة، في ظلِّ التحول أكثر فأكثر نحو عالم متعدد القوى. ومن ثم، فإنَّ الحفاظ على توازن حذر بين المصالح الصينية والأميركية في المنطقة، والاعتراف بقيمة الاستثمارات الصينية، والإقرار بحدود الشراكة مع بكين، هو على الأرجح أفضل ما سيُحقق مصالح الرياض وأبوظبي.

لكن في الوقت الراهن، في ظلِّ اعتبار القادة السعوديين والإماراتيين إيران التهديد الإقليمي الأكبر لمصالح دولتيهما، ورصدهما رغبة بكين في عرقلة الجهود الأميركية لعزل طهران، سيبدو من التناقض أن تتحول أيٌّ من هاتين الدولتين الخليجيتين نحو بكين بصورة أكبر. ومع ذلك، فإنَّ تعزيز المملكة السعودية والإمارات لعلاقاتهما مع الصين، حتى إن لم تدعم هذه الأخيرة جهودهما للتصدي للسلوك الإيراني في العالم العربي/الإسلامي، سيمنح الرياض وأبوظبي استقلالية أكبر، ولو أنَّه من المستبعد إقدام أيٍّ منهما على اتِّخاذ المخاطرة الهائلة بالانفصال كلياً عن الولايات المتحدة.

تحميل المزيد