قدرات حرب إلكترونية فائقة واستخبارات تتابع العالم.. هل تراجَع الجيش الإسرائيلي؟ أحد كبار جنرالاته يحذر من هذا الخطر

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/27 الساعة 18:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/27 الساعة 18:53 بتوقيت غرينتش
Army cadet class marches through Old City in Jerusalem after graduation ceremony.

يتمتَّع الجيش الإسرائيلي بسمعة واسعة بأنه آلة حربٍ مُتطوِّرة. فهو مجهَّزٌ بقدراتِ حربٍ إلكترونيةٍ شديدة الفتك، وله جهاز استخباراتٍ يضمن له اطِّلاعاً على كل ما يحدث في العالم، ويمتلك نظام حرب النجوم للدفاع الصاروخي، وسلاح جو له سمعة عالمية، بالإضافة إلى قطاعٍ فائق التدريب، وإن كان صغيراً، من القوات الخاصة.

لكنَّ نقداً لاذعاً، جاء من جنرالٍ متقاعدٍ، لثقافة الجيش الإسرائيلي وجاهزيته أثار جدلاً واسعاً في إسرائيل حول ما إذا كانت هذه الدولة قد دخلت في حالةٍ من الاسترخاء.

وهو جدالٌ جديرٌ بالخوض فيه، حتى ولو كانت بعض المخاوف مبالَغٌ فيها على الأرجح، حسبما يرى الكاتب الأميركي الإسرائيلي زئيف شافيتس، في مقال نشرته وكالة Bloomberg الأميركية.

شافيتس، الذي كان أحد كبار مساعدي رئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق مناحم بيغن، ورئيس تحرير ومؤسس مجلة Jerusalem Report الإسرائيلية، استعرض في المقال الأسباب التي دعت جنرالاً إسرائيلياً لدق ناقوس الخطر بشأن قدرات الجيش الإسرائيلي الفعلية على خوض الحروب.

عندما يأتي النقد من أحد أبطال الجيش الإسرائيلي في "حرب العبور" فيجب الاستماع

جاءت الانتقادات في وقتٍ سابق من هذا الشهر (سبتمبر/أيلول 2018)، على لسان إسحق بريك، أحد أبطال حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973 (حرب العبور)، التي تُعرف إسرائيلياً بـ"حرب كيبور" (يوم الغفران).

وبريك ظلَّ يشغل منصب رئيس ديوان مظالم الجنود في الجيش الإسرائيلي خلال السنوات العشر الماضية، وهو ليس عضواً عاملاً في قوات الجيش الإسرائيلي، لكنه ممثلٌ لهيئةٍ مستقلةٍ، وسيترك منصبه في يناير/كانون الثاني 2019.

وقد عدَّدَ بريك في ملفٍ ضخمٍ، أرسله إلى وزير الدفاع الإسرائيلي ولجنة الشؤون الخارجية والدفاع في الكنيست (البرلمان الإسرائيلي)، ما يعتقد أنها نقاط ضعفٍ خطيرة في القدرات القتالية والعقيدة الحربية للجيش الإسرائيلي.

ورغم أن التقرير يحمل تصنيف "سري"، سَمَحَ توزيعه على العديد من الجهات بتسريبه فعلياً.

تآكل في القدرات البرية ورفض لتصحيح الأخطاء

أثار بريك مخاوف بشأن ما يعتبره تآكلاً في القوات البرية، بالإضافة إلى عدم استعداد هيئة الأركان العامة لإجراء تحقيقٍ داخليٍّ وتصحيح الأخطاء، وفقاً للمراسل العسكري لصحيفة Haaretz الإسرائيلية، عاموس هارئيل.

إسرائيل كانت تعتمد على المدرعات في حروبها التقليدية مع العرب
إسرائيل كانت تعتمد على المدرعات في حروبها التقليدية مع العرب

وجاءت انتقادات بريك مباشرةً بعد أن قدَّمَ رئيس أركان الجيش الإسرائيلي غادي أيزنكوت، الذي يُنهي سنوات خدمته الأربع مطلع العام المقبل (2019)، وثيقةً للحكومة الإسرائيلية يؤكِّد فيها الجاهزية الجيش العالية تحت قيادته، وجاء فيها:

"باعتباري الشخص المسؤول عن جاهزيتنا لخوض الحروب، أُعلن أن الجيش الإسرائيلي جاهزٌ لتنفيذ كل مهمةٍ يُكلف إياها. إنه جيشٌ يتمتَّع بتفوقٍ استخباراتي وجوي، وقدراتٍ برية وخبراتٍ ثرية في خوض العمليات تُثبِت نفسها كلَّ يومٍ في الاختبار بمجال الحرب".

واتخذ أيزنكوت إجراءً غير اعتيادي؛ فجعل الجنرالات العاملين تحت قيادته يُوقِّعون على الوثيقة بأنفسهم. وعلى ما أذكر، لم يكن هناك أيَّ معارضين لذلك، فأي روايةٍ عن الجيش الإسرائيلي هي الصائبة إذاً؟

ورغم إنكار قيادات الجيش الإسرائيلي فإن الانتقادات مسَّت وتراً حساساً

هرعت القيادات، على الفور، للوقوف في صف أيزنكوت، مشيرين -وهم مُحقِّون في ذلك- إلى أن دور رئيس ديوان المظالم هو التعامل مع شكاوى الجنود، وليس الحكم على كفاءة الجيش. وكانوا مُحقِّين أيضاً حين أشاروا إلى أن الجيش الإسرائيلي يحتل تصنيفاً عالمياً، وفقاً للكاتب.

لكن انتقادات بريك، التي تُثير تساؤلاً عن قدرة الجيش على خوض معركتين بريتين على جبهتين مختلفتين، أيقظت صوتاً خافتاً ومستمراً من القلق على القوة الاقتصادية والعسكرية لإسرائيل.

فالخسائر الفادحة لحرب 73 تعيد للأذهان نتيجة الثقة الزائدة

بالنظر إلى حرب 1973، فإن القيادات الإسرائيلية الممتلئة بالثقة وقتها قد باغتتها مفاجأة الهجوم المتزامن للقوات المصرية والسورية، ذلك الهجوم الذي كانت استخبارات الجيش الإسرائيلي تزعم أنه مستحيل (رغم وجود تقارير تفيد بأن الاستخبارات الإسرائيلية علمت موعد الحرب قبل اندلاعها بوقت قصير).

وحين بدأ الهجوم، فَقَدَت القوات الجوية، التي يُفتَرَض أنها السلاح الأقوى بالجيش الإسرائيلي وأنه لا يُمكن هزيمتها، قرابة ثلث مقاتلاتها بصواريخ "سام-6" سوفييتية الصنع.

لم ينقذ إسرائيل يومها إلا هجمةٌ مضادةٌ مُغامِرة شنَّتها قوات المشاة والمدرعات، التي يُشكِّل جنود الاحتياط أغلبها. وكانت الحصيلة الإجمالية نحو 2500 قتيلٍ، وقرابة 8500 جريحٍ (من بينهم إسحق بريك نفسه)، وتلك تكلفةٌ باهظة لدولةٍ لا يتجاوز تعداد سكانها 4 ملايين نسمة.

إذ يبدو أن بعض القادة الإسرائيليين قد نسوا هذا الدرس

ويعتقد بريك، الذي ينتمي إلى جيل حرب يوم كيبور (يوم الغفران)، أن أيزنكوت وجنرالاته نسوا درس 1973.

ولو صحَّ ذلك، فجزءٌ من المسؤولية يقع على عاتق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، حسب كاتب المقال.

يُعتَبَر نتنياهو، وهو أحد أبناء جيل حرب "يوم الغفران" أيضاً، رجلَ أمنٍ مُحنَّكاً، وخبيراً استراتيجياً يكره الخسارة كذلك، وفقاً لوصف الكاتب.

ولكن العقيدة التي بناها نتنياهو تبدو مناسبة للتحديات الحالية، وسوريا تؤكد صحة رؤيته

نتناياهو بنى عقيدة يرى أنها تراعي التحديات الجديدة
نتناياهو بنى عقيدة يرى أنها تراعي التحديات الجديدة

وخلال السنوات العشر التي قضاها في منصبه، بنى نتنياهو عقيدةً حربيةً جديدةً تعتمد على التفوُّق التكنولوجي الإسرائيلي، وهنا تأتي الإشارة إلى نظام حرب النجوم.

تلك الأدوات تناسب الملابسات الجيوسياسية المحيطة بإسرائيل، والتي لم تعد تتضمَّن تهديداتٍ من جارتَيها مصر والأردن. لقد عزَّزَت تلك الأدوات قدرة إسرائيل على خوض المعارك عن بُعد.

وخير مثالٍ على ذلك الحملة العسكرية التي تجري حالياً في الأجواء السورية. وكذلك الأداء شبه المثالي لمنظومة القبة الحديدية المضادة للصواريخ على الجبهة مع غزة.

هذا النوع من القتال يجعل الطريقة القديمة قد عفى عليها الزمن. لم تعُد هناك حاجةٌ ظاهرةٌ لوجود قواتٍ مدرعةٍ ضخمةٍ كتلك التي أنقذت إسرائيل في 1973، ولا قوات الاحتياط التي كانت من قبلُ العمود الفقري لدولةٍ كانت صغيرة وضعيفة. حتى مدة الخدمة العسكرية الإلزامية تتقلَّص.

يُرحِّب أغلب الإسرائيليين بهذه التغييرات؛ إذ تُلهِم بمزيدٍ من الثقة. يشعر الناس بأنهم محميُّون. وحين يقول أيزنكوت إن الجيش الإسرائيلي مستعدٌ لأي تحدٍّ، يُصدِّقه الناس.

وهكذا أخفق الجيش الإسرائيلي مع أنفاق"حماس"  والطائرات الورقية

الجيش الإسرائيلي لم يستطع التعامل مع الطائرات الورقية الحارقة التي تطلق من غزة
الجيش الإسرائيلي لم يستطع التعامل مع الطائرات الورقية الحارقة التي تطلق من غزة

من هذا المنظور، يبدو بريك قادماً من عالمٍ آخر، ليُذكِّر الإسرائيليين بثمن الطمأنينة.

لكن، وفي حين يُعتبر الجيش الإسرائيلي جيشاً قوياً للغاية، فهو ليس قادراً على كلِّ شيءٍ، ويرتكب قادته أخطاءً خطيرةً.

في عام 2015، لم تُحسِن الاستخبارات تقدير أعداد الأنفاق التابعة لـحركة"حماس" في غزة ومدى وخطورتهاز

كما لم يكن أداء مشاة جنود الجيش الإسرائيلي جيداً بالمرة.

ومؤخراً، لم يفطن أحدٌ في الجيش الإسرائيلي إلى مدى فاعلية البالونات الحارقة.

ولا يملك وسيلةً لوقفها حتى الآن.

وحتى لو كان المحارب القديم يبالغ فربما يشكروه يوماً

كان لتوقيت رسالة بريك دورٌ كبيرٌ في إثارة الجدل، ولم يكن ذلك من قبيل الصدفة. فذكرى حرب "يوم الغفران" هي دائماً توقيتٌ يشعر فيه حتى أكثر الإسرائيليين ثقةً بشيءٍ من القلق على الأقل.

ومع اقتراب الذكرى الـ45 لتلك الحرب، نعى الرئيس الإسرائيلي، رؤوفين ريفلين، ضحاياها، قائلاً: "نريد نهايةً للقيادة أحادية النظر، التي تتكلَّم بصوتٍ واحدٍ وترفض المعارضة؛ لأن الثمن غالٍ جداً جداً كما تعلَّمنا".

ربما يُبالغ المحارب القديم إسحق بريك في تصوير ضعف الجيش الإسرائيلي، لكنه بتحديه للتصديق العام لتقييم الجيش لنفسه، يساعد كذلك في التخطيط للحرب القادمة. ولو تسبَّب ذلك في المزيد من المراجعة، فلا بأس في ذلك، وربما يشكره الإسرائيليون يوماً على هذا.

علامات:
تحميل المزيد