رغم التهديدات تدخلت للتخفيف من معاناة الحوامل.. قابلة تحدَّت داعش في مستشفى القائم لتولِّد الأطفال خلسة

أُمُّ قاسم، القابلة التي تحدَّت داعش، كانت تُولِّد عشرات النساء طوال عام كامل خلسةً حينما لا تكون مديرتها منتبهةً إليها لتفادي خضوعهن للجراحة.

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/27 الساعة 19:24 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/28 الساعة 15:35 بتوقيت غرينتش
People are seen at a maternity hospital, which was damaged from the war against islamic state militants, in east Mosul, Iraq August 15, 2017. Picture taken August 15, 2017. REUTERS/Azad Lashkari

 عالجت أم قاسم ، قابلة مستشفى القائم ، التي تحدَّت داعش، العشرات من النساء اللاتي جئن إلى مستشفاها في البلدة على الحدود العراقية، طوال عام كامل دون علم المتطرفين، الذين أُجبرت على العمل لمصلحتهم. كانت تُولِّد الأطفال خلسةً حينما لا تكون مديرتها منتبهةً إليها.

وبعد تحرير البلدة العام الماضي (2017)، يستقبل المستشفى أعداداً متزايدة من النساء اللاتي يعانين مضاعفاتٍ بعدما عُولجن على يد الجهاديين.

واضطرت النساء اللاتي لم يتلقين مساعدة أُمِّ قاسم إلى الخضوع لعملية ولادة قيصرية تفتقر إلى الكفاءة، وما زلن يعانين العواقب حتى الآن.

حنان حاسم، جرَّاحة التوليد الحالية، تصف الأمر بأنه كان جنونياً! فلم يكن هناك أشخاص مؤهلون، ولا حتى ممرضات أو قابلات تقمن بهذه الجراحة، وتلاحظ الآن المضاعفات عندما يأتيها النساء مرة أخرى.

مديرة قسم الولادة، لأن زوجها مسؤول في داعش

تعكس قصة قسم الولادة سمةً من سمات الحياة في ظل الخلافة، يجري تجاهلها في بعض الأحيان. تشير التقارير التي تركز على قسوة داعش أحياناً، إلى أنَّهم كانوا يتعاملون مع المرضى بكفاءةٍ وقسوةٍ شديدة، لكنَّهم في الواقع اتسموا في أحيانٍ كثيرة بالفوضوية والمزاجية وانعدام الكفاءة.

مولود جديد في أحد مستشفيات العراق/ رويترز
مولود جديد في أحد مستشفيات العراق/ رويترز

لمدة عام كامل، أدارت امرأة معروفة لمرؤسيها باسم أُم عبد الله قسم الولادة في "القائم"، ومُنحت هذه الوظيفة؛ لأنَّها كانت متزوجة برئيس المستشفى الذي عيَّنته داعش، بحسب أُمِّ قاسم، إحدى القابلات القليلات اللاتي بقين في أثناء فترة ولاية داعش.

صحيح أنَّ أم عبد الله حملت مؤهلاً، لكنَّه كان في علم النفس. كان زوجها طبيباً من جنوب إفريقيا، وكان مدرَّباً جيداً حسب الروايات، لكن من الواضح أنَّ أُم عبد الله، التي كانت سودانية، لم تكن لديها خبرة في التوليد وأمراض النساء؛ ولهذا السبب تصادمت معها أُم قاسم.

تشرح أم قاسم، (48 عاماً)، وهي جالسة في مكتب بالقرب من جناح الولادة، كيف تعاملت أُم عبد الله مع النساء المحليات -يخدم المستشفى ما يقارب 200 ألف شخص- وزوجات مقاتلي داعش.

أولاً، تسبَّب فقدان طاقم عمل المستشفى المتخصص، في عجزٍ قررت أُم قاسم أن تسدَّه بمتطوعات داعش الشابات، وكان العديد منهن من الأجانب، وغالباً ما كن في سن الخامسة عشرة أو السادسة عشرة. مُنِحَت الشابات دورةً تدريبية قصيرة، ثم تركتهن يكملن تعليمهن في أثناء تأدية الوظيفة.

أم قاسم كانت تعطي الحوامل دواء لتعجيل الولادة

وكانت جرّاحة التوليد في المستشفى، وهي حنان، قد غادرت قبل وصول داعش إلى المدينة؛ لذا اضطرت امرأة أخرى إلى إجراء عمليات الولادة القيصرية، وهذه المرأة كانت أم عبد الله.

كانت تتحمس دائماً لإجراء هذه العملية. وقالت أُم قاسم: "كانت تلقي نظرةً واحدة إلى الحالة ثم تقول: (يجب فتح بطنها)! لم يكن هذا صحيحاً، وغير ضروري على الإطلاق".

أمَّا زوجات مقاتلي داعش، فكن يتلقين العلاج في مكانٍ منفصل عن الأخريات؛ لذلك لم تتمكن أُم قاسم من التدخل. لكنَّها كانت تتدخل في ما يتعلق بالنساء المحليات. قالت: "كنتُ أعطيهن أدويةً للتعجيل بالولادة. لذا عندما كانت أُم عبد الله تُتم استعداداتها لإجراء العملية، يكون الطفل قد وُلد بالفعل".

أم قاسم في مستشفى القائم بعد عملية توليد/ التايم
أم قاسم في مستشفى القائم بعد عملية توليد/ التايم

وتعتبر أُم قاسم أنَّ هناك عدداً من الأسباب المحتملة وراء سلوك أُم عبد الله. في الأوقات العادية، كانت خدمات المستشفى مجانية، لكنَّ داعش كان يكلف ما يعادل 35 جنيهاً إسترلينياً للولادة الطبيعية، و150 للولادة القيصرية.

وأضافت قابلة مستشفى القائم أنَّ أم عبدالله "كانت تختصر عادةً الإجراءات"، وكثيراً ما تجادلت السيدتان حول مسائل بسيطة تتعلق بالنظافة: "كان كل شيء قذراً للغاية"، تتذكر أم قاسم.

قابلة مستشفى القائم عجلت عملية الولادة أكثر من 30 مرة طوال عام كامل، قبل أن تُطرد في النهاية. ولم تتشاجر فقط مع رئيستها، بل أيضاً مع قوات الشرطة الدينية النسائية (الحسبة)، التي كانت تُسيِّر دورياتٍ في الشوارع والمستشفى، محاولةً إجبار الممرضات على ارتداء النقاب، وتقويم سلوكهن.

وصلت أم قاسم إلى البيت يوماً ما لتجد أنَّ داعش استولى على منزلها كعقوبة، إلا أنَّها لم تقبل بذلك. قالت: "صفعتُ واحدةً منهن، ثم التقطت أحزمتهنّ الانتحارية وألقيت بها في الخارج".

جلبوا مرضى التهاب الكبد لينشروه في العراق

كانت بلدة القائم، الواقعة في أقصى غربي محافظة الأنبار على الحدود السورية، آخر معاقل داعش في العراق. الأنبار محافظة سنية وعربية، وكانت مهدَ المعارضة ضد الأميركيين في عام 2003، وصعود داعش في عام 2014.

ويعترف أسعد علاوي، مدير المستشفى، بأنَّه كان يعرف العديد من الرجال الذين استولوا على البلدة ومستشفاها، وبدأوا في نهب معداته.

وأخذ يتحدث هو الآخر عن عدم أهلية داعش، وكيف كانوا يجلبون المرضى الذين أصيبوا بالتهاب الكبد، نتيجة للأحوال الصحية المزرية في المستشفيات التي دمَّروها بالفعل في سوريا، لينشروا المرض بدورهم في غربي العراق.

استعادت القوات الحكومية البلدة، في نوفمبر/تشرين الثاني، وبحلول هذا الوقت، كان أي تعاطف أولي تجاه داعش قد زال.

أم قاسم، قابلة مستشفى القائم، قُتِل زوجها الأول في عام 2004، في تبادلٍ لإطلاق النار بين القوات الأميركية والمعارضين، تقول إنَّ داعش سلبها خمسةً من أطفالها الثمانية، بطريقةٍ أو بأخرى.

كان أحدهم يعمل منظفاً في المستشفى عندما ضربه صاروخ تابع للتحالف في عام 2014، يهدف إلى مهاجمة اجتماعٍ لقادة داعش هناك.

واتُّهِمَ ابنُ أم قاسم البالغ من العمر 13 عاماً بالسرقة، وأُجبر على الانضمام إلى داعش، ثم قُتِل. أما ابناها الآخران، فقد فرَّا من تقدُّم الحكومة خوفاً من تعرضهما للقصاص بعد التحرير، نظراً لأنَّ أخاهما كان يحارب لصالح داعش، مع أنَّ ذلك جرى دون رغبته، ولم يُسمع عنهما منذ ذلك الحين.

تزوجت إحدى بناتها في زواجها الأول من رجلٍ انضم أيضاً لفترة وجيزة إلى داعش، لكنَّه هرب من التنظيم بعد أربعة أشهر، بعدما تحرَّر من وهمه، وهرب الاثنان خوفاً من داعش والحكومة. لم يسمع أحدٌ عنهما أيضاً.

تعيش أم قاسم ، قابلة مستشفى القائم ، الآن مع زوجها الثاني وأطفالهما الصغار وابنتها المتبقية من زواجها الأول.

واليوم تتم تصفية بقايا داعش دون رحمة

 دمر داعش مستشفيات الأنبار وأرغم الطاقم على المغادرة / رويترز
دمر داعش مستشفيات الأنبار وأرغم الطاقم على المغادرة / رويترز

كان هناك بعض الندم في صوت أم قاسم، قابلة مستشفى القائم ،عندما كانت تصف ما حدث الأسبوع الماضي، مع واحدةٍ من شرطيات الحسبة المتسلطات اللاتي سيَّرن دورياتٍ في المستشفى. فبعدما اكتُشف أنَّها لا تزال في المدينة، أطلقت عليها النيران وتُركت لتموت، وهي الآن في غيبوبة.

أما رئيس البلدية، وهو عقيد في الجيش من بلدة القائم، وكان جزءاً من القوات المُحرِّرَة، فهو يرفض العفو أيضاً. وعندما سُئل عن إطلاق النار، قال إنَّه كان يحقق في هذه "الجريمة الخطيرة" كونه رئيس البلدية، لكنَّه أضاف: "لا أتحدث بصفتي عمدة هنا، بل بالأصالة عن نفسي: أُقبِّل يدي أي أحد كان، من أطلق النار عليها"، فداعش قتل اثنين من إخوته.

كان الفقر والتهميش مسؤولين جزئياً عن صعود داعش قبل أربع سنوات، لكنَّ المال عاد الآن إلى الأنبار، إذ يعيد صندوق الأمم المتحدة للسكان بناء أقسام الولادة التي دمرت، مثل ذلك الذي كان في القائم. وأُنجِبَ طفلان في اليوم الذي تحدثت فيه أم قاسم إلى صحيفة The Times

هناك حياة جديدة في "القائم"؛ لكنَّها لن تشفي الجروح التي خلفها داعش.

علامات:
تحميل المزيد