أردوغان يطلب دعما اقتصاديا وميركل تريد وقف تدفق اللاجئين: من المهم أن نخرج من هذه الزيارة بأكثر من مجردِّ صور جميلة

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/27 الساعة 15:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/27 الساعة 15:48 بتوقيت غرينتش
Turkish President Recep Tayyip Erdogan and German Chancellor Angela Merkel shake hands at the G20 leaders summit in Hamburg, Germany July 7, 2017. REUTERS/Axel Schmidt

يصل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الخميس إلى برلين في زيارة دولة كاملة، مليئة بالتشريفات العسكرية، ومأدبة رسمية، وغداء مع ميركل. يأتي ذلك بعد عام من دعوته الألمان ذوي الأصول التركية لعدم التصويت لصالح المستشارة أنجيلا ميركل، مُصوِّراً ائتلافها الحاكم على أنَّه "أعداء تركيا".

ويبدو هذا التقارب لافتاً وليس وليد الصدفة؛ ففي ظل معاناة تركيا توابع أسوأ أزماتها الاقتصادية منذ 15 عاماً، غيَّر أردوغان نبرته جذرياً وهدَّأ من خطابه المناهض للغرب، حسب تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.

فبعد أن توترت علاقة تركيا وأميركا بسبب القس المعتقل في تركيا، والأزمة الاقتصادية التي واجهتها أنقرة بسبب عقوبات ورسوم أميركية فرضتها واشنطن، تسعى تركيا لمزيد من التقارب مع دول الاتحاد الأوروبي.

أردوغان يسعى لعودة العلاقات الدافئة والألمان تحركهم أهمية تركيا

كان الرئيس التركي قال في وقتٍ سابق من الأسبوع الجاري: "نريد أن نترك تماماً كافة المشكلات وراءنا، وأن نخلق بيئة دافئة بين تركيا وألمانيا، مثلما اعتادت الأمور أن تكون دوماً".

بالنسبة لألمانيا، يقول مسؤولون إنَّ هدف زيارة الدولة التي تجري هذا الأسبوع في برلين هو تطبيع العلاقات الشائكة مع شريكٍ مهم بحلف شمال الأطلسي (الناتو) في الخاصرة الجنوبية الشرقية لأوروبا.

أمَّا بالنسبة لتركيا، فإنَّ أحد الأهداف غير المباشرة يتمثَّل في إصلاح العلاقات مع الولايات المتحدة، التي فرضت هذا الصيف عقوباتٍ على أنقرة لمواصلتها احتجاز قسٍ أميركي.

وبعد أكثر من عقد من السلطة بات أردوغان أقوى بينما ميركل تعاني

لكنَّ الزيارة تؤكد أيضاً أنَّ على أوروبا التعامل مع أردوغان، سواء أعجبها أم لا، إذ يظل استقرار تركيا –اقتصادياً وجيوسياسياً- أولوية استراتيجية لألمانيا وأوروبا.

فبعد مرور 15 عاماً من وجود أردوغان في السلطة فعلاً، أصبح آمناً في منصبه منذ إعادة انتخابه، في يونيو/حزيران 2018، ليتولى مدة رئاسية جديدة أطول بصلاحيات أقوى، وذلك على الرغم من الصعوبات الاقتصادية التي تواجه بلاده.

أردوغان بات أقوى في بلاده وميركل أصبحت توصف بالبطة العرجاء
أردوغان بات أقوى في بلاده وميركل أصبحت توصف بالبطة العرجاء

في حين أصبحت ميركل، التي يمر الآن على وجودها في منصب المستشارية 13 عاماً، وتضعف قوتها داخل ألمانيا ضعفاً متزايداً، بطةً عرجاء.

وفي ظل غياب تفاهم مشترك في العديد من القضايا، تتحول العلاقة تحولاً متزايداً إلى علاقة مصلحية، مع بقاء الدولتين مترابطتين على نحوٍ وثيق، إذ تضم ألمانيا نحو ثلاثة ملايين شخص ذوي أصول تركية.

لديه مطالب اقتصادية وألمانيا لا تريد مزيداً من اللاجئين

ما يحتاج إليه أردوغان هو الدعم الاقتصادي، وما تحتاج إليه ميركل هو بقاء تركيا مستقرة اقتصادياً، وأن يواصل الرئيس التركي وقف تيار اللاجئين والمهاجرين الذين يمرون عبر بلاده، قادمين من البلدان التي تمزقها الحروب -سواء سوريا أو العراق أو أفغانستان- وهي قضية باتت نقطة ضعف للمستشارة.

جديرٌ بالذكر، أنَّ الاقتصاد التركي يواجه مشكلات، إذ تعرَّضت الليرة التركية لضغطٍ شديد –فخسرت قرابة 40% من قيمتها هذا العام- وسط ارتفاع التضخم وتصاعد الدين الأجنبي.

 ويصل دين القطاع الخاص التركي إلى أكثر من 200 مليار دولار، ومع تراجع قيمة الليرة، عانت الشركات التركية للوفاء بديونها.

وإن لم يكن أردوغان آتياً إلى ألمانيا طالباً للمساعدة، فإنَّه بالتأكيد يتطلع لطمأنة الأسواق المالية، وتحسين العلاقات التجارية، ويسعى للحصول على الدعم السياسي.

وهذا التطور في العلاقات جاء بعد وصولها إلى الحضيض

ويُعَد هذا تغييراً كبيراً من جانب أردوغان في علاقاته مع ألمانيا، التي وصلت إلى الحضيض في العام الماضي 2017، بعد أسابيع من الانتقادات اللاذعة.

 إذ تبادل كبار المسؤولين من كلا الجانبين آنذاك اتهامات تتراوح بين الابتزاز واختطاف رهائن، حتى استخدام أساليب نازية وتشجيع الإرهاب. حتى إن صحفاً تركية وصفت بعض المؤسسات الألمانية والصحفيين الألمان بأنَّهم جواسيس.

وبعد غضب ألمانيا من أردوغان، أعلنت برلين، الصيف الماضي، تغييراً في السياسة، قلَّص المساعدات الاقتصادية الأوروبية لتركيا.

ويزعم بعض المحللين إنَّ تلك السياسة نجحت، ولو أنَّ المسؤولين الأتراك يُصِرُّون على أنَّ الأجواء هدأت لأنَّ الانتخابات الألمانية والتركية انقضيتا.

إذ قال جيم أوزديمير، وهو عضو تركي ألماني بارز بالبرلمان الألماني، ينتمي إلى حزب الخضر، وكان منتقداً قوياً لسلطات أردوغان، وحَذَر ألمانيا الطويل من التصدي لها: "هذه هي اللغة التي يفهمها أردوغان، لكن عليك أن تكون مستعداً للحديث بها".

والآن ها هو أردوغان يعود لبرلين كرئيس لأول مرة

زار أردوغان حين كان رئيساً للوزراء ألمانيا عدة مرات، في السنوات الأخيرة، لكنَّ الزيارة التي ستستمر ثلاثة أيام هذا الأسبوع هي أول زيارة دولة كاملة يُجريها منذ توليه الرئاسة.

ليست هذه الزيارة الأولى لأردوغان إلى ألمانيا
ليست هذه الزيارة الأولى لأردوغان إلى ألمانيا

يُذكَر أنَّ الرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير، الذي يُعَد منصبه شرفياً إلى حدٍّ كبير، وجَّه الدعوةَ إلى أردوغان، بعد فوز الأخير بالانتخابات، في يونيو/حزيران، ما أثار موجةً من الانتقادات.

وستحاول ميركل تحقيق أقصى استفادة من الزيارة، لكن من الملاحظ أنَّها لن تحضر مأدبة العشاء الرسمية، ولو أنَّ مكتب المستشارية يُصِرّ على أنَّ عدم الحضور ليس خرقاً للبروتوكول.

لكن الاحتجاجات تنتظره في يوم افتتاحه مسجداً جديداً

وقال عدد من أعضاء البرلمان الألماني، إنَّهم سيقاطعون اللقاءات وإجراءات الزيارة بعدم حضورهم المأدبة، وسيشاركون بدلاً من ذلك في الاحتجاجات.

إذ قال بيجان جير ساراي، المتحدث المسؤول عن السياسة الخارجية باسم الحزب الديمقراطي الحر، إنَّه لا يمكنه تناول العشاء مع أردوغان "بينما يقبع مواطنون ألمان داخل السجون التركية".

ومن المزمع تنظيم عدة احتجاجات، السبت المقبل 29 سبتمبر/أيلول، الذي من المقرر أن يشهد افتتاح أردوغان المسجد المركزي الجديد التابع للاتحاد الإسلامي التركي للشؤون الدينية (Ditib)، الذي يتخذ من مدينة كولونيا مقراً له، والذي يُعَد واحداً من أكبر المنظمات الإسلامية في ألمانيا. جديرٌ بالذكر أنَّ الحكومة التركية موَّلت المسجد.

رغم مؤشرات لتطورات إيجابية تحدث بين الجانبين

تأتي زيارة أردوغان بعد زيارة لبناء الثقة من جانب وزير المالية التركي براءات البيرق -صهر الرئيس أردوغان ومستشاره المقرب- الذي تحدَّث عن الاستقرار المالي، ورفع معدلات الفائدة، وكبح الإنفاق العام.

وقال جميل إرتيم، كبير مستشاري أردوغان الاقتصاديين، متكهِّناً بشأن الزيارات التركية إلى ألمانيا في صحيفة Milliyet التركية، الثلاثاء الماضي 25 سبتمبر/أيلول: "ثمة تطورات إيجابية للغاية قد تحدث قريباً، وهذا سيؤدي إلى نتائج إيجابية في الاقتصاد".

وأشار محللون أتراك أيضاً إلى وجود تحسُّن مفاجئ في العلاقات الألمانية التركية في الشهرين الأخيرين، بما في ذلك إطلاق سراح مواطنين ألمان سُجِنوا.

وقالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الألمانية ماريا أديبار، إنَّ مواطناً ألمانياً آخر أُطلِق سراحه، في العشرين من سبتمبر/أيلول، وبالتالي ينخفض عدد الألمان المعتقلين إلى 5 أشخاص.

في مقابل ذلك، ساءت علاقات تركيا مع الولايات المتحدة على خلفية احتجاز القس الأميركي أندرو برونسون ونحو 12 أميركياً من أصول تركية وموظفين بالقنصلية الأميركية.

وأعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب فرض عقوباتٍ على تركيا في وقتٍ سابق من الصيف الجاري، ما تسبَّب في تسارع هبوط الليرة.

ميركل دعمت تركيا في المواجهة مع ترمب 

ومع أنَّ ألمانيا تبنَّت سابقاً نهجاً صارماً تجاه تركيا، فإنَّها عبَّرت عن دعمها لأنقرة، ويكمن أحد أسباب ذلك في الخشية من تبعات تداعي الاقتصاد التركي على أوروبا.

ولا توجد فرص كبيرة لإعادة تنشيط عملية انضمام تركيا إلى عضوية الاتحاد الأوروبي، فهذا يتطلَّب إجماعاً بين أعضاء الاتحاد الأوروبي، لكنَّ مزاعم تراجع تركيا عن المعايير الديمقراطية، أكبر من أن يتغاضى عنها القادة الأوروبيون، على حد قول أوزغور.

لكن بإمكان ألمانيا تقديم الدعم السياسي في وقتٍ حساس. إذ قال أوزغور: "تسعى تركيا للحصول على دعم ألمانيا في إصلاح علاقاتها مع الولايات المتحدة وإصلاح اقتصادها".

والشركات الألمانية نالت نصيبها من أزمة الليرة

ولكلا الطرفين مصلحةٌ في مواصلة الاتفاق الذي تكبح تركيا بموجبه تدفق اللاجئين عبرها، وصولاً إلى أوروبا، أو تعزيزه.

إذ ما زال صدى وصول أكثر من مليون مهاجر إلى ألمانيا منذ 2015 يتردد في الوسط السياسي.

ولا تملك ألمانيا، بالرغم من اختلافاتها مع تركيا، أي مصلحة في رؤية الاقتصاد التركي ينهار؛ إذ عانت الشركات الألمانية هي الأخرى بسبب تراجع الاقتصاد التركي وسقوط الليرة.

ولكن هذا لا يعني أن برلين ستنقذ أنقره

ومع ذلك، قال أوزغور أونلوهيسارجيكلي، مدير صندوق مارشال الألماني -الذي يُعَد منظمة بحثية أميركية- في أنقرة: "ألمانيا لن تنقذ تركيا، ولا يمكنها ذلك".

وقال أوزديمير، عضو البرلمان الألماني من أصول تركية، الذي سيحضر المأدبة الرسمية مع الرئيس أردوغان: "لا مصلحة لنا في تصاعد الوضع في تركيا".

وتابع: "من المهم أن نخرج من هذه الزيارة بما هو أكثر من مجردِّ صور جميلة. أردوغان يريد المال، حسب تعبيره، وعلينا أن نكون واضحين بأنَّنا نريد الديمقراطية، وحقوق الإنسان، وحرية الصحافة، وعدم التدخل في مجتمع المواطنين الألمان الأتراك في ألمانيا".

علامات:
تحميل المزيد