منطقتهم الأغنى بالنفط في الشرق الأوسط، وسكانها الأكثر بؤساً.. حكاية أهوار العراق الذين واجهوا قمع صدام وقسوة المناخ

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/27 الساعة 18:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/27 الساعة 18:06 بتوقيت غرينتش

لدى الأهوار في العراق الكثير من الأصدقاء، ولكن لديهم أعداء أكثر، والأعداء يفوزون. فبعد مرور ثلاثة عقود على تدمير صدام حسين مستنقعات القصب ومراعي الجاموس في بلاد الرافدين جنوبي العراق، تتعرَّض منطقة أهوار العراق للتهديد مرة أخرى، في ظل موت الماشية، وجفاف الأرض الذهبية وإحراقها، وتسمُّم المياه.

ومن بين من عاشوا تلك المعاناة أحمد سيد صباح، الذي قضى كل حياته في ظل الأهوار والكوارث التي حلَّت بها، يوضح تقرير صحيفة The Times البريطانية.

الأهوار في العراق أغنى المناطق النفطية سُكان الأكثر بؤساََ

إذ قتلت قوات صدام حسين والده وهو طفل صغير، وقضى طفولته في منفى داخلي بالقرب من العاصمة العراقية بغداد، بعيدا عن أهوار العراق ولكنه تمكَّن من العودة بعد سقوط صدام، وعلَّمه عمه تربية الجاموس.

وبحلول العام الجاري كان قد أنشأ قطيعاً مكوناً من 20 جاموسة، وكان بعضها يتمرَّغ في مستنقع المياه الضحلة بالقرب من ملجأ القصب في أثناء حديث أحمد.

وقال: "لم أتوقع قط أن تصير الأمور بهذا السوء". وانتقل أحمد إلى منطقته الحالية منذ ثلاثة أشهر، قادماً من منطقة أخرى تبعد 8 أميال (12.8 كيلومتر) شمال منطقة الأهوار في العراق بعد أن جفت تماماً.

ونفقت جاموستان من العشرين التي يمتلكها بسبب المرض نتيجة نقص المياه، وباع ثمانية أخرى لشراء علفٍ للجواميس العشر الباقية.

;

المفارقة هي أن جنوبي العراق أو منطقة الأهوار في العراق من المحتمل أن يكون من أغنى المناطق في الشرق الأوسط بسبب احتياطياته النفطية.

ومع ذلك، يعيش الكثيرون من سكان أهوار العراق في بؤسٍ، وعلى الرغم من ظهور أعمدة حرق الغازات المتصاعدة من الآبار النفطية من مسافات بعيدة، تظل المنطقة معتمدة على تقلُّبات الطبيعة وإدارة الموارد أو سوء إدارتها.

وقال صباح (27 عاماً): "أتمنى لو كان يمكننا مبادلة النفط بمزيدٍ من المياه، فهي ما نحتاج إليه من أجل الحياة ومصدر كل شيءٍ".

وهم أحفاد السومريين الذين مثّلوا أولى حضارات الرافدين

يُذكَر أنَّ منطقة الأهوار في العراق اشتهرت في الغرب على يد المستكشف ويلفريد ثيسيغر، في منتصف القرن العشرين، عندما وصف العرب الذين عاش بينهم بأنهم عنيدون ومستقلون ويكرِّسون حياتهم للأرض والمياه والأسماك والجاموس.

ويعتبرهم الكثيرون أحفاد السومريين، الذين مثَّلوا أولى حضارات بلاد الرافدين، وبنوا مساكن ذات أسطحٍ دائرية مصنوعة من القصب وعاشوا فيها، وهي نفس المساكن التي يعيش بها السكان الحاليون، وأُطلق عليها "المضايف" لـ6 آلاف سنة.

وصحيحٌ أنَّ قوارب المزارعين التي يدفعون أنفسهم بها على طول القنوات والمصارف صارت تعمل الآن بمحركاتٍ خارجية، بدلاً من العصي الطويلة، لكنَّ مظاهر الحياة الأخرى لم تتغير كثيراً، على الأقل الحياة التي يريدون أن يعيشوها.

كان ذلك قبل أن ينتقم صدام حسين من أهوار العراق

فقد تعمَّد الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين الذي أطيح به عقب غزو العراق سنة 2003، تجفيف منطقة الأهوار في العراق عن طريق بناء سلسلة من السدود والحواجز لمعاقبة المتمردين الشيعة وجماعات المعارضة الذين كانوا يسكنونها.

وتحوَّلت نحو 90% من أراضي الأهوار إلى صحراء في بضع سنين، وانخفض عدد سكان أهوار العراق الذي كان يبلغ 500 ألف نسمة إلى 20 ألفاً فقط.

بدأ عرب الأهوار أنفسهم برامج الإنقاذ الطويلة بتفجير سدود صدام فور سقوطه. وأشادت جماعاتٌ بيئية والحكومة الجديدة بذلك، ووصفته بأنه مثال يُحتذى به لاستعادة حياة مستدامة في المنطقة.

والآن يلومون جيرانهم الأتراك والإيرانيين

لكنَّ البعض الآن يلومون تركيا وإيران وتغيُّر المناخ والفساد الحكومي، على الانهيار الكارثي الذي يُعيد إصابة من ربع إلى ثلث الأهوار الأصلية، التي تعافت بدرجةٍ كبيرة أو صغيرة من الجفاف.

وقال جاسم الأسدي، المدير الإقليمي لمؤسسة خيرية محلية تدعى "طبيعة العراق"، إنه على الرغم من وجود موجات الجفاف من قبل، لا سيما في عامي 2009 و2015، فإنَّ موجات العام الجاري 2018 لم يسبق لها مثيل. إذ انخفض منسوب المياه في الأهوار على مرِّ 6 أشهر من 1.8 متر فوق مستوى سطح البحر إلى 46 سنتيمتراً فقط، أي بمعدلٍ يزيد عن المتر.

جنوب العراق من أغنى المناطق النفطية، لكن يعيش الكثيرون من سكانه في بؤس/ رويترز
جنوب العراق من أغنى المناطق النفطية، لكن يعيش الكثيرون من سكانه في بؤس/ رويترز

وذكر الأسدي قائمةً طويلةً من العوامل المسببة، قائلاً إنَّ أوضحها هو نقص الأمطار في العام الجاري، لكنَّ حالات الجفاف ليست نادرة في الخليج، أمَّا العامل الجديد الأوضح فهو القرار التركي بملء سد إليسو العملاق على نهر دجلة شمال الحدود العراقية.

وانخفضت كمية المياه المتدفقة بسرعةٍ كبيرة جداً، بعد بدء التعبئة قبل الموعد المحدد، في يونيو/حزيران، لدرجة أنَّ سكان بغداد تمكَّنوا في غضون شهرٍ واحد من ذلك، أن يسيروا في النهر على أقدامهم لأول مرةٍ في التاريخ المسجل.

وفي الوقت نفسه، اعترضت إيران -التي تعاني نقص المياه لديها بسبب الإدارة السيئة والاستخدام المفرط للمياه الجوفية- سبيل الكثير من روافد نهر دجلة. وقد حفرت بالفعل سداً في النصف الخاص بها من أهوار الحويزة، التي تُمثِّل جزءاً من الأجزاء الثلاثة التي تُشكِّل النظام البيئي.

وهو ما أثر على حيات سكان أهوار العراق ودفعهم مرة أخرى للهجرة

تمثل هذه الإجراءات ضربة مزدوجة: فقدان المياه الوافدة إلى منطقة الأهوار في العراق نفسها، ثم حقيقة أن نهر دجلة أقل ملوحةً من نهر الفرات، وهو النهر التوأم لدجلة، ويغذِّي الأهوار أيضاً من الغرب، لذا فكلما قلَّت مياه دجلة التي دخلت النظام، ازدادت ملوحة الأهوار.

وقال الأسدي: "يمكن للجاموس شرب ماء لا تتعدى به نسبة الملوحة 4 آلاف جزء من المليون، ولكن في الأجزاء الشمالية من الأهوار المركزية، تصل نسبة الملوحة الآن إلى 8 آلاف بل و10 آلاف".

وأضاف الأسدي أنَّ فترة حكم صدام حسين شهدت هروب العديد من سكان الأهوار إلى أجزاء أخرى من البلاد، واصطحب بعضهم جواميسهم.

ثم كرَّر الكثيرون منهم الآن نفس الفعل مرة أخرى، إذ هربت العشرات من العائلات في أهوار العراق في الأشهر الثلاثة الأخيرة.

وقال كريم سيد الغالب، البالغ من العمر 34 عاماً، وهو أحد المزارعين الأثرياء، ويمتلك 60 رأساً من الجاموس: "أعرف ثلاث أسر هربت إلى الشمال، وإذا استمرَّ الوضع هكذا، سأذهب إلى مدينة سامراء".

لكن لديه أملٌ واحد فقط لإنقاذ قطيعه، وإبقاء أسرته المكونة من خمسة أطفال صغار في الأهوار، إذ قال: "أريد هطول الأمطار وإلَّا سينتهي كل شيءٍ". جديرٌ بالذكر أنَّ العديد من المزارعين السابقين يعيشون بالفعل في فقرٍ بمدينة البصرة العراقية، التي تقع على بعد ساعتين جنوباً. ومن الصعب الاعتماد على الأمطار دون الأنهار في بلاد الرافدين.

علامات:
تحميل المزيد