شدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، على أن "تنحية تركيا وألمانيا الخلافات بينهما جانباً، وفتح صفحة جديدة في العلاقات، والتركيز على مصالحهما المشتركة، باتت ضرورة مُلحَّة".
جاء ذلك في مقالة كتبها الرئيس التركي، تحت عنوان "مطالبنا من ألمانيا"، ونشرتها صحيفة "فرانكفورتر الغماينه تسايتونغ" اليومية الألمانية، الأربعاء.
وستكون هذه أول زيارة رسمية لأردوغان لألمانيا، منذ أصبح رئيساً في العام 2014، وتأتي في أعقاب سلسلة مطوَّلة من الخلافات السياسية مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان جاءت إثر محاولة الانقلاب الفاشلة في صيف 2016.
وبعد أن توترت علاقة تركيا وأميركا بسبب القس المعتقل في تركيا والأزمة الاقتصادي التي واجهتها أنقرة بسبب عقوبات ورسوم أميركية فرضتها واشنطن، تسعى تركيا كما لو أنها تسعى لإقامة علاقات واسعة مع دول الاتحاد الأوروبي.
وقال أردوغان: "التطورات الدراماتيكية التي شهدها العالم خلال الفترة الأخيرة جعلت من الضروري بالنسبة لتركيا وألمانيا تنحية الخلافات بينهما جانباً، وفتح صفحة جديدة في العلاقات، والتركيز على مصالحهما المشتركة".
وتابع في ذات السياق قائلاً: "وذلك لأن هناك مجموعة من التحديات والتهديدات المشتركة التي تواجه البلدين، مثل مشكلة الإرهاب، وقضية اللاجئين، وصعود نجم مذهب التجاريين من جديد".
والاتجارية أو مذهب التجاريين أو المركنتيلية، نزعة للمتاجرة من غير اهتمام بأي شيء آخر، وهي مذهب سياسي-اقتصادي ساد في أوروبا فيما بين بداية القرن السادس عشر ومنتصف القرن الثامن عشر.
وأضاف الرئيس التركي: "تركيا لديها رغبة في تطوير علاقة قائمة على الاحترام المتبادل مع ألمانيا، كما هو الحال مع بقية الدول"، متابعاً: "فعلينا أن نصبغ علاقاتنا ببُعدٍ عقلاني على أساس المصالح المتبادلة، وذلك من خلال تخليص تلك العلاقات من المخاوف، والأمور اللاعقلانية".
واستطرد مخاطباً المسؤولين الألمان: "تعالوا نركز على مصالحنا المشتركة، والتهديدات المحدقة بنا، ومشاكلنا المشتركة. وعلينا أن نترك قنوات الحوار مفتوحة دائماً في النقاط التي يفكر فيها كل منا بشكل مختلف عن الآخر، دعونا نتعاطف فيما بيننا قدر المستطاع من خلال محاولة لفهم حساسيات بعضنا البعض".
وأوضح أردوغان أن "العالم اليوم ينجرف صوب عهد الحروب التجارية الصعبة التي ستلحق الضرر بالجميع؛ وذلك نتيجة الخطوات غير المسؤولة، أحادية الجانب التي تتخذها الإدارة الأميركية".
وأكد أنه "سيكون من المفيد للعالم بأسره أن تقوم دولة تجارية عالمية مثل ألمانيا، ودولة أخرى تتبنى نموذج نمو قائماً على التصدير مثل تركيا، بإيقاف مثل هذه الحروب التجارية من خلال خطوات دبلوماسية متعددة الأطراف مع بلدان أخرى رشيدة".
الرئيس التركي في مقالته سلَّط الضوء كذلك على أن "تركيا لديها رغبة مُلحَّة في إصلاح مجلس الأمن الدولي، وهو أمر ترغب فيه ألمانيا منذ فترة، على أن نضع في هذا الصدد تغيُّر موازين القوى في العالم بعين الاعتبار".
واستطرد قائلاً: "ولهذا السبب نحن دائماً ما نردد مقولة العالم أكبر من خمسة (في إشارة للدول الخمس دائمة العضوية بمجلس الأمن). وذلك لأن مجلس الأمن بهيكله الحالي، وآلية اتخاذ القرارات به، بات مع الأسف عاجزاً عن منع كل ما ظهر بعد الحرب الباردة من صراعات، وحروب داخلية، وإبادات جماعية".
أردوغان ذكر كذلك أن "دول الجوار السوري أولاً، ثم الدول الأوروبية، دفعوا جميعاً وبشكل باهظ ثمن ذلك (عجز مجلس الأمن)، وكان ذلك من خلال الإرهاب، وأزمة اللاجئين وكلاهما من نتاج الحرب الداخلية السورية".
صعود اليمين المتطرف في أوروبا
في سياق آخر، تطرق الرئيس التركي في مقالته إلى صعود تيار اليمين المتطرف في القارة الأوروبية، موضحاً أن "الأحزاب اليمينية المتطرفة تسيء استغلال الهجمات الإرهابية، وأزمة تدفق اللاجئين".
وتابع: "هذه الأحزاب، ومن على شاكلتها من جماعات أخرى بدأ يصعد نجمها من جديد في عموم أوروبا. إذ رأينا أن بعض هذه الأحزاب شريك في ائتلافات حاكمة ببعض الدول هناك".
كما أوضح أن "صعود اليمين المتطرف والعنصرية المؤسساتية، يعتبران أكبر تهديدين بالنسبة للنظام الديمقراطي الأوروبي، ولنموذج التعايش الذي يجمع بين ثقافات ومعتقدات مختلفة".
وبيّن أردوغان أنه "بسبب هذه الكراهية، وهذا الضعف السياسي، والاجتماعي الاقتصادي، بات المسلمون (في أوروبا) في مرمى الهدف"، موضحاً أن "اليمين المتطرف هناك تاريخياً يبدأ في استهداف الجماعات الضعيفة، لكن عندما تقوى شوكته سيستهدف كافة قطاعات المجتمع التي لا تفكر مثله".
كما أوضح أن "اليمينيين المتطرفين مثل (النرويجي) أندرس بريفيك، وكذلك الإرهابيون الذين يتجاهلون كرامة الإنسان، يستهدفون جميعاً المسلمين، وغير المسلمين أيضاً، وهذا أمر لا ينبغي علينا أن نغفله".
وتابع: "وبالتالي فمن مصلحة ألمانيا وكذلك تركيا الكشف بشكل كامل عن الهجمات الإرهابية التي تشنها الحركة الوطنية الاشتراكية السرية الألمانية (NSU) ضد الألمان من أصل تركي، وكذلك من مصلحة البلدين محاربة ظاهرة الإسلاموفوبيا بشكل فعّال".
في الصدد ذاته ذكر أردوغان أن "ظاهرة الإسلاموفوبيا التي تعرف بأنها عنصرية مناهضة للمسلمين، تعتبر أكبر عائق أمام عضوية تركيا بالاتحاد الأوروبي، فاليمين المتطرف جعل الاستقرار السياسي في بعض الدول الأوروبية هشاً".
ولفت إلى الجهود التي بذلتها تركيا في قضيتي اللاجئين، والإرهاب، ما ساهم في تحقيق الأمن والاستقرار لأوروبا عامة، وألمانيا على وجه الخصوص.
المحاولة الانقلابية الفاشلة وجهود تركيا في محاربة الإرهاب
في سياق آخر، قال الرئيس التركي: "أكثر مطالبنا من ألمانيا أولوية، هي الاعتراف بأن المحاولة الانقلابية (التي شهدتها تركيا قبل عامين) قد نُفذت من قِبَل منظمة فتح الله غولن الإرهابية، كما أقرت الحكومة البريطانية بذلك".
وأضاف: "ومن ثَم على أصدقائنا الألمان الأخذ بالأدلة الموجودة لدى تركيا (بخصوص تورط هذه المنظمة في المحاولة الانقلابية)، وبالتالي اتخاذ خطوات ملموسة بخصوص المؤسسات، والهيئات التابعة لتنظيم غولن الإرهابي، وأتباعه في البلاد".
وتابع: "كما نتطلع إلى أن تقدم ألمانيا الدعم اللازم لتركيا في موضوع التنظيمات الإرهابية، مثل فتح الله غولن، وبي كا كا، وDHKP-C التي تهدد جميعها السلام الداخلي بألمانيا وتجعل مواطنيها هدفاً للهجمات الإرهابية".
وأوضح أن تقارير الاستخبارات الألمانية تشير إلى أن تنظيم "بي كا كا" الإرهابي يقوم بالعديد من الأنشطة داخل البلاد تحت مسميات مختلفة، وأنه يتاجر في المخدرات، ويقوم بتهريب البشر، ويمارس دعاية للإرهاب.
وذكر أن "عناصر تنظيمي غولن، وبي كا كا، ومؤسساتهما يفعلون كل ما في وسعهم من أجل تدمير العلاقات التركية الألمانية".
الرئيس أردوغان أكد كذلك عزم بلاده على "التصدي للإرهاب أياً كان مصدره ودينه وأيديولوجيته، فنحن نواجه في نفس الوقت العديد من التنظيمات الإرهابية، مثل داعش، والقاعدة، وبي كا كا، وتنظيم DHKP-C، ومنظمة فتح الله غولن".
ولفت الرئيس التركي إلى أن "العمليتين العسكريتين درع الفرات ضد داعش، وغصن الزيتون ضد تنظيم بي كا كا، حالتا دون إقامة دولتين إرهابيتين في الشمال السوري".
وأشار إلى أن تركيا "كانت سبباً في تحقيق الاستقرار بتلك المناطق بعد تحريرها من الإرهابيين، ما دفع الأهالي إلى العودة لمناطقهم بعد أن باتت آمنة".
وبخصوص الجهود التي تقدمها بلاده من أجل اللاجئين على أراضيها، قال الرئيس التركي إنه "منذ بداية الأزمة السورية عام 2011، وتركيا تحتضن ملايين اللاجئين دون تفرقة على أساس لغة أو دين أو عِرق، فلقد أنقذنا حياة مئات الآلاف من الأبرياء المدنيين من نساء، وأطفال، ومسنين".
في السياق ذاته، تابع قائلاً: "واليوم تستضيف تركيا 3.9 مليون لاجئ جاءوا بلادنا هاربين من مناطق الصراعات المختلفة، وذلك في وقت ترفض فيه العديد من البلدان الأوروبية استضافة أعداد قليلة من اللاجئين".