جاء الرئيس الأميركي دونالد ترمب متأخراً إلى المنصة في الجمعية العامة للأمم المتحدة صباح يوم الثلاثاء 25 سبتمبر/أيلول. وخلال لحظات كان يُضحك قادة العالم. وكان خطاب ترمب في الامم المتحدة متناقضا كالعادة
وفي جملة تبدو عفوية قال ترمب إن ما حققته إدارته خلال العامين الماضيين من إنجازات فاق ما حققته أي إدارة في تاريخ أميركا، ما تسبَّب في ضحك العشرات داخل القاعة. ولم يكن ترمب على ما يبدو يتوقع ردة فعل الحاضرين، ما جعله يضحك هو الآخر! وفق ما قالت شبكة CNN الأميركية.
قبل أن ينتهي ترمب من كلمته كانت الأجواء قاتمة إلى حدٍّ كبير داخل القاعة المُبجَّلة، التي شهدت "الكثير من اللحظات التاريخية" على حدِّ قول ترمب نفسه.
ولكن في هذا اليوم، كان يصنع تاريخاً لنفسه
ربما سرعان ما ظهرت الرعونة التي كان يتحدَّث بها في خطابه؛ لأنَّه كان يفعل بالضبط ما يتوقَّعه جمهوره: الكثير من الغرور والقليل من التواضع. قال ترمب: "أقف أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة لإطلاعكم على التقدُّم الهائل الذي حقَّقناه. في أقل من عامين، أنجزت حكومتي أكثر من أي إدارة في تاريخ بلادنا".
تفاخر بأنَّ أميركا أقوى وأكثر نفوذاً من أي وقتٍ مضى، إذ قال: "سيكون جيشنا قريباً أقوى من أي وقتٍ مضى. وبعبارةٍ أخرى، الولايات المتحدة أقوى وأكثر أماناً وثراءً مما كانت عليه عندما توليت منصبي.. نحن ندافع عن أميركا والشعب الأميركي".
لقد صرَّح بوضوح عن نظرة إدارته للعالم قائلاً: "سوف تختار أميركا دائماً الاستقلال والتعاون، لا الحوكمة والسيطرة والهيمنة العالمية".
ترمب في كلمته قسّم العالم إلى دول صديقة وأخرى لا تستحق صداقته
كلما طال في الحديث أصبحت نبرته أكثر إنذاراً: "لن نُخضِع أبداً سيادة أميركا إلى بيروقراطية عالمية غير منتخبة وغير خاضعة للمساءلة. أميركا يحكمها الأميركيون. نحن نرفض أيديولوجية العولمة، ونتبنى عقيدة الوطنية".
وقد أوضح ترمب أنَّه سعيدٌ بتقسيم العالم إلى دول يراها أصدقاءً له، وأخرى يعتبرها أعداءً لا تستحق صداقته: "إننا نلقي نظرةً فاحصةً على المساعدات الخارجية الأميركية.. ولنر إذا كانت الدول التي تتلقَّى دولاراتنا وحمايتنا تصون مصالحنا أيضاً. بالمُضي قُدُماً، سوف نقدم المساعدات الخارجية فقط لأولئك الذين يحترموننا، وبصراحةٍ، أولئك الذين هم أصدقاءٌ لنا".
ومع ذلك، عندما أراد أن يشكر بعضاً من هؤلاء الأصدقاء، تحدَّث أكثر عن هذا النوع من الدول التي يعتبرها حلفاء. ولم يذكر العديد من الأصدقاء السابقين، في الواقع، حتى ألمانيا الحليف السابق تناولها بالنقد.
جاء زعيم كوريا الشمالية بالقرب من قمة قائمة الأصدقاء هذا العام، وهو تحوُّلٌ مُدهِش من كونه نفس الزعيم الذي انتقده الرئيس الأميركي بلا تردد العام الماضي من على نفس المنصة.
وقال ترمب: "سافرتُ إلى سنغافورة للالتقاء وجهاً لوجه مع زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون. ومنذ ذلك اللقاء، رأينا بالفعل عدداً من الإجراءات المُشجِّعة التي لم يكن يتصوَّرها إلا قليلون فقط".
توجَّه بالتقدير أيضاً إلى كلٍّ من كوريا الجنوبية واليابان على حدٍّ سواء.
حتى أنه وجَّه الشكر والثناء لدول حليفة له في الخليج وعلى رأسها السعودية
أشار إلى المملكة كحليفٍ رئيسي، وامتدح بشدة حكامها "الاستبداديين"، الملك سلمان وابنه محمد بن سلمان، وفق وصف الشبكة الأميركية.
حظت دولٌ خليجية أخرى أيضاً بثناء الرئيس الأميركي: "تعهَّدَت الإمارات والسعودية وقطر بمليارات الدولارات لمساعدة شعبيّ سوريا واليمن".
وأثنى ترمب كذلك على بولندا التي اجتمع رئيسها اليميني أندريه دودا معه قبل بضعة أيام وعرض تقديم المساعدة لبناء قاعدة عسكرية أميركية جديدة سيطلق عليها "فورت ترمب".
حصل الزعيم البولندي، الذي يواجه عقوباتٍ مُحتَمَلة من زعماء الاتحاد الأوروبي لإقالته بعض القضاة كجزءٍ من تدخُّله السياسي الكاسح في السلطة القضائية في البلاد، على جرعةٍ مضاعفة من الثناء.
أوضح ترمب أنَّ بولندا وجدت مصلحتها معه في ما يخص الطريقة التي تقف بها في مواجهة روسيا، وقال: "نُهنئ الدول الأوروبية مثل بولندا على قيادتها لبناء خط أنابيب بحر البلطيق حتى لا تعتمد الدول على روسيا.. ستصبح ألمانيا معتمدةً كلياً على الطاقة الروسية إذا لم تُغيِّر المسار على الفور".
كان هناك تأييدٌ رنَّان لزعيم الهند الحازم، ناريندرا مودي، إذ سَلطَّ ترمب الضوءَ على جهود مودي للحدِّ من الفقر، ولم يُشر إلى سجله الفاشل في تقويض النزعة الطائفية في الهند.
امتدح ترمب إسرائيل أيضاً، إذ قال: "هناك إسرائيل، تحتفل بفخرٍ بالذكرى السبعين لقيامها كدولةٍ ديمقراطية في الأرض المقدسة". كان هذا بالطبع تلميحاً لأسباب إعلانه القدس عاصمةً لإسرائيل العام الماضي، بينما لم يُشر إلى خفضه ميزانيات الأمم المتحدة الموجهة لدعم الفلسطينيين. العاقبة الواضحة لذلك هي أن الفلسطينيون إذا كانوا يخسرون التمويل والدعم الأميركيَّين، فهم إذن ليسوا أصدقاءً يحترمون الولايات المتحدة.
مع قرب كلمته على الانتهاء، جَمَّع ترمب أفكاره معاً. وتحسُّباً من تفويت أي شيء، أوضح مرةً أخرى اعتقاده بأنَّه على الرغم من أنَّنا قد نتشارك جميعاً في هذا الكوكب، فإنَّنا نعيش فيه بشكلٍ منفصل: "العالم كله أصبح أكثر ثراءً، والبشرية أصبحت أفضل، بسبب هذه المجموعة من الأمم؛ كلٌّ منها ذات طابعٍ فريد وخاص من نوعه، وكلٌّ منها له بريقه اللامع في الجزء الخاص به من العالم".
قبل ساعة أو نحو ذلك، استمع نفس الجمهور إلى رؤية أخرى للعالم من الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريس.
كان يبدو وكأنَّه يُنذر بنزعة ترمب الأكثر قتامة بسرده درساً من التاريخ، إذ قال: "اليوم، مع التحوُّلات في ميزان القوى، قد يزيد خطر المواجهة.. في تقييمه للحرب البيلوبونيسية في اليونان القديمة، قال ثوسيديديس، وأنا أقتبس منه: كان صعود أثينا والخوف الذي أحدثه ذلك في إسبرطة هو ما جعل الحرب حتمية".
يُقَّدم ترمب نظرةً مختلفة للعالم، نظرةً تُبقي الأمم متباعدة. ويظهر ذلك في قوله: "علينا أن ندافع عن الأسس التي تجعل كل ذلك ممكناً. إنَّ الدول المستقلة وذات السيادة هي الوسيلة الوحيدة التي تضمن بقاء الحرية".
سيكون هناك البعض مِمَّن استمعوا إلى ترمب اليوم وسمعوا في خطابه أصداء الثلاثينيات. وهو أمرٌ مثيرٌ للسخرية والتهكم لأنَّ الأمم المتحدة نشأت بعد ذلك لتكبح جماح الفظائع التي شهدها العالم في تلك الفترة القاتمة من التاريخ.