في خضم أزمة نداء تونس الداخلية التي تعصف به منذ سنتين، بدأ الحزب، الذي يمثل الأغلبية في الحكومة، والذي يقوده نجل رئيس الجمهورية، يتداعى، وذلك قبل سنة من إجراء الانتخابات القادمة.
اضطر الرئيس التونسي، الباجي قائد السبسي، البالغ من العمر 91 سنة يوم الإثنين 24 سبتمبر/أيلول، مرة أخرى، إلى توضيح المكانة التي يحظى بها ابنه داخل الحزب الحاكم، نداء تونس، قائلا: "خارج المنزل لا يعد حافظ قائد السبسي ابني، وإنما هو مواطن على غرار باقي المواطنين"، حسبما نقل موقع Médiapart الفرنسي.
وقد صرَّح الرئيس قائلاً: "من الظلم القول إنني بصدد محاباة ابني، حيث إنني لست راضياً عن أداء حزب النداء الذي يضم أطرافاً في خدمته وأخرى معرقلة".
في مساء يوم الإثنين، أعلن الرئيس كذلك عن نهاية التحالف مع الإسلاميين في حزب حركة النهضة، على الرغم من استمرار تمثيلهم السياسي في الحكومة. وقال الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي، الإثنين 24 سبتمبر/أيلول 2018، إن علاقة التوافق التي تجمعه مع حركة النهضة الإسلامية انتهت، بعد أن فضَّلت "النهضة" تكوين ائتلاف مع رئيس الحكومة يوسف الشاهد.
نداء تونس يثير الجدل بسبب تولي ابن الرئيس السبسي رئاسة الحزب
على الرغم من ذلك، تعد تصريحات الرئيس غير كافية لإنهاء الأزمة العميقة التي تعصف بالحزب الرئاسي، قبل سنة من موعد الانتخابات. فبعد مرور سنتين على ترأسه للحزب الذي أسسه الرئيس الباجي قائد السبسي، لا يزال ابنه، المدير التنفيذي للحزب، يثير الجدل.
خلال أربع سنوات، خسر حزب نداء تونس حوالي مليون ناخب في كل من الانتخابات التشريعية لسنة 2014، والانتخابات البلدية لسنة 2018، بالإضافة إلى قائده، الذي لا يملك، وفقاً لوسائل الإعلام التونسية، كاريزما عالية، ولَطالما كان متحفظاً للغاية فيما يتعلق بتصريحاته الصحفية.
شنَّ حافظ قائد السبسي حرباً اعتُبرت "شخصية" ضد رئيس الحكومة يوسف الشاهد، الذي يعد بدوره عضواً في حزب نداء تونس، وتم تعيينه من قبل الرئيس، مطالباً إياه بالاستقالة.
خلال الأسبوع الماضي، تسارعت الأحداث في صلب الحزب المتداعي. خلال سنة 2012، تأسَّس حزب نداء تونس لتعزيز إرث الحبيب بورقيبة ومزيد من إرساء الحداثة، حيث لَطالما كان حركة تجمع بين العديد من التوجهات السياسية. وقد نُسب نجاحها الانتخابي خلال سنة 2014 إلى "التصويت المفيد"، وهو تصويت ضد الإسلاميين الذين حكموا خلال الفترة بين سنة 2011 وسنة 2014 في الترويكا، لصالح حزبين آخرين.
في المقابل، يعاني نداء تونس في الوقت الراهن من أزمة لا يبدو أن لها حلاً، إذ يعود ذلك جزئياً إلى التباين بين الأساليب المعتمدة من قبل العائلة الرئاسية والحزب السياسي. فضلاً عن ذلك، أثَّرت هذه الأزمة على الحكومة، باعتبار أن زعيم الحزب يرغب في رحيل رئيس الوزراء، بينما يريد خصومه الحفاظ عليه، بهدف ضمان الاستقرار في ظلِّ وضع اقتصادي واجتماعي صعب.
خلال الأسبوع الماضي، وصلت الأزمة إلى نقطة اللاعودة. فبعد أن عرض على رئيس الحكومة استجواب حول العلاقات التي تجمعه بحزب حركة النهضة الإسلامي، الذي لم يُجب عليه المعنيّ بالأمر، اتخذ آخر "أفراد القبيلة" الملتفين حول حافظ قائد السبسي قراراً بتجميد عضوية يوسف الشاهد داخل الحزب.
وهناك خلافات داخلية بسبب تغييب القاعدة عن اتخاذ القرارات
صرَّح المنسق الجهوي الشاب لنداء تونس في الضاحية الجنوبية لمدينة تونس، لؤي الطرابلسي، قائلاً: "إنها القطرة التي أفاضت الكأس، حيث إننا لم نعد نفهم شيئاً من القرارات التي يتخذها كل من حافظ قائد السبسي وحاشيته". وقد أدرك مكتب الحزب ما حدث، حيث قدم 14 عضواً استقالتهم من حزب نداء تونس، بعد الإعلان عن قرار تجميد عضوية الشاهد.
ولا يعد ذلك سوى تكملة لسلسلة الاستقالات التي بدأت منذ مؤتمر سوسة الشهير، الذي انعقد في العاشر من يناير/كانون الثاني، حيث عين حينها حافظ قائد السبسي من قبل فئة صغيرة من الناشطين لإدارة الحزب. وفي ذلك الوقت، شجب المنشقون الآليات المعتمدة في تعيين الأعضاء، حيث اعتبر البعض منهم أن الأمر يرتبط بالأساس بالمحسوبية.
من جهته، صرَّح منصف سلامي، العضو البارز في حزب نداء تونس، الذي تم الزج به في الآونة الأخيرة داخل هذه الخلافات، على الرغم من أنه يعد مقرباً من الرئيس وعائلته، قائلاً: "لقد عارضنا بشدّة ترشيحه خلال سنة 2014، للانتخابات التشريعية عن دائرة تونس، التي سبق أن وافق عليها والده. وإلى الآن لم أفهم السبب وراء مواصلة دعمه له".
وهناك اتهامات لرئيس الحزب بالتورُّط في الأعمال التجارية المشبوهة
بالنسبة للبعض، لا يحظى حافظ قائد السبسي بالشرعية، في حين يعتبر البعض الآخر أنه مجرد ضحية لورثته الآخرين، الأمر الذي أثار الجدل منذ وصوله إلى الحزب. ويمتع حافظ قائد السبسي بخبرة في مجال الأعمال التجارية المشبوهة مع الطبقة الراقية في تونس، حيث يعدّ وضعه الضريبي غامضاً، ولا يعكس نجاحه الحقيقي في مجال محدد.
وتضمَّنت مسيرة حافظ قائد السبسي المهنية تقلّده مجموعة من المناصب، على غرار توليه منصب نائب رئيس أحد الأندية الرياضية. وقد صرَّح مصدر داخل حزب نداء تونس، أراد عدم الكشف عن هويته، أنه "يعد بمثابة البطة القبيحة داخل العائلة، ما دفعه إلى محاولة إثبات وجوده، وهو ما استطاع القيام به من خلال قيادة حزب والده".
ويُعرف حافظ قائد السبسي بعدم بلاغته، وعدم شعوره بالارتياح في لقاءاته مع وسائل الإعلام. وغالباً ما يتلافى ذلك عن طريق نشر بيانات صحفية على صفحته الخاصة على موقع فيسبوك، ينتقد فيها يوسف الشاهد أو يُنكر تماماً الأزمة داخل الحزب. على الرغم من ذلك، يعتقد آخرون أنه على الرغم من افتقاره للخبرة في المجال السياسي، إلا أنه تمكَّن من فرض نفسه داخل الحزب.
وأفادت وفاء مخلوف، عضو المكتب السياسي للحزب، التي لا تزال تنشط فيه، أنها لا تعتقد أن "حافظ هو السبب وراء المرحلة الصعبة التي يمر بها الحزب، فقد كان حاضراً منذ بدايات نداء تونس. ومن الطبيعي أن يستغل بعض الفرص التي أتيحت له.
تونس في 08 سبتمبر 2018 بيـــــــــانبعد إقدام رئيس الحكومة يوسف الشاهد على استقبال مجموعة من نواب كتلة نداء تونس في…
Geplaatst door Hafedh Caïd Essebsi حافظ قائد السبسي op Zaterdag 8 september 2018
المشكلة الحقيقية في المحيطين برئيس الحزب، خاصة الداعمين لـ "بن علي"
لكن، تكمن المشكلة الحقيقية في محيطه السياسي، الذي يُقدم على تغيير مواقفه بشكل دائم". في الواقع، تتكون حاشية حافظ قائد السبسي من مؤيدين سابقين للحزب الرئاسي في عهد بن علي (التجمع الدستوري الديمقراطي)، ورجال أعمال مشكوك في نزاهتهم، علاوة على شخصيات إعلامية مثيرة للجدل.
ودأبت كل هذه الأطراف على تقديم تصريحات باسم الحزب دون التشاور مع أعضائه، فضلاً عن إثارة الجدل في مناسبات متكرِّرة، وتوجيه اتهامات مباشرة لبعض شخصيات الحزب دون أي أساس قانوني.
واعترفت وفاء مخلوف، أن المكتب السياسي للحزب لم يعقد عدداً كافياً من الاجتماعات في الأشهر الأخيرة، بالإضافة إلى فشل النداء في الانتخابات البلدية، التي حلَّ فيها في المرتبة الثالثة بعد حزب حركة النهضة والقوائم المستقلة.
وفي هذا السياق، صرَّحت مخلوف قائلة: "لقد خسرنا الانتخابات البلدية في أماكن كنا نُمثل فيها أغلبية، على غرار المنستير، مسقط رأس بورقيبة، التي افتقرت قوائمنا الانتخابية فيها إلى أسماء مهمة ومؤثرة. ومثَّل ذلك خسارة حقيقية للحزب".
عانى حزب النداء من إخفاق مروِّع آخر، حيث انتخبت العضوة في حزب حركة النهضة سعاد عبدالرحيم، على رأس بلدية تونس، في الوقت الذي كان فيه نداء تونس ينتظر فوز مرشحه بهذا المركز.
لذلك فالاستقالات تتزايد بشكل كبير في الحزب في الفترة الحالية
في الوقت الحالي، تضاعف عدد الاستقالات من الحزب. وقد فضل الناشطون المنتمون إلى اليسار الاجتماعي الليبرالي، الذين انضموا إلى الحزب في بداياته، فضلاً عن المثقفين، التخلي عن العائلة السياسية للنداء منذ فترة طويلة. وقد أسَّس أكثرهم طموحاً، على غرار محسن مرزوق، المعروف بتمرُّسه في السياسة، حزبهم الخاص، بعد أن وحَّدوا صفوفهم مع قدماء هذا الحزب.
ولعل الأسوأ من ذلك، أن كتلة نداء تونس البرلمانية، التي كانت تُمثل أغلبية في مجلس النواب بعدد مقاعد بلغ 86 مقعداً لم تعد تشغل سوى 56 مقعداً.
نتيجة لذلك، نجح حزب حركة النهضة في التقدم على حسابها، حيث يُمثله 68 نائباً. وخلال هذا الشهر، استقال 8 أعضاء من كتلة نداء تونس للانضمام إلى أخرى جديدة مكونة من 43 نائباً، أُطلق عليها اسم "الائتلاف الوطني". وتدعم هذه الكتلة يوسف الشاهد كما ترغب في تكوين تجمع سياسي جديد.
أورد منصف سلامي، أنه "في سنة 2012، كنا ملتفّين حول فكرة مشتركة وهي منع صعود الإسلاميين. وإلى يومنا هذا، ما زالت هذه الفكرة قائمة. ويمكن لكتلة "الائتلاف الوطني" أن تتمخض عن قوة حقيقية تُشكل معارضة سياسية". لكن قبل حوالي سنة من موعد تنظيم الانتخابات التشريعية والرئاسية المقبلة، هل سيمتلك هذا التجمع الجديد المقومات الضرورية لوضع الآلية الانتخابية اللازمة للفوز؟
كان من المقرر عقد مؤتمر انتخابي لحزب نداء تونس، الذي وعد به حافظ قائد السبسي شخصياً، خلال الشهر الجاري. لكن تم تأجيله في النهاية إلى شهر يناير/تشرين الثاني. ووفقاً للعديد من الناشطين المحبطين، من الممكن ألا يتم عقده أساساً.
صلب هذه العاصفة، كان حافظ قائد السبسي الشخصية الوحيدة التي لم تتأثر بكل هذه المستجدات. وبيّن منصف سلامي أن "المشكلة تتمثل في أنه، منذ توليه مقاليد الحزب، ركز حافظ قائد السبسي على فرض تعيينات واقتراح أسماء الوزراء فقط". ومن جهتها، أوضحت زهرة إدريس، النائبة في البرلمان التي استقالت حديثاً من الحزب، أن "كل اجتماعات المكتب السياسي قد كُرِّست في النهاية للبحث في كيفية توسيع نفوذ حافظ السبسي".
حالياً، لم يعد المكتب السياسي للنداء يضم سوى 19 عضواً، من جملة 31، في حين لم تعد علاقاته بحزب حركة النهضة، الذي شكَّل معه حكومة الوحدة الوطنية، جيدة. وقد شدَّدت أطراف عديدة على أنه لم يتبق من الحزب سوى اسمه.
يوم الإثنين، اقترح الرئيس التونسي تغيير الدستور من أجل تجنب "السياحة السياسية"، في إشارة منه إلى جميع الأسماء التي انضمت إلى الحزب تحت رعايته قبل أن تتخلى عنه اليوم. وأبدت النائبة زهرة إدريس، عدم اقتناعها بهذه الفكرة، حيث أفادت أنه "من المؤسف أننا نشهد نهاية النداء. وتتمثل الأولوية حالياً في خلق تجمع جديد من أجل الانتخابات القادمة"، التي من المنتظر عقدها في ديسمبر/كانون الأول من سنة 2019