لكنَّ تكاليف الاقتراض المرتفعة في مصر تؤذي الشركات المحلية، وتعيق خطط الحكومة لخفض عجزٍ في الميزانية هو الأعلى بين الاقتصادات النامية، حسب تقرير لوكالة Bloomberg الأميركية.
الديون تحتاج إلى مزيد من الديون!.. هكذا أثرت الأزمة التركية على مصر
ويشكِّل معدَّل الدَّين الحكومي في مصر 86% من إجمالي الناتج المحلي، وتُخطط الحكومة لأخذ مزيدٍ من القروض قريباً، ولكن أزمة الأسواق الناشئة تعقّد خطط صانعي السياسات النقدية للبلاد رغم نجاههم في حماية الجنيه المصري.
وسجَّلت سوق الأوراق المالية في مصر مؤخراً أقلَّ مستوى لها في العام الجاري (2018)؛ إذ شهدت عملياتِ بيعٍ للتصفية؛ بسبب تحقيقٍ بشأن تداوُل داخلي غير شرعي أوقع أشخاصاً مرتبطين باثنين من كبرى دور الاستثمار في البلاد.
لكنَّ هذا التراجع يأتي أيضاً وسط مخاوف من انتقال الأزمة من تركيا، التي فقدت عملتها 40% من قيمتها أمام الدولار في العام الجاري (2018).
وقال أحمد كوجك، نائب وزير المالية المصري: "تخيَّل لو حدث هذا قبل برنامجنا للإصلاح"، معتبراً أنَّ إصلاح الحكومة الاقتصادي قد كبح تأثير الأزمة التركية.
وأضاف أنَّ المسؤولين المصريين يراقبون تركيا من كثب وهي تكافح لاحتواء أزمتها.
مصر قد تتراجع عن أحد تعهداتها لصندوق النقد الدولي
بعد رفع معظم ضوابط رأس المال في نوفمبر/تشرين الثاني عام 2016، رفعت مصر أسعار الفائدة؛ لتثبيت قيمة الجنيه المصري وكبح التضخم الذي تجاوز 30% معظم العام الماضي (2017).
وساعد إصلاح العملة في الحصول على قرضٍ بقيمة 12 مليار دولار من صندوق النقد الدولي لدعم الإصلاح الاقتصادي، الذي يهدف إلى خفض عجز الميزانية إلى 8.1% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول منتصف عام 2019. والآن تقول الحكومة إنَّها قد تضطر إلى تعديل هذا الهدف؛ إذ تؤثر تكاليف خدمة الديون على مواردها المالية.
كان من المتوقع أن يُخفض البنك المركزي المصري أسعار الفائدة بما يصل إلى 5 نقاط مئوية هذا العام (2018) مع تباطؤ التضخم. فقد خفض أسعار الفائدة 200 نقطة أساس في فبراير/شباط ومارس/آذار 2018، لكنَّه توقف عن التخفيض؛ بسبب تأثير "التوترات التجارية" وزيادة تضييق "الشروط المالية العالمية" على بعض عملات الأسواق الناشئة، إلى جانب أسبابٍ أخرى.
ومن المقرر أن تعقد لجنة السياسة النقدية المصرية اجتماعها القادم يوم الخميس 27 سبتمبر/أيلول 2018؛ لمناقشة سعر الفائدة. وقال جميع الاقتصاديين الستة الذين شملهم استطلاع رأي بلومبيرغ، إنَّهم يتوقعون أنَّها ستُبقي معدلات الفائدة اليومية للإيداع عند 16.75%.
وفيما يلي، القضايا الرئيسية التي تشغل أذهان واضعي السياسات المصريين، حسب الوكالة الأميركية:
مشكلة الميزانية: كل نقطة مئوية زائدة في الفائدة تكلف البلاد هذه المبالغ الطائلة
يؤدي ارتفاع الفائدة إلى ديونٍ باهظة التكلفة على الحكومة المصرية، ويهدد بعكس مسار نجاحها بالعام الماضي (2017) في خفض عجز الميزانية إلى أقل من 10% من الناتج المحلي الإجمالي للمرة الأولى منذ عام 2011.
وتوقع المسؤولون تخفيضاتٍ كبيرة في معدلات الفائدة بالعام المالي 2018-2019، حيثُ حددوا أنَّ متوسط العائد على الديون المحلية سيبلغ 14.7% مقابل 18.5% في الفترة من 2017 إلى 2018. وبدلاً من ذلك، أصدرت الحكومة سندات خزانة وأذون خزانة بمتوسط عائد يبلغ نحو 19% منذ بداية السنة المالية في يوليو/تموز 2018. وقال وزير المالية محمد معيط، هذا الشهر (سبتمبر/أيلول 2018)، إنَّ هذا يخلق "مشكلةً كبيرة" مع ارتفاع تكاليف الخدمات.
ويوم الإثنين 24 سبتمبر/أيلول 2018، ألغت الحكومة للمرة الرابعة على التوالي، مزاداً على أذون الخزانة؛ بسبب ارتفاع معدلات الفائدة التي يطلبها المستثمرون.
وفي خطة الميزانية الحالية 2018-2019، من المتوقع أن تنمو مدفوعات الفائدة إلى 541 مليار جنيه (30.2 مليار دولار)، ما يشكل 38% من إجمالي الإنفاق و70% من عائدات الضرائب.
فكل زيادة بمقدار نقطة مئوية واحدة في متوسط المعدلات ترفع فاتورة خدمة الديون بمقدار 4 إلى 5 مليارات جنيه، وفقاً لميزانية الدولة.
وتسعى الحكومة إلى خفض تكاليف التمويل، عن طريق الاستفادة من أسواق الدين العالمية، والاعتماد بشكل أقل على سندات الخزانة المُقدَّرة بالجنيه المصري الأعلى سعراً.
وتسببت المشاكل بالأسواق الناشئة في ارتفاع أسعار السندات بالنسبة لمصر، لكن هذا لا يعني أنَّها باهظة التكلفة، وفقاً لما قاله الخبير الاقتصادي جان ميشيل صليبا، من بنك أوف أميركا ميريل لينش.
مخاوف العملة: لهذا السبب ما زال الجنيه المصري صامداً، وهذا مصيره
ساعد الاستقرار النسبي بقيمة الجنيه المصري في جعل القاهرة ملاذاً آمناً من التقلبات، وسط الانهيار الحادث بالأسواق الناشئة التي حدثت بعد تدهور الليرة التركية.
ومع ذلك، فقد سُحِبَ ما لا يقل عن 6 مليارات دولار من الأرصدة الأجنبية في الديون المحلية من البلاد خلال 3 أشهر من نهاية أبريل/نيسان 2018، والارتفاع الأخير في العائدات يشير إلى تضاؤل اهتمام الأجانب بالاستثمار في مصر.
وبعد الارتفاع السريع للاحتياطات في أعقاب إصلاح العملة عام 2016، وصلت الاحتياطيات الأجنبية إلى أعلى مستوى لها على الإطلاق وهو 44.4 مليار دولار.
على الرغم من ذلك، لم يُؤثر قلق المستثمرين على الجنيه المصري. وبالنظر إلى أنَّ معظم التدفقات الأجنبية الوافدة كانت متوقفةً في صندوق خاص بالبنك المركزي، ولم تُستخدم لتمويل عجز الحسابات الجارية، فإنَّ التأثير المباشر لتدفقات استثمارات حافظات الأوراق المالية إلى الخارج على الجنيه لن يكون بالشدة نفسها كما هو الحال في الأسواق الناشئة الأخرى.
وقال محمد أبو باشا، رئيس قسم التحليل الشامل في البنك الاستثماري "المجموعة المالية-هيرميس" بالقاهرة: "حقق الجنيه المصري أدنى قدر من المكاسب في الطريق صعوداً، وسيحقق أدنى قدر من الخسائر الآن بعد أن انعكس مسار التدفق، نحن نرى أنَّ تأثير مشاكل الأسواق الأخرى على مصر أدى إلى حدٍ كبير إلى ارتفاع أسعار الفائدة المحلية فترة أطول".
حقيقة النمو المرتفع: اعتمد على الفائدة وليس الاقتصاد الفعلي، فكيف يستمر؟
شكلت معدلات الفائدة المرتفعة الطريقة التي توسَّع بها الاقتصاد خلال العامين الماضيين.
وفي المقابل، فإن دور الاستثمارات الأجنبية في الاقتصاد الفعلي متأخر عن ركب الأهداف الاقتصادية الأخرى.
والمشكلة أنَّ تكاليف الاقتراض المرتفعة تقوّض الانتعاش في القطاع الخاص المحلي.
ويقول منصف مرسي، رئيس قسم التحليل المالي بشركة CI Capital بالقاهرة، إنَّ الشركات "لا ترغب في الاقتراض من أجل التوسع؛ لأنَّ القروض باهظة الثمن، والائتمان المصرفي آخذ في الازدياد، لكنَّه في الغالب يهدف إلى تمويل رأس المال المتداول (الأموال التي تُستخدم مرة واحدة في العمليات الاقتصادية كىشراء المواد الخام والسلع نصف المصنوعة والسلع الوسيطة)، وليس الاستثمار".
في حين نما الاقتصاد بنحو 5.3% في العام المالي الماضي، وهو أسرع معدل منذ عقدٍ من الزمان.
كان هذا التوسع مدفوعاً أساساً بالإنفاق الحكومي على البنية التحتية، وضمن ذلك بناء عاصمة جديدة شرق القاهرة، والانتعاش في استثمارات قطاعي السياحة والغاز، وفقاً لما يقوله عمر الشنيطي، المدير العام لبنك الاستثمار Multiples Group في القاهرة.
ومع ذلك، ينطلق النمو كذلك من مستوىً متدنٍّ بعد الاضطراب الاقتصادي الذي سبق إصلاح الجنيه المصري.
ولن تنمو تلك العوامل بالضرورة بالوتيرة نفسها هذا العام (2018)، وبيئة أسعار الفائدة لا تساعد على زيادة الاستثمار الخاص، على حد قول الشنيطي.
وهذا يؤدي بالاقتصاد إلى الاعتماد بشكل كبير على الإنفاق الحكومي من أجل التوسع.
وأضاف الشنيطي: "الاعتماد على الإنفاق العام لتحقيق النمو قد لا يكون مثالياً بالنظر إلى ارتفاع تكلفة الاقتراض على الحكومة، والحاجة إلى إعادة التمويل، لكنَّ هذا قد يكون كل ما هو متاح في الفترة المقبلة".