يبدو أن الصراع الأميركي الإيراني على العراق لم ولن ينتهي قريباً، فانتخاب هيئة رئاسة مجلس النواب لم تكن سوى الجولة الأولى التي جاءت لصالح طهران. كل من واشنطن وطهران تضغطان حالياً على القوى الشيعية والسُّنّية لدعم المرشح الموالي لهما لرئاسة العراق.
الاتحاد الوطني الكردستاني، بزعامة رئيس جمهورية العراق السابق جلال طالباني، المقرب من إيران، رشَّح القيادي في الاتحاد ورئيس حكومة الإقليم السابق برهم صالح لرئاسة الجمهورية.
بعدها بأيام أعلن حليفه الحزب الديمقراطي الكردستاني، بزعامة رئيس الإقليم السابق مسعود بارزاني، المقرب من الولايات المتحدة الأميركية وبعض الدول الأوروبية، ترشيح رئيس ديوان رئاسة الإقليم فؤاد حسين لرئاسة الجمهورية، ما دفع رئاسة مجلس النواب إلى تأجيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إلى شهر أكتوبر/ تشرين الأول.
وتقضي التوافقات السياسية في العراق منذ عام 2005 بأن تكون رئاسة الجمهورية للأكراد، وهو منصب فخري بلا صلاحيات تُذكَر، ورئاسة مجلس النواب للعرب السنة لتشريع القوانين ومراقبة أداء الحكومة، ورئاسة الوزراء للعرب الشيعة لإدارة الحكومة التنفيذية.
20 مرشحاً يتنافسون على رئاسة العراق
ويتنافس 20 مرشحاً على رئاسة العراق، اثنان منهم يدعمهما الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي، وسط خلاف وصراع كردي على هذا المنصب، لن ينتهي إلا باختيار أحد المرشحين لرئاسة الجمهورية.
يقول أسوس علي، القيادي في الاتحاد الوطني، لـ "عربي بوست"، إن المكتب السياسي للاتحاد الوطني الكردستاني صوّت في 19 سبتمبر/أيلول 2018 على عودة برهم صالح إلى المكتب السياسي، وانتخابه كمرشح لرئاسة جمهورية العراق.
صالح حصل على 26 صوتاً من أصوات المكتب السياسي من أصل 42 صوتاً، بينما حصل محمد صابر على 15 صوتاً، ولطيف رشيد حصل على صوت واحد فقط.
وأوضح علي أن برهم صالح هو "المرشح الوحيد والرسمي للاتحاد الوطني الكردستاني لرئاسة الجمهورية"، مشيراً إلى أن قرار ترشيح لطيف رشيد لهذا المنصب هو قرار منفرد، ولا يمثل رأي الاتحاد، على حد تعبيره.
هناك أسماء كثيرة رُشحت لتولي رئاسة العراق، إلا أن قرار انتخاب رئيس جمهورية العراق عائد إلى ثُلثي أعضاء مجلس النواب العراقي.
صراع كردي على رئاسة الجمهورية
ويؤكد النائب ريبوار طه، عن الاتحاد الوطني، لـ "عربي بوست"، أن برهم صالح هو مرشح الاتحاد الوطني الكردستاني لرئاسة الجمهورية، و "نحن بصدد الحوارات واللقاءات مع الأحزاب والكتل السياسية الأخرى من القوى الشيعية والسنية للتصويت على مرشح الاتحاد لرئاسة جمهورية".
ولفت طه إلى أن هناك حوارات ولقاءات سياسية مستمرة بين قيادات الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي لتسهيل مهمة مجلس النواب واختيار مرشح كردي واحد لرئاسة الجمهورية، والتصويت على هذا المرشح في جلسة الأسبوع المقبل للبرلمان العراقي.
الصراع بين الأحزاب الحاكمة في إقليم كردستان العراق بدأ منذ إقامة استفتاء انفصال كردستان عن العراق وإقامة دولة كردية.
ووصل الصراع إلى ذروته بعد دخول القوات الاتحادية العراقية إلى كركوك والمناطق المختلف عليها إدارياً بين بغداد وأربيل، بمساعدة بافل طالباني، نجل مؤسس الاتحاد الوطني، مما عقّد الأزمة بين السليمانية معقل طالباني، وأربيل عاصمة كردستان.
اتحاد طالباني متَّهم بتهديم البيت الكردي
مسؤول في الحزب الديمقراطي الكردستاني قال لـ "عربي بوست"، إن الاتحاد الوطني يحاول "هدم البيت الكردي"، فمنذ استفتاء كردستان، يتحرك الاتحاد بإرادة خارجية، بالتعاون مع المسؤولين في بغداد.
وأضاف: "القرارات التي يتخذها قيادات الاتحاد هي مُسيّرة وليست مخيرة، إعلان ترشيح برهم صالح لرئاسة الجمهورية دون الرجوع إلى حلفائهم الأكراد، يخدم أجنداتهم السياسية فقط لا غير".
وأضاف المسؤول أن رئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني حصل على دعم وتأييد القوى السياسية لمرشح الحزب الديمقراطي فؤاد حسين لرئاسة الجمهورية، "هذا سيسهم في تسهيل مهمة الحصول على 218 صوتاً من أصوات أعضاء مجلس النواب في جلسة انتخاب رئيس الجمهورية".
إلى ذلك، ردّ الاتحاد الوطني الكردستاني على اتهامات الحزب الديمقراطي ووصفها بالباطلة، متهماً حزب بارزاني بمساومته سياسياً للحصول على منصب محافظ كركوك ومناصب وزارية في الحكومة الاتحادية العراقية.
الاستحواذ على المناصب وإلغاء اتفاق الأحزاب الكردية
قيادي في الاتحاد الوطني، رفض الكشف عن نفسه، كشف لـ "عربي بوست"، عن "اتفاق كردي سابق بين الراحل جلال طالباني ومسعود بارزاني، على أن يحصل الحزب الديمقراطي على رئاسة حكومة الإقليم، في المقابل يحصل الاتحاد الوطني على رئاسة جمهورية العراق، فضلاً عن منصب محافظ كركوك. إلا أن الديمقراطي بزعامة بارزاني يحاول الاستحواذ على جميع المناصب، وإلغاء الاتفاقيات السابقة بين الحزبين الكرديين".
وتابع القيادي في الاتحاد الوطني أن المفاوضات السياسية بين الاتحاد الوطني والحزب الديمقراطي لم تنتهِ، ولا تزال مستمرة لاختيار أحد المرشحين لرئاسة الجمهورية، إلا أن إطلاق التهم من قِبل "الديمقراطي" بحق الوطني "باطلة وغير مقبولة"، برهم صالح هو المرشح الأفضل حالياً لرئاسة العراق، على حد تعبيره.
الخلاف الكردي يؤجّل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية
ويقول مسؤول في مجلس النواب، غير مخوّل له بالتصريح، لـ "عربي بوست"، إن رئاسة البرلمان العراقي تلقت طلباً من الأحزاب الكردية، بتأجيل جلسة انتخاب رئيس الجمهورية إلى مطلع شهر أكتوبر/تشرين الأول، بسبب كثرة المرشحين وعدم اتفاق الأكراد على مرشح معين، "التنافس الكردي على رئاسة الجمهورية أجّل جلسة الانتخاب إلى الأسبوع المقبل".
وأشار المسؤول إلى أن رئاسة مجلس النواب أغلقت باب الترشح على رئاسة الجمهورية بعد تسلّم طلبات المرشحين، حيث بلغ عددهم 20 مرشحاً، من بينهم نائبة سابقة في البرلمان العراقي.
اتهامات بالتجسس
هنا فجّر كمال قادر، السياسي والمسؤول السابق في حكومة إقليم كردستان وزميل المرشح فؤاد حسين، قنبلة موقوتة بحق زميله، واتهمه بالتجسس الأجنبي والعمل لصالح الموساد الإسرائيلي، واغتصاب صحفية مصرية أثناء عملها في العراق.
وذكر قادر لـ "عربي بوست"، أنه "يعرف المرشح فؤاد حسين منذ 40 عاماً، عندما كان عضواً في الاتحاد الوطني الكردستاني قبل أن ينشق وينضم إلى الديمقراطي الكردستاني، المرشح لرئاسة الجمهورية كان يعمل في الموساد الإسرائيلي سنة 1974 – 1975 في مقر قيادة ملا مصطفى بارزاني، حيث يقوم بترجمة الوثائق التي يحصل عليها الموساد عن طريق المخابرات التابعة لقوات بارزاني من اللغة العربية إلى الإنكليزية، والتي كانت تتعلق بأمن وجيش واقتصاد العراق في القرن الماضي، بعد انهيار الحركة الكردية المسلحة سنة 1975، قامت القوات التابعة لمسعود بارزاني بإرسال فؤاد حسين إلى هولندا؛ حيث تزوج هناك، واكتسب جنسيتها، وهو لا يزال مواطناً هولندياً ولا يعترف بالعراق".
وأضاف أن "فؤاد حسين تم استدعاؤه إلى الولايات المتحدة الأميركية قبل الهجوم الأميركي واحتلال بغداد، وتمت تهيئته لتسلّم المسؤولية في العراق، وبعد الاحتلال تمت إعادته للعراق علی متن طائرة عسكرية، وعیّنوه مستشاراً في وزارة التربیة ثم جلبوه إلی أربیل، وعیّنوه رئیساً لدیوان مسعود بارزاني، رئیس إقلیم کردستان آنذاك، وکان بمثابة عیون وآذان الأميركان أیضاً في مكتب رئيس إقليم كردستان".
وأشار قادر إلى أن "فؤاد حسين له سوابق غير أخلاقية، حيث قام بالتحرش واغتصاب ناشطة سياسية نمساوية بعد اقتحام غرفتها، وطلب ممارسة الجنس معها بالقوة، أثناء انعقاد مؤتمر حول القضية الكردية في أوروبا، وبعد 2003 حيث كانت عودته للعراق، تعرضت إحدى الصحفيات المصريات للاغتصاب أثناء تواجدها في العراق كمراسلة صحفية، بعد أن عرض عليها إجراء اللقاء في بيته وتقديم تسهيلات لها. مستعد للإدلاء باسمَي هاتين الفتاتين في مبنى مجلس النواب العراقي".
وأضاف المسؤول السابق في حكومة الإقليم: "تعرضت للاختطاف من قِبل جهاز استخبارات بارزاني سنة 2005 نیابةً عن الموساد الإسرائیلي، بسبب مساهمتي في إنقاذ فتاة من عائلة مصریة معروفة في وزارة الدفاع من قبضة الموساد الإسرائيلي في النمسا، وبعد تدخّل مسؤول نسماوي تم إطلاق سراحي سنة 2006، تحت ضغط المنظمات الدولية، أحضرني نیجیرفان بارزاني، رئيس حكومة الإقليم، إلی بیته فی أربیل، وکان هناك بانتظاري، نوري شنكالي رئیس مكتب بارزاني، وفؤاد حسین المرشح لرئاسة الجمهورية، وقد هددني حسین بالقتل، وقال لي بالحرف الواحد: إنك أفلتّ هذه المرة، ولكنك سوف لا تفلت المرة الثانیة، وسوف تُقتل في النسما إذا لم تكفّ عن تخريباتك".
هذا وأكد السياسي السابق في حكومة كردستان العراق، استعداده للإدلاء بشهادته أمام مجلس النواب، والتفاصیل الأخری، والاستماع لأقوال وآراء الشهود، قبل جلسة انتخاب رئيس جمهورية العراق.