مساعدو ترمب يخشون انفراده برئيسي إيران وكوريا.. لن يقذفهما بالشتائم هذه المرة، ولكنه قد يتورط معهما بـ”أمر خطير”

عربي بوست
تم النشر: 2018/09/24 الساعة 15:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2018/09/24 الساعة 15:43 بتوقيت غرينتش
FILE PHOTO: U.S. President Donald Trump and North Korea's leader Kim Jong Un (L) arrive to sign a document to acknowledge the progress of the talks and pledge to keep momentum going, after their summit at the Capella Hotel on Sentosa island in Singapore, June 12, 2018. REUTERS/Jonathan Ernst/File Photo

في زيارته الأولى للأمم المتحدة العام الماضي 2017، استهان الرئيس الأميركي دونالد ترمب بكيم جونغ أون، زعيم كوريا الشمالية، ووصفه بـ"رجل صواريخ" والانتحاري، وهدَّد ترمب بـ"تدمير دولته تماماً".

وخلال نفس الزيارة، تعهَّد ترمب بفسخ اتفاق إيران النووي، الذي وصفه بأنه "أمر مخجل للولايات المتحدة"، وهاهو قد نفذ وعيده مع طهران، وليس مع كوريا الشمالية، حسب تقرير لصحيفة The New York Times الأميركية.

وهذا الأسبوع، سيعود ترمب ليُعلن محاولاته التي سعى فيها منذ ذلك الحين للتودُّد إلى زعيم كوريا الشمالية، الذي يصفه الآن بأنه "شريفٌ جداً"، رغم وجود أدلة على أنَّ كيم مستمر في بناء ترسانته النووية.

ورغم أنَّ ترمب قد أوفى أخيراً بتعهُّده بإلغاء الاتفاق النووي، فقد قال أيضاً إنه "سيكون متاحاً دائماً" للاجتماع مع الرئيس الإيراني حسن روحاني.

ما الذي يخشاه مساعدوه إلى هذا الحد من لقائه مع روحاني ومون؟.. حماسة للصفقات

أخشى ما يخشاه مستشارو ترمب في الجمعية العامة للأمم المتحدة هذا العام هو عكس ما خشوه العام الماضي: ليس أنَّ ترمب سيكون غير دبلوماسي إلى درجةٍ خطيرة، بل أنه سيكون متحمساً حماساً مبالغاً فيه للتفاعل مع خصومه المراوغين.

وبعيداً عن تقييد ميول ترمب العدوانية، يبذل مساعدوه حالياً مجهوداً كبيراً لتجنُّب حدوث لقاء مباشر بينه وبين الرئيس الإيراني، لن يكون مستعداً له، أو أن يقدِّم تنازلات يخشَون أنها قد تقوِّض جهودهم للحفاظ على الضغط على كوريا الشمالية.

ومن شأن أيٍّ من هذين الاحتمالين أن يُربك مساعدي ترمب، الذين يتخذون موقفاً عدائياً موحَّداً تجاه إيران وكوريا الشمالية، ويفضِّلون الضغط على هذين البلدين على التحاور معهما.

وهم حتى يخشون اجتماعه مع حلفائه.. فولعه بصفقة القرن أمر خطير

ويلوح في الأفق خطرٌ آخر، وهو اجتماع ترمب مع مون جاي إن، رئيس كوريا الجنوبية، إذ أنَّ مون من المُحتَمَل أن يضغط على ترمب لكي يقدِّم تنازلات مقابل الحفاظ على استمرار المناقشات مع كيم.

وقال روبرت مالي، الذي ساعد في التفاوض لعقد اتفاق إيران النووي، بصفته مسؤولاً في إدارة أوباما: "الرئيس مستعدٌّ للتهديد والوعيد، لكنه أيضاً يرغب في عقد صفقة القرن ".

وأضاف مالي: "مع كوريا الشمالية، نجح الأمر لأنَّ شريكه كان مستعداً لذلك. المشكلة التي سيواجهها مع إيران هي أنَّ القادة هناك يؤمنون أنَّ الاجتماع سوف يُصدِّق على استراتيجيته".

وهم واثقون من أنه لن يلتقي روحاني، فهناك من سيمنع مثل هذه القمة

وقال المسؤولون الأميركيون إنهم واثقون تماماً من أنَّ ترمب لن يجتمع مع روحاني، ويرجع ذلك بالأساس إلى أنَّ الإيرانيين قالوا إنهم ليسوا مهتمين بعقد اجتماع.

وأشار مايك بومبيو، وزير الخارجية الأميركي، يوم الجمعة 21 سبتمبر/أيلول، إلى المزيد من العقبات، قائلاً إنَّ الولايات المتحدة لديها سلسلة من "المطالب البسيطة" التي يجب على إيران أن تلبِّيها قبل أن توافق على التفاعل، بما في ذلك إيقاف هجمات الصواريخ، و"أن تتوقف عن كونها أكبر دولة راعية للإرهاب في العالم".

إنَّ تقديم سلسلة من المطالب إلى الإيرانيين شيءٌ، والتحكم في اقتناع ترمب بأنه يستطيع التفوق ببراعته على أي زعيم، أو عقد أي صفقة، شيءٌ آخر.

وها هو  يخرج عن السيطرة في اجتماع مجلس الأمن

وقد ظهر مثالٌ واضحٌ على هذه التحديات في التحضيرات المعقَّدة لترمب لكي يكون رئيساً للاجتماع المقبل لمجلس الأمن يوم الأربعاء 26 سبتمبر/أيلول.

إذ نزع ترمب إلى أن يجعل إيران بؤرة تركيز الجلسة، عارضاً مطالبه لما يجب أن تفعله هذه الدولة للتفاوض بشأن اتفاق نووي جديد، ومُهدَّداً حلفاءه -بما فيهم بريطانيا وفرنسا وألمانيا، الذين تفاوضوا لعقد اتفاق 2015 الذي تنصَّل منه ترمب- بفرض عقوبات قاسية عليهم، لو لم يقطعوا كل الصلات التجارية مع طهران قبل نوفمبر/تشرين الثاني.

وقد اعترض البريطانيون والألمان تحديداً؛ إذ حذَّروا البيت الأبيض من أنَّ جلسةً تدور فقط حول إيران ستُبيِّن بوضوح انشقاق التحالف الغربي، ذلك الانشقاق الذي تسبَّب فيه ترمب بتركه اتفاقاً يؤمن الأوروبيون أنه يمنع إيران من إنتاج وقود نووي للأسلحة. وفي الواقع، هدَّد الاتحاد الأوروبي بمعاقبة الشركات التي تمتثل لأوامر واشنطن بشأن قطع العلاقات مع إيران.

والبيت الأبيض حث الأوروبيين على تجاهل تغريدة ترمب

في البداية، لم يصغ أحد إلى شكاواهم، وهذا وفقاً لدبلوماسي أوروبي بارز. لكنَّ البيت الأبيض قد غيَّر موقفه لاحقاً، وكان أهمُّ المسؤولين عن ذلك جون بولتون، مستشار الأمن القومي. فبصفته سفيراً سابقاً للولايات المتحدة في الأمم المتحدة، أقرَّ بولتون بأنَّه لو كانت إيران موضوع الاجتماع، فسيحقُّ لروحاني أن ينضم إلى الاجتماع لكي يرد.

وكانت النتيجة قراراً بتوسيع أجندة الاجتماع لتشمل مقاومة انتشار الأسلحة النووية والكيماوية والبيولوجية، بدلاً من مجرَّد مقاومة إيران. وربما لا يدرك مسؤولو البيت الأبيض هذا، لكنَّ هذا أيضاً كان ما ركَّز عليه أول اجتماع قاده أوباما في مجلس الأمن عام 2009.

 

لكنَّ ترمب زاد من تعقيد الأمور يوم الجمعة، إذ كتب تغريدة يقول فيها: "سوف أترأس اجتماع مجلس الأمن في الأمم المتحدة بخصوص إيران الأسبوع المقبل!".

 

أثار ذلك تساؤلات الأوروبيين، الذين ظنُّوا أنَّ المسألة قد سُوِّيَت. وقال الدبلوماسي البارز إنَّ مسؤولي البيت الأبيض لم يستطيعوا تفسير تغريدة ترمب، لكنَّهم حثُّوا الأوروبيين على تجاهلها، مؤكِّدين لهم أنَّ أجندة الاجتماع سوف تُنفَّذ.

أما روحاني فسيخصص وقته للترويج لصورة إيران المسالمة التي التزمت بالاتفاق النووي

ويُخطِّط روحاني بدوره لاستغلال وقته في نيويورك ليرد الضربة إلى الولايات المتحدة، ويوسِّع الانقسامات التي خلقها ترمب حين انسحب من الاتفاق. إذ أشار أمس الأحد، 23 سبتمبر/أيلول، إلى أنَّ الولايات المتحدة هي المسؤولة عن هجوم على استعراض عسكري في إيران، أودى بحياة 25 شخصاً وتسبَّب في إصابة 70 شخصاً تقريباً يوم السبت 22 سبتمبر/أيلول.

روحاني سيشن حملة مضادة لترمب في أروقة الأمم المتحدة
روحاني سيشن حملة مضادة لترمب في أروقة الأمم المتحدة

من المُرجَّح أن يُقدِّم روحاني، في اجتماعاته مع الأكاديميين ومسؤولي مراكز الأبحاث والصحفيين، إيرانَ بصفتها أمَّةً مسالمة وصلت إلى اتفاق مع الغرب والتزمت ببنوده، لتُفاجَأ لاحقاً بانسحاب ترمب منه.

وكتب روحاني مقال رأي نُشِرَ في صحيفة The Washington Post الأميركية يوم الجمعة، قال فيه إنَّه بعد انسحاب ترمب من الاتفاق، "كان يمكنني أن أرد بالمثل وأعلن انسحاب إيران، وهو الأمر الذي كان بالتأكيد سيقود المنطقة نحو المزيد من انعدام الأمن والاستقرار".

لكنه قال إنه لم يبتلع الطعم. إذ كتب روحاني في مقاله إنَّ إدارة ترمب "توقعت انسحاباً إيرانياً سريعاً حتى يتسنَّى لهم أن يُشكِّلوا بسهولة تحالفاً دولياً ضد إيران، ويُعيدوا تلقائياً فرض العقوبات السابقة. لكنَّ تصرُّفنا عرقل هذه الخطوة".

ولكنه في النهاية قد يرضخ للحرس الثوري

غير أنه ليس من الواضح أنَّ روحاني سيستطيع الحفاظ على ذلك الموقف. فمُعدَّل صادرات النفط الإيرانية يهبط هبوطاً حاداً. وقد بدأت تنسحب الشركات الأوروبية والأميركية التي كانت قد أعلنت استثمارات أو صفقات كبيرة مع إيران.

وتُظهر تقديرات الاستخبارات الأميركية أنَّ آثار ذلك على إيران مُروِّعة، وتقول إنها من المُرجَّح أن تزعزع استقرار حكومة طهران.

وتُشير التقييمات الأوروبية، وفقاً للمسؤولين الأجانب الذين قرأوها، إلى أنَّ العقوبات لن تؤدي إلَّا إلى تشجيع تشدد الحرس الثوري الإيراني، الذي يعارض الاتفاق بقوة، ويتطلَّع إلى استمرار تطوير برنامج إيران النووي.

ويعترف المسؤولون الأوروبيون بأن ليس لديهم الكثير ليقدِّموه إلى الإيرانيين لتعويضهم عن العقوبات التي فرضها الأميركيون، وهو ما يقود البعض إلى تقدير أنه مع الوقت سوف يرضخ روحاني الذي أكد استمرار إيران في الاتفاق إلى الضغوط التي تثقل كاهله في بلاده.

أما في كوريا فالأمر مختلف فهناك خوف من أن كيم يتلاعب بترمب

إنَّ اجتماع ترمب مع مون معقَّدٌ بالقدر ذاته. إذ يضغط رئيس كوريا الجنوبية على ترمب للموافقة على إعلانٍ سيُنهي رسمياً الحرب الكورية، وذلك بعد 65 عاماً من عقد هدنة لإيقاف العنف. وذلك هدفٌ يصبو إليه كيم، ويراه وسيلةً لإنهاء عزلة كوريا الشمالية السياسية.

ويحاول مساعدو ترمب منع تلك المبادرة، قائلين إنَّ الولايات المتحدة قد قدَّمت تنازلاً كافياً بتخلِّيها عن التدريبات العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية، التي وصفها ترمب بـ"ألعاب الحرب"، مصدِّقاً بذلك على المصطلح الذي استخدمته كوريا الشمالية.

ويخشى مساعدو ترمب أنَّ تقديم تنازل آخر سوف يؤكِّد السرديَّة القائلة بأنَّ قائد كوريا الشمالية يتلاعب بترمب.

فهناك شريك متعاطف معه في البيت الأبيض حتى أنه لا أحد يعلم بدقة على ماذا اتفقا خلال القمة

وكتب جونغ إتش باك، وهو مدير عمليات كوريا الشمالية بوكالة الاستخبارات المركزية السابق ويعمل حالياً أستاذاً في معهد بروكينغز، الأسبوع الماضي، أنَّ كيم يؤمن بأنَّ لديه الآن "شريكاً متعاطفاً في البيت الأبيض، عقد معه قمَّةً ضدَّ مشورة معاونيه، ووافق على تصريح في سنغافورة كان ضعيفاً بكل المقاييس، وفشل في تعزيز سياسة الولايات المتحدة لنزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية نزعاً نهائياً ومتحقِّقاً تماماً".

رئيس كوريا الشمالية بات يعتبر أن لديه صديقاً في البيت الابيض.
رئيس كوريا الشمالية بات يعتبر أن لديه صديقاً في البيت الابيض.

ويخشى بعض المسؤولين الأميركيين أنَّ ترمب ربما يكون قد التزم بالفعل بتوقيع ذلك الإعلان حين اجتمع مع كيم في يونيو/حزيران بسنغافورة. لكن لعدم وجود مذكرات شاملة من تلك الاجتماعات، قال مسؤول مخابراتي بارز إنه لا يمكن التيقُّن مما قاله ترمب.

يضغط كيم من أجل عقد اجتماع آخر مع ترمب، الذي يتقبَّل الفكرة. لكنه كان من المُرجَّح أن يتلقى رسالة تحذير من مصدرٍ آخر: رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي، الذي تناول معه العشاء في نيويورك يوم الأحد.

تشترك اليابان مع مساعدي ترمب تشكُّكهم بشأن كوريا الشمالية. وحين زار آبي ترمب في بالم بيتش بولاية فلوريدا في أبريل/نيسان، تحدَّث ترمب بحماس عن إعلان نهاية الحرب. وقال: "لا يُدرك الناس أنَّ الحرب الكورية لم تنته. إنها مستمرة الآن".

ونظر إليه رئيس وزراء اليابان بوجهٍ خالٍ من التعابير.